الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من مسائل اللغة
أشرنا فيما مضى إلى أن علوم العربية نشأت مختلطة في القرنين الأول والثاني بين فروعها قبل أن يعرف المتأخرون من علومها النحو والصرف والدلالة والمعجم وفقه اللغة.
إن علم اللغة في جوانب الدلالة والمعجم نشأ مبكراً في المدينة في ظلال علوم القرآن كالتفسير على يد ابن عباس الذي يعد صنيعه بحق نواة المعجم العربي وطليعته، فقد برع في شرح غريب القرآن الكريم في مفرداته وتراكيبه، كما ظهر ذلك فيما روي عنه في كتب التفسير وفيما جاء في سؤالات نافع بن الأزرق، وكذلك في صحيفة علي بن أبي طلحة، وبرع - أيضاً - في تمييز ما وقع في القرآن من لغات القبائل ولغات الأمم المجاورة، وهو ما يسمى بالمعرب.
وقد ورد عن ابن عباس في مجالات شرح المفردات، وتمييز لغات القبائل، والإحاطة بالمعرب الشيء الكثير.
أولاً: شرح المفردات:
يتناول ابن عباس - في الغالب - كلمة غريبة من آية فيشرحها بما لا يزيد على كلمة أو كلمتين، ولو جمع ما أثر عن ابن عباس في هذا الشأن لكوّن معجماً صالحاً؛ وفيما يلي نماذج من الشرح اللغوي للمفردات عنده:
1-
الرَّغَد:
قال ابن عباس في تفسير قوله عز وجل: {وَكُلا منْهَا رَغَدَاً} 1 الرغد: الهنيء2.
1 سورة البقرة: الآية 35.
2 ينظر. جامع البيان 1/268.
2-
الإِصر:
قال في تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا و َلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً} 1: إصراً: عهداً2 لا نفي به، ونقلها عنه أصحاب المعاجم3.
3-
الدِّهاق:
قال ابن عباس في تفسير قوله عز وجل: {كأسا دِهَاقاً} 4 دهاقاً: ملأى5. وروى عنه الطبري أنه قال لغلامه: اسقني دهاقاً، فجاء بها الغلام ملأى، فقال ابن عباس: هذا الدهاق6.
ويبدو أن ابن عباس أراد أن يؤكد هذا المعنى للرّدّ على من كان يخالفه، إذ ذهب بعضهم إلى أن الدهاق في الآية ليس من الامتلاء، وإنما من التتابع7، من الدّهق الذي هو متابعة الشدّ، والمعنى الأولى أعرف كما قال ابن منظور8.
وأكثر اللغويين على ما ذهب إليه ابن عباس9.
4-
الحُزْن والغَضَب:
سئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال: غرضهما واحد واللفظ
1 سورة البقرة: الآية 286.
2 ينظر: جامع البيان 3/157.
3 ينظر: اللسان (أصر) 4/22.
4 سورة النبأ: الآية 34.
5 جامع البيان 12/411.
6 نفسه 12/411.
7 ينظر: عمدة الحفاظ (دهق)180.
8 ينظر: اللسان (دهق) 10/106.
9 ينظر: مجاز القرآن 2/283، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 5/275.
مختلف فمن نازعَ من يقوى عليه أظهره غيظاً وغضباً، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حُزْناً وجزعا1.
5-
المثبور:
روي عن ابن عباس في تفسير كلمة "مثبور" في قوله تعالى: {إِنّي لأظُنًّكَ يا فِرعَون مَثْبُوراً} 2 ثلاثة أقوال:
أحدها: أن مثبوراً بمعنى ملعون3.
والثاني: أنه بمعنى مغلوب4.
والثالث: أنه بمعنى ناقص العقل، ونقصان العقل أعظم هُلْكٍ5.
6-
المترف:
روي عن ابن عباس أنه فسر "المترفين " في قوله عز وجل: {إِنهُم كَانوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} 6 بأن المراد منه هو التوسع في نعيم الدنيا.
وذهب أبو عبيدة وجماعة إلى أنه بمعنى: متكبرين7.
ووافق أكثرُ العلماء8 ابن عباس.
ولما كان الشعر ديوان العرب، ومنتهى حكمهم، به يأخذون، وإليه يصيرون؛ فقد جعل ابن عباس الشعر دليلا على كثير من شروحه اللغوية، وكان يحثّ على الاستفادة من الشعر في مقام شرح الغريب، فقد روي عنه
1 ينظر المفردات (أسف) 75، وعمدة الحفاظ (أسف)16.
2 سورة الإسراء: الآية 102.
3 ينظر: جامع البيان 8/159.
4 نفسه8/159.
5 المفردات (ثبر)172.
6 سورة الواقعة: الآية 45.
7 ينظر: مجاز القرآن 2/251، والجامع لأحكام القرآن 17/213.
8 ينظر: معاني القرآن للفراء3/127، وإعراب القرآن للنحاس 3/331، واللسان (ترف) 9/17.