المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المصطلح النّحويّ مرت مصطلحات اللغة والنحو بمراحل زمنية متباينة واشترك في - أصول علم العربية في المدينة

[عبد الرزاق بن فراج الصاعدي]

الفصل: ‌ ‌المصطلح النّحويّ مرت مصطلحات اللغة والنحو بمراحل زمنية متباينة واشترك في

‌المصطلح النّحويّ

مرت مصطلحات اللغة والنحو بمراحل زمنية متباينة واشترك في تطويرها مجموعة من النحاة على مختلف العصور.

وقد ظهرت بعض المصطلحات النحوية في ظهور النشأة لهذا العلم في المدينة، ثم أشاد البصريون بناء المصطلح اللغوي بعامة والنحويّ بخاصّة، وجاء بعدهم الكوفيون، وتبعهم البغداديون والأندلسيون والمصريون، فدرس من مصطلحات المدنيين ما درس، وبقي منها ما بقي وهو قليل، ولا نعلم مقدار ما ضاع منها.

ونقدر أن بعضاً من مصطلحات المدنيين النحوية شاع على ألسنة الدارسين وتبنته المدارس النحوية المشهورة، فنسب إليها، ونسي مورده الأصلي.

ومن مصطلحات المدنيين النحوية التي أنشؤوها أو كان لهم إسهام مع غيرهم في نشأتها ورسوخها: العربية، والإعراب، والنحو، واللحن، والرفع، والنصب، والجر، والاسم، والفعل، والحرف، والنداء، والترخيم، والتقديم، والتأخير، والصفة، وهي على النحو التالي:

1-

العربية:

لعل "العربية" من أقدم مصطلحات العلم اللغوي والنحوي عند العرب، وهو عام المدلول، لا يحمل - في أول أمره - سمة المصطلح العلمي الدقيق، وكان ظهوره - فيما نعلم - في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد جرى على لسانه كثيراً، واستخدمه بعض الصحابة، وكان معناه في بادئ

ص: 359

الأمر:لغة العرب النقية من الشوائب، لاسيما لغة البوادي، قال عمر:"تعلموا العربية، فإنها تشبب العقل وتزيد في المروءة"1.

وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: "أنْ مُرْ من قِبَلَك بتعلم العربية، فإنها تدل على صواب الكلام"2.

ثم ارتقى مصطلح العربية قليلاً وأصبح يعني اللغة وأسرارها، فقد روي عن كعب الأحبار أنه حكم بين ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم حين اختلفا في قوله تعالى {عَيْنٍ حَمِئةٍ} فقال:"أما العربية فأنتم أَعلم بها، وأما أنا فأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين"3.

ولم يزل هذا المصطلح يرتقي حتى أصبح يطلق على دراسة اللغة وما تحويه من ظواهر صوتية، كالهمز والإِمالة والإِبدال والإدغام، أو ظواهر إعرابية كالرفع والنصب والجر، وازداد رسوخاً وانتشاراً في القرن الأول4، فظهر أول مصطلح لهذا العلم اللغوي.

وقد ورد هذا المصطلح في استخدامات بعض القدماء، كابن سلام، في قوله:"وكان أبو الأسود أول من استنّ العربية، وفتح بابها، وأنهج سبيلها ووضع القياس"5.

والسيرافي في كلامه عن نصر بن عاصم، إذ قال: إنه "أول من وضع العربية"6.

والزهري في قوله: "إن نصر بن عاصم ليفلق بالعربية تفليقا"7.

1 طبقات النحويين واللغويين 13،وينظر:1/22.

2 إيضاح الوقف والابتداء 1/30.

3 غاية النهاية 2/303.

4 ابن عباس مؤسس علم العربية 44.

5 طبقات فحول الشعراء1/12.

6 أخبار النحويين البصريين 38.

7 نزهة الألباء23.

ص: 360

والحسن البصري الذي قال له البتّي: ما تقول في رجل رُعِفَ في الصلاة؟ فقال: إنّ هذا يعرّب الناس "أي يعلم العربية" وهو يقول رُعِف، إنما هو رَعُفَ1.

2-

الإعراب:

وهو - أيضاً - من المصطلحات العربية القديمة، تمتد جذوره إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي أبو هريرة عن النبي عليه السلام أنه قال:"أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه"2.

وروي عن أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما: "تعلم إعراب القرآن أحبّ إلينا من تعلم حروفه3"

ولم يكن مصطلح "الإعراب" في بداية نشأته كما يتضح من هذين النصين يتجاوز معنى الإبانة في الكلام والتجويد في القرآن ونحو ذلك، فمدلوله أقرب إلى معناه اللغوي المجرد.

ثم تطور مصطلح "الإعراب" وأصبح يدل على الصواب في الكلام، قال ابن شُبرمة (144هـ) :"إن الرجل ليلحن وعليه الخز الأدكن فكأن عليه أخلاقاً، ويعرب وعليه أخلاق فكأن عليه الخز الأدكن"4.

ثم لم يلبث هذا المصطلح أن أخذ مفهوماً مقارباً لما نعرفه اليوم، وهو تحريك أواخر الكلم بما يقتضيه التركيب، وقد روي عن مالك بن أنس إمام دار الهجرة قوله:"الإعراب حلي اللسان؛ فلا تمنعوا ألسنتكم حليها"5.

1 ينظر: اللسان (عرب) 1/589.

2 إيضاح الوقف والابتداء1/30.

3 الإيضاح في علل النحو 96.

4 طبقات النحويين واللغويين 13.

5 نفسه 13.

ص: 361

3-

النحو:

ليس من اليسير الاهتداء إلى الزمن الذي ظهر فيه هذا المصطلح، الذي عرف ناضجاً في أواخر القرن الثاني، إلا أن الروايات المنقولة تشير إلى مرحلة مبكرة ترجع إلى زمن علي بن أبي طالب إذ رُويَ أنه رضي الله عنه ألقى إلى أبي الأسود رقعة فيها كلام في أصول النحو فقال له:"انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع لك"1 ثم عرض عليه أبو الأسود ما وقع له فاستحسنه علي وقال: "ما أحسن هذا النحو الذي نحوته"2 قال ياقوت معلقاً على قول علي: "فلذلك سمي نحوا"3.

وقال الخليل بن أحمد: "وبلغنا أن أبا الأسود وضع وجوه العربية، فقال للناس انحوا نحو هذا فسمّى نحوا"4.

وروى القفطي أن أبا الأسود أتى عبد الله بن عباس فقال: "إني أرى ألسنة العرب قد فسدت، فأردت أن أضع شيئا لهم يقوِّمون به ألسنتهم قال: لعلك تريد النحو، أما إنه حق"5.

فإن صحّ ما ورد في هذه الروايات فإنّ مصطلح النحو قديم تعود جذوره الأولى إلى علماء المدينة، تم تطور مع الأيام، ولكن ثمة من يشك فيما جاء في هذه الروايات، ويرى أن ذلك من تفسير الرواة وتزيدهم "لأن المصطلح اللغوي لا يسلك سبيله إلى الأذهان بهذه الطريقة، بل يكون له أساس من الاستخدام، ثم يتطور معناه ويطلق على شيء ما"6.

1 معجم الأدباء 4/1467.

2 نفسه 4/1467.

3 نفسه 4/1467.

4 العين 3/302.

5 إنباه الرواة 1/51.

6 المفصل في تاريخ النحو العربي 15.

ص: 362

4-

اللحن:

للحن معان عدة في اللغة ذكرها أصحاب المعاجم، وهو من المصطلحات التي أطلقت قديماً على علم النحو، ولكنه لم يشع في الاستعمال، فمن ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث له في النافع من العلوم، قال:"تعلموا الفرائض والسنة واللحن، كما تتعلمون القرآن"1.

وحدّث يزيد بن هارون بهذا الأثر فقيل له: ما اللحن؟ فقال: النحو2.

ثم شاع على ألسنة الناس في الصدر الأول من الإسلام في المدينة وغيرها استخدام اللحن بمعنى الخطأ، وهو من معانيه اللغوية، "وأغلب الظن أنه استعمل لأول مرة بهذا المعنى عندما تنبه العرب بعد اختلاطهم بالأعاجم إلى فرق ما بين التعبير الصحيح والتعبير الملحون"3.

ومن أقدم النصوص التي ورد فيها اللحن بمعنى الخطأ في الكلام ما نسب إلى عبد الملك بن مروان (86 هـ) وهو قوله: "الإعراب جمال للوضيع، واللحن هجنة على الشريف"4.

وقيل له يوماً: "أسرع إليك الشيب قال: شيبني صعود المنابر والخوف من اللحن"5.

وقد ورد هذا المعنى في بيت للحكم بن عبدل الأسدى يهجو به حاجب عبد الملك بن بشير بن مروان والي البصرة (103 هـ) ليحمل الأمير على إقالته:

1 طبقات النحويين واللغويين13، والإيضاح الوقف والابتداء ا/15، 16.

2 الأضداد للأنباري 240.

3 العربية 254.

4 العقد الفريد 2/479.

5 الفخري في الآداب السلطانية 5/112.

ص: 363

لَيْتَ الأميرَ أَطَاعَنِي فَشَفَيْتُهُ

مِن كُلِّ من يُكْفِي القَصِيد ويَلْحَن1

وكان بعض السلف يقول: "ربما دعوت فلحنت فأخاف ألا يستجاب لي"2 وهكذا استقرّ اللّحن في اصطلاح اللّغويين والنّحاة على هذا المعنَى.

5-

الرفع والنصب والجر:

جاء في بعض الروايات أن علياً رضي الله عنه قال لأبي الأسود: "اجعل للناس حروفا - وأشار له إلى الرفع والنصب والجر - فكان أبو الأسود ضنينا بما أخذه"3.

تم انشر هذا المصطلح عند النحويين واللغويين في القرن الثاني، ولا يبعد أن يكون المدنيون قد عرفوه منذ القرن الأول، وأن يكون لهم دور بارز في نشأته.

6-

الاسم والفعل والحرف:

روى عن أبي الأسود أنه قال: "دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأخرج لي رقعة فيها: الكلام كله اسم وفعل وحرف جاء لمعنى"4.

وروى الزجاجي أن أبا الأسود كان أول من سطر في كتاب: "الكلام: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، فسئل عن ذلك فقال: أخذته من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب"5.

1 الحيوان1/249.

2 الإيضاح في علل النحو 96.

3 مراتب النحويين 24.

4 إنباه الرواة 1/40.

5 الإِيضاح في علل النحو 89.

ص: 364

7-

النداء والترخيم:

روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما قرأ: {ونَادَوا يا مَالِ لِيَقْض عَلَيْنا رَبُّكَ} 1 أنكر عليه ابن عباس رضي الله عنهما فقال علي: "هذا من الترخيم في النداء. فقال ابن عباس: ما أشغل أهل النار في النار عن الترخيم في النداء فقال علي: صدقت"2.

قال ياقوت في تعليقه على هذه الرواية: "فهذا يدل على تحقّق الصحابة بالنحو وعلمهم به"3.

ومع أن الشك يتطرق لهذا الرواية لورود مصطلح "الترخيم في النداء" فيها، إذ يظن أنه مصطلح متأخر نوعاً ما، إلا إننا لا نستطيع إنكارها لورودها عن ياقوت، ومعروف عنه تحريه فيما يرويه من الأخبار، ولأن الواقع اللغوي الجديد في عصر علي بن أبي طالب كان مهيئاً لنشأة مثل تلك المصطلحات، ويقوي ذلك مكَانة الرجلين علي وابن عباس في اللغة، وما أثر عنهما في هذا الشأن، وهو شيء كثير.

8-

التقديم والتأخير:

فسر ابن عباس قوله عز وجل {أَم لَهُمءَالِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِن دونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِم وَلاهُم مِنّا يُصحَبُون} 4 فقال: "في الكلام تقديم وتأخير"5.

1 سورة الزخرف: الآية77.

2 معجم الأدباء1/17.

3 نفسه 1/17.

4 سورة الأنبياء: الآية 43.

5 البحر المحيط 6/ 314.

ص: 365