الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
من أعلام الدرس اللغوي في المدينة
…
من أعلام الدّرس الّلغويّ في المدينة
(في القرنين الأوّل والثاني)
قسّم علماء الطبقات والتراجم البيئات التي نشأ فيها النحو واشتهرت فيها مقالته إلى ثلاثٍ، وهي: البصرة والكوفة وبغداد، فقالوا تبعاً لذلك: إن النحويين ثلاث فئات: بصريون، وكوفيون، وبغداديون؛وهم من خلطوا المذهبين البصريّ والكوفيّ.
ولم يشيروا إلى بيئة المدينة النحوية، أو نشأة النحو فيها، وانطلاقه منها إلى سائر الأمصار كالبصرة ثم الكوفة ثم بغداد.
ولم يكتفوا بإهمالهم دور المدينة في هذا الشأن فنفى بعضهم عن المدينة أي صلة بالنحو، أو وصفوها بالخلو من علماء ذلك العلم.
يقول أبو الطيب اللغوي بعد حديثه عن البصرة والكوفة: "ولا علم للعرب إلا في هاتين المدينتين، فأما مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فلا نعلم بها إماماً في العربية"1.
ونقل ذلك عنه جماعة من العلماء، كياقوت الحمويّ2 والسيوطي3ّ.
ويقول ابن يعيش: "لا أدري لأهل المدينة مقالة في النحو"4.
1 مراتب النحويين 55.
2 ينظر: معجم الأدباء5/2150.
3 ينظر: المزهر 2/414.
4 إنباه الرواة 2/172.
ونفى الأصمعيّ عن أهل المدينة وعلمائها العلم بالشعر - أيضا، وهو يصف حالهم في زمانه في القرن الثاني بقوله:"أقمت بالمدينة زماناً ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحّفة أو مصنوعة"1.
ويذكر الجاحظ أن اللحن في أهل المدينة فاشٍ، وفي عوامهم غالب2.
وتدلّ هذه التهم والأحكام - إن صحّت - على ضعف أهل المدينة في العربية، وبعدهم عن الاشتغال بفنونها كالنحو والإعراب والغريب رواية الشعر.
وظاهرٌ ما في هذه النصوص من مبالغات، وهي لا تخلو من الظلم والحيف لهذه المدينة المباركة، وفيها غمط لما قدمه أبناؤها لعلوم العربية نحوا ومعجماً ورواية، وقد تبيّن لنا من خلال هذا البحث أنّ نواة العربية بذرت في المدينة منذ زمن الخلفاء الراشدين، وأن النحو العربي، كان ثمرة لجهود طائفة من المعنيين باللغة في تلك المدينة تمثلت في تأملهم اللُّغة والنظر في مفرداتها وفي تراكيبها ودقائقها، فلعلي بن أبي طالب ومن قبله عمر بن الخطاب إسهامات لا تنكر في تنقية اللغة ودفع آفة اللحن عنها وتوجيه عناية النابهين لضبطها، واستخلاص مسائلها، ووضع اللبنات الأولى لتقعيدها، ولابن عباس الفضل في وضع الأساس المتين لعلم الدلالة والمعجم العربيّ، وما يتصل بذلك من العناية بالغريب في القرآن بخاصة.
ويأتي من بعد هؤلاء الأعلام طائفة من اللغويين والنحاة المتميزين من أهل المدينة في القرنين، الأول والثاني، كعبد الرحمن بن هرمز الذي عزت إليه بعض الروايات نشأة النحو العربيّ، ومحمد بن كعب القرظيّ، ومسلم بن جندب الهذليّ، وأبان بن تغلب الجُريريّ، وعبد العزيز القارئ الملقب
1 مراتب النحويين 156.
2 ينظر: البيان والتبيين 1/146.
ببَشْكُسْت، وعلى الجمل، وعيسى بن يزيد بن دأب اللّيثيّ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدويّ، ومروان بن سعيد المهلبيّ، وغيرهم.
ويبدو أن ابن برهان النحوي (456 هـ) بلغه خبر لغوي المدينة ونحوييها، أو خبر بعضهم، وعرف قدرهم، فكان أكثر إنصافاً؛إذ قال:"النحويون جنس تحته ثلاثة أنواع: مدنيون، كوفيون، بصريون "1.
فانظر كيف بدأ بالمدنيين لسبقهم الزمنيّ.
ونقل القفطيّ كلام ابن برهان وعلق عليه ووجهه بقوله: "أراد أن أصل النحو نتج من أول علماء هذه المدن"2.
وقد يطلق على نحاة المدينة ومكة معاً في بعض المصادر مسمّى: نحويوا الحجاز، لاشتراكهم في بعض الآراء أو المصطلحات النحوية، ومن الثابت أن لهم نظرات خاصة تفردوا بها بعد طول تأمل، ومن ذلك ما أورده الفراء بعد أن عرض مسألة نحوية:"وهذا مما كان يقوله نحويوا أهل الحجاز، ولم نجد مثله في العربية3".
وتبرز - هنا - عدة أسئلة، وهي:
لماذا أهمل أمر النحاة واللغويين في المدينة؟
هل كانت بضاعتهم مزجاة، لا تستحق الذكر؟
أو كان نحوهم يختلف عما بين أيدينا من النحو، فسقط؟
أو أن هناك أسباباَّ أخرى نجهلها؟
يبدو أن السبب المباشر للإهمال أو التجاهل - إن صح التعبير - يكمن في انشغال المسلمين في صدر الإسلام بأخبار الحرب وأنباء الفتوح، التي كانت
1 شرح اللمع لابن برهان 1/1، ينظر: إنباه الرواة 2/172.
2 إنباه الرواة 2/172.
3 معاني القرآن 1/358.
تتوالى على المدينة صباح مساء، ثمّ أدّى انتقال مركز الخلافة إلى دمشق أيام الأمويين، ثم إلى بغداد أيام العباسيين إلى صرف الأنظار عن المدينة وتركزها على مراكز الخلافة الجديدة، فأهمل المؤرخون وأصحاب الطبقات كثيراً من نواحي الحياة في المدينة، ومنها أخبار العلم والعلماء.
ولم تزل المدينة تبتعد شيئاً فشيئاً عن دوائر الضوء وتنزوي بين جبال الحجاز ورمال الصحراء في جزيرة العرب، حتى خرجت ومعها جزيرة العرب بكاملها من اهتمامات المؤرخين والكتّاب وأصحاب الطبقات، فليس ثمة ما يغري المؤرخين أو يجبرهم على الخوض في شؤون تلك البقاع سوى ما يتصل بالحج، وأخبار بعض الخوارج والقرامطة.
وأصبحت أخبار تلك البلاد في القرنين الثالث والرابع مما يعزّ وجوده في كتب التُّراث العربيّ، يدلّ على ذلك أننا لا نكاد نعلم شيئا عن بعض العلماء المشهورين؛ كأبي عليّ الهجَريّ، وهو من علماء الأدب واللغة والتاريخ في المدينة في القرنين الثالث والرابع، فلم تصلنا أخباره إلا عن طريق علماء الأندلس الذين نقلوا كثيراً من أخباره في أثناء رحلاتهم للحج.
وفي هذا الشأن يقول الشيخ حمد الجاسر: "أليس من الغريب حقا أن يقال: إننا لولا الأندلس لجهلنا كثيرا من أحوال البلاد التي نعيش فيها، وخاصة ما يتعلق بجزيرة العرب، هذه الجزيرة التي [كانت] صلتها بعواصم الخلافة الإسلامية في دمشق والقاهرة وبغداد أقوى وأوثق، وهي إليها أقرب، وبشؤونها لم تكن يوماً مرتبطة إلا بهذه العواصم، ولم يكن للأندلس ولا للدولة الإسلامية فيه
…
أية نفوذ على هذه الجزيرة، ولكن العلم وحده والرابطة الروحية الإسلامية هي أقوى من كل الصلات وأوثق من جميع الروابط.
لقد كان علماء الأندلس يغدون إلى مكة المكرمة لا للحج وحده
ولكن لينشروا علماً وليستزيدوا منه، وليكونوا صلة بين شرق البلاد وغربها بالعلم والثقافة"1.
ويضيف الشيخ الجاسر قائلا: "ونشير إلى ما هو أغرب من هذا، وهو أن علامة العرب الهمداني صاحب (الإكليل) و (صفة جزيرة العرب) وغيرهما من المؤلفات القيمة، والذي كان يعيش في أقصى جنوب جزيرة العرب دخلت كتبه الأندلس واستفاد منها علماؤه قبل أن يعرف علماء الشرق عنها شيئاً، بل إن هذا العالم وصلت إلينا كثير من أخباره عن طريق علماء الأندلس مثل صاعد الأندلسي في كتابه (طبقات الأمم) وغيره، ولم يعرف علماء المشارقة عن كتب الهمدانيّ إلا اليسير بعد الأندلسيين بمئات السنين.
أما الهَجَريّ فإن أمره بقي مجهولا بين علماء الشرق إلى هذا العهد إلا ما عرفوه بواسطة الأندلسيين، وهو قليل بل أقل من القليل، بينما انتشرت كتبه في الأندلس واستفاد منها علماؤنا في وقت مبكر جداً يرقى إلى عصر الهجريّ نفسه.
ولما رأى المشارقة الاستفادة من تلك الكتب لم يجدوا أمامهم سوى ما في مؤلفات علماء الأندلس منها2.
ويمكن القول إن الكلمات اللغوية المعزوة لأبي عليّ الهجريّ في معجم "لسان العرب" لابن منظور وصلت إليه عن طريق "المحكم" لابن سيدة الأندلسيّ (458 هـ) .
وعرف المشارقة باقي تراث الهجريّ اللغويّ مما يتصل بغريب الحديث3 عن طريق كتاب "الدلائل في شرح غريب الحديث" لثابت بن حزم السرقسطيّ (313 هـ) .
1 أبو علي الهجري 11.
2 نفسه 12.
3 ينظر: التعليقات والنوادر 1/181.
وعرفوا تراثه في المواضع والبلدان عن طريق "معجم ما استعجم" لأبي عبيد البكريّ (487 هـ) .
نعم؛ وإن كنا نعرف جماعة كبيرة من الأعراب1ممن أُخذتْ عنهم اللًّغة في البصرة والكوفة، فإننا نجهل نظراءهم من الأعراب المجاورين للمدينة ممن أسهموا في رواية اللغة، وأخذ عنهم بعض النوادر واللهجات في القرنين الأول والثاني.
ولولا أبو عليّ الهجريّ لجهلنا أمثال هؤلاء في القرنين الثالث والرابع ممن روى عنهم الهجري اللُّغة وبعض النوادر واللغات في كتابه القيم "التعليقات والنوادر".
فمن منا يعرف أبا الغَطَمَّش المَعْرضيّ من بني عُقيل، ومُكْرَمة بنت الكُحيل الفراسية من قُشَير، وابن علكم المأربيّ، وأبا بُرَيهٍ العُذَمِيّ الأسديّ، والجبهيّ، وأبا عَنْدَل الأوسيّ، وجَميل بن دغيم المِنقَريّ، وحِرْمزة التميميّ، وأبا البَسَّام الثُماليّ، والرُّدَينيّ الحارثيّ، والمُسلَّم بن أحمد بن يزيد الحربيّ، وأبا المعضاد الحرشي؟ 2.
ويضاف إلى كل ما تقدم ذكره أن التاريخ لنشأة علوم العربية وبخاصة النحو لم يتم إلا بعد أن نضج هذا العلم، وتكوّنت أطره العامة، واستوت مصطلحاته الفنية على سوقها، تلك المصطلحات التي لم يكن النحاة في القرن الأول ومنتصف الثاني على شيء من الدراية بمدلولات أكثرها، فانشغل علماء الطبقات بمرحلة النضج والكمال قي القرنين الثالث والرابع، وما خلفه علماؤها من نتاج علمي.
1 ينظر: إنباه الرواة 4/120- 123.
2 ينظر: التعليقات والنوادر 1/58- 71.
وهكذا نستطيع القول: إن اللُّغة والنحو وأربابها في المدينة مما طوي عنا أمره أو أكثره فلا نعرف اليوم من أعلام هذا الفن أو عنهم إلا القليل، مما يمكن أن يجمع في قبضة يد واحدة من تراث لغويّ مفقود.
وقد وقفت - بعد طول بحث في المظان المختلفة - على جملة من أولئك الأعلام في المدينة، وتعرفت على شيء من تراثهم اللغوي الضائع، ولسان حالي يقول: ما لا يدرك كله لا يترك جله.
فمن أعلام اللُّغة والنحو في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في القرنين الأول والثاني، أو ممن كان لهم أثر محمود في وضع بذرة النحو بتوجيهاتهم وملحوظاتهم:
1-
عمر بن الخطّاب (23 هـ)
لم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من اللغويين أو النحاة بمفهوم المصطلح العلمي، وإنما هو ممن لهم أثر محمود في وضع بذرة النحو وعلوم اللُّغة في المدينة فاستحق بذلك أن نفتتح به؛ فقد كان حريصاً على نقاء اللغة، يأمر ألا يقرأ القرآن إلا عالم بها1.
وقد أثر عنه فيما يتصل بالعربية والنحو الشيء الكثير، وتدل بعض الروايات على إلمامه بأساليب اللّغة ودقائقها التعبيرية، وحرصه على سلامتها وحثه على تعلّمها، فقد روي عنه قوله:"تعلموا العربية: فإنها تَثبت العقل، وتزيد في المروءة"2.
وقال: "تفقهوا في العربية"3.
1 ينظر: نزهة الألباء20، وإنباه الرواة 1/51، والجامع لأحكام القرآن 1/24.
2 معجم الأدباء1/22، وينظر: الإيضاح في علل النحو 96، ونور القبس 2.
3 كنز العمال 5/228.
وقال في كتاب له موجه لبعض الولاة: "أما بعد؛ فإني آمركم بما أمركم به القرآن، وأنهاكم عما نهاكم عنه محمد، وآمركم باتباع الفقه والسنة والتفهّم في العربية"1.
وروى عنه قوله: "تعلموا إعراب القرآن كما تعلّمون حفظه"2.
وقوله:" تعلموا النحو كما تعلّمون السنن والفرائض"3.
وروي عنه - أيضاً - أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: "أن مُرْ من قِبَلَكَ بتعلم العربية، فإنها تدل على صواب الكلام4".
والعربية في هذا النص هي عربية المصطلح العلمي القديم التي تقابل في مدلولها كلمة النحو، لأنها تدلّ - كما يفهم من قول عمر - على صواب الكلَام، أي يهتدي بها إلى صواب الكلام.
وقد وردت بعض المصادر - كما تقدم - أن عمر هو الذي أمر أبا الأسود بأن يضع النحو إذ قال: "وليُعَلِّم أبو الأسود أهل البصرة الإعراب"5.
ولم يكن ذلك - فيما نرى - عن بصر حقيقي بالنحو ودقائقه، وإنما هو إحساس فطري متميّز باللغة والإعراب، ربما دفعه إلى تدبّر اللُّغة وتراكيبها، فلم يجد من الوقت ما يكفي للغوص في لجتها، فاكتفى بالتوجيه والإرشاد ودفع اللحن عن لغة القرآن.
وليس ذلك بمستغرب من شخصية فذّة كعمر بن الخطاب، فأثره جليّ في كثير من مستجدات الأمور عند المسلمين، كالعلوم والإدارة والسياسة، فقد
1 ينظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 9/9.
2 إيضاح الوقف والابتداء1/19، 20.
3 البيان والتبيين 2/219.
4 إيضاح الوقف والابتداء1/30.
5 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 9/18.
وضع رضي الله عنه تقويماً ثابتاً، وهو التاريخ الهجري، فأصبح عنصراً حيويا في نشأة الفكرة التاريخية، ومنذ ذلك الوقت أصبح توقيت الحوادث أو تاريخها العمود الفقري للدراسات التاريخية1.
وقام رضي الله عنه بتأسيس الديوان أو سجل المحاربين وأهليهم حسب قبائلهم، فأعطى هذا الأنساب أهمية جديدة، وكان حافزاً إضافيا للاهتمام بدراسة الأنساب.
وعلى نحو ذلك كان شأن عمر مع العربية، فلا أظننا نبالغ إن جعلناه أحد الشخصيات المؤثرة تأثيراً طيباً في ظهور علم النحو العربي فيما بعد، لإسهامه في وضع بذرة النحو في المدينة، فمن الثابت اهتمامه بسلامة اللغة، ودعوته إلى مراعاة الصواب في النطق بالمفردات والتراكيب والإعراب.
2-
علي بن أبي طالب (40 هـ)
تقدم في الفصل الثاني أن عليًّا رضي الله عنه كان أحد الشخصيات الرئيسة التي عزي إليها وضع النحو، وأنه يكوّن مع أبي الأسود قطب الرحى في جملة تراثنا المروي في مسألة نشأة النحو العربي، وأن أكثر الروايات وأوثقها وأقدمها تصبّ فيهما، وقد كانت صلته بأبي الأسود صلة الأستاذ بالتلميذ النجيب.
ومن الثابت أن علياً أسهم إسهاماً فاعلا مع غيره في وضع شيءٍ من أسس النحو بتوجيهاته وملحوظاته وأفكاره النيّرة، وهو ممن حاول تأصيل النحو وتقعيد مسائله في المدينة والكوفة فيما بعد.
وقد ذكرت بعض الروايات أن عليا أرشد أبا الأسود بعد طول تأمل في كلام العرب إلى أصول النحو وحدوده، وأمره بأن يحذو حذوها، ومن ذلك أنه دفع
1 ينظر: نشأة علم التاريخ عند العرب 19.
إليه بصحيفة جاء فيها: "الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى والفعل ما أنبئ به، والحرف ما أفاد معنى"1.
ثم قال لأبي الأسود: "انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك، واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر"2
ومن تلك الروايات إشارة الإمام علي إلى الرفع والنصب والجر3.
وأن أبا الأسود كان كلما وضع بابا من أبواب النحو عرضه عليه إلى أن حصل ما فيه الكفاية، فقال له علي: ما أحسن هذا النحو الذي قد نحوت، فلذلك سمّي النحو4.
وعلى الرغم من أن الشك يحوم حول هذه الروايات إلا أن دلالتها مع غيرها قوية، فهي تدل على أن لعلي مشاركة طيبة في نشأة النحو، ونصيباً نقدره بميزان الظن والتخمين؛ لأن ما وصل إلينا من أخبار نشأة العربية ومنها النحو لا يكفي الرسم الصورة الحقيقية لذلك العلم.
3-
ابن عباس (68 هـ)
قضى ابن عباس جزءاً مهما من حياته في المدينة قبل أن يستقر في آخر أيامه في الطائف، وهو من علماء اللُّغة المرموقين، يعد عند بعض المحققين القدامى أعلم بلغة العرب من كثير من علمائهم5.
وقد أشارت بعض المصادر إلى صلته بأبي الأسود، وأنه كان يحثه على وضع علم النحو6.
1 نزهة الألباء 18، وينظر: الأخبار المروية 34.
2 نزهة الألباء 18.
3 ينظر: مراتب النحويين 24.
4 نزهة الألباء 19.
5 ينظر: المحتسب 2/342.
6 ينظر: إنباه الرواة 1/51.
ولا غرابة في ذلك فقد أحيط ابن عباس منذ حداثته بجو علمي غني مؤثر، إذ لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه الأحاديث الصحيحة، وقرأ القرآن على زيد ابن ثابت، وأبيّ بن كعب، وعلي بن أبي طالب1، وأكبّ على لغة العرب شعرا ونثراً حتى غدا بحرا في العلوم2.
ومن الثابت أنّ لابن عباس اليد الطولى في تأسيس علم الدلالة والمعجم العربي، وكان رضي الله عنه حجة في اللغة، يؤمه طلبة العلم في المدينة ثم في مكة والطائف بعد انتقاله إليهما في أواخر حياته، وتعد جهوده في شرح الغريب من القرآن أو الحديث أساساً قوياً لبعض علوم العربية.
وقد شقّ ابن عباس الطريق أمام اللغويين في مقام الاستفادة من الشعر في بناء مناهج العربية بصورة عامة وفي مجال الشرح المعجمي بصورة خاصة - كما يقول الدكتور عبد الكريم بكّار3.
على أن جهود ابن عباس الُّلغوية توفرت على التفسير "ويغلب على الظنّ أنّ علم العربية بفروعه المختلفة كان يعرض في مجال تفسير غريب القرآن، كما يغلب على الظن أن ما ألفه أبو عمرو ويونس والكسائي وأمثالهم من كتب في معاني القرآن إنما هو تطوير لمجالس ابن عباس وحلقاته، مع الاستفادة مما استنبط من قوانين اللغة، وما فسر به الحالات الإِعرابية في قراءته"4.
وبهذا يمكن أن يقال: إن علوم الدلالة والشعر واكبت النحو في نشأتها في المدينة.
وسنعرض - في الفصل الرابع - لشيء من تراث ابن عباس في العربية.
1 ينظر: غاية النهاية 1/426.
2 ينظر: النهاية في غريب الحديث 1/99.
3 ينظر: ابن عباس مؤسس علوم العربية 127.
4 المفصل في تاريخ النحو العربي 78.
4-
مسلم بن جندب الهذليّ (106 هـ)
وهو قارئ مُجيد وقاص مشهور من أهل المدينة.
قال الجزيريّ: "وكان من فصحاء أهل زمانه، وقال عمر بن عبد العزيز: من سرّه أن يقرأ القرآن غضاً فليقرأه على قراءة مسلم بن جندب"1.
ولمسلم عناية باللغة والنحو جعلت بعض علماء الطبقات يصفه بأنه نحويّ، ومن هؤلاء القفطيّ الذي ذكر أن مسلم بن جندب يعدّ من النحويين2.
وكان علماء المدينة يرجعون إليه في مشكلات اللُّغة وتفسير الغريب، ولاسيما القرآن، قال الجزيريّ:"وقال ابن وهب: حدثني نافع، قال: سألت مسلم بن جندب عن قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} 3 قال: إلى غاية، فسألته عن {رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} 4 فقال: الردء: "الزيادة"5.
وكان لمسلم بن جندب أثر بالغ في قراء المدينة بعامة، فهو قدوتهم في اللغة، فقد روى الإمام الذهبي ما نصه: "قال الحلواني عن قالون، قال: كان أهل المدينة لا يهمزون، حتى همز ابن جندب فهمزوا {مُسْتَهْزِءون} 6 و {يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} 7.
وهذا يدل على ما بلغه ابن جندب من مكانة رفيعة في اللُّغة والقراءة.
1 غاية النهاية 2/297.
2 ينظر: إنباه الرواة 3/261.
3 سورة المعارج: الآية 43.
4 سورة القصص: الآية 34.
5 غاية النهاية 2/297، وينظر: معرفة القراء الكبار 66.
6 سورة البقرة: الآية 14.
7 معرفة القراء الكبار 66، والآية في سورة البقرة: الآية 15.
5-
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج (117هـ)
يعدّ ابن هرمز من قراء المدينة المشهورين، أخذ القراءة عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم وأخذ عنه نافع بن أبي نعيم القراءة في جماعة من أهل المدينة.
وهو من علماء اللُّغة المتقدمين، وقد عزت بعض الروايات وضع النحو إليه كما تقدم.
قال القفطي في أثناء كلامه عنه: "قال أهل العلم: إنه أول من وضع علم العربية، والسبب في هذا القول أنه أخذ عن أبي الأسود الدؤلي، وأظهر هذا العلم بالمدينة، وهو أول من أظهره وتكلم فيه بالمدينة، وكان من أعلم الناس بالنحو، وأنساب قريش، وما أخذ أهل المدينة النحو إلا منه، ولا نقلوه إلا عنه"1.
ويبدو أن ابن هرمز كان متعمقاً في مسائل النحو وأصوله، فقد اجتمع حوله نفر من طلبة العلم في المدينة، وأخذوا يدرسون عليه النحو، ومن أشهر تلامذته مالك بن أنس، ونافع بن أبي نعيم.
قال القفطي: "إن مالك بن أنس إمام دار الهجرة رضي الله عنه اختلف إلى عبد الرحمن ابن هرمز عدة سنين في علم لم يبثه في الناس، فمنهم من قال: تردد إليه لطلب النحو واللغة قبل إظهارهما، وقيل: كان ذلك من علم أصول الدين، وما يرد به مقالة أهل الزيغ والضلالة"2.
ومما يدل على علم ابن هرمز بالعربية وإلمامه بالنحو أن الإِمام ابن مجاهد شيخ القراء كان يستدل بقوله في مجال النحو والعربية، كما نص ابن جني في
1 إنباه الرواة 1/39.
2 إنباه الرواة 2 /172، وينظر: طبقات النحويين واللغويين 26.
قوله: "ومن ذلك قراءة يحي وإبراهيم السُّلميَّ: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} 1 بالياء ورفع الميم؛ قال مجاهد: وهو خطأ قال: وقال الأعرج: لا أعرف في العربية: أفحكم، وقرأ {أَفَحُكْمَ} نصباً"2.
ويظهر من قول ابن هرمز أنه كان ذا استقراء واسع في مثل هذه المسألة مكنه من القول: إنه لا يعرف في العربية كذا3.
وعلى ضوء هذا يمكن أن يقال: إن لابن هرمز نصيباً وافراً من الملحوظات النحوية الأولى في العربية التي كانت تلقى مشافهة، وأنه على قدر من العلم بالمفردات والتراكيب والقرائن اللفظية وما يصاحبها من ظواهر الإِعراب التي سميت فيما بعد بالعوامل، ولهذا نسبت إليه بعض الروايات وضع النحو العربي.
6-
عبد الله بن ذكوان (130هـ)
وهو عبد الله بن ذكوان القرشي المدني المعروف بأبي الزناد، تابعي مدني ثقة، قال ابن المديني، لم يكن بعد كبار التابعين أعلم منه4.
نعتوه بالنحوي، وذكروا أنه كان فصيحاً بصيراً بالعربية يرجع إليه الناس في فهم الشعر وبعض العلوم.
قال الحافظ المزّي: "قال الليث بن سعد: رأيت أبا الزناد دخل مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه من الأتباع مثل ما مع السلطان، فمن سائل عن فريضة، ومن
1 سورة المائدة: الآية 50.
2 المحتسب 1/210، 211.
3 ينظر: المفصل في تاريخ النحو العربي 125.
4 ينظر: تهذيب التهذيب 5/204.
سائل عن الحساب، ومن سائل عن الشعر، ومن سائل عن الحديث، ومن سائل عن معضلة"1.
وروى يحيى بن بكير عن الليث بن سعد قوله: "رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاثمائة تابع من طالب فقه وعلم وشعر وصنوف"2.
ويبدو أنه كان ذا شهرة في علوم العربية يرجع إليه طلبة العلم في مسائلها، فقد روى أبو بكر الأنباري أن ابن أبي إسحاق قال:"لقيت أبا الزناد، فسألته عن الهمز، فكأنما يقرؤه من كتاب"3.
ويدل هذا الخبر على بصر أبي الزناد في علوم العربية ولهجاتها "ذلك أن ابن أبي إسحاق كان متفوقاً في الهمز، حتى ذكروا أن ما جمع عنه فيه يؤلف كتاباً، كما ذكروا أنه غلب أبا عمرو بن العلاء فيه، ومع هذا كله نراه معجباً بإحاطة أبي الزناد به، حتى كأنه كان يقرأ من كتاب، فإذا كان على هذه الغزارة في علم الهمز أفلا يرجح أن يكون أوفر علماً في ظواهر العربية الأخرى، كالإعراب وأبنية الكلام؟ "4.
ومن هذا - أيضاً - أنّ الكسائي إمام اللُّغة في زمانه كان يسأل ابن ذكوان عن مسائل لغوية وحروف في قراءات أهل المدينة ويستحسن ما يسمعه من إجاباته ويعجب بها، كما روى السمين الحلبي5.
7-
عبد العزيز القارىء الملقب ببَشْكُسْت (130هـ)
يعد بَشْكُسْت من علماء المدينة، ومن نحاتها الشعراء، وكان ذا مكانة
1 تهذيب الكمال 14/480.
2 نفسه 14/480.
3 إيضاح الوقف والابتداء1/49-50.
4 المفصل في تاريخ النحو العربي 86.
5 ينظر: الدر المصون 5/ 168.
مرموقة في النحو جعلت أهل المدينة - حينئذ - يقبلون عليه لتلقي هذا العلم على يديه.
ترجم له القفطي وجعله من نحاة المدينة، وقال:"أخذ عنه أهل المدينة النحو"1.
وقال ابن عساكر: "وكان نحوياً أخذ عنه أهل المدينة، وكان يذهب مذهب الشراة2، ويكتم ذلك، فلما ظهر أبو حمزة الشاري بالمدينة سنة 130 هـ خرج معه، فقتل فيمن قتل بخلافة مروان بن محمد"3.
فقيل في مقتله:
لَقَدْ كَانَ بَشْكُسْتُ عبد العَزيز
…
مِنَ أهل4 القِرَاءَةِ والمَسْجِدِ
فَبُعْداً لبَشْكُسْت عبد ِالعزيز
…
وأمّا القران5 فلايَبْعد6
وكان بَشْكُسْت نحويا بارعاً يكره اللحن في الكلام ويأنف منه، وقد عرف عنه ذلك، وله فيه حكايات منها ما رواه ابن عساكر في قوله:"وفد بشكست النحوي على هشام بن عبد الملك، فلما حضر الغداء دعاه هشام، وقال لفتيان بني أمية: تلاحنوا عليه، فجعل بعضهم يقول يا أمير المؤمنين: رأيت أبي فلان، ويقول آخر: مربي أبي فلان، ونحو هذا، فلما ضجّوا أدخل [بَشْكْست] يده في صحفة فغمسها ثم طلى لحيته، وقال لنفسه: ذوقي، هذا جزاؤك في مجالسة الأنذال"7.
ولا نعلم من تراث هذا النحوي شيئاً، فقد ذهب نحوه فيما ذهب من تراث المدنيين.
1 إنباه الرواة 2/183.
2 الشراة هم الخوارج، سمو بذلك لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله.
3 تاريخ دمشق 10/ 142.
4 وصل الهمزة ضرورة.
5 خفف الهمزة ضرورة.
6 ينظر: الأغاني 23/146.
7 تاريخ دمشق ج5 الورقة 454/1.
8-
زيد بن أسلم العدويّ المدنيّ (136 هـ)
من علماء المدينة في زمانه، وكان عالماً بتفسير القرآن1، ولم تمدّنا كتب التراجم عنه بشيء ذي بال في شأن علوم اللغة، ولكن من يتأمل النقول الكثيرة عنه في مطولات التفسير، كـ"جامع البيان" للطبري، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي، و"البحر المحيط" لأبي حيان الأندلسي، و"الدر المصون" للسمين الحلبي يدرك أن ابن أسلم هذا كان ذا عناية باللغة وإلمام بغريبها، لا سيما ما يتصل بالقرآن الكريم.
ومن تفسيراته اللغوية:
قوله: العالمون: هم المرتزقون2
وقوله: الشقاق: المنازعة 3
وقوله: لغو اليمين: دعاء الرجل على نفسه4.
وقوله: العافِين عن الناس: عن ظلمهم وإساءتهم5.
9-
عليّ الجمل (؟)
من علماء المدينة، وهو شخصية يكتنفها الغموض، إذ لا نعرف عن حياته شيئاً غير ما ذكره أبو حاتم السجستانيّ في كتابه في القراءات، ونقله عنه أبو الطيب اللغويّ والزبيديّ والقفطيّ.
قال أبو الطيب اللغويّ: "وممن كان بالمدينة - أيضاً - على الملقّب بالجمل، وكان وضع في النحو كتاباً لم يكن شيئا6.
1 ينظر:التهذيب التهذيب 3/396.
2 ينظر: الجامع لأحكام القرآن 1/138.
3 نفسه 2/143.
4 نفسه 3/100.
5 نفسه 4/207.
6 مراتب النحويين 158.
ونقله الزبيديّ وزاد بعد عبارة "لم يكن شيئا": "فذهب"1.
أما القفطي فيخالف أبا الطيب في حكمه على هذا الكتاب الذي يعد من أوائل الكتب المصنفة في النحو، إذ يصفه بالشمول في قوله:"وكان وضع كتابا في النحو لم يخلّ شيئاً"2.
والفرق شاسع بين عبارتي "لم يكن شيئاً" في نص أبي الطيب والزبيديّ، و"لم يخلّ شيئاً" في نص القفطيّ، ويبدو أن مصدر النصين واحد، وغير بعيد أن يكون أحدهما محرفاً.
وقد امتدّ أثر هذا الكتاب المتقدم إلى علم من أعلام النحو في البصرة، وهو الأخفش (215 هـ) يقوك تلميذه أبو حاتم السجستانيّ (255 هـ) في كتابه في القراءات حيث ذكر القراء والعلماء:"وأظن الأخفش سعيد بن مسعدة وضع كتابه في النحو من كتاب الجمل، ولذلك قال: الزيت رطلان بدرهم. والزيت لا يذكر عندنا؛ لأنه ليس بإدام لأهل البصرة"3.
وما قاله السجستانيّ يدل على أن الكتاب كان ذا مكانة رفيعة، وأنه أثار انتباه العلماء وأن أثره امتدّ إلى خارج المدينة؛ لما كان يحويه من أصول النحو ومسائله، وإحسانه الظن به شهادة عالية القيمة من عالم مشهور لعالم مغمور، لعلمه بخاصة ولعلماء المدينة بعامة.
10-
الأصبغ بن عبد العزيز الليثيّ (160 هـ تقريبًا)
وهو الإصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن إياس بن مالك، ترجم له الجزيري في طبقات القراء4، ونعته بأنه "نحويّ" وقال:"معدود في شيوخ نافع، لا أعرف على من قرأ، ذكر ذلك سبط الخياط"5.
1 طبقات النحويين واللغويين 73.
2 إنباه الرواة 2/38.
3 طبقات النحويين واللغويين 73، ومراتب النحويين 158، وإنباه الرواة2/38، 172.
4 ينظر: غاية النهابة 1/171.
5 نفسه 1/171.
وأورد له ابن حجر في "لسان الميزان"1 ترجمة مقتضبة ذكر فيها أن الإِصبغ هذا مجهول، أخذ عن أبيه عبد العزيز بن مروان.
ولما كان من شيوخ نافع فإننا نقدر أنه من أهل المدينة، وأن وفاته كانت في حدود 160هـ.
11-
نافع المدنيّ (169 هـ)
وهو قارئ المدينة المشهور نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثيّ، أخذ القراءة والعربية عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأبي جعفر القارىء، ومسلم بن جندب، والإِصبغ بن عبد العزيز النحويّ وغيرهم2.
وقد أقرأ الناس سبعين سنة ونيفاً، وانتهت إليه رئاسة القراءة في المدينة، وتمسك أهلها بقراءته، وهي أحب القراءات إلى الإمام أحمد بن حنبل3.
وكان نافع عالماً بوجوه القراءات والعربية، وكان الأصمعي يسأله عن همز الذيب والبير4.
ولصلته الوثيقة بعلم النحو أورده أبو المحاسن التنوخيّ في كتابه "تاريخ العلماء النحويين"5.
13-
عيسى بن يزيد بن دأب الليثيّ (171 هـ)
من أدباء المدينة، ويعد من رواة الشعر واللغة والأخبار. قال ياقوت:"كان من رواة الأخبار والأشعار والحفاظ، وكان معلماً من علماء الحجاز"6.
1 1/460.
2 ينظر: غاية النهاية 2/330.
3 نفسه 2/332.
4 ينظر: معرفة القراء الكبار 91.
5 ص: 230.
6 معجم الأدباء3/2144.
وروى السخاويّ عن الخطيب البغداديّْ أن ابن دأب "كان راوية عن العرب وافر الأدب عالماً بالنسب، عارفاً بأيام الناس، حافظاً للسير"1.
وروى السخاويِّ - أيضاً - عن إبراهيم بن عرفة أنه "كان أكثر أهل الحجاز أدباً، وأعذبهم ألفاظاً2.
لقي الأصمعيّ في أثناء رحلته إلى المدينة ابن دأب، فحمل عليه وعلى أهلها بعامة، يقول أبو الطيب اللغويّ:"قال الأصمعيّ: أقمت بالمدينة زمانا ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحفة أو مصنوعة"3.
ويضيف أبو الطيب: "وكان ابن دأب يضع الشعر وأحاديث السمر، وكلاماً ينسبه إلى العرب، فسقط وذهب علمه وخفيت روايته
…
قال الأصمعيّ: العجب من ابن دأب حين يزعم أن أعشى همدان قال:
مَن دَعَا لي غزيِّلي
…
أَربحَ اللهْ تجَارَتُهْ
وخِضابٌ بِكَفّهِ
…
أَسْود الّلونِ قارتُهْ
ثم قال الأصمعيّ: يا سبحان الله، يحذف الألف التي قبل الهاء في (الله) ويسكن الهاء ويرفع (تجارته) وهو منصوب، وُيجَوَّز هذا عنه، ويروي الناس عن مثله"4.
وأنا أخشى أن يكون الأصمعيّ قد بالغ فيما رواه، لأن ابن دأب من منافسيه في رواية الشعر واللغة والأخبار، وهو من أقرانه تقريباً، وطعن الأقران لا يعتد به كما هو معلوم، ولأن ابن دأب من ناحية أخرى كان يحظى عند الخليفة الهادي بالمكانة الرفيعة لما اتصل به، وكان الخليفة يدعو له بتكاء، ولم يكن أحد من الخلق يطمع في هذا في مجلسه، وكان الهادي لا يستطيل
1 التحفة اللطيفة 3/390.
2 نفسه 3/390.
3 مراتب النحويين 156.
4 نفسه 156، 157، وينظر: الأغاني 6/56.
به يوما ولا ليلة، لكثرة نوادره وجيد شعره
وحسن: الانتزاع له1، ولا يخفى بعد هذا أن داعي الحسد بينه وبين أقرانه وارد.
ويحسب لابن دأب إثراؤه المجالس العلمية في المدينة برواياته من الشعر واللغة، ونقدر تقديرًا استفادة معاصريه من علماء العربية من تلك الروايات وما يدور فيها من نقد أو توجيه أو اقتناص شاهد.
13-
مالك بن أنس (179 هـ)
إمام أهل المدينة في الفقه، وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة.
لم يقتصر علمه على الفقه الذي ذاع صيته فيه وعرف به، بل امتدّ إلى علم العربية لغة ونحواً؛ فترجم له أبو المحاسن التنوخيّ المعري في كتابه "تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم" واقتصر على ذكر سنة وفاته2.
وذكره القفطيّ في "إنباه الرواة" في ترجمة ابن هرمز، وقال:"يروى أن مالك بن أنس إمام دار الهجرة رضي الله عنه اختلف إلى عبد الرحمن بن هرمز عدة سنين في علم لم يبثه في الناس، فمنهم من قال: تردّد إليه لطلب النحو واللغة قبل إظهارهما، وقيل كان ذلك من علم أصول الدين وما يُرَد به مقالة أهل الزيغ والضلالة"3.
والراجح عندي أنه تردد عليه لطلب اللُّغة والنحو كما قيل، لأسباب منها:
أولا: أن شهرة ابن هرمز كانت في العربية.
ثانياً: أنّ حذق العربية لغة ونحواً يحتاج إلى سنوات، كما ورد في الخبر.
1 ينظر: معجم الأدباء 5/2146.
2 ينظر: تاريخ العلماء النحويين 230.
3 إنباه الرواة 2/172، 173.
ثالثاً: أن إماماً في الفقه كمالك يحتاج إلى إجادة العربية لغة ونحواً؛ لأن العربية هي مفتاح نصوص التشريع من قرآن وسنة، ولذلك اشترطوا في المجتهد في الفقه أن يكون عالماً باللغة والنحو.
رابعاً: أنه لو كان علماً جديداً غير العربية تُرد به مقالة أهل الزيغ والضلالة – كما قيل - لظهر وعرفناه، لحاجة المسلمين إليه.
خامساً: أننا لا نقدّر أن يكتم أحد علمائنا علماً نافعاً كهذا الذي يرد به على أهل الضلال.
ولهذا اختار التنوخيّ القول الأول، أي أنه اختلف إلى ابن هرمز لطلب العربية، وأهمل غيره، قال:"يقال: إن مالك بن أنس كان يختلف إليه يتعلّم منه العربية"1.
ويبدو أنَّ مالكاً قد أجاد اللًّغة وبرع فيها حتّى تفرد عن غيره بأشياء منها ما رواه السيوطيّ عن ابن خالويه، قال:"لم يسمع جمع الدَّجال من واحد إلا من مالك بن أنس فقيه المدينة، فإنَّه قال: هؤلاء الدجاجلة"2.
وهذا يذكرنا بالإمام الشافعي وما انفرد به من ألفاظ وتراكيب لغوية رويت عنه أو ذكرها في كتابيه "الأم " و" الرسالة".
14-
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدويّ (182 هـ) .
من علماء المدينة ولغوييها، تتلمذ على جماعة، وأخذ اللغة عن والده3. له كتاب في التفسير، ذكره الداوديّ في "الطبقات المفسرين"4 وذكر أن له - أيضاً - كتابا آخر، وهو "الناسخ والمنسوخ".
1 تاريخ العلماء النحويين 163.
2 المزهر 1/303.
3 ينظر: تهذيب التهذيب 6/ 177.
4 1/271.
ويعد كتابه في التفسير من مصادر الطبري الرئيسة في تفسيره؛ إذ نقل عنه بكثرة.
ويبدو من النقول التي وصلتنا عن طريق الطبري أن معظم تفسير ابن زيد يشتمل على شرح الغريب، وحل التراكيب المشكلة أو غير المألوفة، وهو ينحو فيه منحى ابن عباس وابن مجاهد في تفسيرهما.
ويمكن القول إن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كان واحداً من أعلام اللُّغة في المدينة، وأنه خلّف تفسيراً يشبه إلى حدٍّ ما تفسير ابن عباس وتفسير ابن مجاهد غير أن عنايته بالشعر كانت ضعيفة.
ويقول عنه باحث معاصر وهو فؤاد سزكين: "أما تفسيره فأكثره شروح لغوية، ويبدو أن هذا التفسير كان أحد المصادر الهامة لتفسير الطبريّ"1.
وذكر سزكين أن الطبري أفاد من تفسيرِ ابن أسلم هذا في نحو ثمانمائة وألف موضع، وذكر أن الثعلبي أفاد منه - أيضا - في تفسيره "الكشف والبيان".
ومن نماذج تفسير ابن أسلم اللغوية:
قوله: طغيانهم: كفرهم وضلالهم2.
والأنداد: الآلهة التي جعلوها معه3.
والمطهّرة: التي لا تحيض4.
ومن نماذج تفسيره اللغويّ في الأساليب:
قوله في قول الله عز وجل: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} : أوفوا بأمري أوفِ بالذي وعدتكم5.
1 تاريخ التراث العربي ا/88.
2 ينظر: جامع البيان 1/169.
3 نفسيه 1/199.
4 نفسه 1/212.
5 نفسه 1/289.
وفي {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} : قلبي في غلاف فلا يخلص إليه مما تقول شيء1 وفي {إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} : إلا من أخطأ حظه2.
15-
مروان بن سعيد المهلبيّ (195 هـ تقريبا)
من أحفاد المهلب بن أبي صفرة، واسمه: مروان بن سعيد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة المهلبيّ، أخذ عن الخليل بن أحمد، وكانت له صلات وثيقة بالبصرة والكوفة في العراق.
وفي "طبقات النحويين"3 للزبيديّ، و"إنباه الرواة"4 للقفطيّ ما يفيد أن المهلبيّ من أهل المدينة، أو أقام بها زمنا، وتصدَّر للتدريس.
وذكر ياقوت أن المهلبيّ هذا من "المتقدمين في النحو المبرزين فيه"5.
وذكر القفطيّ حكاية في أثناء ترجمة الوليد بن محمد التميميّ المصريّ المعروف بـ "ولاّد" تدل على أن مروان بن سعيد المهلبي كان من رجال النحو في المدينة، غير أنه لم يكن من حذاقه، قال القفطيّ في كلامه عن ولاّد: "وقيل: إنه خرج في أول أمره إلى مكة، فحجّ، وجاء إلى المدينة، فزار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى بالمدينة نحوياً متصدراً لإفادة النحو، وهو المهلبي تلميذ الخليل، وهو الذي كان يهاجي عبد الله بن أبي عُيينة، ولم يكن من الحذاق بالعربية، فأخذ عنه ولاّد ما عنده، وكان يسمعه يذكر الخليل شيخه، فراح ولاد إلى البصرة، وأدرك الخليل بن أحمد، ولقيه وأخذ عنه وأكثر بالبصرة، وسمع منه الكثير، ولازمه، ثم انصرف إلى الحجاز، ودخل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقيه معلمه المهلبي فناظره، فلما رأى منه المدني تدقيق ولاد للمعاني
1 نفسه 1/452.
2 نفسه 1/609.
3 ص 213.
4 3/354.
5 معجم الأدباء6/2698، وينظر: بغية الوعاة 2/284.
وتعليله في النحو، قال: لقد ثقبت يا هذا بعدنا الخردل"1.
وأورد الزبيديّ القصة ملخّصة، وعقّب عليها بقوله:"وقد بلغني أن صاحب هذه القصة هو المهلبيّ تلميذ الخليل، وهو الذي كان يهاجي عبد الله بن أبي عيينة"2.
وأورد المرزبانيّ طرفاً من أشعاره في هجاء صاحبه هذا3.
وتدل هذه الرواية على إقبال طلبة العلم - حينئذ - على تلقي النحو، وأخذه عن أساتذته الذين يتصدّرون لإفادة الناس، كما يتصدر غيرهم لإِفادة باقي العلوم كالتفسير والحديث والفقه، وهذا دليل على عراقة علوم العربية في المدينة.
وللمهلبيّ مناظرات عديدة في النحو مع بعض معاصريه كالكسائيّ والأخفش، سيأتي ذكرها، في الحديث عن نحو أهل المدينة، وهي تدل دلالة قوية على مكانته المرموقة في النحو، وبراعته فيه، مما دفع بعض العلماء إلى إظهار إعجابهم به، وعلى رأسهم الحريري الذي وصفه في إحدى مناظراته مع الأخفش بالبراعة والإبداع4.
ومن هنا يتبين لنا أن من قال في حقّ هذا الرجل إنه لم يكن من حذاق النحو5 فقد ظلمه، ويظهر لنا في مقابل ذلك إنصاف ياقوت ودقّته في أحكامه على العلماء حين وصف المهلبي هذا بأنه من المبرزين في النحو6، ووافقه على ذلك السيوطيّ7.
1 إنباه الرواة 3/354.
2 طبقات النحويين واللغويين 213.
3 ينظر: معجم الشعراء398.
4 ينظر: درة الغواص 37.
5 ينظر: طبقات النحويين واللغويين 213، وإنباه الرواة 3/354.
6 ينظر: معجم الأدباء 6/2698.
7 ينظر: بغية الوعاة 2/284.
16-
محمد بن مروان المدنيّ (195هـ تقريبًا)
ابن مروان من علماء القراءات والعربية في المدينة، ذكره الجزريّ في طبقات القراء، فقال في ترجمته: "محمد بن مروان المدنيّ القاريء، ذكره الداني، وقال: وردت عنه الروايات في حروف القرآن، وذكر عن أبي حاتم السجستانيّ أنه قال: ابن مروان قارئ أهل المدينة
…
وقد روى الداني عن الأصمعيّ أنه قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء: إن عيسى بن عمر حدثنا قال: قرأ ابن مروان {هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ} 1قال: احتبى في لحنه "2.
ورويت هذه القراءة في بعض المصادر معزوة لمحمد بن مروان السِّديّ الكوفيّ3.
ولم يبق من تراث محمد بن مروان المدنيّ في اللُّغة سوى مسائل قليلة، عرفنا منها اثنتين، إحداهما نحوية ورد ذكرها في "الكتاب" لسيبويه في قوله:"أما أهل المدينة فينزلون هو هاهنا بمنزلته بين المعرفتين، ويجعلونها فصلاً في هذا الموضع، فزعم يونس أن أبا عمرو رآه لحناً وقال: احتبى ابن مروان في ذِه4 في اللحن؛ يقول: لحن، وهو رجل من أهل المدينة، كما تقول: اشتمل بالخطأ، وذلك أنه قرأ: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ} فنصب"5 أي نصب (أطهر) .
والمسألة الأخرى لغوية في دلالة كلمةْ "السامد" ذكرها أبو الطيب اللغوي
1 سورة هود: الآية 78.
2 غاية النهاية 2/261، وفيه: قال: "احسى من الجنة" وهو تصحيف وتحريف وكلمة "احسى" هكذا غير منقوطة: والتصويب من الكتاب 2/396، 397، والفريد في إعراب القرآن 2/654.
3 ينظر: البحر المحيط 5/247، والدر المصون 6/362.
4 أي: هذه.
5 الكتاب 2/396،397.
في كتابه "الأضداد" واستهلها بقوله: "ويحكي عن ابن مروان نحويّ أهل المدينة من خزاعة الغبشان أنه قال
…
"1.
وفي هذا النص إشارة صريحة وهي أنه ينحدر من قبيلة خزاعة وهي قبيلة قحطانية نزلت مكة وحالفت قريشاً، وكانت مواطنها بين مكة والمدينة، ومنهم بطن يقال له: الغَبشان2.
17-
عيسى بن مينا بن وردان (205 أو 220 هـ)
ويلقب بـ "قالون" وهو قارئ المدينة ونحويُّها، كما يقول الجزري3، يقال إنه ربيب نافع، وقد اختص به كثيراً، وهو الذي سماه "قالون" لجودة قراءته.
قال الجزريّ: "قال ابن أبي حاتم: كان أصم يقرئ القرآن، ويفهم خطأهم ولحنهم بالشفة، وقال: وسمعت علي بن الحسن يقول: كان عيسى بن مينا قالون أصم شديد الصمم، وكان يُقرأ عليه القرآن، وكان ينظر إلى شفتي القارئ ويرد عليه اللحن والخطأ"4.
ولما برع قالون في العربية تصدر لتعليمها، يقول ابن الباذش الأنصاريّ: إنه "كان يعلِّم العربية"5 وقال الذهبيّ: "تبتل لإقراء القرآن والعربية"6.
وهكذا يمكن القول: إن عيسى بن مينا لم يُعلّم طلابه قراءات القرآن فحسب "بل كان يعلمهم النحو - أيضاً -، وهم يجدون في دراستهم إشباعاً
1 الأضداد 1/371.
2 ينظر: جمهرة أنساب العرب 1/242.
3 ينظر: غاية النهاية 1/615.
4 نفسه 1/616.
5 الإقناع 1/ 59.
6 معرفة القراء الكبار 129.
لميولهم واستجابة لما تعجّ به نفوسهم من حبٍّ للقرآن وقراءاته، وحرصٍ على بقاء اللُّغة بعيدة عن اللحن"1.
هؤلاء من توصلت إلى معرفتهم من أعلام العربية في المدينة في ذلك العصر المتقدم، ممن نص علماؤنا على اشتغالهم بالعربية أو فرع من فروعها، أو وُجد ما يدل على ذلك.
وقد برز بعضهم في النحو دون سواه مثل عليّ الجمل ومروان بن سعيد المهلبيّ.
وبرز بعضهم في القراءات والنحو مثل ابن هرمز ونافع وعيسى بن مينا.
وبرز بعضهم في التفسير واللغة مثل ابن عباس وعبد الرحمن بن أسلم.
وبرز بعضهم في الأدب ورواية اللُّغة مثل ابن دأب الليثيّ.
ويمكن أن يضاف إلى هؤلاء جماعة أخرى من قراء المدينة المشهورين كأبي جعفر يزيد بن القعقاع المخزوميّ المدنيّ (130 هـ) وابن جماز المدنيّ (170 هـ) وإسماعيل بن جعفر الأنصاريّ المدنيّ (180 هـ) .
ولا شك في أن هناك كثيراً من علماء العربية في المدينة لم يصلنا خبرهم، واندثر علمهم مع ما اندثر من التراث العربيّ، للأسباب التي صدّرت بها هذا الفصل.
وأختتم هذا الفصل برواية غريبة رواها السيوطيّ عن شيخه الكافيجيّ تفيد أن أول من وضع علم التصريف العربي أو بذرته الصحابيّ الجليل معاذ بن جبل الأنصاريّ (18 هـ) .
قال السيوطيّ: "وأما التصريف فقد ذكر شيخنا العلامة محي [الدين]
1 مجلة المنهل، العدد 499 المجلد 54، الربيعان 1413 هـ ص:125.
الكافيجيّ1 رحمه الله في أول كتابه شرح القواعد أنّ أوّل من وضعه معاذ ابن جبل رضي الله عنه"2.
وليس لهذه الرواية ما يعضدها فيما جاء في كتب التراث، ولم يؤثر عن معاذ بن جبل شيء في العربية، ليحمل على هذا أو يحمل هذا عليه، ولم يكن علم التصريف قد نشأ في ذلك الزمن المبكر، وإنما هو سهو محض من الكافيجيّ، ولعله أراد معاذ بن مسلم الهراء فذهل عنه، ولهذا قال السِيوطيّ في حديثه:"ولم تطمئن النفس إلى ذلك، وسألته عنه لما قرأته عليه، وما مستنده في ذلك، فلم يجبني بشيءٍ ولم أقف على سند لشيخنا في ذلك"3.
ثم رجّح السيوطيّ أن معاذاً هو معاذ بن مسلم الهراء (187هـ) وأشار إلى ما يفيد أن شيخه الكافيجيّ خلط بين المعاذين، وهو الراجح عندي.
1 هو محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرومي الحنفي، محي الدين، أبو عبد الله الكافيجي، لكثرة اشتغاله بالكافية في النحو، توفي سنة (879 هـ) من مصادر ترجمته، الضوء اللامع 7/259 والشقائق النعمانية 0 4، 41، وشذرات الذهب 7/326.
2 الأخبار المروية 58، 59.
3 نفسه 59.