المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسائل لغوية متقرقة - أصول علم العربية في المدينة

[عبد الرزاق بن فراج الصاعدي]

الفصل: ‌مسائل لغوية متقرقة

2-

قال في: {يَكنْ لَهُ كِفْلٌ مِنها} 1 الكفل: النصيب، وهي بلغة وافقت النبطية، مثل قوله عز وجل:{يُؤْتِكُم كِفْلَينِ مِن رَحْمَتِهِ} 2 يعني نصيبين بلغة وافقت النبطية3.

3 -

روي عنه أنه قال: إن {هَيْتَ لَكَ} 4 بمعنى هلمّ لك بالقبطية5.

4-

أخرج ابن جرير الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} 6 أنه قال: هي بالنبطية: فشققهن7.وأخرج ابن جرير - أيضاً - عن الضحاك أن "صرهن" بالنبطية "صرّى" وهو التشقيق8. وقيل هي عربية من "الصور"9 وهو الميل.

5-

قال إن "الإِستبرق " هو الديباج الغليظ، بلغة توافق لغة الفرس10 وقد ذكر كثير من العلماء أنه معرب "إستفره" أو "إستبره "11 أو "إستروه "12.

ص: 376

‌مسائل لغوية متقرقة

مسائل لغوية متفرقة

ثمة مسال متفرقة في اللُّغة كنشأة اللغة، والاشتقاق، والأضداد، والسكت؛ معزوة لبعض علماء المدينة كابن عباس ومروان بن سعيد المهلبي، وغيرهما، فمن ذلك:

1 سورة النساء: الآية 85.

2 سورة الحديد: الآية 28.

3 ينظر: اللغات في القرآن 22.

4 سورة يوسف: الآية 23.

5 ينظر: الإتقان 1/183.

6 سورة البقرة: الآية:260.

7 ينظر جامع البيان 3/55.

8 نفسه 3/56.

9 نفسه 3/57.

10 ينظر: اللغات في القرآن 33.

11 ينظر: المعرب 10، والمهذب 199، والمعجم الذهبي 66.

12 ينظر: قصد السبيل 1/177.

ص: 376

1-

نشأة اللغة الإنسانية:

للعلماء أربع نظريات مشهورة في نشأة اللُّغة ومنها نظرية التوقيف أو الإلهام، وهي تتلخص في أن الله سبحانه وتعالى، لما خلق الأشياء، ألهم آدم عليه السلام، أن يضع لها أسماء فوضعها.

ويستدل أصحاب هذا المذهب من علماء العرب بقوله تعالى: {وعَلَّم آدمَ الأسْمَاءَ كُلَّها، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِْ} 1 فكان ابن عباس يقول فيما رواه عنه ابن جرير الطبري: "علم الله آدم الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها"2.

وقد اختار جماعة من علماء العربية هذا المذهب، واستدلوا بما استدلّ به ابن عباس، ومن هؤلاء أبو عليّ الفارسي3 وابن فارس4.

2-

الاشتقاق:

يعد الاشتقاق في العربية من أبرز سماتها، وقد مكنها من التوليد والتوسع في الألفاظ حتى غدت العربية من أغنى اللغات في الألفاظ.

ولابن عباس رأي في اشتقاق بعض الكلمات، لقد أورد السيوطي عن ابن عباس: "أنه دخل على معاوية، وعنده عمرو بن العاص، فقال عمرو: إن قريشاً تزعم أنك أعلمها؛ فلم سميت قريش قريشا؟ قال: [ابن عباس] : بأمر بيّن، فسره لنا. ففسره، قال: هل قال أحد فيه شعراً؟ قال: نعم سمّيت قريش بدابة في البحر. وقد قال المشمرج بن عمرو الحميري:

1 سورة البقرة: الآية 31.

2 جامع البيان 1/252.

3 ينظر الخصائص 1/40.

4 ينظر: الصاجي 6.

ص: 377

وقريش هي التي تسكن البحر

بها سميت قريش قريشا

تأكل الغثّ والسمين ولا

تترك فيه لذي الجناحين ريشا

هكذا في البلاد حي قريش

يأكلون البلاد أكلا كميشا

ولهم آخر الزمان نبيّ

يكثر القتل فيهم والخموشا

تملأ الأرضَ خيلهُ ورجالٌ

يحشرون المَطيّ حشراً كشيشا

وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي ريحانة العامري قال: قال معاوية لابن عباس: لم سميت قريش قريشاً؟ قال: بدابة تكون في البحر من أعظم دوابه، يقال لها القرِش، لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، قال: فأنشدني في ذلك شيئاَ، فأنشده شعر الحميري، فذكر الأبيات"1.

وقيل: سميت بذلك لتقرّشها، أي: تجمّعها إلى مكة من حواليها بعد تفرقها في البلاد حين غلب عليها قصيّ بن كلاب، وقيل سميت بذلك لتَجْرها وتكسبها وضربها في البلاد ابتغاء الرزق2.

واختلف العلماء في اشتقاق كلمة "الناس" أو "الإنسان" فذهب بعضهم إلى أنها من "الإنس" وأصله "أناس" فحذفت فاؤه تخفيفاً، وجعلت ألف (فُعال) عوضاً عن الهمزة3. فمادته (أن س) .

وذهب بعضهم إلى أنه من "النَّوس" وهي الحركة، وأن المحذوف العين، وأصله، "نَوَس" فقلبت الواو ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبله 4 فمادته (ن وس) .

وقال قوم: أصل الإنسان إنسيان على (إفعلان) ، فحذفت الياء استخفافاً،

1 المزهر 1/344- 345.

2 ينظر: اللسان (قرش) 6/335.

3 ينظر: الكتاب 2/196، 3/457، والتاج (أنس) 4/99.

4 ينظر: أمالي ابن الشجري 2/12، والدر المصون 1/119.

ص: 378

لكثرة ما يجري على ألسنتهم، فإذا صغروه ردّوا الياء؛ لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها. قال الجوهري:"واستدلوا عليه بقول ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إنما سمّي إنساناً لأنه عهد إليه فنسي"1.

وعلى قول ابن عباس فإن الناس - أيضاً - من نسي، ثم حدث فيه قلب بتقديم اللام إلى موضع العين، وتأخير العين إلى موضع اللام؛ فصار "نيساً" فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها.

3-

الأضداد:

يقصد بالأضداد في اصطلاح اللغويين الكلمات التي تؤدي إلى معنيين متضادين بلفظ واحد، ككلمة "الجون" تطلق على الأبيض والأسود.

ومن الأضداد كلمة "السامد" فهي تدل على اللاهي، الحزين، ولأحد نحاة المدينة رأي فيها، وهو محمد بن مروان المدني (195 هـ تقريباً) .

قال أبو حاتم السجستاني: "وحكوا عن ابن مروان، قال: السامد الحزين في كلام طيء واللاهي في كلام اليمن، وأما الذي في القرآن2 فلا علم لي به"3.

وقال أبو الطيب اللغوي: "ويحكي عن ابن مروان نحويّ أهل المدينة من خزاعة الغبشان أنه قال: السامد: الحزين من كَلام طيىء، واللاهي من كلام سائر أهل اليمن "4.

4-

هاء السكت:

من خصائص الوقف في العربية اجتلاب هاء السكت، ولها ثلاثة مواضع

1 الصحاح (أنس) 3/905.

2 إشارة إلى قوله عز وجل {وَأَنْتُم سَمِدُون} سورة النجم: الآية 61.

3 الأضداد 144 (ضمن ثلاثة كتب في الأضداد) .

4 الأضداد 1/371.

ص: 379

معروفة، منها كلًّ مبني على حركة بناء دائماً، ولم يُشبه المعرب كياء المتكلم، نحو"كتابي" ومنه في القرآن:{مَالِيَه} 1 و {سُلْطَانِيَه} 2.

وقد احتج بعض علماء المدينة المغمورين بما ورد من هذا في القرآن الكريم حين خطأه أبو عمرو بن العلاء. قال الزجاجي: "حدثنا أبو هِفّان قال: قال مصعب الزبيري: أنشد رجل من أهل المدينة أبا عمرو بن العلاء قول ابن قيس:

إنّ الحَوَادثَ بالمَدِينَةِ قَدْ

أَوْجَعْنَنِي وقَرَعْنَ مَرْوَتِيَهْ3

فانتهره أبو عمرو، وقال: مالنا ولهذا الشعر الرّخو، إنّ هذه الهاء لم تدخل في شيء من الكلام إلا أرخته.

فقال المدني: قاتلك الله، ما أجهلك بكلام العرب، قال الله جل وعز في كتابه:{مَا أغنَى عَنّي مَالِيَه هَلَكَ عَنّي سُلْطَانِيَه} و {يَا لَيْتَنِي لَم أوْتَ كِتَابِيَه ولم أدرِ مَا حِسَابِيَه} ، وتعيبه؟ فانكسر أبو عمرو انكساراً شديدا"4.

ويدل ردّ هذا المدني المغمور على أبي عمرو بن العلاء، واحتجاجه بما جاء في القرآن في تلك المسألة اللغوية، وقوله بثقة لأبي عمرو:"ما أجهلك بكلام العرب" يدل ذلك كلّه على أن ذلك الرجل كان على قدر من العلم باللغة في المدينة إن لم يكن من علماء اللُّغة فيها، وإن كنا لا نعرف اسمه، وقد تبين لنا من خلال هذا البحث أن ما نجهله من أمر علماء اللُّغة والنحو في المدينة هو أكثر مما نعرفه عنهم.

1 سورة الحاقة: الآية 28.

2 سورة الحاقة: الآية 29.

3 ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات 98.

4 مجالس العلماء 144.

ص: 380