الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما نقل عن الحافظ في "الفتح"، وعقَّب عليه بأنه ليس المراد من إطلاق "أوتر بواحدة" و"أوتر بثلاثٍ" الاقتصار عليها بدون سبق غيرها، كما يدلُّ عليه صنيع الإمام النسائي في سننه. ثم حقَّق الكلام على حديث:"لا توتروا بثلاث" وبيَّن صحته، ثم ذكر أن النهي عن التشبيه بصلاة المغرب هل هو فيما يتعلَّق بالكمّ وحده أو بالكيف وحده أو بهما معًا؟ ورجَّح أن الحديث باللفظين (اللذين أوردهما) نصٌّ أو ظاهرٌ في إرادة الكم، فلو اقتصر في ليلةٍ على ثلاث ركعات عدا سنة العشاء والفجر فقد شبَّه، سواءٌ وصلها بتشهدٍ واحد أو تشهدين، أو فَصَلَها بزمن قصير أو طويل.
وفي النهاية لخَّص كلامه في الفصلين، فقال: لابُدَّ أن يتقدم الواحدةَ شَفْعٌ غير سنة العشاء، كما يدلُّ عليه سياق حديث:"صلاة الليل مثنى مثنى". وهذا الشَّفع الذي يتقدم الواحدةَ لابدَّ أن يكون أربعًا فأكثر، نظرًا لحديث: "لا تُوتِروا بثلاثٍ، أو تِروا بخمسٍ
…
". فتقرر أنه لابدَّ أن يُصلّي الإنسان بعد سنة العشاء وقبل سنة الصبح خمسًا على الأقل.
وبهذا ينتهي هذا البحث المتعلق بالاقتصار على الواحدة أو الثلاث في الوتر. ووجدنا في المخطوط ثلاثة أوراق تتعلق بالموضوع، فألحقناها في آخر الرسالة، ولم نجد تتمة الكلام الموجود فيها.
9 - مبحث في الكلام على فرضية الجمعة وسبب تسميتها:
توجد ثمان صفحات بخط الشيخ في مكتبة الحرم المكي برقم [4691]، وهي أوراق مفرقة كتبها الشيخ في أوقات مختلفة، تتناول الكلام على فرضية الجمعة، وتاريخ نزول سورة الجمعة، وبيان المراد بقوله:{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} ، وسبب تسمية الجمعة، ودراسة ما ورد في هذا الباب من
الروايات والأقوال. وبعد إمعان النظر فيها ظهر لي أن الشيخ نفسه أشار إلى بحث مستقل له في هذا الموضوع، حيث قال (ص 5 من المخطوط):"أقول: قد بسطتُ الكلام على الحديثين وعلى تاريخ نزول سورة الجمعة في مبحث مستقل، أفردتُه لبيان المراد بقوله: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ}، وبينتُ فيه أن الذي يظهر أن معظم سورة الجمعة نزل قبل إسلام أبي هريرة بمدةٍ قد لا تبلغ سنةً فيما يظهر، والله أعلم".
والمبحث المشار إليه هو ما في الصفحات الأربع الأولى من هذا المخطوط، إلّا أنه ناقص الأول مع الأسف. أما الصفحتان (5 - 6) ففي بدايتهما الكلام الذي نقلتُه الآن، فيبدو أن الشيخ كتب مرةً ثانية في موضوع تسمية الجمعة، ويختلف الخط والورق هنا عن الصفحات السابقة. ثم كتب مرة ثالثة في ورقة ذات وجهين (ص 7 - 8) في هذا الموضوع، والصفحة (8) منهما مشطوب عليها.
وبعد دراسة هذه الأوراق المتفرقة وترتيبها كما سبق جمعتُها تحت عنوان واحدٍ، وإن كان فيها شيء من التكرار بسبب كتابة المؤلف لها في أوقاتٍ مختلفة، فلا تخلو من فائدة جديدة ونظرات في الموضوع من جوانب متعددة.
ومن أهم المباحث التي حوتها هذه الأوراق بيان المراد من قوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3]، وأنهم العرب كما يظهر من سياق الآية، ولكن يعارضه ما رواه الترمذي
(1)
عن أبي هريرة قال: كنا عند رسول
(1)
رقم (3310).
الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة، فتلاها، فلما بلغ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} قال له رجل: يا رسول الله! مَن هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فلم يكلِّمه، قال: وسلمان الفارسي فينا، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم على سلمان يده فقال: "والذي نفسي بيده، لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجالٌ من هؤلاء". فما معنى الحديث؟ ذكر المؤلف أنه ليس فيه التصريح بأن فارسًا هي المراد بقوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} ، بل أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن السائل ليردَّه الإعراض إلى التدبُّر، ثم نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على أنه كان الأولى بالسائل أن يسأل عن أمر آخر، وهو: هل التعليم والتزكية يختص بالأميين أو لا يختص؟ فأجاب عن هذا بقوله: "لو كان الإيمان بالثريا
…
"، أي أنه لا يختص. وهذا هو الذي يسمّيه البلاغيون "الأسلوب الحكيم". قال المؤلف: "هذا بحمد الله ظاهر جدًّا، وإن لم أرَ من نبَّه عليه". وهذا تحقيق نفيس يُشَدُّ إليه الرحال، يُدفع به التعارض بين سياق الآية وظاهر ما يُفهم من الحديث، ولم يسبقه أحدٌ فيما أعلم.
وفي الرسالة أبحاث وتحقيقات أخرى متناثرة في اللغة والتاريخ والرجال، وفيها أيضًا الكلام على الإسناد المشهور في كتب التفسير:(أسباط عن السدّي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .... )، ما المراد بذلك؟ وكيف صار هذا الإسناد في أول تفسير كثير من الآيات بهذا الشكل؟ قال المؤلف بعدما ذكر أقوال بعض العلماء: والذي يقع لي: أن هذه كانت نسخة عند السدّي لم يكن فيها إسناد، فأخذها أسباط، وسأله عن إسنادها، فقال: "عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن