الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - مقام إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:
نُشرت هذه الرسالة بعناية الشيخ محمد حامد الفقي بمطبعة السنة المحمدية بالقاهرة في محرم سنة 1378، ولم نعثُر على الأصل الذي اعتُمد عليه في هذه النشرة. والموجود في مكتبة الحرم المكي برقم [4687] مسودة أولية لها بخط الشيخ في دفتر صغير مسطّر في 31 صفحة، مع ملاحق في 9 صفحات، وفيها شطب كثير واستدراكات وتخريجات طويلة. وعندما قابلناها بالمطبوع ظهر لنا فرق كبير بينهما، ففي المطبوع زيادات كثيرة لا توجد في المسوَّدة، وتعديلات في مواضع في الكلمات والفقرات، وبذلك عرفنا أن النسخة المطبوعة نسخة محرَّرة من هذه الرسالة، وأنها طبعت بالاعتماد على مبيضة المؤلف، فهي أجدر بأن يُعتمد عليها عند إعادة تحقيقها دون المسوَّدة التي كتبها المؤلف كتابةً أولية. ومع ذلك فقد استفدنا من هذه المسودة تصحيح بعض الأخطاء الموجودة في المطبوع.
وكانت مناسبة تأليفها أن الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله عندما بدأ بتوسعة المسجد الحرام وتوسعة المطاف حول الكعبة المشرفة، اقتضى ذلك نقل "مقام إبراهيم" وتأخيره عن موضعه، حتى لا يؤذي الطائفين، ولا يعوقهم عن سيرهم. فظنَّ بعض الناس أن في ذلك مخالفةً وتغييرًا للمشاعر، فكتب المؤلف هذه الرسالة لبيان أن الحق والهدى هو في نقل "المقام" وتأخيره عن موضعه، اقتداءً بفعل عمر بن الخطاب الذي أقرَّه عليه الصحابة رضي الله عنه وعنهم وأرضاهم جميعًا.
وقد اطلع مفتي المملكة العربية السعودية سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ على هذه الرسالة فقرظها بما يلي:
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
وبعد، فقد قُرئتْ عليَّ هذه الرسالة التي ألَّفها الأستاذ عبد الرحمن المعلمي اليماني، بشأن "مقام إبراهيم" وتنحيته عن مكانه الحالي، فيما إذا أُريد توسيع المطاف. فوجدتُها رسالة بديعة، وقد أتى فيها بعين الصواب في هذه المسألة.
وفَّقنا الله وإياه لما يحبُّه ويرضاه، وجعل عملَ الجميع خالصًا لوجهه الكريم.
أملاه الفقير إلى عفو ربه: محمد بن إبراهيم آل الشيخ. وصلى الله على عبد الله ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم".
لقيت رسالة المعلمي هذه قبولًا من العلماء، ولكن الشيخ سليمان بن حمدان ردَّ عليها بكتابه "نقض المباني من فتوى اليماني، وتحقيق المرام فيما تعلق بالمقام" أساء فيه للمعلمي، ووصفه بأوصاف لا تليق، فأشار عليه الشيخ محمد بن إبراهيم بأن لا ينشره لما فيه من أخطاء وأغلاط، ولكنه بادر إلى طبعه وتوزيعه دون أن يغيِّر شيئًا من الأخطاء. فألَّف الشيخ محمد بن إبراهيم ردًّا عليه بعنوان "نصيحة الإخوان ببيان ما في "نقض المباني" لابن حمدان، من الخبط والخلط والجهل والبهتان"
(1)
. انتصر فيه للمعلمي، وبيَّن ما وقع فيه ابن حمدان من الأخطاء الفاحشة والأغلاط الشنيعة. وأعقبها أيضًا برسالة "الجواب المستقيم في جواز نقل مقام إبراهيم" مؤيدًا فيها ما قاله المعلمي.
(1)
طبع ضمن فتاواه (5/ 56 - 132).
وقد ألّف بعض العلماء في ذلك الوقت رسالة باسم "سبيل السلام في إبقاء المقام" تأييدًا لابن حمدان. وفي هذا الموضوع قال الشيخ عبد الرحمن الدوسري (ت 1399) في كتابه "الحج ــ أحكامه ومنافعه"(ص 35، 36): "وقد حصل خلافٌ هذه السنوات في تحويل المقام عن مكانه إلى ما يعادله من الشرق بسبب الضيق والازدحام، وقد أفتى أكثر العلماء بجوازه للضرورة التي هي أشد من الضرورة التي حدت بأمير المؤمنين إلى تحويله، وقد أبدوا تعليلات كافية لكل منصف. ولكن حصلت معارضة في وقت كانت السماء كثيفةً بالغيوم، فتوقف التنفيذ إلى تحريك جديد نرجو من الله تعجيله ما دامت السماء صحوًا"
(1)
.
قدَّم المعلميّ لهذه الرسالة بمقدمة فسَّر فيها بعض الآيات، واستنبط منها ضرورة توسعة المطاف، ونقل المقام من مكانه إذا كان مظنة تضييق على الطائفين، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عهده، وأقرَّه سائر الصحابة، فكان إجماعًا. ولا ريب أنه إذا تحققت العلة ولم يكن هناك مانع من تأخير المقام، فتأخيره هو الطريقة المثلى.
ثم أشار إلى ثلاث معارضات يعتبرها بعضهم موانع، فذكرها مع ما لها وما عليها:
المعارضة الأولى: قول بعضهم: إن المقام ليس هو الحجر فقط، بل هو الحجر والبقعة التي هو فيها الآن، وتأخير البقعة غير ممكن. فإذا نُقِل الحجر عنها فإما أن يفوت العمل بالآية، وإما أن يبقى الحكم للبقعة لأنها موضع الصلاة.
(1)
هذه الفقرة من إفادات الشيخ سليمان العمير حفظه الله.
المعارضة الثانية: تأخير المقام عن موضعه مما تنكره قلوب الناس، فينبغي اجتنابه، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أبقى الكعبة على بناء قريش، ولم يَبنِه على قواعد إبراهيم لهذا السبب.
المعارضة الثالثة: أن المقام استقرَّ في موضعه طوال هذه القرون، مع كثرة الحجاج وازدحامهم في المطاف في كثير من الأعوام، ولو كان تأخيره جائزًا لما غفل عنه الناس طول هذه المدة، وفي ذلك دلالة واضحة على اختصاصه بموضعه الذي استمر فيه.
أما المعارضة الأولى فقد ردّ عليها بتفصيل، وعقد لذلك عدة فصول:
الأول: في بيان ما هو المقام؟
الثاني: لماذا سُمّي الحجر مقام إبراهيم؟
الثالث: أين وضع إبراهيم المقام أخيرًا؟
الرابع: أين كان موضعه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
الخامس: لماذا حوّل عمر رضي الله عنه "المقام"؟
السادس: متى حوَّل عمر رضي الله عنه "المقام"؟ ولماذا قدَّره المطَّلب واحتاج عمر إلى تقديره؟
وتوصّل أخيرًا إلى أن القول بأن موضعه الآن هو موضعه الأصلي ضعيف، بحيث لا يحتاج إلى فرض صحته وما يتبع ذلك.
وردَّ على المعارضة الثانية أيضًا بثلاثة أوجه، وعلى المعارضة الثالثة بأن إعراض من بيننا وبين الصحابة عن تأخير المقام مرةً ثانية محمول على عدم