الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباقي صالحًا لأن يُزاد في المسعى عند الحاجة، فما زيد فيه صار منه.
ثم إن الصفا والمروة هما الشعيرتان بنصّ القرآن، فأما ما بينهما فهو بمنزلة الوسيلة ليُسعَى فيه بينهما، والوسائل تحتمل أن يُزاد فيها بحسب ما هي وسيلة له، ولا يجب أن تُحدَّد تحديدَ الشعائر نفسها.
بهذا الفقه الدقيق ختم المؤلف كلامه في هذه الرسالة، التي تعتبر أولَ بحثٍ علمي رصين في هذا الموضوع، ولم أجد أحدًا سبقه إلى التأليف فيه، فجزاه الله عن العلم وأهله خير الجزاء.
16 - رسالة في سير النبي صلى الله عليه وسلم في الحج، والكلام على وادي محسِّر:
توجد نسختها بخط المؤلف في مكتبة الحرم المكي برقم [4704] في أربع صفحات، ويبدو أنها مبيضة، فليس فيها الشطب والإلحاق والتخريج كما في سائر مسوَّداته. وهي بقطع طويل 25× 20 سم. وليس عليها تاريخ التأليف أو النسخ.
بدأها المؤلف بذكر الأحاديث الواردة في سير النبي صلى الله عليه وسلم في الحج بين المشاعر، وشرح كلمتي "العَنَق" و"النصّ" وأنهما من سير الإبل، وبيَّن أنه من عرفة إلى مزدلفة لم يُسرع النبي صلى الله عليه وسلم فوق العادة، وأنه ليس بينهما مكانٌ يُشرَع فيه الإبطاء أو الإسراع المعتاد، وإنما المدار على الزحام وعدمه.
أما من مزدلفة إلى جمرة العقبة فقد كان يسير سيرًا لينًا، حتى أتَى واديَ محسِّر، فقرعَ ناقتَه فيه لتُسرِع فوق العادة، حتى جاوز الوادي. ففهم الصحابة منه أن مثل ذلك الإسراع مشروع في ذلك المكان.
وقد اختُلِف في سبب الإسراع هناك على أقوال:
الأول: أن ذلك الوادي مأوى للشياطين.
الثاني: أن النصارى كانوا يقفون بمحسّر، فأوضعَ النبي صلى الله عليه وسلم مخالفةً لهم.
الثالث: أن المشركين كانوا يقفون به يتفاخرون بآبائهم.
الرابع: أن وادي محسِّر موضع نزل به عذاب.
وقد ضعَّف المؤلف الأقوال الثلاثة الأولى، ورجَّح الرابع وذكر له شاهدًا، وهو الإسراع في أرض ثمود. ثم قال: ولا يخدش في هذا الوجه أن نجهل ما هو العذاب الذي نزل بمحسّر، فقد ذكروا أنه عذاب أصحاب الفيل، وهو مخالف للمشهور أنه كان بالمغمَّس حذاءَ عرفة. وقيل: إن العذاب هو أن رجلًا اصطاد فيه، فنزلت نار فأحرقتْه.
ثم عقد فصلًا لبيان أن محسِّرًا هل هو من منًى أو مزدلفة أم لا؟ فقد جاء ما يدلُّ على أنه من مزدلفة في الاسم مع خروجه منها في الحكم، وجاء ما يدلُّ على أنه من منًى في الاسم، وجاء ما يدلُّ على أنه ليس من منى ولا مزدلفة.
وقد أورد المؤلف الروايات الواردة في هذا الباب وتكلم عليها، ورجَّح القول الأخير: إنه ليس من مزدلفة ولا من منًى، وهو المعروف في كتب الفقه والمناسك في المذاهب الأربعة. واستغرب قول ابن حزم: إن محسّرًا من الحلّ، وختم الرسالة بنقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم اللذين صرَّحا بأن محسِّرًا برزخ بين مزدلفة ومنًى، لا من هذه ولا من هذه.
هذه خلاصة مباحث هذه الرسالة الصغيرة، وفيها فوائد أخرى تتعلق