الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أثنائها فوائد علمية كثيرة على طريقته في البحث والتحقيق. وهكذا أصبح كتابه هذا متميزًا بين الكتب التي أُلِّفت في هذه المسألة.
20 - رسالة في المواريث:
كان الشيخ أسلم الجيراجي الهندي
(1)
قد ألَّف كتابًا بعنوان "الوراثة في الإسلام"، ونشره بالمطبعة الملية في علي كره بالهند سنة 1341. وقد أحدث هذا الكتاب ضجَّةً في الأوساط العلمية لآراء المؤلف الجريئة والمخالفة لإجماع الأمة في باب المواريث، فصرَّح في مقدمته أنه وجد غالب أصول علم الفرائض مختلَّة، وأكثر مبانيه سقيمة ومعتلَّة، تخالف الكتاب، وتباين العقل والصواب، وذلك لأن الفقهاء قد خلطوا بأحكام الكتاب آراءهم، وتشبثوا بالروايات الضعيفة، وأسسوا عليها أصول الميراث، وسار عليها سلفهم وخلفهم. فقام الجيراجي في ظنه بالنقد والتصحيح، وبيان مواضع الزلل والخطأ، وتفسير آيات المواريث، وتمهيد القواعد وتحريرها بمقتضاها.
(1)
هو ابن الشيخ سلامة الله الجيراجْفوري، نسبةً إلى "جَيْراج فور" من مديرية أعظم كره في شمال الهند، ولد سنة 1299/ 1881 م، وحفظ القرآن في صباه، ودرس العلوم الشرعية على المشايخ في بوفال، واشتغل مدرسًا في جامعة علي كره والجامعة الملية الإسلامية، وألَّف كتبًا في تاريخ الإسلام وتاريخ القرآن، وله دراسات قرآنية ومقالات دعا فيها إلى إنكار حجية السنة، والاقتصار على القرآن الكريم في أمور الدين، واعتبار الحديث شيئًا تاريخيًّا لا حاجة إليه في التشريع. توفي سنة 1375/ 1955 م.
ويذكر في إحدى مقالاته
(1)
أنه أثناء دراسته للسراجية توقف في مسألة حجب ابن الابن مع عمه، ولم تلقَ في نفسه قبولًا، فبحث في كتب علم الفرائض، فلم يجد له موافقًا، ثم قال:"وأخيرًا وجدتُ القرآن يوافقني في ذلك". وأخرج كتابًا بالأردية بعنوان "محجوب الإرث"
(2)
نقدًا لقواعد الميراث المجمع عليها بين المسلمين.
وقد بنى الجيراجي كتابيه على أسس باطلة، واستنبط من القرآن الكريم استنباطات خاطئة، وادَّعى أن الوصية للوالدين والأقربين فرض على المسلم، وعليه أن يكتبها في حياته لوالديه ولأقربيه ويجعل ماله بينهم حسب ما تقتضي مصالحهم الشخصية، فإنه أدرى بها، ولم يعتبرها منسوخةً بآية المواريث كما يقوله جمهور الأمة، وقال: إنما يُقسَم المالُ بين الورثة إذا مات المورث بلا وصية، فحينئذٍ يُعمَل بآية المواريث ويُعطى كل ذي حق حقه.
وخالف إجماع العلماء على أن أولاد الأم من ذوي الفروض، وأن بني الأعيان والعلات ملحقون بالعصبة، وانتقد صنيعهم في ذلك، وفسَّر آية الكلالة تفسيرًا بعيدًا، وقال: إن الفقهاء ظلموا الأَقرباء لأنهم جعلوا الأباعد من أولاد الأم ذوي فرض، والأقربين من بني الأعيان والعلات عصبة، وهي لا ترث إلا ما بقي من ذوي الفروض. وتوصَّل إلى أن أولاد الأم ليسوا بذوي فرض، بل حكمهم كحكم سائر الإخوة والأخوات، وهم يرثون إذا لم يكن هناك أحدٌ من بني الأعيان والعلّات.
(1)
مجلة "طلوع إسلام"(عدد يناير 1956) ص 15.
(2)
أول ما نُشر في مجلة "معارف"(عدد يوليو وسبتمبر 1919 م)، ثم طُبع مستقلًّا.
ونفى أن يكون الجد والجدة من ذوي الفروض، لأنه ليس لهما فرضٌ مقدر في الكتاب، ولم يأخذ بالسنة والآثار الواردة في هذا الباب، بل استهزأ بها وقال: أشكلت مسألة الجد على عمر رضي الله عنه حتى قضى فيها بمئة قضية.
وأنكر العصبة وتعريفَ الفقهاء للعصبة (وهو: كل من ليس له فرض معيَّن في كتاب الله، ويأخذ من التركة ما أبقته أصحاب الفرائض)، وافترض مسائل يرى فيها خللًا عظيمًا بسبب هذا التعريف، وخالف الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلِأَولَى رجلٍ ذكرٍ"، فقال: إنه ليس بحكم كلّي، بل قضى به صلى الله عليه وسلم في قضية خاصة، وتوصَّل إلى أن العصوبة ليست بشيء، وأن المال كله للأقربين.
وخالف تعريف الفقهاء لذوي الأرحام (وهم أقرباء الميت الذين ليسوا بذوي فرضٍ ولا عصبة) وتقسيمهم أربعة أقسام، وقال: إن هذا كله ليس عليه دليل ولا برهان، بل هو مناقض للقرآن، ورأى أن ذوي الأرحام كالعصبة ليسوا من الوراثة في شيء إلَّا أن يكونوا أقربين. وهذا المعنى هو المراد في قوله تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب: 6]، فالأقرباء من الأصول والفروع والأطراف ــ كالوالدين والأولاد والإخوة والأخوات والأعمام ــ كلهم داخلون في ذوي الأرحام.
ويطول بنا الكلام لو استعرضنا أراءه الشاذة في العول والرد والحجب وغيرها من القضايا، وأخطاءه في تفسير آيات الوراثة، وقد أشرنا إلى بعض
ما في كتابه من الضلالات لبيان أنه يهدم علم المواريث المجمع عليه. فانبرى له بعض علماء الهند وقاموا بالرد عليه باللغة الأردية
(1)
. ولما كان العلامة المعلمي في الهند آنذاك، وأدرك خطورة هذا الأمر، ألَّف هذه الرسالة التي بين أيدينا، وقد سمّاها الأستاذ عبد الله المعلمي في ترجمته للشيخ:"إغاثة العلماء من طعن صاحب الوراثة في الإسلام"، ولم أجد هذا العنوان بخط المؤلف.
توجد النسخة الخطية منها ضمن مجموع في مكتبة الحرم المكي برقم [4701](الصفحات 1 - 26، 33 - 39، 54 - 58، 67 - 74، 81 - 84، 92 - 100) بخط المؤلف، وقد كانت مضطربة الأوراق، فقمتُ بترتيبها حسب سياق الكلام، وفي النسخة تخريجات وإضافات كثيرة تبدأ من صفحة وتنتقل إلى صفحة أخرى، وشطبٌ في مواضع وبياضات في أخرى. ويبدو أنه كتب لبعض مباحثها تكملة في دفتر آخر يشير إليها بالصفحات بعدما يذكر بعض العبارة من أولها، ولم أجد هذه التكملة ضمن مسوَّدات المؤلف.
وقد بنى المؤلف كتابَه ــ كما ذكر في أوله ــ على تفسير الآيات التالية:
1 -
آية الوصية [سورة البقرة: 180].
2 -
آية الوصية للزوجة [سورة البقرة: 240].
3 -
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ
…
} الآيات [سورة النساء: 7 - 12].
4 -
{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ
…
} [سورة النساء: 176].
(1)
ردَّ عليه الشيخ أبو الحسنات الندوي في مجلة "معارف"(عدد يوليو 1923 م) وآخرون.
5 -
{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
…
} [سورة النساء: 33].
6 -
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا
…
وَأُولُو الْأَرْحَامِ
…
} [سورة الأنفال: 72 - 75].
7 -
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ
…
} [سورة المائدة: 106].
وقال: "فلنبدأ بتفسير الآيات على هذا الترتيب، ثم نقتصُّ أثر الجيراجي على حسب ترتيبه".
والمسوَّدة التي وصلتنا تحتوي على تفسير الآيات الأربع الأولى، ثم الردّ على الجيراجي فيما قاله بشأن آية الوصية، وبيان أنها منسوخة بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، ثم الكلام على ذوي الفروض وأن أولاد الأم منهم، ثم الكلام على العصبة وسياق أدلة القول بالتعصيب والردّ على ما قاله الجيراجي، ثم الكلام على ذوي الأرحام ومناقشة الجيراجي فيما قاله.
وبقي الكلام على "العَوْل" الذي عنونَ له المؤلف في المسوَّدة (ص 74)، وترك بعده بياضًا، وأشار في أثناء الرسالة إلى مبحث "الحجب" كثيرًا، ولكنه لا يوجد في المسوَّدة، فهل كتب المؤلف هذين المبحثين في الدفتر الآخر أو لم يتمكن من كتابتهما؟ لا نستطيع الجزم بشيء من ذلك. وقد خالف الجيراجي الجمهورَ في العول والحجب، وعنون لهما في كتابه، ولذا أراد المعلمي مناقشته في هذين البابين أيضًا. ولكن المسوَّدة للأسف تخلو من الكلام عليهما، ويوجد فيها (ص 81 - 84، 92 - 100) بدلًا من ذلك تفسير قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ
…
} [سورة النساء: 11] مرتين، فأثبتناه كما هو، لما فيه من زيادة الفائدة