الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحقُّق العلة، وأن مثل هذا الإجماع الفعلي ــ لو تحقق ــ لا يمنع من العمل بما يأمر به القرآن وما أجمع عليه الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه.
وختم الرسالة بتلخيص وتوضيح لما توصَّل إليه بعد البحث والتحقيق.
وبعد، فهذه أول رسالة علمية تناولت هذه الموضوع بهذا التفصيل، وبأسلوب علمي هادئ يدلُّ على تمكن المؤلف من علوم الحديث واللغة والتاريخ والتفسير، واطلاعه الواسع على المكتبة الإسلامية، ودقة استنباطه، وقوة مناقشته للمعارضين دون تجريح أو تحقير، مع تواضع جمّ واعترافٍ بالآخرين. رحمه الله رحمةً واسعة.
15 - رسالة في توسعة المسعى بين الصفا والمروة:
توجد نسخته بخط المؤلف في مكتبة الحرم المكي برقم [4683] في 5 ورقات، وفيها شطب في بعض المواضع وإلحاقات. ويبدو أنه ألَّفها عندما قام الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله بتوسعة المسجد الحرام سنة 1377، واقتضى ذلك توسعةَ المسعى أيضًا تيسيرًا للحجاج والمعتمرين، فبيَّن المؤلف حكم الشرع في هذه المسألة.
بدأها بذكر قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} وكيفية سعي النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، وكيف كان حال الصفا والمروة فيما مضى، وهل يمتنع توسيعه وقوفًا على عمل من مضى وإن ضاق وضاق؟ أم ينبغي توسيعه؟
ذكر الشيخ أن الطريق الذي بينهما كان واقعًا بين الأبنية من الجانبين، يتسع تارةً ويضيق أخرى، وذلك يدلُّ على أنه لم يحدَّد، ولم يجئ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه ومن بعدهم بيانٌ لتحديد عرض المسعى، وهذا
يُشعِر بأن تحديده غير مقصود شرعًا، وإلّا لكان أولى بالتحديد من عرفات ومزدلفة ومنى، وقد ورد في تحديدها ما ورد.
فهل يبقى المسعى كما هو وقد ضاق بالساعين وأضرَّ بهم؟ أم ينبغي توسعته؟ لأن المقصود هو السعي بين الصفا والمروة، وهو حاصل في المقدار الذي يوسع به هذا الشارع. نقل المؤلف بعض النصوص من كتب الفقه للدلالة على أن السعي كالطواف، وكما أن المكان الذي يختص به الطواف لا يقتصر على ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد وُسِّع المسجد وزيد فيه مرةً بعد أخرى، وما زيد فيه صحَّ الطواف فيه، فكان المسعى أولى.
واستدل المؤلف بقوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] أن التطهير يشمل التطهير من الأرجاس المعنوية والحسّية، ويقتضي كذلك أن يكون الموضع بحيث يسعهم، وتوسعة المسجد هي نفسها توسعةٌ للمطاف. وردّ على شبهة من توقَّف عن تأخير مقام إبراهيم، واختصر الكلام الذي قاله في رسالته "مقام إبراهيم". وانتقل بعد ذلك إلى حكم توسعة المسعى، وقال إنه مثل توسعة المطاف، فإن أمر الله سبحانه بالسعي بين الصفا والمروة يوجب تهيئةَ موضعٍ يسعى الناس فيه يكون بحيث يكفيهم، وعدمَ الاقتصار على ما كان يكفي الناسَ في الماضي وضاق بهم الآن، وإذا وُسِّع الآن بحيث يكفي الناسَ فقد يجيء زمانٌ يقتضي توسعتَه أيضًا.
وقد صدق ظنُّ المؤلف، فقد جاء هذا العصر الذي ازدحم الناس فيه للحج والعمرة، وضاقت التوسعة الأولى للمسعى، واضْطُرَّ إلى التوسعة
الثانية التي عُمِلت في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله، وعادَ الكلام من جديد في هذا الموضوع وخالفَ بعض العلماء وكتبوا فيه، وسيزول الخلاف بمرور الأيام، ولا يبقى له أثر في المستقبل إن شاء الله.
وقد استعرض المؤلف بعض التغييرات التي حصلت للمسعى في بعض جهاته فيما مضى، ونقل من كتب التاريخ نصوصًا تدل على ذلك، وذكر إشكال القطبي أن السعي بين الصفا والمروة من الأمور التعبدية، ولا تُعتبر تلك العبادة إلا في ذلك المكان المخصوص الذي سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، ثم أورد جواب القطبي عنه أن المسعى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان عريضًا، وبُنِيت الدُّور بعد ذلك في عرض المسعى القديم، فهدمها المهدي وأدخل بعضها في المسجد الحرام، وترك بعضها للسعي فيه، ولم يُحوِّل تحويلًا كليًّا، وإلّا لأنكره علماء الدين.
رد المؤلف على القطبي قوله: "إن المسعى كان عريضًا، فبُنِيت فيه الدور"، وقال: إن المسعى لو كان محدَّدًا لبَعُد أن يجترئ الناس على البناء فيه، ويُقِرَّهم العلماء والأمراء. ولو صحَّ قول القطبي لدلَّ إقرار أهل العلم للمهدي أنهم يرون جواز توسعة المسعى من الجانب الآخر، فيرون أنه إذا ضاق ما أبقاه المهدي بالناس أمكن توسعة المسعى من الجهة الأخرى، فهذا أيضًا يدل على جواز التوسعة عند الحاجة.
واستشهد بقول عمر بن الخطاب للذين نازعوا في بيع دورهم لتوسعة المسجد: "إنما نزلتم على الكعبة فهو فِناؤها، ولم تنزل الكعبة عليكم" على أن ما حول الكعبة هو من اختصاصها، وكذلك ما بين الصفا والمروة من اختصاصهما، فإذا جُعِل بعضُه مسعًى صار مسعًى يصح السعي فيه، وبقي