الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشافعية من المصادر الأخرى، ثم تكلم على قياس غير المجبر على المجبر، وقياسه على الوصي والقيم كما ذكر بعضهم، وتحدَّث عن وجوه الفرق بينهما.
ثم ذكر شُبه القائلين بجواز توكيل غير المجبر قبل إذنها، وهي عشر شبه، وردَّ عليها من وجوه كثيرة، وأطال في الردّ والمناقشة، وانتهى في الأخير إلى أن التعسُّفات التي ذكرها الفقهاء المتأخرون لا تقوى على تخصيص أو تقييد نصّ الإمام الشافعي على بطلان توكيل غير المجبر إلا بأن تأذن له المرأة أن يوكّل بتزويجها، فالحق الذي لا يجوز غيره إبقاء نصّه على ظاهره.
وفي أثناء هذه الردود والمناقشات تكلم عن الوكالة وشروطها والمباحث المتعلقة بها، وعلَّق على النصوص التي نقلها من كتب الفقه، وردّ على ابن حجر الهيتمي وغيره فيما ذهبوا إليه. وهذه الرسالة تدل على سعة اطلاع المؤلف على كتب الفقه الشافعي، ورسوخه في الفقه، وقوة مناقشته للفقهاء، فيما خالفوا فيه الحقَّ والصواب، وفهم نصوص الإمام الشافعي كما ينبغي.
19 - الحكم المشروع في الطلاق المجموع:
توجد مخطوطته بخط المؤلف في مكتبة الحرم المكي برقم [4682]. وهي عبارة عن أوراق متفرقة من الكتاب، كتب الشيخ فصولًا منه، وزاد عليها زيادات في ملاحق، وأشار إلى أنها توضع في أماكنها.
وقد بدأها المؤلف بالآيات وتفسيرها، ولما انتهى منها في خمس
صفحات قال في آخرها: "هذا ما يتعلق بهذه المسألة من كتاب الله عز وجل، فلننظر الآن ما يتعلق بها من السنة". ثم عنون بقوله: "الأحاديث التي احتجَّ بها مَن يرى أن من قال: طلقتُ ثلاثًا أو ألفًا أو كعدد ذرات العالم أو نحو ذلك فهي مرة واحدة، تكون له بعدها الرجعة". ثم كتب "بسم الله الرحمن الرحيم" وسرد هذه الأحاديث وتكلم عليها طويلًا، وخاصةً حديث ابن عباس المشهور الذي رواه مسلم، ومرسل عروة، وغيرهما من الأحاديث والآثار.
ثم بدأ الشيخ من جديد بعد كتابة البسملة وعنوان الكتاب: "الحكم المشروع في الطلاق المجموع"، فقال:"الباب الأول في الطلاق المأذون فيه"، وذكر ثلاثة مذاهب للعلماء في ذلك، مع الاحتجاج لكل منها ومناقشتها، وردّ كلّ فريق على الآخر وجوابه.
وبعدما انتهى من الباب الأول عقد بعد البسملة "الباب الثاني في الوقوع" وذكر تحته: "المسألة الأولى في وقوع الطلاق البدعي"، فذكر مذهب الجمهور القائلين بوقوعه ومذهب المانعين، واحتجاج الجمهور بحديث ابن عمر المشهور الذي لهم فيه أربع حجج، وقد سردها، ثم ذكر جوابَ المانعين وردَّهم عليها، مع مناقشة ما قاله كلُّ فريق ودفع ما لا يصح منه. وبه انتهى ما وصل إلينا أو ما ألَّفه الشيخ من هذا الكتاب، فلم يتكلم في الباب الثاني إلَّا على مسألة واحدة، ولعله كان يريد أن يضيف إليها مسائل أخرى من مسائل الطلاق، ولكنه لم يفرغ لها.
والقضية الأساسية التي تناولها الشيخ بالبحث والدراسة في الكتاب قضية الطلاق الثلاث المجموع، التي كثر التأليف فيها منذ زمن شيخ
الإسلام ابن تيمية وابن القيم إلى الآن
(1)
، وخاصةً في بلاد الهند وباكستان. والجمهور من أتباع المذاهب الأربعة يدَّعون الإجماع على وقوعها ثلاثًا، والقائلون بوقوعها واحدةً يذكرون الخلاف في ذلك منذ زمن الصحابة والتابعين، ويردُّون دعوى الإجماع، ويقولون: إنها من مسائل الخلاف. وقد ذكر الشيخان (ابن تيمية وابن القيم) في كتبهما نصوصًا كثيرة من مصادر مختلفة تبيِّن اختلاف السلف في هذه المسألة، بل من أتباع المذاهب الأربعة جماعة من العلماء ممن كان يفتي بأنها واحدة، كما فصَّل ذلك الشيخ سليمان العمير في كتابه "تسمية المفتين".
وقد احتدَّ النقاش في هذه القضية في هذا العصر بعد ما ألَّف العلامة المحدث أحمد محمد شاكر كتابه المشهور "نظام الطلاق في الإسلام" وقرَّر فيه أن الثلاث تقع واحدةً، ونصر مذهب شيخ الإسلام وغيره في هذا الباب، واحتجَّ لها بحجج شرعية ولغوية. فقام بالردّ عليه الشيخ محمد زاهد الكوثري الحنفي بكتابه "الإشفاق على أحكام الطلاق"، ودافع عن مذهب الجمهور، ولكنه على عادته لم يقتصر على البحث العلمي في القضية، بل تعدَّاه إلى التضليل والتبديع والتفسيق، حتى قال في موضع منه (ص 89):"إن كان ابن تيمية لا يزال بعدُ شيخ الإسلام فعلى الإسلام السلام". فانبرى له العلامة المعلِّمي، وألَّف هذا الكتاب، وناقش أدلة الفريقين مناقشة علمية هادئة، دون أن يصرِّح باسم الكوثري أو أحد من المخالفين، وتكلَّم على المسألة بمختلف جوانبها، وحقّق الأحاديث والآثار الواردة فيها، ونثر
(1)
ذكر الشيخ سليمان العمير في كتابه "تسمية المفتين أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة"(ص 27 - 34) أكثر هذه الكتب المفردة.