الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أطال المؤلف الكلام في هذه الفصول، وقام بتحقيق جميع الأحاديث والآثار وبيان مذاهب الفقهاء بما يشفي ويكفي. وقد سبقه إلى التأليف في هذا الموضوع بعض المؤلفين، فللدمياطي (ت 705)"تحرير الأقوال في صوم الست من شوال"، وللعلائي (ت 761)"رفع الإشكال عن صيام ستة من شوال"، ولقاسم بن قطلوبغا (ت 879)"تحرير الأقوال في صوم الست من شوال" طبع في لقاء العشر الأواخر رقم 26، ولمحمد بن طولون الصالحي (ت 953)"تكميل الأعمال بإتباع رمضان بصوم ست من شوال" ذكره في "الفلك المشحون"(ص 88)، ولمرتضى الزبيدي (ت 1205)"الاحتفال بصوم الستّ من شوال". وجمع ابن الملقّن (ت 804) طُرق هذا الحديث وتكلم عليها في "تخريج أحاديث المهذب" كما أشار إليه في "البدر المنير"(5/ 752) وجمع العراقي طرق الحديث عن بضعة وعشرين رجلًا رووه عن سعد بن سعيد، كما في "فيض القدير" للمناوي (6/ 161). ولم يطلع المؤلف على شيء من هذه المؤلفات، بل قام بتتبع كتب الحديث والرجال والفقه بنفسه، وألَّف هذه الرسالة التي بين أيدينا.
28 - جواب الاستفتاء عن حقيقة الربا:
وصل إلينا هذا الكتاب في دفترين:
الأول في مكتبة الحرم المكي برقم [4244]، ويحتوي على المقدمة والقسم الثاني، وهو دفتر صغير عادي، والنص فيه ضمن الأوراق (5 - 42)، وقد أشار المؤلف في الورقة (13/ب) إلى "ملحق طويل ص 333"، وقد وجدناه في الدفتر الثاني، فنقلناه إلى مكانه، وهذا الملحق في 12 صفحة من القطع الطويل.
والثاني برقم [4686]، ويحتوي على القسم الأول من الكتاب كما أشار إليه المؤلف في آخره. وهو دفتر طويل في 50 صفحة. ويلاحظ أن الصفحة 15 في الواقع 6 صفحات، رقَّمها المؤلف 15/ 1، 15/ 2
…
وهكذا إلى الأخير.
والأوراق الستة الأولى من المخطوط مخرومة الأطراف ومبلولة، ذهب بسببها كثير من الكلمات والجمل في أعلى الصفحات وجوانبها، فأثبتنا ما استطعنا أن نقرأ منها، وتركنا البياض لما ضاع، ولا سبيل إلى استرجاعها إلَّا إذا وُجِدت نسخة أخرى، والأمل في الحصول عليها ضعيف.
كان سبب تأليفه أن بعض الفضلاء في حيدرآباد نشر سنة 1347 رسالة بعنوان "الاستفتاء في حقيقة الربا" أجلب فيها بخيله ورَجِله لتحليل ربا القرض، وأُرسِلتْ من طرف الصدارة العالية (مشيخة الإسلام) إلى علماء الآفاق لِيُبدوا رأيهم فيها
(1)
. فوردتْ بعض الأجوبة منهم، وأجودها جواب الشيخ أشرف علي التهانوي (ت 1362) بعنوان "كشف الدجى عن وجه الربا"، حرَّره الشيخ ظفر أحمد التهانوي تحت إشرافه.
وقد راجع الشيخ المعلمي صاحب رسالة الاستفتاء وناقشه في بعض المباحث، وأراد أن يكتب عنها جوابًا بعد ما تنبَّه لدقائق في أحكام الربا وحِكَمه، واطلع على كلام الشاطبي في "الموافقات" وغيره، فألَّف هذا
(1)
نشر السيد رشيد رضا نصَّ الاستفتاء في مجلة "المنار" ثم ردَّ عليه وكتب مقالًا طويلًا في الربا (30/ 273، 419، 449).
الجواب وقسَّمه قسمين: الأول لبيان أحكام الربا وأنواعه، والثاني في البحث مع صاحب الاستفتاء.
أما القسم الأول فسوف نلقي نظرةً سريعة لمعرفة محتوياته. بدأه الشيخ بمعرفة الحِكَم للأحكام الشرعية، وفوائد البحث عنها، ثم تطرق إلى الكلام على البيع وبيَّن أصوله، ثم انتقل إلى الحديث عن الربا، وأن ما ينشأ عنه من المفسدة غير موجود في البيع والقرض والهبة، وردّ على أولئك الذين يقولون: إن الربا ليس بظلم لكونه برضا الطرفين مثلما هو في البيع، ولأن فيه فائدةً للمقرض (لما يحصل له من النفع) والمستقرض (لأنه يتجر به فيستفيد). كما ردّ على شُبههم في بيان مضرة القرض (بدون ربا) بالنسبة للمقرِض، وذكر فوائد كثيرة للإقراض بدون ربًا.
ثم وضع عنوان "مفاسد الربا"، وقدم لها بتمهيد في بيان أن المقصود من تشريع الأحكام هو تطبيق العدل، ومن أجله وُضعت العقوبات، وتحدث على سبيل المثال عن عقوبة الزنا لبيان أن حكمة التشريع تقتضي أن يكون بناء الأحكام على الغالب، وأن سنة الله فيها التدريج.
ثم انتقل إلى الكلام على مفاسد الربا، وتوصَّل في النهاية على أن مَنْع الربا يضطرُّ كلَّ فردٍ من الأفراد إلى أن يكون عضوًا عاملًا نشيطًا، ينفع الناس وينتفع، ويفتح باب الغنى لأهل الكدّ والعناء، ويستخرج الأموال من أيدي من لا يستحقها.
وبعد إيضاح الفرق بين البيع والربا ووجه التحليل والتحريم في الشريعة أورد سؤالًا، وهو أن الفقهاء يحلِّلون بيع السلعة نَساءً بأكثر من ثمنها نقدًا،
كما يجوِّزون أن يُسلِم الرجل عشرة دراهم في خمسة عشر صاعًا إلى الحصاد مثلًا، مع أن السعر حين العقد عشرة آصُع. فما الفرق بين المسألتين وبين الربا؟ أجاب عنه المؤلف بعدة أجوبة، وفصَّل الكلام فيها.
ثم تكلم على الدين الممطول به والمال المغصوب، ولماذا لم تَفرِض الشريعة على الماطل والغاصب ربح المال مدةَ المطل والغصب عقوبةً له؟ وإنما شرعت عقوبته بالحبس والتعزير.
ثم تحدث عن الربا مع الحربي الذي أجازه أبو حنيفة وحرَّمه الجمهور، وعن المضاربة التي يمكن لذوي الأموال من العجزة والكسالى أن يربحوا فيها ولكن بدون ضرر على غيرهم.
وعنون بعد ذلك بقوله: "وجوه الربا"، وتكلم فيها عن بعض الصور التي تحتاج إلى إيضاح، مثل: العِينة، والانتفاع بالرهن (الذي يقال له: بيع العهدة، وبيع الوفاء
…
إلى غير ذلك من الأسماء)، وأطال البحث فيهما، وذكر رأي الحنفية في بيع الوفاء واضطراب أقوالهم في كتبهم، وقام بتحرير المسألة على أصول مذهبهم، كما ردَّ على الحضارمة الشافعية الذين أجازوه بدعوى احتياج الناس واضطرارهم إلى هذه المعاملة، وبحثَ عن الضرورة وعن حكمها في فصل مستقل، ثم ردَّ عليهم في قولهم: إنهم لم يقصدوا الضرورة المتعارفة، وإنما أرادوا الحاجة. فأبطل المؤلف هذه أيضًا، وأدار الحوار معهم لبيان بطلانها، وذكر أن المفاسد التي تترتب على بيع الوفاء شديدة، وأشدها أنه ربًا في القرض، وعدَّد بعض المفاسد الأخرى.
ثم وضع عنوان "ربا البيع"، وأورد الأحاديث الواردة في النهي عن بيع الذهب بالذهب إلَّا مثلًا بمثلٍ سواءً بسواءٍ يدًا بيد، وهكذا الفضة بالفضة إلى
آخرها، وجواز بيع جنسٍ منها بجنس آخر متفاضلًا نقدًا، ومَنْعه نسيئةً.
وعقد بعد ذلك فصلًا أوضح فيه الفرق الذي ذكره سابقًا بين القرض بربًا وبين بيع السلعة بثمن إلى أجل أزيد من ثمنها نقدًا، وبين السَّلَم في سلعة إلى أجلٍ بأقل من ثمنها نقدًا، وبيَّن أن العلة في الذهب والفضة الثمنية، وفي الأربعة الباقية الطعم أو القوت مع الادخار. ورجَّح أن العلة في النهي عن بيع الفضة بالذهب نساءً هو الربا فقط لأمور ذكرها، وأن العلة في الأربعة الأخرى يحتمل أن تكون الربا، ويحتمل أن تكون الاحتكار، وأن تكون مجموع الأمرين.
وفي آخر هذا القسم عقد بابين لبيان أحكام هذه الأجناس الستة:
الباب الأول في تبايعها مع النسيئة، وفيه فصلان: الفصل الأول فيما اتحد فيه جنس العوضين، تكلم عليه في فرعين: الأول فيما تظهر فيه زيادةٌ ما في العوض المؤجل لا يقابلها شيء في المعجل، والثاني فيما لم تظهر فيه زيادة ما في المؤجل. وذكر صورهما. والفصل الثاني: في بيع واحدٍ من الستة بآخر منها نسيئةً.
الباب الثاني في تبايعها نقدًا، ذكر فيه أن الذي حرَّمه الشارع هو البيع بالزيادة والرجحان، فقد صحَّ قوله صلى الله عليه وسلم:"فمن زاد أو ازداد فقد أربى"، وأرشد إلى المخلص من ذلك بقوله:"بعِ الجَمْعَ بالدراهم، ثم اشترِ بالدراهم جَنِيبًا"، وقال:"فاذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ". وتكلم المؤلف على معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ربا إلَّا في النسيئة"، وبيَّن كيف جمع العلماء بينه وبين الأحاديث الأخرى، ورجَّح أن الربا في عرف اللغة خاصّ بالنسيئة، وقد دلَّ القرآن وحديث "لا ربا إلّا في النسيئة" على أنه في
الشرع كذلك، وإطلاق الربا في البيع المحرم نقدًا إنما هو من باب التشبيه، والجامع بينهما أن كلًّا منهما زيادة محرمة.
وخصَّص فصلًا للكلام على الاحتكار وإيضاح علاقته بهذا الحكم، تحدث فيه عن احتكار الذهب والفضة، واحتكار بقية الأصناف، وتوصل إلى أن الربا والاحتكار أخوان، يتعاونان على الظلم والعدوان، ولذلك حرَّمهما الشرع.
وذكر في الخاتمة ملخَّص ما ذكره سابقًا في موضوع الربا والاحتكار، وقال في آخرها:"المسألة تستدعي بسطًا لا أرى هذا محله". وأشار إلى أن هذا نهاية القسم الأول.
أما القسم الثاني من الكتاب فهو في البحث مع صاحب الاستفتاء. ذكر المؤلف أولًا خلاصة الاستفتاء، وقال إن صاحبه لخَّصه في أربعة مقاصد:
الأول: أن الربا المنهي عنه في القرآن مجمل عند الحنفية وغيرهم.
الثاني: أن السنة فسَّرته بحديث عبادة وغيره: "الحنطة بالحنطة
…
" وبالآثار في ربا الجاهلية، وهو الزيادة عند حلول أجل الدين في مقابل مدّ الأجل. والقرض ليس بدَين، لأنه لا يكون إلى أجل عند الفقهاء، فعلى هذا لا يكون الربا إلَّا في البيع.
الثالث: أن النفع المشروط في القرض ليس بربًا منصوص.
الرابع: أن النفع المشروط في البيع لا يصح قياسه على الربا المنصوص، ولو صحَّ فالأحكام القياسية قابلة للتغيُّر بتغيُّر الزمان، فلا محيصَ من تحليله في هذا الزمان، كما قالوا بجواز الاستئجار على تعليم
القرآن والأذان والإمامة وغيرها، مع أن حرمة الاستئجار في بعض ذلك ثابت بالنص.
تكلم المؤلف بعد ذلك على جميع هذه الأمور، وناقش صاحب الاستفتاء وردّ على حججه بتفصيل، وبيَّن وهاءها.
وقد تكلم في أثنائها على معنى الربا في اللغة، وأنه في القرآن مبيَّن وليس مجملًا، وأن الزيادة المشروطة في القرض ربًا منصوص في الكتاب والسنة، ثم أورد بعض الشُّبه والمعارضات ودفعها. ثم عنون بقوله:"أدلة تقتضي التحريم وليس فيه لفظ الربا". ثم ذكر الإجماع على تحريم اشتراط الزيادة في القرض، ونقل بعض الآثار عن الصحابة والتابعين، وردَّ على قول صاحب الاستفتاء في أثر: إنه موقوف وليس في حكم المرفوع، وإنه متروك العمل، وإنه يعارضه الأحاديث الصحيحة، وإنه لا يصلح لبيان الربا المذكور في القرآن. وقد ناقش المؤلف جميع هذه الأمور، وتكلم على جميع الآثار الواردة في الباب، وقال في آخرها: هذه نصوص الصحابة والتابعين ما بين صحيح وما يقرب منه كلها متفقة على المنع من الزيادة المشروطة وتحريمها. وصاحب الاستفتاء لم يستطع أن يحكي حديثًا ــ ولو موضوعًا ــ ولا أثرًا عن صحابي أو تابعي أو فقيه يدلُّ على أن الزيادة المشروطة وما في معناها ليست بربًا، وإنما بيده أحاديث حسن القضاء وقياسٌ ساقط.
تكلم المؤلف على أحاديث حسن القضاء والألفاظ الواردة بها، وبيَّن معناها، وردَّ على احتجاج صاحب الاستفتاء بها على تجويز اشتراط الزيادة في القرض. ثم تكلم على القياس في هذه المسألة، وناقش صاحب الاستفتاء في ذلك. ثم انتقل إلى الحديث عن تغيُّر الأحكام بتغيُّر الزمان،