المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الأمر (فإن المراد بالأمر) أي سواء كان وجوبًا أو ندبًا - الكافي شرح أصول البزدوي - جـ ١

[الحسام السغناقي]

الفصل: ‌ ‌باب الأمر (فإن المراد بالأمر) أي سواء كان وجوبًا أو ندبًا

‌باب الأمر

(فإن المراد بالأمر) أي سواء كان وجوبًا أو ندبًا أو غيره، وقوله:"فإن المراد" صورة المسألة لا أنه تعليل لقوله: "ومن هذا الأصل".

(ليس المراد بالأمر" وهو الوجوب (صيغة لازمة) أي بل يحصل ذلك المراد بالفعل كما يحصل الأمر.

(أن أفعال النبي عليه السلام عندهم موجبة كالأمر) يعني إذا نقل إلينا

ص: 325

أن رسول الله- عليه الصلاة والسلام فعل كذا عندهم يصح أن يقال: أمر رسول الله عليه السلام بكذا، وعندنا لا يصح.

فالحاصل أن فعل النبي- عليه الصلاة والسلام عندهم أمر على الحقيقة، وعندنا ليس بأمر.

(ولو لم يكن الأمر مستفادًا بالفعل لما سمي) به أي لما سمي الفعل بالأمر؛ لأنه حينئذ يكون تسميته بلا معنى وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى؛ لأن الكلام نوعان: حقيقة ومجاز، ولا وجه للمجاز هاهنا؛ لأن طريق الاستعارة عند العرب الاتصال بين محل المجاز والحقيقة صورة أو معنى، ولا اتصال بين الأمر والفعل صورة بلا شبهة، ولا اتصال بينهما معنى؛ لأن معنى الأمر هو الاستدعاء إلى الشيء، والفعل لتحقيق الشيء فلا اتصال بينهما فيما هو المعنى.

فعلم بهذا أن الله تعالى أطلق اسم الأمر عليه حقيقة.

(صلوا كما رأيتموني أصلي) جعل فعله موجبًا حيث قال: (كما رأيتموني أصلي).

ص: 326

فإن قيل: الوجوب بالأمر.

قلنا: لا تنافي بينهما فيحتمل أن في فعله وجوبًا، وقد دل الدليل عليه؛ لأن الرسول- عليه الصلاة والسلام متبوع فيكون موجبًا كما قال تعالى:(وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) وفعله أيضًا مما آتاهم الرسول فكان موجبًا.

(ولا يجوز قصور العبادات عن المعاني) يعني: روا نباشد كه عبارات از معاني كوتاه آيد يعني معنى نبود كه وي را لفظ نيايند كه وضع كنند از بهروي. لأن المهملات أكثر من المستعملات، فكيف يجوز قصور العبارة عن معنى؟ وقد وضع لمعنى واحد أسماء كثيرة، وهي الأسماء المترادفة، والمشترك ليس من قبيل قصور العبارة عن المعنى، بل هو من كمال العبارة؛ لأن لكل معنى اسمًا على حدة على الخصوص والاسم المشترك زائد على ذلك، فلم يكن قاصرًا بل كان تطويلًا وإنما وضع المشترك ابتلاء لحكمة داعية إلى ذلك أو لغفلة من الواضع، فلم يكن من باب القصور.

(مثل الماضي والحال) فنظير الحال ليفعل، فالمقصود بالأمر كذلك يجب

ص: 327

أن يكون مختصًا بالعبارة، ولا يقال: إن المعنى الواحد يفهم بألفاظ كثيرة، وهي الأسماء المترادفة، فلا يكون المعنى مختصًا بعبارة؛ لأنا نقول: بل هو مختص بالعبارة؛ إذ هو لا يفهم بغير العبارة من الفعل وغيره، والمدعى أن المقصود بالأمر مختص بالعبارة لا بالفعل، ولا نعني به أنه مختص بعبارة واحدة.

ألا ترى أن الله تعالى يسمي غلهًا باللغة العربية، ويسمى خداي باللغة الفارسية، ويسمى تنكري باللغة التركية، ويسمى في كل لسان بلغة على حدة، فلا يقال إنه غير مختص بالعبارة.

(وهذا المقصود) وهو الوجوب (من أعظم المقاصد) لما أن الابتلاء يحصل به.

ص: 328

(وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام - إلى أن قال:- (منكرًا عليهم: "ما لكم خلعتم نعالكم")، فدل ذلك أن فعله ليس بموجب؛ إذ لو كان موجبًا للأمر لم يكن لإنكاره معنى. كما لو أمر مثلاُ بخلع النعال فخلعوا لم يصح إنكاره بقوله:"ما لكم خلعتم نعالكم" لأنهم يقولون: إنك أمرتنا فكذلك في الفعل لو كان موجبًا لما صح إنكاره.

("يطعمني ربي ويسقيني") فيحتمل أن الله تعالى يطعمه طعامًا معنويًا يخالف الأطعمة المعروفة، كما حكي عن بعض الأولياء أنه قال:

ص: 329

شراب المحبة خير الشراب- وكل شراب سواه سراب

كذا أورده الإمام المفسر علاء الدين الزاهد في تفسير قوله: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} .

(لأن الفعل يجب به) أي بالأمر (فسمي به مجازًا) باعتبار إطلاق اسم السبب على المسبب، وهو نظير المشابهة بين الصور في الحسيات كما أن المطر يسمى سماءً؛ لأن السماء سببه فكذلك في الشرعيات اتصال السبب بالمسبب نظير الاتصال بين الشيئين من حيث الصورة (والنبي عليه الصلاة والسلام دعا إلى الموافقة بلفظ الأمر بقوله:"صلوا") لأنه لو كان مجرد فعله موجبًا لما قال: "صلوا".

فأن قلت: ما الجواب عن قولهم: العرب تفرق بين جمع الأمر الذي هو القول، فقالوا فيه: أوامر، وبين جمع الأمر الذي هو الفعل، فقالوا: أمور، وفي التفريق بين الجمعين دلالة على أن كل واحد منه حقيقة، فكان اسمًا مشتركا، فإنه حقيقة في كل فرد أريد به، وقد يفرق بين جمعي نوعي المشترك

ص: 330

لكونه حقيقة فيهما، كما قال الشافعي: إن القرء الذي هو بمعنى الطهر جمعه قروء، والقرء الذي هو بمعنى الحيض جمعه أقراء. كذا ذكر في "مختلف الرواية".

قلت: أما ما ذكره الشافعي فمردود عليه بقول الشاعر:

يا رب ذي ضغن وضب فارض له قروء كقروء الحائض

وبالحديث، وهو ما قال رسول الله- عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت قيس:

ص: 331

"إذا أتاك قروؤك فدعي الصلاة" فعلم بهذا أن القروء تجيء جمعًا للقرء الذي بمعنى الحيض.

وأما الجواب عن قولهم: العرب تفرق بين جمعي الأمرين، فقلنا: إن هذا الكلام في مخرجه باطل؛ لأن الأمر الذي هو لطلب الفعل غير الأمر الذي بمعنى الفعل وهو الشأن، ولا يطلق اسم احدهما على الآخر إلا مجازًا، وكلامنا في الأمر الذي هو طلب الفعل، وهو لا يتناول الأمر الذي هو الشأن أصلًا، وإنما يطلق اسم الأمر على الشأن بسبب أن الشأن يجب بالأمر الذي هو لطلب الفعل، فكان فيه إطلاق اسم السبب على المسبب بطريق المجاز، فكان الافتراق في الجمعين باعتبار أن كلًا منهما حقيقة في موضعه لا أن يكون الأمر الذي نحن بصدد حقيقة الأمر الذي هو بمعنى الشأن، ومن ذلك أي ومن الخاص.

ص: 332