المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[المشكل] (لا ينال بالطلب) أي بالطلب وحده (وهذا الغموض في المعنى) - الكافي شرح أصول البزدوي - جـ ١

[الحسام السغناقي]

الفصل: ‌ ‌[المشكل] (لا ينال بالطلب) أي بالطلب وحده (وهذا الغموض في المعنى)

[المشكل]

(لا ينال بالطلب) أي بالطلب وحده (وهذا الغموض في المعنى) مثل قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} فصار هذا مشكلًا في حق داخل الفم والأنف، فهما دخلا في أشكالهما، وهي ظاهر البشرة وباطنها،

ص: 232

والتطهر غسل جميع البدن، فما كان ظاهر البدن داخل فيه، وما كان باطنه غير داخل فيه، فوجدنا باطنهما مشابهًا بالباطن من وجه ومشابهًا بالظاهر من وجه؛ لأنه إذا فتح فاه كان ظاهرًا، وإذا ضم شفتيه كان باطنًا، وكذا في حق الحكم، فإن الصائم إذا ابتلع بزاقه لا يفسد صومه، وكذلك إذا أخذ الماء بفيه ثم مجه لا يفسد صومه، وكذلك إذا أخذ الماء بفيه ثم مجه لا يفسد صومه أيضًا، فلما كان كذلك ألحقناهما بالظاهر في حق الجناية؛ لأن قوله:{فَاطَّهَّرُوا} للمبالغة، فكان مقتضاه غسل ما يمكن تطهيره، وداخلهما مما يمكن تطهيره فيدخل، وألحقناهما بالباطن في حق الحدث؛ لأن مطلق المواجهة لا يتناول باطنهما، فكان فيما قنا عمل بالشبهين بقدر الإمكان.

وكذلك قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شيءتُمْ} فكلمة "أني" تجئ بمعنى كيف، كما في قوله تعالى:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} وتجئ بمعنى من أين، كما في قوله تعالى:

{أَنَّى لَكِ هَذَا} فلو نظرنا إلى المعنى الأول لا يحل دبر المرأة المنكوحة، فكان هو بيان الصفة في حق أحوال المرأة من الاستلقاء والاضطجاع، ولو نظرنا إلى المعنى الثاني يحل؛ لأنه يعم المواضع، فتأملنا، وقلنا: إنها بمعنى كيف، فيحرم الدبر لقرآن قوله:{فَاتُوا حَرْثَكُمْ} لأن موضع حرث الولد هو القبل لا

ص: 233

غير وكذلك قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} فإن فيه خفاء؛ لأن ألف شهر من السنين، وفي كل سنة ليلة القدر، فكان فيه تفضيل الشيء على نفسه في حق الجزء.

قلنا: معناه أنها خير من ألف شهر لم يكن فيه ليلة القدر. أو لاستعارة بديعة، مثل قوله تعالى:

{قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} فالقارورة من الزجاج تكون لا من الفضة، فتأملنا فقلنا: إن تلك الأواني لا تكون من الزجاج، ولا بد من الفضة، بل لتلك الأواني حظ منهما، فإن للزجاج صفاء ليس هو للفضة وهو أن يجلي عما في باطنه، والفضة لها بياض ليس هو للزجاج، فكان لتلك الأواني صفاء الزجاج وبياض الفضة، وهما الصفتان الحميدتان لهما، فانتهت عنها الصفات الذميمة التي لهما.

وكذلك قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ} حيث يستفاد شدة العذاب من الإذاقة؛ إذ الشيء المر يعلم مرارته عند الذوق أكثر مما يعلم عند استمرار الشرب، ويستفاد اشتمال العذاب من اللباس، فكان قال: عذبها الله بعذاب هو مؤلم شامل.

ص: 234