الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَصَادِهِ} فإن الحق مجمل لا يدري أنه خمس أو عشر أو غير ذلك، وكذلك إذا أوصى رجل بثلث ماله لمواليه وله معتقون ومعتقون وأبناء العم وأنصار، فإنه مجمل يرجع فيه إلى بيانه، فإن مات بطلت الوصية؛ لفوات البيان وإنما كان كذلك؛ لأنه ليس فيه دلالة على أن المراد من هو؟ فإن في كل واحد منهم معنى يقتضى أن تكون الوصية له، ففي المعتقين إنعامهم عليه، وهو يقتضي أن تكون لهم جزاء لإنعامهم، وفي المعتقين إنعامه عليهم وهو يقتضي أن تكون الوصية لهم إتمامًا لذلك الإنعام؛ لقوله عليه السلام:"من أتى بالمبرة فليتمم". وفي أبناء العم صلة قرابتهم، وفي الناصرين جزاء نصرتهم، فهذا شيء لا يدرك بالعقل واللغة أن يكون المراد ما هو.
[تعريف المؤول]
(وأما المؤول) فهو مفعول فعل المؤول. دخل المؤول في أقسام النظم، وإن كان تبين المراد منه بالاجتهاد؛ لأن المجتهد يبين باجتهاده أن المراد من هذا النص هذا، ثم بعد ذلك أضيف الحكم إلى النص، فسار كأن النص ورد في هذا مع الاحتمال، والحكم جاز أن يثبت بنص فيه ضرب احتمال كالنصوص المحتملة للمجاز، ونص العام الذي خص منه البعض.
(فما ترجح من المشترك) وكذلك لو ترجح (بعض الوجوه) الخفي والمشكل (بغالب الرأي) يسمي مؤولًا والذي وقع تقيده من المشترك إنما وقع لسبق ذكر المشترك، لا لأن ذلك القيد لازم في تفسير المؤول، وقوله:" بغالب الرأي" قيد به؛ لأنه لو ترجح بعض وجوه المشترك وما في معناه بدليل قطعي كان مفسرًا لا مؤولًا على ما ذكر بعد هذا في الكتاب بقوله: (وليس هذا كالمجمل إذا عرفت بعض وجوهه ببيان المجمل، فإنه يسمى مفسرًا؛ لأنه عرف بدليل قاطع)، وليس هذا حكمًا مختصًا بالمجمل، بل كل مشتبه أمره إذا عرف بعض وجوهه بدليل قاطع يسمى مفسرًا.
وقيل السفر: كشف الظاهر، ومنه المسفرة، وهي المكنسة؛ لأنها تكشف ظاهر البيت، والمفسر: كشف الباطن، ومنه التفسرة، وهي الدليل
الذي يعرض على الطبيب؛ لأنها تحكي عما في الباطن، (فيكون هذا اللفظ مقلوبًا من التفسير)، ومثل هذا الكلام جائز، يقال: جذب وحبذ هذا على اختيار الفقهاء.
وأما صاحب "الكشاف" فإنه لا يجوز أن يكون أحدهما مقلوب الأخر؛ لاستوائهما في التصرف، وإذا استويا كان كل واحد منهما بناء على حياله، فكان كل واحد منهما أصلًا برأسه. ذكره في تفسير قوله تعالى:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ} . ومن هذا الجنس ما ذكره في كتاب "أدب الكتاب": قولهم: اضمحل، وامضحل. أي ذهب. ثنت اللحم ونثت بتأخير النون وتقديمه أي أنتن. وكذلك الصاعقة، والقاصعة، وغرسه،
ورغسة وأبنضت القوس، أنبضتها إذا أنت جذبت وترها، ثم أرسلته فصوت، وما أطيبه، وما أيطبه.
(وهذا معنى قول النبي- عليه السلام:- "من فسر القرآن برأيه")
يعني قال النبي- عليه السلام: "من فسر القرآن برأيه". ولم يقل: من أول القرآن، برأيه، فإن المؤول غير مستحق لهذا الوعيد، بل المفسر برأيه هو مستحق لهذا الوعيد، يعني لما علمت أن المفسر هو مكشوف المعنى بلا شبهة، كان المفسر هو الذي يقول في كلام الله بأن مرد الله تعالى من هذه الآية هذا لا غير، فإن ذلك مكشوف بلا شبهة قاله ذلك برأيه، ومن قال ذلك في الآيات المؤولة برأيه كان جاعلًا نفسه بمنزلة صاحب الوحي في العلم بمراد الله تعالى برأيه وهو كفر، فلذلك "يتبوأ مقعدة من النار"؛ لأن النار معدة للكافرين.
لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} التبرؤ: جاي كرفتن. وقوله: {فليتبوأ مقعده من النار} أي فمقعده النار، فكان هذا أمرًا في معنى الخبر، بخلاف قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} فإن ذلك خبر في معنى الأمر، أي ليتربصن.
(وفي هذا إبطال قول المعتزلة في أن كل مجتهد مصيب)، فإن عندهم لما كان كل مجتهد مصيبًا لم يتصور الخطأ في الاجتهاد، فحينئذٍ من فسر القرآن برأيه أيضًا كان مصيبًا، والمصيب في اجتهاده لا يستحق الوعيد، وقد أوعد النبي عليه السلام على المفسر بالاجتهاد برأيه.
علم أن المجتهد يكون مخطئًا، فكان فيه إبطال لقولهم: إن كل مجتهد مصيب. وإنما وقعوا في هذا لقولهم بوجوب الأصلح على الله تعالى على ما ذكره المصنف- رحمه الله في باب معرفة أحوال المجتهدين من هذا الكتاب.