الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسماعيل النابلسي
إسماعيل بن أحمد ابن الحاج إبراهيم النابلسي، الشيخ العالم العلامة، الإمام الأوحد الفهامة، الهمام، شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، كاشف المعضلات من المسائل العلمية، محقق الدلائل العقلية والنقلية، أستاذ العصر، ومفرد الوقت، تصدر للإفتاء والتدريس، وصار إليه المرجع بعد شيخ الإسلام الوالد. مولده كما وجدته بخط المنلا أسد سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، واشتغل في صباه على جماعة من أهل العلم في النحو والصرف، وحفظ القرآن العظيم، وألفية ابن مالك، ثم لازم الشيخ أبا الفتح السبستري هو وصاحبه الشيخ عماد الدين الحنفي، ثم رافقهما الشمس بن المنقار، والمنلا أسد، والشمس الصالحي وغيرهم، وبالشيخ أبي الفتح تخرج في المنطق، والنحو، والمعاني، والبيان، والأصول، والتفسير وغير ذلك، ثم لزم العلامة الشيخ علاء الدين بن عماد الدين في المعقولات وغيرها، وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد كثيراً، وأخذ إسماعيل عن شيخ الإقراء الشيخ شهاب الدين الطييي، وقرأ المنهاج على العلامة الفقيه القاضي نور الدين السنفي، وحضر تقسيم المحلي عليه رفيقاً للشيخ محمد الحجازي، وشيخنا الشيخ أحمد العيثاوي، والشيخ أحمد القابوني، وأجازه بالإفتاء والتدريس، وكان يبحث معه في مجلس درسه كثيراً، ودرس بالجامع الأموي، ثم بدار الحديث الأشرفية، وبالشامية البرانية عن الشيخ شهاب الدين الفلوجي، وكان قاضي دمشق حينئذ عرض فيها للشيخ الحجازي، وأرسل الشيخ إسماعيل ساعياً في طلبها من إسلام بول، فسبق ساعيه، ووجهت المدرسة إليه، فوليها إلى أن مات، ودرس بالدرويشية بشرط واقفها، وضم له إليها تدريس العادلية الكبرى. وكانت دروسه حافلة لصفاء ذهنه، وطلاقة لسانه، وحسن تقريره، وله شعر منه قوله أحجية في عاقر قرحا:
مولاي يا خير مولى
…
ويا سليم القريحه
ما مثل قول المحاجي
…
يوماً عجوز قريحه
وكتب له العلامة شمس الدين محمد بن نجم الدين الصالحي الهلالي:
أمولاي إسماعيل يا خير مرتجى
…
ويا فاتحاً باباً من العلم مرتجا
ويا روض علم أينعت ثمراته
…
ويا بحر علم فاض لما تموجا
بتحرير تحقيق هديت لمطلب
…
عزيز فأضحى للأفاضل منهجا
سألتك عن شخص تحرر نصفه
…
ونصف رقيق لم يجد منه مخرجا
جنى واعتدى عمداً على يد نفسه
…
فأفضل عضو بالدماء مضرجا
فماذا عليه للذي حاز نصفه
…
وما نص حكم بالشريعة انتجا
فأجابه صاحب الترجمة بقوله:
أكامل هذا العصر في العلم والحجى
…
وموضح ما من غيهب الشك قد دجا
ويا شمس دين الله يا فاضلاً غداً
…
من الشمس شمس الكون أبهى وأبهج
لك الله من حبر له فضل فطنة
…
تضوع منك المسك لما تأرجا
لقد جاءني من بحر علمك جدول
…
ففرح قلبي حين همي فرجا
على حين أوقات تفاقم أمرها
…
وطاعونها قد قل منه الذي نجا
فقلت وقلبي بالهموم مشتت
…
وعيني تنشي بحر دمع تموجا
لقد أهدر الجاني بذلك عضوه
…
وإن كان عضواً بالدماء مضرجا
وقد فقد المولى يدي عبده فما
…
لها بدل بل خاب من دونه وارتجى
أو الثمن ممن قابل الذات لازم
…
أو الربع يعطيه المبعض مزعجا
كما في فتاوي المروزي ذاك كله
…
وأوسطها رجح سلمت من الشجا
فهاك جواباً لا برحت مسدداً
…
مجيداً مفيداً للفروع مخرجا
ودم أبداً في نعمة وسعادة
…
معيناً مغيثاً كل خطب مفرجاً
ولبعضهم:
يا أيها النحوي ما اسم قد حوى
…
من مانعات الصرف خمس موانع
ويزول من تلك الموانع علة
…
فيعود مصروفاً بغير منازع
أجاب عنه الشيخ إسماعيل:
يا أكمل الفضلاء يا من قد غدا
…
في فضله فرداً بغير مدافع
في أذربيجان لقد ألغزت إذ
…
شنفت باللغز البديع مسامعي
وعظم أمره، ورزق الحظ من المال، والخدم، والكتب، والجاه، ونفوذ الكلمة، وصار بعد موت الوالد مرجع أهل دمشق، وله الصدارة فيها، وكان سريع الكتابة على الفتوى، وكان يفتي معه الشيخ محمد الحجازي، والشيخ أحمد ابن الشيخ شهاب الدين الطيبي، وشيخنا،
وكان شيخنا الشيخ أحمد العيثاوي أمثلهم، والمرجع في مذهب الشافعي إذ اختلفوا، وكان الشيخ إسماعيل أوجههم، وأنفذها كلمة، وكان الشيخ إسماعيل محسناً في حق الطلبة في المال، وبالشفاعة في الوظائف والمناصب له الحظ الوافر في الكتب. جمع كتباً كثيرة نفيسة، وكان يكثر من إعارة الكتب، وصار عين الشافعية بدمشق، بل عين علمائها، ورأس عظمائها، وكان يستأجر القرى والمزارع كثيراً، ورزق الحظ فيها، ولم يرغب في الأملاك والعقارات إلا شيئاً قليلاً. وملك
داراً بالقرب من الأموي لصيق سوق العنبرانيين وعمرها، وكان ملازماً لصلاة الجماعة في الصلوات الخمس بالجامع الأموي مع الأولى، وكان له أفضال على القضاة والنواب والكتاب، وأكثر النواب والكتاب هو الذي قدمهم ورتبهم، وهم في نعمته وأفضاله، وكلهم يرجع إلى مشاورته، ويصدر عن رأيه، وكان موقراً موفر الحرمة، سابغ النعمة، لم يجر عليه من نوائب الدهر، ومحن الزمان إلا قصة القابجي الذي عين في فتنة ميراث محمود الأعور بوشاية السقا يوسف، وكان أصل الفتنة مداخلة رئيس الكتاب محمد بن خطاب والد القاضي كمال الدين، وأكثر جماعة القاضي للميراث، فاعتقل القاضي محمد بن خطاب وولده وأهانهما، واعتقل جماعة آخرين منهم صاحب الترجمة، والشيخ محمد الحجازي، ثم كانت النصرة للشيخ إسماعيل من جانب مفتي الروم يومئذ محمد أفندي جوي زاده سبباً لاستخلاص الباقين، والانتقام من القابجي بشنقه في أمور يطول شرحها، ثم عادت دولة الشيخ إسماعيل له، وتوفرت حرمته، وبقي على نفع المسلمين بالإفتاء والتدريس والتعليم إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن بمقبرته التي اشتراها شمالي مقبرة باب الصغير بالقرب من جامع جراح. ورثاه الفضلاء بمراث منها هذه القصيدة للعلامة المنلا أسد رحمه الله تعالى:
مصيبة قد أذابت مني الكبدا
…
وأسهرت لي طرفاً طالما رقدا
وأفنت الصبر عن قلبي، وقد وضعت
…
مكانة الوجد والتبريح والكيدا
إلى متى نحن في ذا الدهر في حرج
…
وحقنا أن نديم الحزن والكمدا
إلى متى نحن فيها غافلون وقد
…
تدير كأس المنايا بيننا أبدا
ونحن كالشرب بعض مال ساعته
…
والبعض منتظر حتى يميل غدا
ألا ترى كيف إسماعيل سيدنا
…
كهف الأنام ومنيتهم إمام هدى
ثوى وخلفنا رهن الأسى أبداً
…
وسار نحو جنان الخلد منفردا
من للفتاوى إذا أضحت مشتتة
…
من للدروس إذا ما طالب قصدا
من للتصانيف من للمشكلات وقد
…
أضحى رهيناً بقبر لا يجيب ندا
يا لهف نفسي عليه كيف غيب في
…
بطن الثرى، وهو بحر العلم قد زبدا
يا حسرتي، وهو طود الفضل شامخه
…
فكيف وارته تحت الأرض كف ردى
يا من غدا طالباً للعلم مجتهداً
…
خفض عليك، فسوق الفضل قد كسدا
أبكيه ما دمت حياً بالدموع وقد
…
قل البكاء له مني، وإن نفذا
أبكيه ما دمت في الدنيا رهين أسى
…
ولا أرى بعده لي عيشة رغدا
إن كان قد فارق الدنيا فلا أسف
…
فإنه بنعيم الخلد قد سعدا
فإنه قال مولانا وسيدنا
…
نبينا من إلى السبع العلى صعدا
قولاً عظيماً عجيباً فيه منقبة
…
أتى به المصطفى الهادي الشفيع غدا
بأن عالمنا مثل النبي غدا
…
في سالف الدهر فأفهمه تحز رشدا
وقال الشيخ أحمد العناياتي النابلسي شاعر دمشق:
ألم تر عقد الفضل كيف تبددا
…
وعطل منه إذ تحلى به الردى
فنوء المعاني كيف تهوى نجومها
…
فما للندى نوء ولا نور للهدى
أرى الدهر يرمي نفسه بمصائب
…
ويهدم ما من شامخ العز شيدا
تحلى بصداء العلوم، فكيف قد
…
تحلأ عنها ظامياً يشتكي الصدى
لذاك تراه شائب اليوم لابساً
…
على فقد مولاه من الليل أسودا
وليس الشتا والصيف إلا مدامعاً
…
لمقلته أو حر قلب توقدا
لقد أسعدت عيناي عينيه بالبكا
…
وناوحت بالشجو الحمام المغردا
على كامل لم ألف من حر فقده
…
على الأرض يطفي الحزن ماء مبردا
لو أني أعطى في المنايا لي المنى
…
فدا ألف عين فاضلاً كيف أوحدا
فكيف بمن في نابلوس ومهجتي
…
فديت أبا المجد الهمام أبا الفدا
لقد ثكلتك الشام واحد عصره
…
عقمن الليالي مثله أن تولدا
وقد فقدت منه المدارس بدرها
…
إذا قال أبصرت الفصيح تبلدا
إمام إذا قال الكلام تزال لا
…
يزال بسيف من ذكاه مؤيدا
يشوقك وجهاً يملأ العين بهجة
…
وصدراً بعقد الاجتهاد مقلدا
فيا عمدة الطلاب كيف تركتهم
…
حيارى وكل منشد فيك مرشدا
وحزت المعاني والبيان مطول
…
عليك يبكي عبدها منك سيدا