الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[161/أ] فصل
وهل يُشترط أن يسمع نفسه أو يكفي تحرُّك لسانه بالاستثناء، وإن كان بحيث لا يسمعه؟ فاشترط أصحاب أحمد وغيرهم أنه لا بدَّ وأن يكون بحيث يسمعه هو أو غيره. ولا دليلَ على هذا من لغةٍ ولا عرفٍ ولا شرعٍ، وليس في المسألة إجماع.
قال أصحاب أبي حنيفة ــ واللفظ لصاحب «الذخيرة»
(1)
ــ: وشرط الاستثناء أن يتكلَّم بالحروف سواء كان مسموعًا أو لم يكن، عند الشيخ أبي الحسن الكرخي. وكان الفقيه أبو جعفر يقول: لا بدَّ وأن يسمع نفسه، وبه كان يفتي الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يميل إلى هذا القول
(2)
، وبالله التوفيق.
وهذا بعض ما يتعلَّق بمخرج الاستثناء، ولعلك لا تظفر به في غير هذا الكتاب.
فصل
المخرج الخامس: أن يفعل المحلوفَ عليه ذاهلًا
، أو ناسيًا، أو مخطئًا، أو جاهلًا، أو مُكرَهًا، أو متأولًا، أو معتقدًا أنه لا يحنَث به تقليدًا لمن أفتاه بذلك، أو مغلوبًا على عقله، أو ظنًّا منه أن امرأته طلِّقت فيفعل المحلوف عليه بناءً على أن المرأة أجنبية فلا يؤثِّر فعلُ المحلوف عليه في طلاقها شيئًا.
(1)
انظر أصله «المحيط البرهاني» (4/ 494).
(2)
انظر: «الاختيارات» للبعلي (ص 372).
فمثال الذهول أن يحلف أنه لا يفعل شيئًا هو معتاد لفعله، فيغلب عليه الذهول والغفلة فيفعله.
والفرق بين هذا وبين الناسي أن الناسي يكون قد غابت عنه اليمين بالكلية، فيفعل المحلوف عليه ذاكرًا له عامدًا لفعله، ثم يتذكر أنه كان قد حلف على تركه. وأما الغافل والذاهل واللاهي فليس بناسٍ ليمينه، ولكنه لَهِيَ عنها أو ذَهَل، كما يذهَل الرجل عن الشيء في يده أو حِجْره بحديثٍ أو نظرٍ إلى شيء أو نحوه كما قال تعالى:{وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس: 8 - 10].
يقال
(1)
: لَهِيَ عن الشيء يلهَى كغَشِي يغشَى إذا غفل عنه، ولَها به يلهو إذا لعب. وفي الحديث:«فلَهِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشيء كان في يديه»
(2)
أي اشتغل به، ومنه الحديث الآخر:«إذا استأثَر الله بشيء فَالْهَ عنه»
(3)
. وسئل الحسن عما يجده الرجل من البِلَّة بعد الوضوء والاستنجاء، فقال:«الْهَ عنه»
(4)
. وكان ابن الزبير إذا سمع صوتَ الرعد لَهِي عن حديثه
(5)
. وقال
(1)
اعتمد المؤلف في شرح هذه المادة وذكر شواهدها على «النهاية» لابن الأثير (4/ 282 - 283).
(2)
لم أجده مسندًا، وهو من حديث سهل بن سعد في «النهاية» (4/ 283).
(3)
لم أجده مسندًا. وهو في «النهاية» (4/ 283).
(4)
رواه أبو عبيد في «غريب الحديث» (4/ 303).
(5)
رواه أبو عبيد في المصدر السابق (4/ 302 - 303). ورواه بدون لفظ الشاهد مالك (2/ 992) والبخاري في «الأدب المفرد» (723) وأبو داود في «الزهد» (371) وابن أبي شيبة (29824) والبيهقي (3/ 362) من طريق عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان الذي سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ثم يقول: إن هذا لوعيدٌ لأهل الأرض شديد. وإسناده صحيح، صححه النووي في «المجموع» (5/ 93) وابن الملقن في «تحفة المحتاج» (ص 567) والعيني في «العلم الهيب» (413).
عمر رضي الله عنه لرجل بعثه بمال إلى أبي عبيدة ثم قال للرسول: «تَلَهَّ عنه ثم انظُرْ ماذا يصنع به»
(1)
. ومنه قول كعب بن زهير
(2)
:
وقال كلُّ صديقٍ كنتُ آمُلُه
…
لا أُلهِينَّك إنّي عنك مشغول
أي لا أَشْغَلُك عن شأنك وأمرك. وفي «المسند»
(3)
: «سألتُ ربّي أن لا يعذِّب اللاهينَ من أمتي» ، وهم البُلْه الغافلون الذين لم يتعمَّدوا الذنوب، وقيل: هم الأطفال الذين لم يقترِفوا ذنبًا.
فصل
وأما الناسي فهو ضربان: ناسٍ لليمين، وناسٍ للمحلوف عليه. فالأول ظاهر، والثاني: كما إذا حلف على شيء ففعله وهو ذاكر ليمينه، لكن نسي أن
(1)
ذكره ابن الأثير في «النهاية» (4/ 283).
(2)
في قصيدته المشهورة ضمن «ديوانه» (ص 19). وفيه: «لا أُلْفِينَّك» . وبرواية المؤلف في «النهاية» (4/ 283) وعنه في «لسان العرب» (لها).
(3)
لم أجده في «مسند أحمد» ، ورواه أبو يعلى (3570، 3636، 4101، 4102) والبغوي في «الجعديات» (2906) وابن بشران في «الأمالي» (1561) والضياء في «المختارة» (2639) من طريقين عن أنس. وضعَّفه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 44) والمؤلف في «طريق الهجرتين» (ص 860)، وحسّنه الألباني في «الصحيحة» (1881).