الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكاء قلبه، وأسهم في إطفاء بعض الحرائق، وإيقاد بعض الشموع، ليكشط ما يستطيع من ظلام المادّة الثقيلة الوطأة، ويخفّف من غلواء النفوس المادية، ويكسر الحصار عن النور .. ولكنها ظلمات بعضها فوق بعض ..
اسمه ونسبه ونشأته:
محمود بن شيت خطّاب ولد في مدينة الموصل - شمال العراق - عام 1919 م من أبوين عربيين، فأبوه من قبيلة الدليم - فرع الصقور الذين يتصل نسبهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم من جهة الحسن بن عليّ رضي الله عنهما، وأمّه قيسية، وهي بنت الشيخ مصطفى بن خليل، من علماء الموصل.
لم يلبث في حضن أمه إلا عاماً أو بعض عام، ثم زاحمه أخوه الذي وُلد بعده بأشهر، فانتقل إلى حضن جدّته لوالده، وهي امرأة تقيّة نقيّة، تقضي أكثر ساعات ليلها في تهجّد وتسبيح وبكاء من خشية الله تعالى، وهي حسينية النسب، تتصف بالعقل والكرم والصدق وحبّ الناس، فانغرست هذه الفضائل في نفس الطفل، ونمتْ بنموّه، فشبّ الطفل على الوفاء لمن أحسن إليه، وعلى حبّ الناس، والعطف على الضعفاء والفقراء والمساكين ..
روى خطّاب لنا في بعض كتبه - عن جدّته الصالحة أنها " آثرت أن تبقى جائعة تقدّم طعامها إلى ضيف قدم على غير ميعاد.
" وأنها قدّمت طعامها الذي كانت تتناوله إلى فقير طرق الباب، وهي تقول فرحة مستبشرة: حصَّتي في الجنة.
" وجاءها - مرة - فقير يرتدي أسمالاً بالية، فخلعت ثوبها، وكسته به. وحين عادت إلى غرفتها لترتدي ثوباً آخر، كانت مسرورة بعملها سروراً لا يوصف.
" وكانت تردّد - كلما أكلت وشبعت -: اللهمّ كما أطعمتني، فأطعم كل فقير "(1).
وقال عنها: " كانت تصحبني إلى المسجد القريب لصلاة المغرب، فإذا قُضيت الصلاة، أصغيت معها من مقصورة النساء إلى مواعظ الملك داود، ذي الأسلوب المؤثر، حتى تنهض لصلاة العشاء
…
فإذا أوينا إلى النوم، أخذت بذكر الله والاستغفار، ثم لا تدعني حتى تتحقق من نومي، فتتسلل لصلاة القيام.
ولطالما استيقظتُ على نشيجها أثناء ذلك، فإذا ما شعرتْ بي، عادتْ لتحنو عليّ.
واستمرّ هذا دأبها حتى توفّاها الله، وأنا في السادسة عشرة، فكان لوفاتها وقعٌ لا ينسى " (2).
وأبوه كان صالحاً، يعمل في التجارة وتربية المواشي، وكان يتطلع إلى ولد صالح يرزقه الله إياه، فيتعلم علوم الدين والعربية، ويؤمّه في الصلاة، فرُزق محموداً، فوجّهه الوجهة التي يريد، فانطلق إلى مشايخ الموصل، يتعلم منهم القرآن والحديث واللغة العربية.
وهكذا نشأ الفتى في بيت علم وفضل ودين، يُتلى فيه القرآن في الأمساء والأصباح، وتقام فيه الصلوات، ويلتزم كلُّ مَنْ فيه بالدين الحنيف، ويتعاونون على البرّ والتقوى، ويضمّ في جنباته مكتبة عامرة بالكتب والمصادر المطبوعة والمخطوطة.
(1) الإسلام والنصر، ص 81.
(2)
محمد المجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم: 1/ 328.