المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما علاقة القيادة بالعقيدة - اللواء الركن محمود شيت خطاب

[عبد الله محمود الطنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقَدّمَة

- ‌الفصْل الأوّل لمحات من حياته

- ‌عصره:

- ‌اسمه ونسبه ونشأته:

- ‌دراسته:

- ‌في الجيش:

- ‌في الصحافة:

- ‌في الإذاعة والتلفزيون:

- ‌أهم الموضوعات التي كان يكتب فيها:

- ‌هذا وقد كتب ما كتب ضمن المحاور الأربعة التالية:

- ‌1 - محور التاريخ العربي الإسلامي العسكري:

- ‌2 - محور اللغة العسكرية:

- ‌3 - محور العدو الصهيوني:

- ‌4 - محور الدعوة الإسلامية، والدفاع عن الإسلام ديناً، والعربية لغة

- ‌المؤتمرات العلميّة:

- ‌في الكليات العسكرية:

- ‌في الوزارة:

- ‌وفاته:

- ‌مواقفه

- ‌1 - مواقفه في نصرة دعاة الإسلام:

- ‌أ - مع سيد قطب:

- ‌ب - مع المودودي:

- ‌2 - موقفه من اللهجة العاميّة:

- ‌3 - موقفه من شعر التفعيلة:

- ‌4 - موقفه من اللغة العربية:

- ‌5 - يرفض رفضاً قاطعاً دعوة أعداء العربية إلى كتابتها بالحروف اللاتينية، تحت أيّ ذريعة

- ‌6 - موقفه من الحضارة الغربية:

- ‌7 - موقفه من أدب الجنس:

- ‌8 - موقفه من يهود والصهاينة:

- ‌9 - موقفه من المستشرقين:

- ‌10 - بناء الرجال:

- ‌11 - شروط النَّهضة:

- ‌12 - مع الزعماء:

- ‌13 - موقفه من الوحدة العربية:

- ‌14 - الإسلام هو الحل:

- ‌15 - موقفه من الأرقام:

- ‌16 - كتابة القرآن بالإملاء الحديث:

- ‌17 - يقول بالاتباع، ويصرّ عليه، ويرفض الابتداع في الدين

- ‌18 - يرى أن العلم يحتاج إلى تفرّغ كامل

- ‌المناضل المجاهد

- ‌الفصل الثّاني تعريف بمؤلفاته

- ‌مسرد بالكتب المطبوعة

- ‌1 - في التراجم:

- ‌2 - في الدراسات العسكرية:

- ‌3 - قصص وحكايات:

- ‌4 - في النقد:

- ‌الإهداءات

- ‌الرسول القائد صلى الله عليه وسلم

- ‌قادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌قادة فتح السند وأفغانستان

- ‌قادة الفتح الإسلامي في أرمينية

- ‌قادة الفتح الإسلاميفي بلاد ما وراء النهر

- ‌بين العقيدة والقيادة

- ‌ما علاقة القيادة بالعقيدة

- ‌ومضات من نور المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌التصور الصهيوني للتفتيت الطائفي والعرقي

- ‌المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم

- ‌دراسات في الوحدة العسكرية العربية

- ‌طريق النصر في معركة الثأر

- ‌ عوامل قوة إسرائيل:

- ‌ عوامل ضعف إسرائيل

- ‌الأيام الحاسمة قبل معركة المصير

- ‌الإسلام والنصر

- ‌الأدلة الرسميةفي التعابي الحربية

- ‌الأديب القاص

الفصل: ‌ما علاقة القيادة بالعقيدة

" وكلُّ جيش في العالم مؤلف من عنصرين: عنصر مادي، وعنصر معنوي ".

" والمعنويات هي العقيدة، وقد أثبت تاريخ الأمم أن الجيوش لا تهزم لقلَّة مواردها، بل لضعف عقيدتها "، وقد قرر عباقرة العسكريين أن المعنويات كانت، ولا تزال، وستبقى عاملاً حاسماً في إحراز النصر.

وعَرَّفَ القيادة بأنها الأعمال التي يضطلع بها القائد في قيادة الجنود، والقائد من كان على رأس الجماعة، وكان للجماعة رأساً يتبعه الناس. ثم تساءل:

‌ما علاقة القيادة بالعقيدة

؟

وأجاب بأنه لا بد للإجابة على هذا التساؤل، من مراجعة تراثنا العربي الإسلامي أولاً، والمصادر العسكرية الحديثة ثانياً.

وفي بحثه (مع التراث العربي الإسلامي) جال جولات في هذا التراث المتميز بأصالة بحوثه العسكرية، ودقّتها، وشمولها، فقد بلغ العرب في العلوم العسكرية شأواً بعيداً، حتى إن صفات القائد مسطرة ليس في الكتب العسكرية وحسب، بل في كتب الفقه أيضاً .. وقد اقتصر المؤلف على خمسة كتب منها، وكلها تؤكد أن القائد العسكري يجب " أن يجعل رأس سلاحه في حربه: تقوى الله وحده، وكثرة ذكره، والاستعانة به، والتوكل عليه، والفزع إليه، يسأله التأييد والنصر، والسلامة والظفر، وأن يعلم أن ذلك إنما هو من الله جل ثناؤه، لمن شاء من خلقه، وكيف شاء، لا بالأرب منه والحيلة، والاقتدار والكثرة، وأن يبرأ إليه - جلّ وعزّ - من الحول والقوة، في كل أمر ونهي ووقت وحال، وألا يدع

ص: 91

الاستخارة لله في كل ما يعمل به، وأن يترك البغي والحقد، وينوي العفو، ويترك الانتقام عند الظفر، إلا ما كان لله فيه رضا، وأن يستعمل العدل وحُسن السيرة، والتفقد للصغير والكبير بما فيه مصلحة رعيته، وأن يعتمد في كل ما يعمل به في حربه، طلب ما عند ربه عز وجل، ليجتمع له به خير الدنيا والآخرة ".

و" أن يكون حسن السيرة، عفيفاً، صارماً، حذراً، متيقظاً، شجاعاً ".

وقرر الماوردي في (الأحكام السلطانية) أنه:

" يجب أن يأخذ جيشه بما أوجبه تعالى من حقوقه، وأمر به من حدوده، حتى لا يكون بينهم تجوّرٌ في دين، ولا تحيُّفٌ في حق ".

وجاء في كتاب (الأحكام السلطانية) للقاضي أبي يعلى: " أن يقصد بقتاله نصرة دين الله تعالى .. ولا يقصد في جهاده استفادة المغنم، فيصير من المتكسبين، لا من المجاهدين ".

وهكذا نقل بعض النُّقول من كتاب (السياسة الشرعية) لابن تيمية، ومن كتاب (الأدلة الرسمية في التعابي الحربية) لمحمد بن مَنْكَلي نقيب الجيش في سلطنة الأشرف شعبان على مصر، ثم انتقل إلى العصر الحديث، وإلى المشير مونتكمري على وجه الخصوص، لإقناع من لا يقنع إلا بما يقوله الأجانب من الشرق أو الغرب.

اقتبس المؤلف من كتاب مونتكمري (السبيل إلى القيادة) عدّة اقتباسات تؤيّد وجهة نظره، في الربط بين القيادة والعقيدة، وخصّ هذا الكتاب، لأنه مبنيٌّ على تجارب عمليّة امتدت خمسين سنة في الخدمة العسكرية.

ص: 92

ومن صفات القائد الناجح عنده، أن يكون متفائلاً دائماً، وأن يكون ذا عزيمة وثبات في وجه المصاعب، وأن يبثّ الثّقة في نفوس رجاله، وأن يكون مخلصاً، فيه غيريّة وإيثار. ثم يتساءل مونتكمري:

" هل من علاقة للدّين بالقيادة؟ ".

ويجيب هو نفسه: " لا يستهوي القائد الكثيرين من الناس، إن لم يتحلَّ بالفضائل الدينية ".

والفضائل الدينية عنده هي: الهُدى، والعدالة، والانضباط والجلادة، ثم يذكر - مونتكمري - أن محمداً صلى الله عليه وسلم، كان من أعظم القادة في كل الأزمان.

ويعتبر العامل الأكبر في نفوذ القائد ونجاحه، هو إخلاصه، وكونه قدوة، وخاصة في الفضائل الدينية، ولا يهمّ أن يكون القائد من الطبقة العليا أو السُّفلى في مجتمعنا، ويقول:

" إنني لا أدري كيف يكون قائداً، إن لم تكن حياته الخاصة فوق الشبهات، فإن لم تكن حياته الخاصة فوق الشبهات، فلن يحترمه الذين يقودهم، ويسحبون ثقتهم منه، وإذا ما حدث ذلك، فستفقد قيادته تأثيرها ".

ويقول: " أعتقد بأن الاستقامة في القضايا المعنوية الكبرى، وفي الفضائل الدينية، أمر ضروري لنجاح القائد ".

ويقول: لقد اقتضت القيادة العسكرية دوماً مهارة فنيّة، وقوة وخصالاً روحية " (1).

(1) السبيل إلى القيادة: ص 21.

ص: 93

ويقول: " يجب أن يكون القائد مستقيماً كلّ الاستقامة "(1).

" ويجب أن يكون ذا يقين باطني يسمو أحياناً فوق العقل "(2).

وهكذا يستمر استعراض المؤلف كتاب مونتكمري، وفي نُقُوله منه، وهي مهمّة، لأنّها تبيّن صلة العقيدة والتربية والسلوك الحسن، بالقيادة الناجحة.

وأخيراً، يصف اللواء خطاب، المشير مونتكمري بقوله:

" بقي أن تعرف، أنّ مونتكمري متدين إلى أبعد الحدود، لم يدخّن، ولم يعاقر الخمر، ولم يكشف ذيله على حرام، وكان في حياته مستقيماً، متقشفاً، ومع ذلك، فهو أعظم القادة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ".

فأين من يدّعي أن القيادة والعقيدة متناقضان؟

ويسير اللواء خطاب خطوات (مع القادة الآخرين) كالمشير (ويفل) من أبرز القادة الإنكليز في الحرب الثانية، وآيزنهاور القائد العام لقوّات الحلفاء في أوروبة، وكان متديّناً، ورعاً، ملتزماً بتعاليم الدين - المسيحي طبعاً، وهو الذي صار رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية - وغيرهم من الفرنسيين أو الغربيين عامة، ممن ينهلون من مناهل الدين، ويعانقون بين العقيدة والقيادة، ويخلص إلى القول:

" إن العقيدة ضرورية للغاية، للقائد وللجنود أيضاً، والتمسّك بعقيدة فاسدة، خير من التخلي عن أيّ عقيدة.

(1) السبيل إلى القيادة: ص 62.

(2)

المرجع السابق: ص 64.

ص: 94

" وقد كان من جملة أسباب اندحار العرب في حرب حزيران سنة 1967 م هو تخليهم عن عقيدتهم السماوية العظيمة. لذلك انتصرت العقيدة الفاسدة التي يتمسّك بها اليهود، على من لا عقيدة لهم .. ويوم يعود العرب إلى عقيدتهم، فلن يُغْلَبُوا من قلة أبداً ".

ثم انتقل المؤلف إلى بحث (الإسلام والنصر) فكتب عن أثر الإسلام في العرب، وحاول الاقتصار على الناحية العسكرية، لأنها هي التي جعلت لهم مكانة سامية بين الأمم، لأن الدول لا تحترم غير الأقوياء ..

تحدّث عن العرب في الجاهلية؛ عن إيجابياتهم وسلبياتهم، حتى إذا جاء الإسلام، وحَّدَ عقائدهم، وأهدافهم، وصفوفهم، ونظّمهم، ونقَّى أرواحهم، وقضى على سلبياتهم، وأكد مكارم الأخلاق عندهم .. وتسامت تعاليمه بمستواهم العقلي، وكان لعقيدة اليوم الآخر، أثر عظيم في بيع كثير منهم نفوسهم في سبيل إعلاء كلمة الله .. لقد كان فضل الإسلام على العرب عظيماً.

وفي بحث (الإسلام في مجال التربية العسكرية) تحدث عن التدريب الفردي، فعرّفه، وأشار إلى الصفات الخالدة للجندي الحق، كالطاعة، أو الضبط، والصبر، والثبات، والشجاعة، والحذر واليقظة وعدم الاستهانة بالعدو، وأن يجاهد بماله ونفسه في سبيل الله، وأن يكون متقناً لفنون القتال.

ثم تحدث عن التدريب الإجمالي، والحرب العادلة، والحرب النفسية، وعزة الإسلام، ثم انتقل إلى الحديث عن (التطبيق العمليّ في عهد النبوة) .. في مكة المكرمة، حيث تعرّض للأهوال، ثم كانت الهجرة بعد بيعتي العقبة، وفي المدينة المنورة لقي الألاقي من يهود والمنافقين

ص: 95

والمشركين، ثم كان الإذن بالقتال، والجهاد الحاسم في بدر، وأحد، وسائر الغزوات الأخرى، حيث كان الرسول القائد صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة لسائر المسلمين.

وفي حديثه عن الصحابة الكرام، ذكر ما قدّموه من تضحيات جسام في شتى المجالات والنواحي، الأمر الذي جعل الرسول القائد صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالهجرة من مكة المكرمة إلى الحبشة.

وفي المدينة المنورة تآخى المهاجرون والأنصار مؤاخاة لم يعرفها التاريخ، ولم يعرف مثلها أو ما هو أدنى منها، وأظهر المسلمون إخلاصاً عجيباً لعقيدتهم، فقاطعوا أقرباءهم وحلفاءهم من يهود ومنافقين، ثم خاضوا معركة بدر، حيث التقى الآباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة .. خالفت بينهم المبادئ، ففصلت بينهم السيوف.

وفي معركة أُحد استبسل المسلمون، وقدّموا سبعين شهيداً، كان فيهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب. وفي كارثة الرجيع قدّموا ستة شهداء، ويوم الأحزاب زُلزل المسلمون أو كادوا، وكانت محاسبة الغادرين من يهود بني قريظة عادلة، وكان إخلاص الأنصار عجيباً.

وفي الحديبية، وفي مؤتة، وفي سواهما، كان المسلمون وسيبقون مضرب الأمثال في الإخلاص لإسلامهم، والتضحية في سبيل الله تعالى.

ومن يقرأ ما كتبه المؤلف، واستشهد عليه، يجد العجب العجاب.

ثم انتقل الكاتب إلى التطبيق العمليّ في أيام الفتح الإسلاميّ العظيم، أيام الصحابة والتابعين، فتحدّث عن التخطيط الأول للفتح الإسلامي، الذي كان نسيج وحده في تاريخ البشر، لا يشبهه فتح، ولا يدانيه، ولا يقاس به.

وقد كان الرسول القائد صلى الله عليه وسلم هو المخطط الأول للفتح الإسلامي،

ص: 96

فهو واضع الخُطّة التمهيدية التي حملت الجيوش الإسلامية على فتح أرض الشام، وتأسيس أول ركن لدولة الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية، على الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، في معركة مؤتة التي كانت نتائجها وآثارها بعيدة المدى، ثم في غزوة تبوك التي كانت إيذاناً بانطلاق الفتح الإسلامي لتحقيق أهدافه.

وتحدّث المؤلف عن (بعث أسامة بن زيد)، وأثره في المرتدين وغيرهم، وتأديب القبائل العربية القاطنة في الشمال، تلك التي ما لبثت أن دخلت في الإسلام، وصارت من الذادة عنه.

وتحدّث عن حروب الردّة التي شملت أكثر العرب إلا أهل المدينة ومكة والطائف، وأقساها كانت معركة اليمامة، كما تحدث عن معركة اليرموك في الشام، ومعركتي الجسر والقادسية في العراق، وفتح المدائن، وما صاحب تلك المعارك من النماذج البطولية، ثم انتقل إلى أفريقية، فالأندلس، وقرر أن انتصار المسلمين في تلك المعارك، كان انتصار عقيدة، وضرب على ذلك أمثلة ناطقة بإيمان أولئك الأبطال الميامين الذين ضَحَّوا بدمائهم، وأموالهم، في سبيل الله.

ثم جاء إلى التطبيق العملي بعد الفتح الإسلامي العظيم على أيدي عدد من القادة المنتصرين: أسد بن الفرات، فاتح جزيرة صقلية، وصلاح الدين الأيوبي، قاهر الصليبيين، وقطز، قاهر التتار، ومحمد الفاتح، فاتح القسطنطينية. وسبب اختيار هؤلاء القادة العظام، ما كان لانتصاراتهم من آثار مصيرية، لأنها كانت انتصارات استراتيجية، وليست تكتيكية .. رفعت شأن العرب والمسلمين، ولا تزال آثارها ونتائجها ظاهرة ملموسة .. وهذه الانتصارات أحرزها قادة متدينون بكل ما في التدين من المعاني، بينما لم نجد قائداً عربياً أو مسلماً واحداً غير متدين، استطاع

ص: 97

إحراز انتصار استراتيجي واحد، منذ انحسر مد الفتح الإسلامي العظيم حتى اليوم .. ولن يستطيع أحد أن يفعل ..

ثم شرع يتحدث عن القائد المنتصر (أسد بن الفرات) تلميذ الإمام مالك بن أنس الذي أوصاه بتقوى الله، والقرآن، والمناصحة لهذه الأمة .. كما تلقى (أسد) العلم على تلاميذ أبي حنيفة في بغداد: أبي يوسف، ومحمد، كما طلب العلم في مصر، وفيها ألف كتابه (المدوّنة الأسدية) التي جمع فيها أجوبة أستاذه ابن القاسم في الفقه، ثم عاد إلى (القيروان) فسمعها و (الموطأ) منه خلقٌ كثير، كما تلقّى الناس العلم عنه، حتى غدا إماماً، فولاّه ابن الأغلب قضاء إفريقية، فأقام في القيروان يقضي بين أهلها بالكتاب والسُّنّة، حتى خرج لغزو صقلية أميراً للجيش، فقد جمع له ابن الأغلب بين الإمارة والقضاء.

خرج أسد بجيشه المؤلف من عشرة آلاف رجل، منهم ألف فارس، حملتهم مئة سفينة، سنة 212 هـ وفي طريقه إلى (صقلية) فتح جزيرة (قوصرة) صلحاً، وتغلب أسد على الروم في معركة حامية جرت في ميدانٍ بين بالرمو ومازر سُمّي باسم (بلاطه) فيما بعد، وكان الصقليون يفوقون المسلمين عَدَداً وعُدَداً، كانوا مئة وخمسين ألف مقاتل. وفَرَّ الرُّومُ نحو الجبهة الشرقية، وحشدوا جموعهم حول مدينة (سرقوسة)، ولاحقهم أسد بجيشه المنتصر، مستثمراً النصر الذي حققه عليهم، وحاصر (سرقوسة) برّاً وبحراً، وفي ذلك الحين وصل أسطول الإمبراطور البيزنطي من القسطنطينية لنجدة الروم المحاصرين، واشتد القتال، وكانت معارك طاحنة خاضها المسلمون بقيادة الإمام أسد بن الفرات الذي ما لبث أن مات أثناء القتال سنة 213 هـ/ 828 م، وتمكن المسلمون من فتح جزيرة صقلية.

ثم تحدّث الكاتب عن الإمام القائد المنتصر أسد بن الفرات إنساناً،

ص: 98

وقائداً، فقد كان إماماً من أئمة المسلمين، وشيخاً من شيوخ الإفتاء، ورئيساً من رؤوس القضاء، وكان أول من جمع بين القيادة والقضاء، فكان عالماً، ومجاهداً وشهيداً، سقط مضرَّجاً بدمائه، ولم يسقط السيف والقلم من يده.

ثم تحدّث عن صلاح الدين الأيوبي، قاهر الصليبيين، ومحرر بيت المقدس، وبطل معركة حطّين .. الذي كان حسنة من حسنات البطل نور الدين الشهيد، كما كان الفاروق عمر حسنة من حسنات أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه .. لأن نور الدين هو الذي جمع الشَّمْل، ورصَّ الصفوف، ووحَّدَ العرب، ووجَّه المسلمين إلى حرب الصليبيين، ومهَّد الطريق لصلاح الدين.

تحدّث عن حياة الأمير نجم الدين أيوب والد صلاح الدين، وأخيه أسد الدين شيركوه عمِّ صلاح الدين .. ثم عن حياة صلاح الدين، ولادةً، ووزيراً، وسلطاناً، وقائداً محنَّكاً مظفَّراً، في عدد من المعارك، كانت تاجها معركة حطين التي هي من المعارك الإسلامية الحاسمة .. فقد حشد صلاح الدين ما أمكنه من الطاقات المادية والمعنوية لمصر والجزيرة وبلاد الشام، ونظّمها من أجل المجهود الحربي الهادف إلى تحرير القدس وسائر البلاد العربية والإسلامية التي احتلّها الصليبيون، وقد أمضى صلاح الدين سبع عشرة سنة في الإعداد والاستعداد، ليقطف الثمرات اليانعة في معركة حطّين الفاصلة.

ثم تحدّث المؤلف عن معارك استثمار الفوز بعد حطين، فكان استيلاء صلاح الدين على قلعة طبريّة التي استعصت عليه من قبل، وعكا ونابلس، وحيفا، وقيساريّة، وصَفُّوريّة، والناصرة، وتبنين، وصيدا، وبيروت، وجبيل، ثم انكفأ فاحتلَّ الرَّمْلة، ويبنا، والدارون، وعسقلان،

ص: 99

وغزّة، وبيت جبرين، والنطرون. وقد تمَّ كلُّ هذا الزَّحف والفتح في أقلَّ من شهر.

كان هدف صلاح الدِّين تحرير القدس، وسحق المملكة الصليبيّة، وإعادة الصلة المباشرة بين مصر وبلاد الشام إلى ما كانت عليه قبل الغزو الصَّليبيّ. وقد استثمر نصره العظيم في (حطّين) فعزل بيت المقدس من الشّمال، ومن المناطق المجاورة لها، ليحرم الصليبيين من الإمداد البريّ، وحتى لا يستفيدوا من الإمداد البحريّ، استعاد الموانئ البحرية، بحيث لم يبق للصليبيين إلا الاعتماد على مواردهم القتالية الذاتية. وبهذا التطويق البريّ والبحريّ، وبفعل معركة حطّين، كانت معنويات الصليبيين منهارة في الحضيض، حتى إنهم كانوا يتوقّعون استسلام المدينة المقدَّسة بين لحظة وأخرى.

وعندما تحرّك صلاح الدين يوم الجمعة في العشرين من رجب سنة 583 هـ/ 20 من أيلول 1187 م إلى الجانب الشمالي من المدينة المقدسة، ونصب عليه المجانيق، وضايقه بالزحف والقتال وكثرة الرماة، حتى تمكّن من إحداث ثغرة في السور - شعر الصليبيون بخطورة الموقف، فبعثوا وفداً منهم إلى صلاح الدين، يطلب الأمان، ووافق صلاح الدين على منحهم الأمان، على أن يسلّم الإفرنج المدينة المقدسة.

ودخل المسلمون بيت المقدس في يوم الجمعة، السابع والعشرين من رجب سنة 583 هـ/ الثاني من تشرين الأول سنة 1187 م ليلة الإسراء والمعراج، بعد احتلال دام زهاء تسعين سنة.

وتحدّث المؤلف عن حصيلة جهاد صلاح الدين وجهده التي دوَّخ بها الصليبيين، وهي تدل على قيادته الفذّة، وجهاده العظيم، فإذا أضفنا إليها توحيده مصر والشام وجزيرة ابن عمر، يكون صلاح الدين من أعظم

ص: 100

قادة المسلمين، جهاداً وجهوداً وإخلاصاً وحميّة وفتوحاً.

وتحدّث عن إنسانية صلاح الدين، وعن دينه وأخلاقه، وعن عبادته، ورأفته، ورحمته، وشهامته، وعدله وعلمه، وشجاعته، وذكائه، وكرمه، وحيائه، ونقائه، فقد كان مثلاً أعلى لرجاله في سائر أحواله.

كما قدّم المؤلف بعض النُّقُول من المصادر الأجنبية التي ما كان يسعها إلا الإشادة بأعماله البطولية، وسجاياه النادرة.

وكذلك فعل المؤلف في حديثه عن الملك المظفَّر قطز، وعن السلطان محمد الفاتح .. تحدَّث عن حياة كلّ منهما، وعن أعماله البطولية، وأخلاقه السامية، ودينه وعبادته .. في حديثه عن قطز مهَّد بالكلام عن التتار، وعن هولاكو وتدمير بغداد، ثم زحفهم إلى جزيرة ابن عمر، واستيلائهم على مدنها، ثم نزولهم على حلب، واستيلائهم عليها، وإحراقهم المساجد، وذبح الناس فيها، حتى سالت الدماء في أزقتها. ثم عن وصولهم إلى دمشق، وغدرهم بأهلها، واعتدائهم على نابلس، والكرك، وبيت المقدس، وغزة.

وتحدث عن موقف أوروبة التي فرحت بانتصارات التتار، وأحلام البابوات في إقامة حلف مع التتار، من أجل نشر النصرانية بينهم، ولضرب المسلمين، كما فاوضهم لويس التاسع على عقد اتفاقية عسكرية تنصُّ على أن يقوم الصليبيون والتتار بعمليات حربية ضد المسلمين، يكون دور التتار غزو العراق، وتدمير بغداد، والقضاء على الخلافة الإسلامية، ويكون دور الصليبيين حماية هذا الغزو التتري من الجيوش المصرية، بعزل مصر عزلاً تاماً عن سائر البلاد العربية.

وصف الأسقف دي مسنيل حملة التتار بقوله:

" لقد كانت الحملة التترية على الإسلام والعرب حملة صليبية

ص: 101

بالمعنى الكامل لها .. حملة مسيحية نسطورية، وقد هلل لها الغرب، وارتقب الخلاص على يد هولاكو وقائده المسيحي (كتبغا) الذي تعلق أمل الغرب في جيشيهما، ليحققا القضاء على المسلمين وهو الهدف الذي أخفقت في تحقيقه الجيوش الصليبية ".

وتحدّث عن زحف التتار باتجاه مصر، وكان قرار ملكها قطز وسائر الأمراء والعلماء، قتال التتار، ولا شيء غير القتال .. وحشد قطز حشوده، ونودي في القاهرة والفسطاط وسائر الأقاليم المصرية بالخروج إلى الجهاد.

جمع قطز أمراء المماليك، وقادة الجيش، وبذل جهداً عظيماً في رفع معنوياتهم المنهارة، واستحثَّ القادرين على حمل السلاح من الشعب المصري على القتال، واستحثَّ الأغنياء على البذل السّخيّ للحرب، وقد قدَّم لجيشه وللناس مثلاً حيّاً بشخصه، في تقديم ماله وروحه في سبيل الله.

كان قرار قطز أن تكون المعركة الفاصلة بينه وبين التتار خارج مصر، فكان قراراً عسكرياً فذاً.

ووصف المؤلف معركة (عين جالوت)، وما سبقها، وما لحقها من استثمار للفوز العظيم، بمطاردة فلول التتار حتى مدينة حلب، حيث ترك التتار ما كان في أيديهم من أسرى المسلمين، كما رموا أولادهم على قوارع الطرق، لينجوا هم بأرواحهم.

وتحدّث المؤلف عن (أسباب النصر) الهائل لجيش المسلمين على جيوش التتار الجرارة، بمعنوياتهم العالية، وتسليحهم، وتدريبهم، وخبراتهم القتالية، ورآها في:

1 -

تعاون الملك قطز مع العلماء، فأمر رجاله بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فخرج الجيش من مصر تائباً طاهراً.

ص: 102

2 -

تحلي قطز بإرادة القتال.

3 -

إيمان قطز بالله، واعتماده عليه، وكذلك جيشه المؤمن، فعندما اطمأنّ قطز إلى نصر الله، ترجَّلَ عن فرسه، ومرَّغ وجهه في التُّراب، وسجد لله شكراً على نصره المؤزَّر. وبهذا كان انتصار المسلمين في (عين جالوت) انتصار عقيدة، طهر به بلاد الشام من التتار، ثم قضى شهيداً مظلوماً.

والتطبيق العمليُّ الرابع بعد الفتح الإسلامي كان عن السلطان محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية، فتحدّث عن أيامه الأولى، عن تعليمه، وتدريبه المبكر على إدارة الدولة عمليّاً في حياة أبيه، كما تدرَّب على القيادة العسكرية، وتحدّث عن المحاولات الأولى لفتح القسطنطينية، وعن أهمّيتها وموقعها الإستراتيجي المنيع، وما كان من أمر آخر الأباطرة: قسطنطين الحادي عشر مع الفاتح، ونقضه العهد الذي كان أبرمه معه، ومعاناة العثمانيين من البيزنطيين، " ولم ينس محمد الفاتح أن بيزنطة هي التي حرّضت تيمورلنك على قتال آبائه وأجداده، فسبّبت ما نزل بالدولة العثمانية من نكبة وبلاء.

ولم ينس أن القسطنطينية تفتح أبوابها لكل خارج على الدولة العثمانية، كما كانت تعتقل الأمراء العثمانيين وتحبسهم لديها، ثم تهدّد بهم السلاطين العثمانيين، وتطلقهم في اللحظة المواتية، وتجرّ على الدولة العثمانية بذلك حرباً أهليّة دامية " إلى آخر ما هنالك من مسوّغات تدفع به إلى فتحها.

ثم تحدّث عن التمهيد للفتح، ضمن خُطّة مُحْكَمة، مُضْنية، ولكن، ما كان منها بُدٌّ لفتح القسطنطينية التي صارت شوكة في خاصرة الدولة العثمانية.

ولأنه توقَّع أن تهبَّ أوروبة لنجدة قسطنطين، عقد محمد الفاتح

ص: 103

سلسلة من الاتفاقات مع البندقية، والمجر، والبوسنة، وغيرها من الدول والإمارات، وشرع في بناء قلعة منيعة على الشاطئ الأوروبي من البسفور، عند مضيق موضع من القناة، وأحكَمَ - بذلك - إغلاق هذا الممرّ المائيّ، ومنع وصول أيِّ إمدادات قد تأتي من اتجاه البحر الأسود، كما نصب المجانيق والمدافع الضخمة على الشاطئ، لتحرق أيَّ قادم إلى القناة، وأحكم الحصار على القسطنطينية التي حشد لها الفاتح الحشود الضخمة من الجيش العثماني النظامي، ومن المجاهدين المتطوّعين الذين جاؤوا من آسية وأوروبة ليشاركوا في هذا الفتح العظيم، وقد بلغ عدد الجميع حوالي مئة وخمسين ألف مقاتل، بينما كان عدد الروم المدافعين عن المدينة خمسين ألف مقاتل.

وقام السلطان الفاتح ببناء السفن الحربيّة، وتصنيع المدافع الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، ومنها المدفع العملاق الذي أطلقوا عليه اسم سلطان المدافع أو المدفع السلطاني، وسعى السلطان إلى شحن الروح المعنوية وبث روح الجهاد والاستشهاد في جنوده، ثم كان الزَّحف، وكانت المعارك الهائلة في البحر والبرّ وعلى الأسوار، وكانت كلُّها ضمن خُطّة مُحْكَمَة تضمن له النجاح، وكان فتح القسطنطينية مَلْحَمَةً من الملاحم الخالدة، وحُقَّ له أن يُسَمَّى فَتْحَ الفُتُوح، ودخل الفاتح المدينة على صهوة جواده، ثم تَرَجَّلَ عن فرسه، واستقبل القِبْلة، وسجد على الأرض، وحَثَا التُّراب على رأسه، شكراً لله على ما منحه من النصر، ثم توجَّهَ نحو كنيسة آيا صوفيا، ولمّا اقترب منها، تناهت إلى سمعه أصوات خافتة حزينة، هي أصوات النصارى الذين لجؤوا إليها، وغلَّقوا عليهم الأبواب، وشرعوا يصلّون ويدعون .. وعندما علم الراهب بمقدم السلطان، فتح له أحد أبواب الكنيسة، وخاف مَنْ فيها من قدوم السلطان، ولكن السلطان الفاتح الإنسان الرحيم طمأنهم، وطلب من الراهب أن يستمروا في صلواتهم،

ص: 104

ثم أمرهم أن يعودوا إلى منازلهم آمنين.

وسجد الفاتح من جديد، شكراً لله على نصره، ثم بعث من رجاله من يطوف في أرجاء المدينة، لتأمين الناس وتطمينهم، والطلب منهم أن يعودوا إلى حياتهم العادية.

وأمر السلطان بتحويل الكنيسة إلى مسجد، وارتفع فيها صوت الأذان، وأدَّى صلاة العصر، وأعلن أنه سوف يصلي صلاة الجمعة القادمة في المسجد الجديد.

وسلك السلطان الفاتح نحو أهل القسطنطينية سياسة التسامح، وأمر جنوده بحسن معاملة الأسرى الذين بين أيديهم، وفدى عدداً من كبار الأسرى من ماله الخاصّ، وطلب من الفارين أن يعودوا إلى منازلهم آمنين مطمئنين، ودعا الناس إلى مزاولة أعمالهم في مصانعهم ومتاجرهم، وطمأن الجميع أن يكونوا أحراراً في ممارسة طقوسهم الدينية.

وهكذا عاد أهل المدينة إلى حياتهم الطبيعية آمنين مطمئنين.

واستاءت أوروبة من هذا الفتح العظيم، وأخذت تكيد وتحشد وتؤلّب، الأمر الذي دفع السلطان الفاتح إلى مواصلة الحرب، والقضاء على كلّ الدول النصرانية القريبة من (بيزنطة) فقد قضى على قوات البلقان، والبلغار، وهزم المجر هزيمة ساحقة.

وهكذا صارت (البوسنة) كلها ولاية عثمانية سنة 867 هـ/ 1463 م، وأقبل أهلها على اعتناق الإسلام.

وكذلك كان أمر (الهرسك) بعد عام.

وخضعت (أثينة) لحكم العثمانيين سنة 864 هـ/ 1460 م، بل صارت اليونان كلُّها تابعة للدولة العثمانية.

ص: 105

كما فتح جزر الأرخبيل، والأفلاق، والبغدان، وأماصرة، وإمارة سينوب، وأرضروم، وطرابزون، وسواها .. كما طهّر حدوده الشمالية، فامتدّت دولته حتى البحر الأسود الذي صار بحيرة عثمانيّة.

وعندما استولى على مدينة (أوترانتو) الإيطالية في 11/ 8/ 1480 م فزع البابا سيكست الرابع، وظن أنّ روما سوف تسقط في أيدي العثمانيين، كما سقطت القسطنطينية من قبل، فَهَمَّ بالفرار من إيطالية، ولكن المنية عاجلت السلطان الفاتح، فمات القائد البطل الذي كان أمّة في رجل في 4/ 3/ 886 هـ - 3/ 5/ 1481 م.

وحسب منهج المؤلف في حديثه عن قادة الفتوح، تحدّث عن الفاتح الإنسان الذي نشأ نشأة علمية بعيدة عن السياسة والحرب، فقد كان وثيق الصلة بالثقافة، والعلم، والفكر، والفن، والإدارة والحكم، وكان للفاتح في هذه الميادين، مثل ما كان له في ميادين السياسة والحرب.

وقال عنه:

" ويُعَدُّ الفاتح أعظم سلاطين آل عثمان طُرّاً، وأعظم ملوك عصره، ويصحُّ أن يقال: إنه كان محور السياسة الدولية في عهده، وصاحب الكلمة الأولى في الشؤون العالميّة ".

" لقد كان محمد الفاتح فذاً عظيماً في كل ميدان من ميادين الحياة.

لا يكفُّ عن الحرص على المعرفة، حامياً للعلوم والآداب والفنون، أسبغ على أهلها أكرم رعاية وأسناها، وقدَّر كرامة الإنسان، وجعل حرية الضمير، وحرية الفكر والقول مشاعاً لجميع الناس ..

وكان عظيماً فذاً في حروبه وسياسته، قلّما ارتدّ عن غاية استهدفها، لا يبطره الظَّفَرُ إذا انتصر، ولا تُقْعده الهزيمة إذا انكسر.

ص: 106

وكان فذّاً في إدارته لملكه، وحسن حكمه لرعاياه، وسماحته نحو أهل الأديان الأخرى.

وكان فذّاً عظيماً في تديُّنه وورعه وتقواه، وفي استقامته وعدله وتقشُّفه، وفي خضوعه للحقّ، ولو كان مُرّاً ".

وفي الخاتمة تحدَّثَ عن صفة القيادة، والفروق بين القائد العسكري والقائد المدني، وضرورة العقيدة السليمة الراسخة لكل قائد، عسكريّاً كان أم مدنيّاً، وخاصّة القائد العسكريّ، وضرورة توفر أربعة شروط في القائد المتميّز المنتصر:

الطبع الموهوب، والعلم المكتسب، والتجرِبة العمليّة، والعقيدة الراسخة.

كما طالب أن يُقَدَّم القائد المناسب، للقيادة المناسبة، بعيداً عن الهوى وعن المصالح الشخصيّة.

ورأى أن القاسم المشترك بين قادة أمتنا، هو تمسُّكُهم بتعاليم الإسلام ورَغْبَتُهم الصادقة في إعلاء كلمة الله. لقد كانوا قادة (مبادئ) لا قادة (مصالح)، كما كان وراء كل قائد منهم، عالم عامل من علماء الإسلام، يُذْكي الشعور الدينيّ، ويحرّض على القتال، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويرفع المعنويات، ويصاول الحرب النفسيّة، ويبشّر بالنصر، ويكافح الانهزاميين.

ورأى أن اختيار القائد العقيدي مهم جداً، وهو خدمة للجيش والأمة والبلاد، كما أن اختيار القائد غير الملتزم بالعقيدة الراسخة، مهما تكن صفاته القيادية الأخرى، هو من مصلحة العدو دون ريب.

" وقد جَرَّبَ العرب والمسلمون - في ظروف مختلفة، ومناسبات

ص: 107

شتَّى - قادةً لا عقيدة لهم، فكان ضررهم أكبر من فائدتهم، وكان هَدْمُهم أكثر من بنائهم، على الرغم من تيسُّر بعض الصِّفات القيادية المتميّزة في قسم منهم ".

ثم استشهد المؤلف ببعض قادة (إسرائيل) المتمسّكين بالعقيدة الصهيونية التي هي عبارة عن الدين اليهودي، والقوميّة اليهودية، وقال:

" والعقيدة لا تقاوم إلا بعقيدة أصلح منها وأفضل، لها مقوّمات البقاء، لأنّ البقاء للأصلح، وتلك هي سُنَّةُ الحياة ".

" والتمسُّكُ بعقيدة فاسدة، أفضل من عدم التمسك بأية عقيدة .. فقد انتصرت إسرائيل بالعقيدة اليهودية على العرب الذين تخلَّوا عن عقيدتهم .. ".

وهذا قاده إلى الحديث عن (بناء الرجال) .. بناء الفرد، ودور البيت، والروضة والمدرسة، والجامعة، والدولة، في هذا البناء الذي يقود إلى طهر الأفراد، والأسر، والمجتمع، والدولة .. تربية الفرد على التمسك بأهداب الدين، والخلق القويم .. على حُبِّ الفضيلة، وكره الرذيلة .. ذلك أنّ قوّة الأمم ليست بكثرة نفوسها، بل بمتانة مُثُلها العليا، فلم يكن العرب والمسلمون أكثر من الفرس والروم في صدر الإسلام، ومع ذلك، غلبوا الفرس والروم .. بمبادئهم .. وهذا هو طريق النصر.

***

ص: 108