الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأديب القاص
اللواء خطّاب إنسان عجيب، يريد أن يقف على كلِّ ثغرة من ثغر الإسلام، إذا رأى أصحاب تلك الثغرات لا يأبهون لها، فينادي قلمه: الله الله لا تُؤْتينَّ من هذه الثغرة.
وهذه الروايات والقصص (العاطفية) التي تدغدغ الجنس، وتهوي بقرائها الشبان إلى سفاسف الحياة - تملأ الأسواق الأدبية، ويقبل عليها المراهقون والمراهقات، وقد يمتدّ عمر المراهقة لدى بعضهم إلى القبر.
يقبلون عليها، يقرؤونها، ويتأثرون بما يقرؤون، فيجري الفجور من عيونهم إلى قلوبهم ودمائهم وعقولهم، ويكون الفساد الذي تولَّى كبره عدد من الهالكين الذين أغرقوا الشباب بأدب مكشوف عاهر، ثم أخرجه الفاسدون الآخرون أفلاماً ومسلسلات مهلهلات تافهات.
ولأنّ خطّاباً لا يترك ثغرة يستطيع سدَّها إلا ويبادر إليها، وعلى الرغم من جسامة أعبائه، أخرج للناس أربع مجموعات قصصية، هي:
عدالة السماء - تدابير القدر - اليوم الموعود - الرقيب العتيد.
لقيت مجموعته القصصية الأولى: (عدالة السماء) قبولاً كبيراً من القراء، وانتشرت انتشاراً عظيماً في البلاد العربية والإسلامية، وأعيد نشر قصصها في عدد من المجلات والصحف، وأذيعت من عدّة إذاعات، وترجمت إلى بضع لغات، وكان تأثيرها في قرائها واضحاً، وهم كثر،
لأنها - كأكثر كتبه - طُبعت عشرات الطبعات الشرعية والمسروقة في لبنان وسورية والعراق.
يقول المؤلف: " وما صنعت جديداً في هذا الكتاب .. لم أجوِّد في صياغة قصصه، بل تركت قلمي على سجيته، يسجل حوادث القصص كما شهدتها، بدون تكلف، ولا تزيُّد، فكان الكتاب مجموعة حكايات واقعية، استهدفتُ من روايتها - بعفوية كاملة، وصدق وأمانة - أن أعيد القارئ العربي والمسلم إلى التفكير بالروح، بعد أن انصرف تفكيره إلى المادة، وإلى القلب، بعد أن شُغل بالجيب، وأن أذكّره بالعمل للآخرة كما يعمل للدنيا، وللحياة الباقية كما يعمل للحياة الفانية. وإذا كانت الحقيقة الأزلية للإنسان هي الموت، فماذا أعدَّ له من العمل الصالح؟ "(1).
وهذا النص المجتزأ من مقدمة مجموعته الثانية: (تدابير القدر) مهمٌّ جداً، لأنه تصريح صريح وواضح بالمغازي التي رمى إليها المؤلف من قصصه هذه، وهو المؤرخ العسكري، والباحث في الاستراتيجيات العسكرية، والمشغول بتراجم القادة الفاتحين.
بل إنه يقول بوضوح أوضح في مقدمة: (عدالة السماء): إنّ " هدفي الأصلي من كتابة هذه القصص: هو الدعوة إلى الله "(2).
حوى كتابه (عدالة السماء) إحدى عشرة قصة، وكتابه (تدابير القدر) ثماني قصص، استقى مادتها من الواقع المعاش، بكل ما فيه من
(1) تدابير القدر: ص 7.
(2)
عدالة السماء - الطبعة 35: ص 9.
واقعية وسوداوية، ولم يلجأ إلى الخيال ليقتنص من سبحاته حادثة من هنا وأخرى من هناك، ثم يركبها كيف شاء له خياله، ولا إلى الفنّ الذي يدبّج به القصصيون قصصهم، حسب العناصر التي استمدّوها من تاريخ القصة العربية حيناً، والغربية في أكثر الأحيان .. لم يتكلف حادثة، ولم يتزيّد في التفاصيل، وكأنه هنا مؤرخ، وليس كاتب قصّة، وأهمّ صفة في المؤرخ: الصدق والأمانة في النقل ..
ولهذا كان خطّاب أميناً في نقله عن الواقع، الأمر الذي أكّد صدقه، وأضرَّ بفنّه، فصارت قصصه من صنف الحكايات التي تروي حوادث وقعت، دون أن يتفنن كاتبها بزخرف من القول أو الخيال، لأنه حريص على صدق ما ينقل، أمين في رواية الحوادث.
إنه لا يريد من وراء ما يكتب دنيا يصيبها، ولا يريد كسباً مادياً، ولا شهرة، بل يريد الآخرة لنفسه ولقرّائه؛ فقد انغمس الناس في أوحال المادة حتى الذقون، وما عادوا يأبهون لدين أو خلق أو آخرة .. ضمرت أرواحهم، وتورّمت أجسامهم .. خوت قلوبهم، وانتفخت جيوبهم، وصار لسان حال الواحد منهم يقول:
" اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً " فلا موت ولا قبر ولا حساب ولا عقاب، بل انكباب على الشهوات، وتكاثر في الأرصدة والعقارات.
إنه قدّم الحوادث بصدق، بلا تزويق، ولا رتوش فنية .. إنه يريد أن يقدّم العبرة والموعظة، لتقويم الفكر والسلوك معاً. يقول:
" أردت بعرضها معالجة بعض عيوبنا الفردية والاجتماعية التي نعاني منها، فكل جريمة لها عقاب، ومن ينجو من عقاب البشر، لا ينجو
من عقاب خالق البشر " (1).
كان لا يعير أهمية للفن القصصيّ، ويرى أنّ كتاب القصة يجنحون إلى الكذب من أجل الفنّ وباسم الفنّ، وهم يقلّدون الأوروبيين فيما يكتبون، وهو لا يريد أن يكون مثلهم، ولا ينبغي للكتاب المسلمين أن يكونوا كذّابين ومقلّدين.
إلا أنّ القاصَّ خطّاباً كان يُعنى برسم البيئة الاجتماعية فيما يقصّ أو يحكي، فيُطْلعنا على عاداتها، وتقاليدها، وما يسود الناس من معتقدات، والأحوال العامّة التي كانت في المكان الذي تجري حوادث الحكاية فيه، كما في (وليمة قندهارية)، و (في ضيافة النبيّ صلى الله عليه وسلم)، و (كلّ مودّة لله تصفو) في كتابه:(تدابير القدر) فكأنه يؤرّخ للحياة الاجتماعية.
ومن الطريف أن نعرف - مثلاً - أنّ رطل اللحم في بغداد، في الأربعينيات كان بثلاثين فلساً (هو الآن بثلاثة ملايين فلس)، وأن سعر صفيحة السمن الحيواني النّقي بنصف دينار، وثمن البدلة الرجّالية مع خياطتها - للعيد - ديناران (2).
قال الدكتور مجاهد مصطفى بهجت عن قصص خطّاب:
" أسهم - خطّاب - في إصدار سلسلة من الكتب القصصية الهادفة، ذات الطابع الإسلاميّ الواقعي الذي يحيي المعاني الإسلامية، ويبرز البُعْد الغيبيّ في الإيمان بالله تعالى، وقدره: خيره وشرّه ..
(1) تدابير القدر: ص 10.
(2)
المرجع السابق: ص 17.
وقصصه، وإن خلت من عنصر الخيال المجنّح، لكنها تحفل بغرائب الأحداث وعجائبها، ممّا يقع في كل عصر ومكان، ويضفي على قصصه عنصر الإثارة والتشويق " (1).
…
(1) مجلة المجتمع - الكويت: 1296 في 18/ 4/ 2000 م.