الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام والنصر
هذا الكتاب هو مجموعة من الدراسات نشرها كاتبها في المجلات العربية، في أوقات متباعدة، ثم جمعها في هذا الكتاب الذي طبع لأول مرة عام 1972 م ثم تتالت طبعاته غير الشرعية، وجاء في (247) صفحة من القطع الكبير.
البحث الأول كان عن (المعنويات) وأهميتها، واستشهد على ذلك بأقوال عدد من القادة، في القديم (خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه) وفي الحديث، مثل نابليون الذي جعل (قيمة المعنويات بالنسبة إلى القوى المادية، تساوي ثلاثة على واحد) أي أن الجيش تكون قيمته (75%) في الناحية المعنوية، و (25%) في الناحية المادية.
ثم عرّف المعنويات، ورأى أن عوامل رفعها هي:
1 -
الدين .. أهمّ تلك العوامل .. فقد غرس الإسلام في أبنائه عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، وأن النفس لن تموت إلا بأجلها، في ساحة الوغى أو على الفراش. وأمر الإسلام بالشجاعة والثبات والإقدام، وبالطاعة والصبر، هذا على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الجماعة، أمر بالوحدة، وحثّ على الاستعداد، وأمر بالجهاد بالأموال والأنفس، ووعد المسلمين بالنصر ..
2 -
القيادة المتميزة التي تكون قدوة لرجالها بأعمالها، لا بأقوالها.
3 -
النصر في ميادين القتال .. وللنصر تكاليفه، وأولها التخطيط له، والعمل الدائب لوضع ذلك التخطيط موضع التنفيذ، ليكون الإعداد كاملاً سليماً.
وتحدّث عن (أثر الإسلام في إحراز النصر)، وفصَّل هنا ما أجمله في البحث السابق، وضرب الأمثال من الرسول القائد صلى الله عليه وسلم، ومن جنوده الأوفياء، الذين حققوا انتصارات مذهلة، مع قلة عددهم، وكثرة أعدائهم، وكان ذلك بفعل الإسلام الذي ربّى فيهم ملكة الجندية من طاعة، وصبر، وضبط، وشجاعة، وثبات، ويقظة وحذر ..
وفي (الإسلام والحرب النفسيّة) فصّل ما أجمله في البحث السابق عن الحرب النفسيّة، فعرّفها، وبيّن معناها، وإيغالها في التاريخ، والحلول الجذرية البسيطة التي يعالج بها الإسلام آفاتها المتمثلة في التخويف من الموت والفقر، وبثّ اليأس والقنوط في النفس، وأن المسلم الحقّ لا تؤثر فيه أراجيفها. ثمّ تساءل: هل العرب والمسلمون اليوم، مؤمنون حقاً، حتى لا تؤثر فيهم خزعبلاتها؟
وقرّر: " لا بدّ من إعادة النظر في (بناء الرجال) ليكونوا دعامة الحاضر، وسند المستقبل، ولتكون الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس ".
وتحدّث عن (التربية المثالية)، وقد فصّل نظريّته التربويّة التي أجملها في البحث السابق، وركز على القدوة العملية في البيت والمدرسة، وعلى أن الإسلام هو منهج الحياة، وطريق العمل الصالح، والأخلاق السامية .. وقد أولى التربية البيتية أهمية كبيرة، فهي الأساس.
والخلاصة: " إن التربية الإسلامية تُعِدُّ المسلم ليكون عنصراً مفيداً
في الأمة الإسلامية من الناحيتين: العسكرية والمدنية ".
وتحدّث في بحثه (مونتكومري والتربية المثالية) عن النظرية التربوية لدى هذا القائد العسكري في كتابه (السبيل إلى القيادة) فقد وقف عند باب (قيادة الشبيبة) ملخصاً أبرز آرائه التربوية، وأفكاره في تربية الشباب:
1 -
هو غير راض عن شباب اليوم، لضعف أخلاقهم.
2 -
يجب العناية بتربية الطفل منذ السادسة من العمر، وفي البيت خاصة.
3 -
يؤكد أهمية التعاليم الدينية في بناء شخصية الطفل، لأنها تغرس في نفسه المثل العليا.
4 -
يلحّ على القدوة العملية في البيت والمدرسة.
5 -
ينصح الشباب: برزانة الفكر، وبالطاعة التي تعني قبول قانون الواجب قانوناً للحياة، وبالجدّ والمثابرة وكسب الوقت، وأخيراً يقول لهم:" لقد تعلمت في حياتي الخاصة، أن صفات ثلاثاً ضرورية للنجاح: العمل الشاق، والاستقامة المطلقة، والشجاعة الأدبيّة، وهي تعني: عدم خوف الإنسان من قول ما يعتقده صواباً، والثبات على هذا الاعتقاد ".
وقرّر في بحث (الأخلاق المحاربة) أن الملوّث جنسيّاً، أو الملوّث جيبياً، لا يمكن أن يقاتل في الحرب كما يقاتل الرجال. ولذلك عندما جاء الجنرال غورو لاحتلال لبنان عام 1918 م جاء بجيشٍ لجبٍ معه من البغايا حمولة سفينة. فقيل له: واجب الجيش المقاتل مفهوم، فما فائدة الجيش الآخر من المومسات؟ فأجاب: إن أثر هذا الجيش أعظم من الجيش المقاتل ". وصدق غورو، وكان صريحاً في جوابه ..
لقد عمل المستعمر في أيامه على إشاعة الفاحشة والتهتك في كل
بلد حلَّ فيه، ونجح في مهمته أعظم النجاح ".
ووجد الكاتب تلازماً (بين التديُّن والقيادة) الحقيقية الفاعلة فيما حولها، وضرب على ذلك الأمثال في الفتح الإسلامي العظيم، وفي معركة حطين، ومعركة عين جالوت، وكان انتصار المسلمين في حطين بفضل قيادة البطل صلاح الدين الذي كانت العقيدة الإسلامية تملأ نفسه ومشاعره، وليس شيء آخر غيرها من أعراض الدنيا، حتى إنه لما توفي لم يخلّف مالاً ولا عقاراً، ولم يجدوا في خزائنه شيئاً من الذهب والفضة سوى دينار واحد وسبعة وأربعين درهماً.
وكان صلاح الدين الأيوبي يحمل - في أيام جهاده - صناديق مقفلة، كان يحرص عليها حرصاً عظيماً، فلمّا مات فتحوها، فوجدوا فيها: وصيّته، وكفنه الذي اشتراه من كدّه، وكميّة من التراب. وجاء في وصيته:" أُكفَّن بهذا الكفن الذي تعطّر بماء زمزم، وزار الكعبة المشرَّفة، وقبر النبيّ صلى الله عليه وسلم. وهذا التراب هو من مخلّفات أيام الجهاد، يُصنع منه طابوق يوضع تحت رأسي في قبري ".
وصنعوا من ذلك التراب اثنتي عشرة طابوقة كبيرة تستقرُّ اليوم تحت رأس صلاح الدين في قبره، وسوف يلقى بها الله يوم القيامة.
وكان انتصار المسلمين في (عين جالوت) على التتار، عجباً من عجب، فقد كان التفاوت بين جيوش التتار الجرارة، وبين جيش المسلمين البسيط الذي يقوده قطز ومن معه من الأبطال المؤمنين، كبيراً وكبيراً جداً، ومع ذلك " كان النصر المؤزَّر خلافاً لكل مبادئ الحرب، وبعد هذه المعركة لم يفلح التتار أبداً، فقد تكبّدوا خسائر هائلة بالأرواح والأموال، فولَّوا مدبرين، وطمع فيهم الناس، وصاروا يتخطفونهم.
وقارن المؤلف بين جيش قطز، وجيش العباسيين الذي سحقه التتار
في بغداد سنة 656 هـ فوجد الفروق هائلة أيضاً، غير أن قادة جيش العباسيين كانوا مشغولين عن الحرب ومتطلباتها، بجمع الأموال، والتطاول في البنيان، وحبّ الشهوات، فدبّ بينهم الفساد، وهانت نفوسهم عليهم، كما هانت عليهم كرامة الناس وأعراضهم .. كانوا لا يتسنّمون المناصب الرفيعة لكفايتهم العسكرية، ومزاياهم الإنسانية السامية، ولتجربتهم الطويلة في معاناة الحروب، وإنما لأنهم من (شلّة) أصحاب السلطة، فباؤوا بالخذلان.
بينما كان جيش قطز خرج مهاجراً إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ليست له غاية سوى إدراك رضا الله تعالى، والجهاد بالأموال والأنفس لإعلاء كلمته، فانتصر على التتار، وهذا يؤكد أهمية العقيدة في إحراز النصر.
وقد أكد الكاتب هذه المعاني في بحثه التالي (التدين من مزايا القائد المنتصر) فركز على العقيدة كمزية من مزايا القائد المنتصر في تاريخنا أولاً، وفي المصادر الأجنبية ثانياً .. وعاد واستشهد بما كتبه مونتكمري عن علاقة الدين بالقيادة.
وفي بحث (شجاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم) ذكر أهمية السيرة النبويّة بما تقدّمُ من النماذج الرائعة الفذّة عن شجاعة الرسول القائد في أيام السلم وأيام الحرب معاً، وذكر بعضها في (بدر)، و (أحد)، و (الخندق)، و (حنين)، وقال: إن الرسول القائد صلى الله عليه وسلم كان يقود رجاله من (الأمام) يقول لهم: " اتبعوني اتبعوني "، ولم يكن يقودهم من (الخلف)، ويقول لهم:" تقدّموا .. تقدّموا " ثم يأوي إلى مقر آمن مريح، كما فعل ويفعل القادة المخذولون.
ثم قدّم درساً في بناء الرجال، استخلصه من سيرة الرسول القائد صلى الله عليه وسلم الذي كان يبني الرجال ولا يحطّمهم، ويقوّم المعوجّ ولا يكسره، ويضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ويوظّف إمكانات كلٍّ منهم
الرجل المناسب في المكان المناسب، ويوظّف إمكانات كل منهم فيما يخدم المعركة، فيستفيد من القائد العسكري، كما يستفيد من التاجر الغني، والشاعر المجيد، يحترمهم، ويعرف كلاًّ منهم حقَّ المعرفة، فيثني على المزايا الحسنة، ويتغاضى عن المثالب والسلبيات، ولا يبرزها أمام الآخرين.
وكان الدرس المستخلص:
" يجب ألاّ نبرز المثالب، ونغضّ الطرف عن المناقب.
يجب الاّ نخلق المثالب للناس خلقاً، ونغمط المناقب غمطاً.
يجب أن نبني الرجال ولا نحطّم الرجال.
إن الذين يعملون على تحطيم الرجال يخدمون إسرائيل وأعداء العرب والمسلمين في كل مكان ".
وتحدّث عن الفوائد العسكرية للصوم، مثل الإيمان العميق، والتدريب العنيف على الحرمان من الطعام والشراب وسواهما، مما يعلّم الصبر، وصدق العزيمة، والتضحية، فالصوم يوجّه المسلم إلى ما يجب أن يعمل، لا إلى ما يحبّ أن يعمل.
وأعاد في بحثه (عامل الوقت مع العرب على إسرائيل) ما سبق أن ذكره في كتابيه (الأيام الحاسمة)، و (طريق النصر في معركة الثأر)، وذكر الأمثال على واقعية هذه النظرة المستقبلية، وهو متفائل بأن النصر سيكون للمسلمين على إسرائيل، إذا وعوا ما يقول لهم، وأحسنوا التصرف.
وكذلك الأمر في بحثه (الوحدة العسكرية في التاريخ العربي والإسلامي)، وفي (التطبيق العملي للجهاد) فقد ركز على المعنويات، ثم على المال، ثم في إخراج الجهاد من نطاق الفتاوى، إلى نطاق العمل الإيجابي البنّاء.
وكانت الخاتمة، في توجيه الذين يكتبون في الدين، فهم يختلفون عن سائر الكاتبين الآخرين، فشتان بين الأدباء الدِّينيين، وبين الأدباء المتدينين .. فالهدف الحيوي للكاتبين في الدين، هو غرس الإيمان العميق في النفوس والعقول معاً، لا المتاجرة بالدين، والتظاهر به، والارتزاق منه.
نصحهم بالأسلوب السلس، وبالدخول في الموضوع مباشرة، وبعدم التطويل، وباختيار الموضوعات المناسبة، والبعد عن الارتزاق فيما يكتبون
…
هذا الكتاب من الكتب المهمة في صراعنا السياسي، والعسكري، والفكري مع إسرائيل ومع من وراءها، وهو حامل التوجيهات السديدة، والمعلومات الأكيدة، والنظرات البعيدة .. فيه حماسة الشباب، وحكمة الشيوخ، وحنكة الخبراء المجربين.
***