المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ملح من الأدب - المحاضرات في اللغة والأدب

[الحسن اليوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌فوائد تسمية المؤلف

- ‌تتمة

- ‌اسم المؤلف ونسبه

- ‌تتمة أخرى في أحكام التسمية

- ‌رؤيا والد المؤلف ودعوة أستاذه

- ‌تقلبات الدهر

- ‌مقام الشكر

- ‌ومقام الصبر عند الصوفية العارفين

- ‌الشجرة الخضراء

- ‌في المدينة الحالية: سجلماسة

- ‌محتالون يظهرون الصلاح ويخدعون الناس

- ‌أشعار في الكرم وخدمة الضيف

- ‌أصناف الناس

- ‌أصناف بقاع الأرض

- ‌الأريحية

- ‌فضل العلم

- ‌الانزعاج عن الوطن

- ‌الحكم التكليفي والحكم التصريفي

- ‌النفس والشيطان

- ‌الخاطر النفساني والخاطر الشيطاني

- ‌الحقيقة والشريعة

- ‌أبيات الحكمة والتمثيل

- ‌روايات المؤلف عن محمد الحاج الدلائي

- ‌منافسة علماء مصر لأحمد المقري

- ‌قضاء الحاجات عند الصلحاء

- ‌الحرة تكفي وتغني

- ‌شيخ الدلاء

- ‌عند عبد الله بن حسون في سلا

- ‌محمد الشرقي شيخ تادلا

- ‌القاف المعقودة

- ‌الكسكسون والتداوي بالشيء المعتاد

- ‌الدنيا وما فيها عرض زائل

- ‌المقامة الحافظة

- ‌الحسَد والحساد

- ‌كلمة الإخلاص

- ‌وتغالي فقهاء سجلماسة في فهمها وتفهيمها للعوام

- ‌العدوى والطيرة

- ‌تأملات المؤلف في النعيم والعذاب

- ‌انهزام الدلائيين في معركة بطن الرمان

- ‌دوام الملك بالعدل واضمحلاله بالجور

- ‌وسواس المهدوية

- ‌مهدوية أحمد بن أبي محلى

- ‌المهدي بن تومرت وأتباعه

- ‌الرياسة والشهرة

- ‌الكشف والمكاشفة عند الصوفية

- ‌إطعام الطعام في الزوايا

- ‌الزاوية والرباط

- ‌ميل القلوب ونفرتها

- ‌حنين المؤلف إلى الزاوية الدلائية

- ‌الاعتزال عن الخلق طلباً للسلامة

- ‌ذم المعاصرين ومدح المتقدمين

- ‌مداراة الناس صدقة

- ‌مناظرة المؤلف لشيخه

- ‌المرابط الدلائي

- ‌تنقل المؤلف في طلب العلم بالجنوب

- ‌تأخير الصلاة

- ‌أبو بكر الدلائي يكرم العكاكزة مداراة لهم

- ‌استحلاء الطاعات سموم قاتلة

- ‌تدبر العقل في أسرار الكون

- ‌تذوق الصوفية معاني الأبيات

- ‌والإشارات تأويلها حسب المقامات

- ‌انتقاد أحد القضاة للمؤلف والرد عليه

- ‌باب في

- ‌ملح من الأدب

- ‌نبذة مختارة من مختار الشعر

- ‌أشعر بيت قالته العرب

- ‌أحسن بيت قالته العرب

- ‌أصدق بيت قالته العرب

- ‌أكذب بيت قالته العرب

- ‌أنصف بيت قالته العرب

- ‌أفخر بيت قالته العرب

- ‌أمدح بيت قالته العرب

- ‌أهجى بيت قالته العرب

- ‌أشجع بيت قالته العرب

- ‌أشعر بيت في وصف الجبان

- ‌أشعر بيت قيل في الاستحقار

- ‌أكرم بيت قالته العرب

- ‌باب في

- ‌نبذة من كلام الأذكياء

- ‌باب

- ‌نبذة في أبيات المعاني والألغاز العربية

- ‌باب في

- ‌نبذة من المضحكات والملح

- ‌طفيل بن دلال الهلالي رأس الطفيليين

- ‌باب في

- ‌ذكر شيء من أخبار الثقلاء

- ‌باب

- ‌نبذة في الأوليات

- ‌باب

- ‌نبذة من المواعظ والوصايا

- ‌طائفة من الحكم

- ‌حرف الألف

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاي

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف الظاء

- ‌حرف العين

- ‌حرف الغين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌حرف لام ألف

- ‌حرف الياء

- ‌الرغيف والذهب

- ‌عدي بن زيد والأمير النعمان

- ‌من شعر أبي العتاهية

- ‌في الزهد والمواعظ

- ‌القصيدة الزينبية

- ‌تائية المقرئ في المواعظ

- ‌خاتمة

الفصل: ‌ملح من الأدب

خطر لي الآن كلام فأردت أن أنبه عليه " و " على طرف منه فإن شرحه يطيل وذلك أنا بعد وفاة الأستاذ المحقق السني أبي عبد الله بن ناصر رضي الله عنه لم نزل نسعى في نفع الناس بتعليم ما يحتاجون من دينهم وما يحتاجون من أوراد النوافل والأذكار التي يتزودون بها لمعادهم ويتحببون بها ويتقربون إلى ربهم عاملين في ذلك على وجه المؤاخاة والمعاونة على البر والنصيحة، على وجه المشيخة، وعلى وجه التعليم والإرشاد لا على وجه التربية، ثم أنه جرى من ذلك ما عادته أن يجري من كلام منكر أو متنصح، فأخبرني بعض أصحابي أنه جرى كلام بينه وبين " بعض " القضاة المتصدرين للدرس فتكلم له القاضي في شأني وقال له على وجه النصيحة فيما زعم: ما ألجأ فلاناً إلى تلقين الأوراد؟ فهل رأيتم مريداً بشروط الإرادة قط؟ فلما حدثني بذلك قلت له: هلا قلت له: أما أنا لم نرَ مريداً كذلك " فهو كذلك " وكيف نراه إلاّ أن يتداركنا الله برحمته؟ وقد كان الشيخ أبو العباس زروق يحكي عن شيخه أبي العباس أحمد ابن عقبة الخضرمي رضي الله عنهما أنه كان يقول " لهم ": لو فتشتم من أقصى مشارق الأرض إلى أقصى مغاربها على مريد صادق في أحواله لم تجدوه فكيف بالعارف الكامل؟ ومع ذلك فانتقاص الزمان وانتقاص أهله لا يوجب انقطاع الدين ولا ارتفاع النصيحة، فإن هذا النقص سارٍ في الدين وفي العقول وفي الأقوات وفي الإمامة الكبرى والصغرى وفي النصيحة وغير ذلك، وهو قضاء جار أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قبل كونه في الأحاديث الكثيرة، وإليه يشير القائل:

هذا الزمان الذي كنا نحاذره

في قول كعب وفي قول ابن مسعود

إن دام هذا ولم يحدث له غير

لم يبك ميت ولم يفرح بمولود

هذا ويا ليته دام، فإنه لا يزيد الأمر إلاّ شدة والخير إلاّ إدباراً حتى ينقرض انقراضاً غير أن المعتبر في كل زمان ما هو فيه، وحكم الله تعالى جار في كل بحسب حاله، والدين مستمر، والحق ظاهر حتى يأتي أمر الله.

ثم يلزمك أيها الناصح في هذا مثل ما يلزمنا، وما كان جوابك هو جوابنا، فإنك تصدرت للتعليم فهل رأيت بعينيك متعلماً على شروط التعليم المعتبرة؟ أو هل رأيت في نفسك شروط المعلم؟ " فلا بد أن تعرض على نفسك شروط المعلم " وعلى من يجلس إليك شروط المتعلم، فإن تجد ذلك صحيحاً ظاهراً أو باطناً فتصدر، وإن وجدته مختلاً فكيف يحل لك أن تتصدر، وارتفاع الشرط يوجب ارتفاع المشروط، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" لا تُؤْتُوا الحِكْمَةَ غَيْرَ أهْلِهَا فَتَظْلمُوها " فإن أجاب بأنه ارتكب أخف الضررين أو أن العلم أمنع جانباً من أن يصل إلى غير أهله أو نحو ذلك فهو جوابنا بعينه، والله الموفق المسئول أن يتجاوز عنّا بعفوه ويتغمدنا برحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

لله الأمر من قبل ومن بعد

‌باب في

‌ملح من الأدب

رأيت أن ألم بملح من الأدب تثميناً للكتاب، وامتناعاً لذوي الألباب، فإن النفس ملول والأذن مجاجة، وفي التلون والانتقال تطييب لها وتنشيط كما قيل:

لا يصلح النفس إن كانت مدبرة

إلاّ التنقل من حال إلى حال

وذلك كله مما يصلح للمحاضرات ويوافق شرط الكتاب، ويعد من الآداب.

وقد قال الحسن بن سهل: الآداب عشرة: ثلاثة شهرجانية وهي ضرب العود، ولعب الشطرنج، والصوالج، وثلاثة أنوشروانية، وهي: الطب، والهندسة، والفروسية، وثلاثة عربية، وهي: الشعر والنسب وأيام الناس، والعاشرة مقطعات الحديث والسمر وما يتعاطاه الناس بينهم في المجالس، وهذا عام.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة.

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إني لأستجم نفسي من الباطل ليكون أقوى لها على الحق، وقال الشاعر:

عجبا ً ممن تناهت حاله

وكفاه الله ذلات الطلب

كيف لا يقسم شطري عمره

بين حالين نعيم وأدب

مرة جداً وأخرى لعباً

فإذا ما غسق الليل انتصب

فقضى الدنيا نهاراً حقه

وقضى لله ليلاً ما يجب

ص: 98

وفي هذا إشارة إلى ما روي في حكمة آل داود عليه السلام: لا ينبغي للعاقل أن يخلي نفسه من أربع: عدة لمعاد، وإصلاح لمعاش، وفكر يقف به على ما يصلحه مما يفسده، ولذة في غير محرّم يستعين بها على الحالات الثلاث. وكان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلاّ حقاً، وكان أصحابه يتناشدون ويفيضون في الأنساب وأيام الناس ولا ينكر عليهم، وذلك كله مشهور.

وقيل لسعيد بن المسيب: إن قوماً من " أهل " العراق لا يرون إنشاد الشعر فقال: نسكوا نسكاً أعجمياً.

وقيل لابن سيرين: إن قوماً يرون إنشاد الشعر ينقض الوضوء فأنشد:

لقد أصبحت عرْسُ الفرزدق ناشزاً

ولو رضيت رمح أسته لاستقرت

ثم قام يصلي، وقيل بل أنشد:

نبئت أن فتاة كنت أخطبها

عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول

وقيل لأبي السائب المخزومي: أترى أحداً لا يشتهي النسيب فقال: أما من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا.

وكان فضلاء هذه الأمة يروون الشعر ويقولونه أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان مصروفاً عنه قول الشعر سداً للذريعة، وتنزيهاً عن النقيصة، ونفياً للتهمة، قال الله تعالى:) وَمَا عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغي لَهُ (وأما غيره صلى الله عليه وسلم فلا محذور عليه في إنشاد الشعر رواية وقولاً، فإن الشعر من جملة الكلام، نعم إذا كثر ذلك حتى ألهاه عن ذكر الله فهو مذموم، ولا خصوصية في هذا الشعر.

فمما يروى لأبي بكر رضي الله عنه قوله:

تعدون قتلى في الحرام عظيمة

وأعظم منه لو يرى الرشد راشد

صدودكم عما يقول محمد

وكفر به والله راءٍ وشاهد

سقينا من ابن الحضرمي رماحنا

بنخلة لما أوقد الحربَ واقد

ومما يروي لعمر رضي الله عنه قوله:

لا شيء مما ترى تبقى بشاشته

إلاّ الإله ويودي المال والولد

لم تُغْنِ عن هرمز يوماً خزانته

والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا

ولا سليمان إذ تجري الرياح له

والجن والإنس فيما بينها ترد

أين الملوك التي كانت نوافلها

من كل أوب إليها وافد يفد

حوض هنلك مورد بلا كذب

لا بد من ورده يوماً كما وردوا

ومما يروى لعثمان رضي الله عنه قوله:

تفنى اللذاذة ممّن نال صفوتها

من الحرام ويبقى الإثم والعار

تبقى عواقب سوء من مغبتها

لا خير في لذة من بعدها النار

ومما ينسب إلى علي كرم الله وجهه:

محمد النبي أخي وصهري

وحمزة سيد الشهداء عمّي

وجعفر الذي يمسي ويضحي

يطير مع الملائكة ابن أمي

وبنت محمد سكَني وعرسي

منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولداي منها

فمن هذا له سهم كسهمي

سبقتكم إلى الإسلام طراً

غلاماً ما بلغت حلْمي

وصليت الصلاة وكنت رِدْءاً

فمن ذا يدعي يوماً كيومي

وأوجب لي الولاء معاً عليكم

رسول الله يوم غدير خم

وغدير خم بضم الخاء موضع بين الحرمين.

ومن شعره أيضاً وقيل: لم يثبت عنه غيره:

تلكم قريش تمناني لتقتلني

فلا وربث ما برّوا ولا ظفروا

فإن هلكت فرهن ذمتي لهم

بذاتِ وَدْقَينِ لا يعفو لها أثر

وذات ودقين الداهية.

ومما يروى لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قوله:

إن كنت تعلم أن الله يا عمر

يرى ويسمع ما تأتي وما تذر

وأنت غفلة عن ذاك تركب ما

عنه نهاك فأين الخوف والحذر

فانظر لنفسك يا مسكين في مهل

ما دام ينفعك التفكير والنظر

قف بالمقابر وانظر إن وقفت بها

لله درك ماذا تستر الحُفَر

ففيهم لك يا مغرور موعظة

وفيهم لك يا مغرور معتبر

فهؤلاء الأئمة المقتدى بأقوالهم وأفعالهم " وأحوالهم ".

وقد وقع ذلك لأكابر العلماء من أهل الدين كثيراً شهيراً، ومنهم من كان غزير المادة في الشعر مديد الباع فيه كعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود أحد الفقهاء السبعة بالمدينة حتى كان ابن المسيب إذا لقيه يقول له: مرحباً بالفقيه الشاعر فيقول عبيد الله: لا بد للمصدور أن ينفث، فمن قوله:

كتمتَ الهوى حتى أضر بك الكتم

ولامك أقوام ولومهم ظلم

ص: 99

ونمّ عليك الكاشحون وقبلهم

عليك الهوى قد نم لو ينفع النم

وزادك إغراء بها طول بخلها

عليك وأبلى لحم أعظمك الهم

وأصبحت كالنهدي إذ مات حسرة

على أثر هند أو كمن سقي السم

وكأنه أراد: من سقيه السم فحذف الضمير.

ووردت امرأة جميلة مع ابن " لها " صغير " المدينة " فخطبت وكان ممن خطبها عبيد الله فقال فيها معرضاً ببراعة الفقهاء السبعة:

أحبك حباً لا يحبك مثله

قريب ولا في العالمين بعيد

أحبك حباً لو علمت ببعضه

لجُدْتِ ولم يصعب عليك شديد

أحبك يا أم الوليد متيمي

شهيدي أبو بكر وذاك شهيد

ويعلم وجدي قاسم بن محمد

وعروة ما ألقى بكم وسعيد

ويعلم ما أخفي سليمان كله

وخارجه يبدي بنا ويعيد

متى تسألي عما أقول تخبري

فللحب عندي طارف وتليد

ويحكى أنه لقيه بعد هذا سعيد بن المسيب يوماً فقال له: أما إنك قد أمنت أن تسألنا، ولو سألتنا ما شهدْنا لك بزور، وهذا من فكاهة أهل الحجاز ولطافتهم رضي الله عنهم.

وكان الإمام الشافعي رضي الله عنه وهو القائل مخبراً عن غزارة عنصره في ذلك:

ولولا الشعر بالفقهاء يزري

لكنت اليوم أشعرَ من لبيد

فمن قوله:

ماذا يخبر ضيف بيتك أهله؟

إن سيل: كيف مَراده ومعاجه؟

أيقول جاورت الفرات ولم أنل

رِفداً إليه وقد طغت أمواجه

ورقيت في درج العلى فتضاءلت

عما أريد شعاره وفجاجه

ولتخبرنَّ خصاصتي بتملقي

والماء يخبر عن قذاه

عندي يواقيت القريض ودُرُّه

وعليّ إكليل الكلام وتاجه

تُرْبي على روض الرّبى أزهاره

ويرِق في نادي الندى ديباجه

والشاعر المِنطيق أسود سالخ

والشعر منه لعابه ومُجاجه

وعداوة الشعراء داء مُعضِل

ولقد يهون على الكريم علاجه

والظاهر أنه قال هذا قبل اشتغاله بالفقه، فأنه لم يشتغل به حتى الآن في البادية وتوسع في العربية والشعر.

ويحكى عن أبي القاسم بن الأزرق الشاعر أنه قال: جئت الشافعي يوما فقلت: يا أبا عبد الله لك الفقه تفوز بفوائده، ولنا الشعر، فأردت مداخلتنا فيه، فأما أفردتنا الشعر، وإما أشركتنا في الفقه، وقد أتيت بأبيات إن أتيت بمثلها تبت عن الشعر، وإن عجزت تبت عنه، فقال: هات، فأنشدته:

ما همّتي إلاّ مقارعة العدا

خَلِقَ الزمان وهمتي لم تخلَق

والناس أعينهم إلى سلب الفتى

لا يسألون عن الحِجا والأوْلَقِ

لكن من رُزِق الحجا حُرِم الغنى

هذان مفترقان أي تفرق

لو كان بالحِيَل الغنى لوجدتني

بنجوم أقطار السماء تعلقي

فقال الشافعي: أنا أقول خيراً منه وأنشد مرتجلاً:

إن الذي رُزِقَ اليسارَ ولم ينلْ

حمداً ولا أجراً لغيرُ موفَّق

فالجَدَ يدني كل شيء شاسع

والجَدّ يفتح كل باب مغلق

فإذا سمعت بأن مجدوداً حوى

عوداً فأثمر في يديه فحقق

وإذا سمعت بأن محروماً أتى

ماء ليشربه فغاص فصدّق

وأحقّ خلق اللهِ بالهمِّ امرؤ

ذو همة يبلى برزق ضيق

ومن الدليل على القضاء وكونه

بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق

وقال أبو سعيد المكي: سمعت الشافعي رضي الله عنه ينشد:

رأيت نفسي تتوق إلى مصر

ومن دونها عرض المهامه والفقر

ووالله ما أدري أللفقر والغنى

أقاد إليها أم أقاد إلى قبري

وكان ينشد رضي الله عنه:

يا لهف نفسي على مال أفرقه

على الفريقين من أهل المروآت

إن اعتذاري إلى من جاء يسألني

ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات

وقال يونس بن عبد الأعلى: كان الشافعي يتمثل:

إذا أصبحت عندك قوت يوم

فخلِّ الهم عني يا سعيد

ولم تخطر هموم غد ببالي

لأن غداً له رزق جديد

أسلم إن أراد الله أمراً

وأترك ما أريد لما يريد

توفي رضي الله عنه بمصر آخر يوم من رجب سنة سبع ومائتين، قال الربيع: لما دفناه رأينا هلال شعبان، وعاش أربعاً وخمسين سنة.

ص: 100

وكان القاضي عبد الوهاب بن نصر الفقيه المالكي رضي الله عنه، وفيه يقول أبو العلاء المعري حين مر بهم متوجهاً إلى مصر:

والمالكيُّ ابن نصرٍ زار في سفر

بلادنا فحمدنا النأيَ والسّفرا

إذا تكلّم أحيا مالكاً جدَلاً

ويُنشرُ الملك الضليل إن شعرا

فمن قوله يتغزل ويوري بالمسائل الفقهية:

ونائمة قبّلتها فتنبهت

فقالت: تعالوا فاطلبوا اللص بالحد

فقلت لها: إني لثمتك غاصباً

وما حكموا في غاصب بسوى الرد

خديها وكفي لي عن إثم ظلامتي

وإن أنت لم ترضي فألف من العد

فقالت: قصاص يشهد العقل أنه

على كبد الجاني ألذ من الشهد

فباتت يميني وهي هسيان خصها

وباتت يساري وهي واسطة العقد

وقالت: ألم أخبر بأنك زاهد

فقلت لها: ما زلت أزهد في الزهد

وينسب إليه قوله:

تملكت يا مهجتي مهجتي

وأسهرت يا ناظري ناظري

وما كان ذا أملي يا ملول

ولا خطر الهجر في خاطري

فجد بالوصال فدتك النفوس

فلست على الهجر بالقادر

أيا غائباً حاضراً في الفؤاد

سلام على الغائب الحاضر

" وله أيضاً رحمه الله:

يلومونني أن بعت بالرخص منزلي

ولم يعلموا جاراً هناك ينغص

فقلت لهم: كفوا الملام فإنما

بجيرانها تغلو الديار وترخص "

ولفقهاء العدوة من ذلك ما يطلع بدراً لائحاً، ويسطع زهراً فائحاً، وتتهاداه الحور، وتتحلى منه النحور، وتتبع ذلك يطيل، ونلم من ذلك بالقليل، إذ لا بد لهذا الكتاب، أن يأخذ من كل لباب، فمن ذلك قول الفقيه القاضي أبي الوليد الباجي رحمه الله في معنى الزهد:

إذا كنت أعلم علماً يقيناً

بأن جميع حياتي كساعة

فلمْ لا أكون ضنينا بها

وأجعلها في صلاح وطاعة

ومن ذلك قول محمد بن سماك صاحب الأحكام يصف الروض:

الروض مخضر الربى متجمّل

للناظرين بأجمل الألوان

فكأنما بسطت هناك سوارها

خود زهت بقلائد العقيان

وكأنما فتحت هناك نوافج

من مسكة عجنت بصرف البان

والطير يسجع في الغصون كأنه

نقر القيان جثت على العيدان

والماء مطّرد يسيل عبابه

كسلاسل من فضة وجمان

بهجات حسن أكملت فكأنما

حسن اليقين وبهجة الإيمان

وللفقيه أبي محمد عبد الله بن السيد البطليوسي في الزهد:

أمرت إلهي بالمكارم كلها

ولم ترضها إلاّ وأنت لها أهل

فقلت: اصفحوا عمن أساء إليكم

وعوذوا بحلم منكم إن بدا جهل

فهل لجهول خاف صعب ذنوبه

لديك أمان منك أو جانب سهل

وله يصف فرساً:

وأدهم من آل الوجيه ولاحقٍ

له ليل لون والصباح حُجُول

تحير ماء الحسن فوق أديمه

فلولا التهاب الحضر ظل يسيل

كأن هلال الفطر لاح بوجهه

فأعيينا شوقاً إليه تميل

كأن الرياح العاصفات تُقِلّه

إذا ابتل منه محزم وقليل

وللحافظ أبي بكر بن عطية رحمه الله يحذر من خلط الزمان:

كن بذئب صائد مستوحشاً

فإن أبصرت إنسانا ففر

إنما الإنسان بحر ماله

ساحل فأحذره إياك الغَرَر

واجعل الناس كشخص واحد

ثم كن من ذلك الشخص حذر

وله يعاتب بعض إخوانه:

وكنت أظن جبالَ رَضوى

تزول وأن ودّك لا يزول

ولكن الأمور لها اضطراب

وأحوال ابن آدم تستحيل

فإن يك بيننا وصل جميل

وإلاّ فليكن هجر جميل

ولابنه الحافظ عبد الحق رحمه الله يصف الزمان وأهله:

داء الزمان وأهله

داء يعز له العلاج

أطلعت في ظلماته

ودّا كما سطع السراج

لصحابة أعيا ثِقَا

في من قناتهم اعوجاج

أخلاقهم ماء صفا

مرأى ومطعمهُ أُجاج

كالدر ما لم تختبر

فإذا اختبرت فهم زجاج

وللفقيه القاضي عياض بن موسى اليحصبي رضي الله عنه من شعره:

إذا ما نشرت بساط انبساط

فعنه فديتك فاطو المزاحا

فإن المزاح كما قد حكى

أُولُوا العلم قبلُ عن الحلم زاحا

وله عند ارتحاله من قرطبة رحمه الله:

ص: 101