الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
في سبيل المرأة
ماضينا وحاضرنا
نحن لا ننزع إلى الكمال لأن لنا فيه نسباً عريقاً، وطريقاً عميقاً إذا أنني عطف الزمان، فنحن مطلع فجره فخره. أو التبست عُقد العظائم، فنحن حُماة شرعتها، وكماة حومتها بنا استصحفت مِرة المجد واستشرقت ذروته ولنا عُقد لو اؤه، وتأثل بناؤه، فإذا ابتغينا الحياة سنَية، وابتعثنا الأمل جنياًّ، فلسنا بغاة نصفة ولا عُفاة معدلة، وإنما هو ميراث سُلبناه في غفوت الليل، وغلس الظلام، فنحن ننزع عنه شرك العوائق، ونرد دونه كيد الخطوب.
تلك صفحة من صفحات تاريخنا الذي نعتز به، ونطرب له، ونستثني من الرجاء منه ولعلها أحفل الصفحات بالعظات، وأجمعها للعظائم، وآهلهَا بنُبل الُخلق، وسناء الحياة. تلك هي المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها، حياة العظمة الوادعة الرائعة؛ النفس الأبية النقية.
تلك هي المرأة التي يحدث المؤرخ المُنقَرّ الإنجليزي العظيم (كلاي مما استَشفه من أطلال بابل إنها كانت منذ أربعة وأربعين قرناً تجاذب الرجل سياسة الأمة، وولايتها الأمر، إنها كانت منذ أربعة وأربعين تجاذب سياسة الأمة، وولايتها الأمر، وجدّ العمل، وشُئون الحياة.
تلك هي للمرأة التي وثب بها الإسلام ووثبت هي به، وكان أثرها في تكوين
رجاله، وتصريف حوادثه، أشبه ما يكون بأثر الهادئ الفياض في زهر الرياض.
يريد نساؤنا أن ينهضنَ، فهن يبتغين الوسائل ويتلمسن الخطى. وما لهن لا ينهضن؟ ومنذا يذودهن عما شرع الله لهن؟ وهل هن إلا منابت حُماتنا، وأساة جراحنا، وبُناة دولتنا ومنار دعوتنا، ومثار قوتنا؟ وهل نحن وإياهن إلا كجناح النّسر الصاعد إذا ينهض أحدهما خفُض الآخر فيصبح لا يجد في الأرض مَقَعداً ولا في السماء مصعداً؟
لينهض النساء ما شئن أن ينهضن، ففي نهوضهن، وبلغ غايتنا، ولكن ليحذر الآخرون بيدها والداعون إلى نهوضها التواء القصد، والتباس الطريق فينالها الزلل وتَلِجُّ بها العثرات حتى يقول قوم لقد كان ما كانت فيه خيراً وأبقى.
ألا وإن من الالْتِواء القصد، وضلال الطريق، وأن ندع نساءنا يتخذن من المرأة الأوربية مثالاً يحتذينه، ويمعنَّ في التشبيه به.
نحن قوم تحتكم بنا أمزجتنا، وأسلوب حياتنا، وأجواء بلادنا وتكوين طبائعنا، ونظم شرائعنا، فمن الظلم أن نقول لنسائنا خُضن ثَبَجَ البحر واقتحمن شعاف الجبل وكن نساء أوربيات تَرَيَنَ ما يرين، وتدّعن ما يدعين. ذلك تكليف لا قدرة عليه ولا خير فيه. .
نعوذ بالله أن ننكر على المرأة الأوربية وفر فضلها، وسماحة عقلها، فذلك ما لا نجد له السبيل غلى جحده والإنكار له ولكننا ننكر عليها أعراضاً قد لا تبتئس بها، ولا يأبه لها من حولها، على أنها مما يحز المفاصل، ويستثير الغوائل وهي إذا نقلت إلينا كانت أشد وأفتك. ونخشى إذا حملنا نساءنا على الأسوة بنسائهم أن تكون الأعراض هي الأولى والآخرة.
لا أكذب فالمرأة الأوربية ليست المثل الأعلى للمرأة العظيمة. فإن قيل هي كاتبة حاسبة، وصانعة بارعة، قلنا لم تزد أن دعمت حياة المادة وزادتها نوطاً جديداً.
ولو كان لها أثر نافذ لنُسخت عبادة القوة، ودال سلطان الأّثَرَة ولأبصرت القوم يبادرون إلى عون الضعيف، وغوث اللهيف، ولما استمتعت أنه المظلوم تكاد تنفطر لها السماوات وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هَدّا.
أجل بصرك بين أعطف هذا العالم وأطرافه ثم انظر هل ترى إلا رجلا مغشياً بالغل أو محنياً على الضغينة؟ وهل تجد إلا امرأة مَطْويةً على كبد حَرّى أو مهجة
حَسْرى؟ وهل تبصر إلا واتراً وموتوراً، قاهراً ومقهوراً؟ وهل تُحسُّ الأُلفاء والقرَناء بإخاء صاف، وودّ غير مدخول؟ وهل تعلم في القوم إلا الخُلق المضطرب، والخَلة المُموّهة، ويداً شعث الكلب، وتدمي قلوب الشعوب، فما ينهل من الدم ويشكو الأوام، فأين يد المرأة أثرها، غير تهذيب النفوس وتطهير القلوب خُلقت المرأة؟
لكل ذلك أُناشد نساءنا أن يَسْدلن الحُجٌب بينهن وبين نساء أوربا ففي أمهاتنا الأوليات فضل وغَناء. أولئك اللواتي نَستَنُّ عن طيب عروقهن وكرم أخلاقهن، وتلك دماؤهن تترقق بين جوانحنا وأعطاف قلوبنا. فأما نحن فيه من مظاهر النَّوْة بالواجب والنّكول عن الجد فإنما هو صدأ عارض وغشاء مستحدث علينا تطاول الزمن وتتابع الحادثات وما أصابنا في سبيل ذلك من فداحة الظلم وذل الإسار.
ففي سبيل الكمال المُطلق، والحياة الخالدة، أسواق حديث المرأة لا إلى النساء فحسبُ، بل إليهن وإلى الرجال معهن فإن صلاح كل من الفريقين لا يقوم إلا على صلاح صاحبه، والتجاوز له عن حقه الذي شرع له، وسيعلم الناس مبلغ تلك المرأة في عهد جاهليتها من قّوة النفس. وحرمة الرأي، وعزة الجانب، ونبل الخليقة، وكيف انتهى بها الإسلام إلى أبعد مدى من الحياة ونهج لها أوضح سُنَّة من الفضائل وألبسها أحسن لَبوس من جلال الكمال وجمال الخلال.
لذلك أنشأت كتابي مستعيناً بعناية الله، مستهدياً بهداه وحده وليّ النُّجْح، وهادي
السبيل.
وقد فصلته على أربع أجزاء:
الجزء الأول: المرأة العربية في عهد جاهليتها.
الجزء الثاني: المرأة العربية المسلمة في عصورها الزاهية.
الجزء الثالث: الدور الثاني من أدوار المرأة العربية في عصورها الزاهية.
الجزء الرابع: المرأة العربية الحديثة، وفيه وصف المرأة في أرجاء جزيرة العرب. مما قاله أهلها وما كتبه المستشرقون الذين نزلوا بها. ووصفها في كل قطر من الأقطار المتعربّة.