الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقْعَةُ أُحُدٍ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
9735 -
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ فِي قَوْلِهِ:{وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152] إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ وَكُفَّارُ قُرَيْشٍ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي لَبِسْتُ دِرْعًا حَصِينَةً، فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ، فَاجْلِسُوا فِي ضَيْعَتِكُمْ، وَقَاتِلُوا مِنْ وَرَائِهَا، وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ قَدْ شُبِّكَتْ بِالْبُنْيَانِ فَهِيَ كَالْحِصْنِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ فَلْنُقَاتِلْهُمْ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ
⦗ص: 364⦘
: نَعَمْ وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ، إِنَّا وَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِنَا عَدُوُّ قَطُّ فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ، فَأَصَابَ فِينَا، وَلَا تَنَيْنَا فِي الْمَدِينَةِ، وَقَاتَلْنَا مِنْ وَرَائِهَا إِلَّا هَزَمْنَا عَدُوُّنَا، فَكَلَّمَهُ أُنَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ، فَدَعَا بِلَأْمَتِهِ فَلَبِسَهَا، ثُمَّ قَالَ:«مَا أَظُنُّ الصَّرْعَى إِلَّا سَتَكْثُرُ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ، إِنِّي أَرَى فِي النَّوْمِ مَنْحُورَةً» فَأَقُولُ: «بَقَرٌ، وَاللَّهِ بِخَيْرٍ» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَاجْلِسْ بِنَا فَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا
⦗ص: 365⦘
لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يَلْقَى النَّاسَ، فَهَلْ مِنْ رَجُلٍ يَدُلُّنَا الطَّرِيقَ عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ؟» فَانْطَلَقَتْ بِهِ الْأَدِلَّاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشَّوْطِ مِنَ الْجَبَّانَةِ، انْخَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِثُلُثِ الْجَيْشِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ثُلُثِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى لَقُوهُمْ بِأُحُدٍ وَصَافُّوهُمْ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَى أَصْحَابِهِ إِنْ هُمْ هَزَمُوهُمْ أَنْ لَا يَدْخُلُوا لَهُمْ عَسْكَرًا، وَلَا يَتْبَعُوهُمْ فَلَمَّا الْتَقَوْا هَزَمُوا، وَعَصَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَتَنَازَعُوا وَاخْتَلَفُوا ثُمَّ صَرَفَهُمُ اللَّهُ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ وَعَلَى خَيْلِهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعِينَ رَجُلًا، وَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ شَدِيدَةٌ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَمِيَ وَجْهُهُ، حَتَّى صَاحَ الشَّيْطَانُ بِأَعْلَى صَوْتَهِ، قُتِلَ مُحَمَّدٌ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْمِغْفَرِ، فَنَادَيْتُ بِصَوْتِي الْأَعْلَى: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اسْكُتْ، وَكَفَّ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ
⦗ص: 366⦘
، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وُقُوفٌ، فَنَادَى أَبُو سُفْيَانَ بَعْدَمَا مُثِّلَ بِبَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَجُدِعُوا، وَمِنْهُمْ مَنْ بُقِرَ بَطْنُهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي قَتْلَاكُمْ بَعْضَ الْمَثَلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَنْ ذَوِي رَأَيْنَا وَلَا سَادَتِنَا، ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ فَقَالَ: أُنْعِمْتَ عَيْنًا، قَتْلَى بِقَتْلَى بَدْرٍ فَقَالَ عُمَرُ: لَا يَسْتَوِي الْقَتْلَى، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَقَدْ خِبْنَا إِذًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ، وَنَدَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ فِي طَلَبِهِمْ، حَتَّى بَلَغُوا قَرِيبًا مِنْ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَكَانَ فِيمَنْ طَلَبَهُمْ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَذَلِكَ حِينَ قَالَ اللَّهُ:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]
عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
9736 -
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ، دَعَا الْمُسْلِمِينَ لِطَلَبِ الْكُفَّارِ، فَاسْتَجَابُوا فَطَلَبُوهُمْ عَامَّةَ يَوْمِهِمْ، ثُمَّ رَجَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران: 172] الْآيَةُ ". وَلَقَدْ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُرِبَ يَوْمَئِذٍ بِالسَّيْفِ سَبْعِينَ ضَرْبَةً، وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّهَا كُلَّهَا
وَقْعَةُ الْأَحْزَابِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ
9737 -
ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ الْأَحْزَابِ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَانِبَ الْمَدِينَةِ، وَرَأْسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَبُو سُفْيَانَ، فَحَاصَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، حَتَّى خَلُصَ إِلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمُ الْكَرْبُ، وَحَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ـ كَمَا أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيِّبِ ـ «اللَّهُمَّ إِنِّي أُنْشِدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ أَنْ لَا تُعْبَدَ» فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ رَأْسُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَطَفَانَ، وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ:«أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ لَكَ ثُلُثَ ثَمَرِ الْأَنْصَارِ أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَكَ مِنْ غَطَفَانَ؟ وَتُخَذِّلُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ؟» ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُيَيْنَةُ إِنْ جَعَلْتَ لِي الشَّطْرَ فَعَلْتُ، فَأَرْسَلَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ سَيِّدُ الْأَوْسِ، وَإِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ فَقَالَ لَهُمَا: «إِنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ قَدْ سَأَلَنِي نِصْفَ ثَمَرِكُمَا عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ غَطَفَانَ، وَيُخَذِّلَ بَيْنَ الْأَحْزَابِ، وَإِنِّي
⦗ص: 368⦘
قَدْ أَعْطَيْتُهُ الثُّلُثَ فَأَبَى إِلَّا الشَّطْرَ، فَمَاذَا تَرَيَانِ؟» قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ أُمِرْتَ بِشَيْءٍ فَامْضِ لِأَمْرِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ أُمِرْتُ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْتَأمِرْكُمَا، وَلَكِنْ هَذَا رَأْيِي أَعْرِضُهُ عَلَيْكُمَا» قَالَا: فَإِنَّا لَا نَرَى أَنْ نُعْطِيَهُ إِلَّا السَّيْفَ قَالَ: «فَنِعْمَ إِذًا» قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّهُمَا قَالَا لَهُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ أَفُلَانَ حِينَ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ نُعْطِيهِمْ ذَلِكَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فَنِعْمَ إِذًا» . قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ، وَكَانَ يَأْمَنُهُ الْفَرِيقَانِ، كَانَ مُوادِعًا لَهُمَا فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ عُيَيْنَةَ وَأَبِي سُفْيَانَ إِذْ جَاءَهُمْ رَسُولُ بَنِي قُرَيْظَةَ: أَنِ اثْبُتُوا، فَإِنَّا سَنُخَالِفُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ» ، وَكَانَ نُعَيْمٌ رَجُلًا لَا يَكْتُمُ الْحَدِيثَ، فَقَامَ بِكَلِمَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَهُ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ فَأَمْضِهِ، وَإِنْ كَانَ رَأَيًا مِنْكَ فَإِنَّ شَأْنَ قُرَيْشٍ وَبَنِي قُرَيْظَةَ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ فِيهِ مَقَالٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«عَلَيَّ الرَّجُلَ» رُدُّوهُ فَرَدُّوهُ فَقَالَ: انْظُرِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَكَ، فَلَا تَذْكُرْهُ لِأَحَدٍ " فَإِنَّمَا أَغْرَاهُ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى عُيَيْنَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ فَقَالَ: هَلْ سَمِعْتُمْ مِنْ مُحَمَّدٍ يَقُولُ قَوْلًا إِلَّا كَانَ حَقًّا؟ قَالَا: لَا قَالَ: فَإِنِّي
⦗ص: 369⦘
لَمَّا ذَكَرْتُ لَهُ شَأْنَ قُرَيْظَةَ قَالَ: فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: سَنَعْلَمُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مَكْرًا، فَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ أَنَّكُمْ قَدْ أَمَرْتُمُونَا أَنْ نَثْبُتَ، وَأَنَّكُمْ سَتُخَالِفُونَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ، فَأَعْطُونَا بِذَلِكَ رَهِينَةً فَقَالُوا: إِنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَإِنَّا لَا نَقْضِي فِي السَّبْتِ شَيْئًا فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ إِنَّكُمْ فِي مَكْرٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَارْتَحِلُوا، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَأطْفَأتْ نِيرَانَهُمْ وَقَطَعَتْ أَرْسَانَ خُيُولِهِمْ، وَانْطَلَقُوا مُنْهَزِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ قَالَ: فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25] قَالَ: فَنَدَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ فِي طَلَبِهِمْ، فَطَلَبُوهُمْ حَتَّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ قَالَ: فَرَجَعُوا قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَأْمَتَهُ، وَاغْتَسَلَ وَاسْتَجْمَرَ، فَنَادَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ: عَذِيرُكَ مِنْ مُحَارِبٍ، أَلَا أَرَاكَ قَدْ وَضَعْتَ اللَّأْمَةَ، وَلَمْ نَضَعْهَا نَحْنُ بَعْدُ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَزِعًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:«عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُصَلُّوا الْعَصْرَ حَتَّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ» ، فَغَرَبِتِ الشَّمْسُ
⦗ص: 370⦘
قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرِدْ أَنْ تَدَعُوا الصَّلَاةَ فَصَلُّوا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّا لَفِي عَزِيمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا عَلَيْنَا مِنْ بَأْسٍ، فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَتَرَكَتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا قَالَ: فَلَمْ يُعَنِّفِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بِمَجَالِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ:«هَلْ مَرَّ بِكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟» فَقَالُوا: نَعَمْ، مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ تَحْتَهُ قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ جِبْرِيلُ، أُرْسِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُزَلْزِلَ حُصُونَهُمْ، وَيَقْذِفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ» فَحَاصَرَهُمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا انْتَهَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتُرُوهُ بِجُحَفِهِمْ لِيَقُوهُ الْحِجَارَةَ، حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ، فَفَعَلُوا فَنَادَاهُمْ:«يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرَ» فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْتَ فَاحِشًا فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَأَبَوْا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلُوا عَلَى دَاءٍ فَأَقْبَلُوا بِهِمْ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَسِيرًا عَلَى أَتَانٍ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى رَسُولِ
⦗ص: 371⦘
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَتْ قُرَيْظَةُ تُذَكِّرُهُ بِحِلْفِهِمْ، وَطَفِقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَنْفَلِتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَأْمِرًا، يَنْتَظِرُهُ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ، فَيُجِيبُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ: انْفِرْ بِمَا أَنَا حَاكِمٌ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ بِقَوْلِ:«نَعَمْ» قَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَحْكُمُ بِأَنْ يُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَصَابَ الْحُكْمَ» قَالَ: وَكَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ اسْتَجَاشَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَلَاكَ لِبَنِي قُرَيْظَةَ، فَاسْتَفْتَحَ عَلَيْهِمْ لَيْلًا، فَقَالَ سَيِّدُهُمْ: إِنَّ هَذَا رَجُلٌ مَشْئُومٌ، فَلَا يَشْأَمَنَّكُمْ حُيَيٌّ، فَنَادَاهُمْ يَا بَنِي قُرَيْظَةَ أَلَا تَسْتَجِيبُوا؟ أَلَا تَلْحِقُونِي؟ أَلَا تُضَيِّفُونِي؟ فَإِنِّي جَامِعٌ مَغْرُورٌ، فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ: وَاللَّهِ لَنَفْتَحَنَّ لَهُ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى فَتَحُوا لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِمْ أُطُمَهُمْ قَالَ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ جِئْتُكُمْ فِي عَزِّ الدَّهْرِ، جِئْتُكُمْ فِي عَارِضِ بَرْدٍ لَا يَقُومُ لِسَبِيلِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُمْ: أتَعِدُنَا عَارِضًا بَرْدًا يَنْكَشِفُ عَنَّا، وَتَدَعُنَا عِنْدَ بَحْرٍ دَائِمٍ لَا يُفَارِقُنَا، إِنَّمَا تَعِدُنَا الْغُرُورَ قَالَ: فَوَاثَقَهُمْ وَعَاهَدَهُمْ لِإِنِ انْفَضَّتْ جُمُوعُ الْأَحْزَابِ أَنْ يَجِيئَ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَهُمْ أُطُمَهُمْ، فَأَطَاعُوهُ حِينَئِذٍ بِالْغَدْرِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا فَضَّ اللَّهُ جُمُوعَ الْأَحْزَابَ انْطَلَقَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ، ذَكَرَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ الَّذِي أَعْطَاهُمْ، فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا أَقْبَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أُتِيَ بِهِ مَكْتُوفًا بِقِدٍّ فَقَالَ حُيَيٌّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 372⦘
: أَمَا وَاللَّهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ، وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللَّهَ يُخْذَلُ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ