المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الحادي والعشرون بعد المئة: الخط العربي ‌ ‌مدخل … الفصل الحادي والعشرون بعد - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٥

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الخامس عشر

- ‌الفصل السادس عشر بعد المئة: الفن الجاهلي

- ‌العمارة

- ‌الفصل السابع عشر بعد المئة: القصور والمحافد والاطام

- ‌مدخل

- ‌الأعمدة والأسطوانات:

- ‌الفصل الثامن عشر بعد المئة:‌‌ الخزفوالزجاج والبلور

- ‌ الخزف

- ‌الفصل التاسع عشر بعد المئة: الفنون الجميلة

- ‌مدخل

- ‌التصوير:

- ‌الفصل العشرون بعد المئة: أمية الجاهليين

- ‌الفصل الحادي والعشرون بعد المئة: الخط العربي

- ‌مدخل

- ‌الخط العربي:

- ‌الفصل الثاني والعشرون بعد المائة: المسند ومشتقاته

- ‌مدخل

- ‌أصل القلم المسند:

- ‌القلم اللحياني:

- ‌الخط الثمودي:

- ‌الأبجدية الصفوية:

- ‌الترقيم:

- ‌الفصل الثالث والعشرون بعد المائة: الكتابة والتدوين

- ‌الفصل الرابع والعشرون بعد المائة: الدراسة والتدريس

- ‌الكتاتيب:

- ‌مواد الدراسة:

- ‌الكاتب:

- ‌الفصل الخامس والعشرون بعد المائة: الكتاب والعلماء

- ‌مدخل

- ‌الملاحن والألغاز:

- ‌الفصل السادس والعشرون بعد المائة: الفلسفة والحكمة

- ‌مدخل

- ‌الحكمة:

- ‌الفصل السابع والعشرون بعد المائة: الأمثال

- ‌فهرس الجزء الخامس عشر:

الفصل: ‌ ‌الفصل الحادي والعشرون بعد المئة: الخط العربي ‌ ‌مدخل … الفصل الحادي والعشرون بعد

‌الفصل الحادي والعشرون بعد المئة: الخط العربي

‌مدخل

الفصل الحادي والعشرون بعد المائة: الخط العربي

للعلماء الذين اشتغلوا في موضوع نشوء الخط عند البشر، والقلم الأول الذي تفرعت منه سائر الأقلام، نظريات في تأريخ الكتابة وظهورها، وفي المراحل التي مَرَّت عليها من أول عهد مرّت فيه وهو عهد الكتابة الصورية "Pictography" إلى وصولها إلى مرحلة الحروف. وهذه النظريات مع أنها مرت بمناقشات وبحوث وتحددت حتى أصبحت معروفة عند علماء الخطوط، لم تستقر حتى الآن؛ لأن ما وصل إلينا من نماذج كتابية أثرية، لا يكفي لإبداء رأي مقبول أو رأي قاطع في أصل الخط وفي منشئه وفي الأمة التي أوجدته. ولا أعتقد أن في إمكان أحد القطع في ذلك، مالم يعثر المنقبون في المستقبل على نماذج عادية غير معروفة، تكون كافية لإبداء رأي علمي في هذا الموضوع.

واختراع الكتابة من الاختراعات الكبرى التي غيرت مجرى البشر، وهو اختراع لا تقل أهميته عن أعظم الاختراعات والاكتشافات والمغامرات التي قام بها الإنسان منذ يومه الأول حتى هذا اليوم. ومنها هروب الإنسان من أحضان أمه الأرض، وعقوقه بحقها، والتبطر بها، وذهابه إلى القمر ثم إلى ما وراء القمر من عوالم سابحة راقصة في هذا الذي نسميه السماء. ونحن لا نحفل اليوم بموضوع أهمية اختراع الكتابة، بالنسبة إلى تقدم العقل البشري، ولا يعرف معظم الناس عنه أي شيء، ولا يحفلون به؛ لأنه صار من القديم البائد. وكل قديم بائد يكتب عليه النسيان. وسيأتي يوم ولا شك ينسى فيه الجاءون من بعدنا بمئات وبآلاف

ص: 144

من السنين، يوم هروب الإنسان من الأرض، ولا ينظرون إليه إلا كما ينظر الإنسان الأمي الجاهل إلى مبدأ الكتابة أو إلى اختراع النار أو الطباعة أو غير ذلك من المخترعات التي إذا مضى وقت طويل على اختراعها نسيتها ذاكرة البشر، ونسيت كل أثر تركته في تطور حياة هذا الإنسان المغامر المغرم بالبحث عن المجهول.

ولعلي لا أخطئ إذا قلت: إن الإنسان قد فكر في الكتابة منذ أيامه الأولى، أي: منذ شعر بنفسه، وصار يُعبر عما في ذاته، فكر بها لأنه كان في حاجة إلى تسجيل أعماله ومعاملاته وكلامه، ليتمكن من تذكرها عند الحاجة وإلى مراجعتها. كما فكر في تسجيل حوادثه وشعوره وتأثره بالمرئيات الجميلة أو المحزنة، وبالخواطر التي كانت تمر عليه، وبكل إحساسه وعواطفه. وكان كلما تقدم عقله وتوسعت مداركه شعر بحاجته إلى تدوين أعماله وأحاسيسه، فعمد إلى الطرق البدائية في التدوين. ثم طورها تدريجيًّا حتى وصل إلى مرتبة الكتابة الصورية، أي: إنه استخدم الصور في مقام الألفاظ. بأن يرسم صورة، فإذا رآها أحد عرفها وسماها باسمها. وعرفت هذه الطريقة بالكتابة الصورية. غير أن هذه الطريقة وإن عبرت بعض التعبير عن مشاعر الكاتب، إلا أنها كانت عاجزة عن التعبير عن الأمور الروحية وعن الألفاظ المعنوية، وعن الأمور الحسابية وغير ذلك. لذلك لم يقنع بها بل أخذ يشحذ ذهنه لإيجاد طريقة أخرى مختصرة وبسيطة ولها قابلية على رسم المعاني والإحساس، فأوجد من الكتابة الصورية اختزالًا نسميه: الكتابة المقطعية. أي: إنه اختزل الصور، وجزأها إلى مقاطع. وأخذ منها مقاطعها الأولى. فسماها بأسمائها الأصلية. فوصل بذلك إلى مرحلة المقاطع. وتمكن بسليقته وبذكائه من تحليل الأسماء والألفاظ التي يراد تدوينها إلى مقاطع، وتدوين أي كلمة بمقاطعها التي تتألف منها. وقد سهلت هذه المرحلة عليه كتابة الكلمات التي تعبر عن الآراء، ومن تسْجيل جمل وصفحات فيها ألفاظ مادية محسوسة وألفاظ ليست بمسميات لأشياء مادية وإنما هي تعبير عن معان وإحساس. مثل: موت وحياة ورأي وما شاكل ذلك. إلا أنه وجد أن هذه الطريقة لا تزال طريقة صعبة عسيرة، وأن على الإنسان أن يحفظ صور مئات من العلامات التي تعبر عن المقاطع لتدوين رسالة. لذلك فكر في اختزالها أيضًا وفي غربلتها وجزم المقاطع للوصول إلى الجذور الأساسية للألفاظ، وقد نجح في عمله هذا فتوصل إلى إيجاد الحروف. فبلغ بذلك النهاية.

ص: 145

وهي المرحلة الحقيقية للكتابة. وبذلك استطاع أن يدوّن كل ما يدور بخلده من آراء بحروف، يضعها بعضها إلى بعض ليولد منها الألفاظ التي تدوّن بعضها إلى بعض لتعبر عما يريد الكاتب تدوينه.

وما ذكرته يمثل مجمل رأي العلماء في تطور الكتابة من الرموز والعلامات البدائية إلى بلوغها مرحلة الكمال والتمام. وقد أخذوا رأيهم هذا من الصور والنقوش التي عثر عليها في الكهوف وعلى الصخور وفي المقابر في مختلف أنحاء العالم. ولكن رأيهم هذا يتشعب ويتضارب عندما يتعرض للأصل الذي أوجد الحروف، والمكان الذي صار له شرف إيجاد الكتابة، وحل المشكلة المستعصية التي دوخت الإنسان، مشكلة تدوين ما يدور بخلده بيسر وسهولة. فذهب بعض الباحثين إلى أن الكتابة إنما ظهرت في العراق، وذهب بعض آخر إلى أنها ظهرت في لبنان، وذهب بعض إلى أنها من نبت أرض النيل، وذهب آخرون إلى أنها من ثمرات جزيرة "كريت". ولكل رأي دليل وحجة تقوم على دراسة الكتابات والنصوص التي عثر عليها في تلك الأرضين.

والذين يرون أن العراق هو وطن الكتابة الأول، يرون أن الخط إنما ظهر بتأثير عبادة النجوم، وذلك في أرض "كلديا"، وكان الكهنة قد وضعوا رموزًا للنجوم ومن تلك الرموز أخذت الأبجدية الأولى، وتفرعت الألفباء السامية الغربية التي صارت أمًّا لمجموعة من الأبجديات، ومن قائلي هذه النظرية والمدافعين عنها المستشرق "هومل"1.

وهناك طائفة من العلماء رأت أن الأبجدية الأولى هي وليدة أرض النيل. وأن الذين أوجدوا الأبجدية إنما أخذوها منها. وكان المصريون وقد استعملوا في بادئ أمرهم الكتابة الصورية، ثم اختزلوها وأولدوا منها "الكتابة الهيروغليفية". وهي كتابة متطورة متقدمة بالنسبة إلى الكتابة الصورية. وقد صارت هذه الكتابة أمًّا لأقدم الكتابات. إذ تعلمها أهل "سيناء" وأهل بلاد الشأم، ثم اختزلوها وجزموها، حتى أوجدوا من هذا الجزم الحروف الهجائية2.

1 Grundriss، I، S. 97، Geschichte Babylonien und Assyrian، S. 50

2 Ency. Britanica، vol. I. p. 680، Hubert Grimme، Die Losung des Sinalschriftproblems، S. I، A. H. Gardiner، The Egyptian Orign of the Semitic Alphabet in the Jornal of Egyptian Archaeology، 1916.

ص: 146

وعثر المنقبون في طور سيناء في "سرابيط الخادم" على كتابة قديمة يعود عهدها إلى سنة "1850" قبل الميلاد، دفعت بعض العلماء مثل "مارتن اشبرنكلنك" على القول بأن هذه الكتابة هي وليدة الكتابة الهيروغليفية، وأنها الحلقة المفقودة التي توصل بين الهيروغليفية وبين مرحلة الحروف. وذهب إلى أن العمال الذين كانوا يشتغلون في مناجم طور سيناء إنما اهتدوا إلى التدوين بالحروف من معرفتهم للهيروغليفية. إذ اختزلوا المقاطع، وأخذوا بالجزء الأول من كل مقطع وسموا ذلك الجزء باسم من أسماء الصور بلغتهم، فتكونت عندهم مجموعة من الحروف كونت الأبجدية الطورسينائية، بلغ عددها اثنين وعشرين حرفاً، أصبحت نموذجًا للأبجديات الأخرى التى اعتمدت عليها1.

وقد انتشرت هذه الأبجدية من "طور سيناء" إلى الشرق فوصلت إلى الشأم وجزيرة العرب، وصارت أصل الأبجديات في هذه الأماكن غير أنها لم تستعمل في العراق، حيث كانت الكتابة المسمارية، ولا في مصر، حيث كانت الكتابة "الهيروغليفية". وقد تغيرت أشكالها باستعمالها الطويل، وتحرفت بمرور الزمن، وتبدلت الأسماء التي وضعها كتاب طور سيناء لحروفهم، كما تبدلت من حيث الترتيب وبذلك تولدت منها أقلام جديدة2.

ورأى بعض العلماء أن الخط الكنعاني الذي هو من الخطوط القديمة، قد اشتق من الخط الهيروغليفي، لوجود شبه بين الحروف الكنعانية وبعض الصور الهيروغليفية. ورأى بعض آخر أنه مشتق من الكتابة المسمارية. ورأى آخرون أنه اشتق من الأبجدية "الطورسينائية"، إذ يصعب تصور اشتقاق الخط الكنعاني من الهيروغليفية رأسًا لبعد ما بين الكتابتين، وإن كان هناك شبه بين بعض الحروف الكنعانية والصور الهيروغليفية. ومن الخط الكنعاني تولدت بعض الأقلام السامية المتأخرة3.

وذهب باحثون إلى أن الفينيقين هم أول من اخترعوا الأبجدية، ومن هذه الأبجدية الفينيقية تولدت الأبجديات الأخرى، وذهب قسم منهم إلى أن الفينيقيين، إنما أخذوا أبجديتهم هذه من الهيروغليفية، بأن شذَّبوها وجزموا مقاطعها، وأورلدوا

1 Martin Sprengling، The Alphabet: Its Rise and Development from the Sinai Inscriptions، Chicago، 1931، The Universal Jewish Ency. I، p. 198.

2 "The Universal Jewish Ency. I، p. 198.".

3 "The Jewish Quarterly Review. XII، "1950"، 83-109، 159-179.".

ص: 147

منها الحروف1. ونظرًا إلى وجود هوة كبيرة بين الكتابة الفينيقية وبين الهيروغليفية، رأى بعض الباحثين، أن الفينيقيين، إنما أخذوا خطهم من الخط الطورسينائي، ثم طوره وحسّنوه وأوجدوا منه خطهم الذي أولد جملة خطوط.

وطائفة أخرى من العلماء، رأت أن وطن "الألفباء" الأول هو جزيرة قبرص أو جزيرة كريت، حيث عثر فيهما على نماذج قديمة للكتابة اتخذوها حجة يستند إليها في هذا الرأي. وقد زعم أصحاب هذه النظرية أن أهل ساحل البحر الأبيض إنما تعلموا الكتابة من أهل "كريت" أو "قبرص". وذلك باحتكاكهم بهم، وبهجرة الفلسطينيين "Philistines"، من جزيرة "كريت" إلى سواحل فلسطين التي عرفت باسمهم "فلسطية""Philistia"، ثم أطلقت على المنطقة التي قيل لها فلسطين كلها. ومن الفلسطينيين أخذ الفينيقيون الأبجدية2.

وقد عثر الباحثون على عدد من الكتابات القديمة في جزيرة "كريت"، تَبيّن من دراسة بعض منها أنها مكتوبة على طريقة الكتابة الهيروغليفية، ويرجع عهدها إلى ما بين "2000" إلى "1600" قبل الميلاد. كما عثروا على كتابة صورية يعود عهدها إلى حوالي السنة "1700" قبل الميلاد. وعثروا على كتابات أخرى حملتهم على القول بأن "كريت" كانت الموطن الأول للكتابة، ومنها انتقلت الكتابة إلى مواضع أخرى من البحر المتوسط3. كما بينت ذلك في الفقرة السابقة.

وقد عثر المستشرق "كلود شيفر""M. Claude Schaeffer"، المعروف بتنقيبه عن النصوص "اليغاريتية""Ugarit" في شهر نوفمير من عام 1949م على آجرة صغيرة من الصلصال المفخور بالنار حجمها "5" سنتيمترات في 15 مليمترًا في موضع "رأس الشمرة" الواقع على مسافة عشرة أميال من شمال اللاذقية، ظهر أنها على صغرها وتفاهتها البادية عليها من أهم ما عثر عليه من نصوص. فهذه الآجرة الصغيرة التي لا تلفت إليها الأنظار هي لوح في

1 الدراسات الأدبية، الجامعة اللبنانية، السنة الثانية، العدد الأول، 1960م "ص44 وما بعدها".

Ency. Brita، ، p. 680، A.H. Gardner، The Egyptian Origin of the Semitic Alphabet، in the Jornal of Egyptian Archaeology، 1916، M. Dunand، Byblia

2 Ency. Brit. I، p. 680، Hastings، p. 672، Ency. Bibli، p. 3434.

3 The Art of Writing، Unseco، p. 8.

ص: 148

غاية من الأهمية كتبت عليه الأبجدية "اليغاريتية" المؤلفة من ثلاثين حرفًا، وهي على الرغم من صغر حروفها مكتوبة كتابة واصحة بخط قوي جلي. وقد كان العلماء يبحثون عن هذه الأبجدية بكل شوق، والظاهر أن أحد الطلاب كتبها على هذا اللوح، ويرجع عهده إلى القرن الرابع قبل الميلاد1.

وهذه الأبجدية "اليغاريتية" مكتوبة كتابة إسفينية، ولذلك رأى بعض الذين بحثوا في "اليغاريتية" أنها وليدة الكتابة المسمارية. ورأى بعض آخر أنها متأثرة بالهيروغليفية من حيث تكوين الحروف الصامتة. وأما من ناحية الرسم، فإنها متأثرة بالكتابة المسمارية. وتتألف من ثلاثين حرفًا، فهي تتضمن جميع الحروف في الأبجديات السامية الشمالية الغربية المكونة من اثنين وعشرين حرفًا صامتًا. ونجد أنها أوردت هذه الحروف على ترتيب الأجدية الإرمية والعبرانية، خلا أنها وضعت خمسة أحرف أخرى لم ترد في العبرانية بين هذه المجموعة، فتكوّن منها سبعة وعشرون حرفًَا تضاهي الأبجدية الكنعانية، ثم أضاف إليها كتبة "اليغاريتية" أحرفًا أخرى، فأصبح مجموف الحروف ثلاثين حرفًا تألفت منها الأبجدية "اليغاريتية"2.

نرى مما تقدم أن آراء علماء الخط تكاد تتفق على أن مخترعي الأبجديات هم أناس يجب أن يكونوا من أهل الشرق الأدنى أو من حوض البحر الأبيض، من أهل جزيرة "كريت أو "قبرص". وآراؤهم هذه هي بالنسبة إلى الأقلام المشهورة التي لا تزال مستعملة وحية معروفة مثل: الخطوط المستعملة في أوربا، وفي أمريكا، ومثل: الخط العربي والعبراني والسرياني وبالنسبة إلى أقلام أخرى ماتت، غير أن العلماء المتخصصين يعرفون عنها شيئًا ويقرءون نصوصها مثل الكتابات المسمارية وأمثالها. إلا أن هناك أقلامًا هي قديمة أيضًا، ولها أهمية كبيرة

1 راجع وصف الآجرة الصغيرة والأبجدية "اليغاريتية" في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق: جـ4 مجلد25 "1950م"، "62 وما بعدها"،

The Glascow Herald، Satutday March 4، 1950، Manchester Guardian Weekly، March 23rd، 1950. p. 13، BOASOR، NUM: 118، April 1950، p. 12.

2 The Glascow Herald، Saturday March، The 4th، 1950، BOASOR، NUM: 118، April 1950، P. 12، Le Museon، LIX، 1946، 1-4، P. 95، C.H. Gordon، Ugaritic Grammer، Analecta Orientalia، 20، Roma، 1939، p. 69، Caude F. A. Schaeffer، The Cuniform Texts of Ras Schamra Ugari، London، 1939.

ص: 149

ونصوص وكتابات، لذلك يجب البحث عنها، لمعرفة تأريخها ودرجة صلتها بالأقلام التي نتحدث عنها. للوقوف على البواعث التي دفعت أصحابها على إيجادها والمراحل التي مرّت بها. فليس من الصواب إهمال تلك الأقلام وغض النظر عنها باعتبار أنها أقلام بعيدة عن أقلامنا، وهي تمثل ثقافة بعيدة عن ثقافتنا.

كذلك يجب البحث عن الرسوم والرموز والإشارات التي سجلها الإنسان البدائي للتعبير عن نفسه ولتخليد ما كان يدور بخلده. ومقارنة ذلك مع أمثاله في كل أنحاء العالم. فإذا فعلنا ذلك وجمعنا كل الأقلام القديمة مثل: أقلام الصين والهند وبقية أقلام أقطار آسيا وأقلام إفريقيا وأمريكا، ودرسناها دراسة علمية. فصار في إمكاننا تكوين رأي عام علمي تقريبي عن تأريخ ظهور الخط عند البشر: متى كان ذلك وأقدم من بدأ به، مع بذل الجهد للبحث عن نماذج جديدة من الخطوط في كل مكان من العالم لنزيد بها على علمنا المتجمع من الكتابات التي وصلت إلينا ولا نضيف عليه علمًا جديدًا وليكون حكمًا قريبًا من المنطق والعلم.

والرأي عندي أنه لأجل الإحاطة بتأريخ تطور الخط، لا بد من الاستمرار في البحث عن كتابات أخرى جديدة ومن دراسة مظاهر أشكال الحروف وكيفية ترتيبها وكيفية النطق بها، أي: الإحاطة بأسماء الحروف. فإن هذه الأمور تساعدنا كثيرًا على فهم تطور الخط عند البشر وعن صلته بعضه ببعض ومن التوصل إلى نتائج علمية قويمة، لا تقاس بالنتائج التي تبني على مجرد الظن والتخمين والتصور.

والذي نلاحظه اليوم أن حروف الخطوط السامية المستعملة عند الغربيين، تكاد تتفق في أسمائها وفي ترتيبها، ويشير هذا التشابه إلى وحدة الأصل، وإلى أن الأبجديات المذكورة قد تفرعت كلها من شجرة واحدة، ونبعت من منبع واحد. فكلها تبتدئ بحرف واحد، هو "الألف" وكلها تجعل الباء حرفًا ثانيًا، ثم إن في وحدة تسمياتها مع اختلاف اللغات التي تدوّن بها دليلًا كافيًا على إثبات أن هذه الأبجديات هي من أصل واحد. وعلى أن لأسماء الحروف علاقة وثيقة بالصور وبالكتابة الصورية للغة الأم التي اخترعت تلك الحروف وأوجدتها من مرحلة المقاطع. وإذا ثبتنا أسماء الحروف، وعرفنا من أين أخذت، وإذا استطعنا العثور على أقدم نص للأبجدية، يكون في إمكاننا إبداء رأي علمي في منشأ الحروف وفي المكان الذي كان له شرف إيجادها، أو الأماكن التي ساهمت بصور مستقلة

ص: 150

في إيجاد الحروف. وهذا ما أراه؛ لأني أعتقد أن الانسان فكر في أول الأمر ما فكر به في إيجاد وسيلة يسجل بها أعماله وأفكاره، وأن تفكيره هذا لم ينحصر في بقعة واحدة، بل وجد في كل مكان. حتى في البيئات البدائية، إذ نجد الشعوب البدائية تتخذ وسائل للتعبير عن آرائها وعن تدوين أفكارها بطرق تتفق مع مستواها العقلي ودرجتها في الثقافة.

والحرف الأول، وهو الألف، يعني "ثورًا"، ولذلك مثل في الهيروغليفية وفي كتابة طور سيناء بشكل رأس ثور، وأما الحرف الثاني، وهو الباء أو "Beth"، فإنه يعني "بيتًا"، وقد صور في الهيروغليفية وفي كتابة طور سيناء بشكل يصور مقدمة بيت. وأما الحرف الثالث، وهو الجيم، فإنه "كمل""كيمل"، أي: الجمل، وصورته لا ترمز إلى الجمل رمزًا تامًّا. وأما حرف الدال، فيقال "دالت"، ومعناه باب. وأما حرف الهاء، فإنه من He "هي" بمعنى شباك. وأما الواو، فهو يشير إلى وتد. وأما الزاي، فإنه من زين بمعنى سلاح. وأما الحاء، فإنه من "حيث" بمعنى حائط. وأما الياء، فإنه من "يود" بمعنى يد أو يد مفتوحة. وأخذ حرف الكاف من "كاف""كف" بمعنى كف اليد، أو يد مقبوضة. وأما حرف اللام، فإنه من "لمد""لامد"، ومعناه عصا لضرب الثور. وأما الميم، فإنه من "ميم" بمعنى ماء. وأما النون، فإنه من نون بمعنى سمكة. وأما حرف السين فهو سامخ، بمعنى آلة يعتمد عليها كالعصا. وقد أخذ حرف العين من عين، عين الإنسان. وأخذ الفاء من فم "بم""" بمعنى فم، وأخذ حرف الصاد من "صادى"، بمعنى صياد. وحرف القاف من قوف kof بمعنى الرأس إلى الخلف، وحرف الراء، من ريش بمعنى رأس، وحرف الشين من "شين""شن" بمعنى سن. وأما التاء، فمن كلمة "تاو""تو" بمعنى علامة أو صليب، وهكذا1.

ولمسألة ترتيب الحروف أهمية كبيرة لا تقل عن أهمية أسماء الحروف. ويظهر أن ترتيب "أبجد هوز حطي

إلخ"، وهو ترتيب سار عليه العرب أيضًا، هو ترتيب قديم. وقد عرف عند السريان وعند النبط والعبرانيين، وعند "بني إرم" ويظن أنهم أخذوه من الفينيقيين. وقد سار عليه الكنعانيون أيضًا، غير أنهم

1 The Universal Jewish Ency. I، p. 202

ص: 151