المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الخامس والعشرون بعد المائة: الكتاب والعلماء ‌ ‌مدخل … الفصل الخامس والعشرون بعد - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٥

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الخامس عشر

- ‌الفصل السادس عشر بعد المئة: الفن الجاهلي

- ‌العمارة

- ‌الفصل السابع عشر بعد المئة: القصور والمحافد والاطام

- ‌مدخل

- ‌الأعمدة والأسطوانات:

- ‌الفصل الثامن عشر بعد المئة:‌‌ الخزفوالزجاج والبلور

- ‌ الخزف

- ‌الفصل التاسع عشر بعد المئة: الفنون الجميلة

- ‌مدخل

- ‌التصوير:

- ‌الفصل العشرون بعد المئة: أمية الجاهليين

- ‌الفصل الحادي والعشرون بعد المئة: الخط العربي

- ‌مدخل

- ‌الخط العربي:

- ‌الفصل الثاني والعشرون بعد المائة: المسند ومشتقاته

- ‌مدخل

- ‌أصل القلم المسند:

- ‌القلم اللحياني:

- ‌الخط الثمودي:

- ‌الأبجدية الصفوية:

- ‌الترقيم:

- ‌الفصل الثالث والعشرون بعد المائة: الكتابة والتدوين

- ‌الفصل الرابع والعشرون بعد المائة: الدراسة والتدريس

- ‌الكتاتيب:

- ‌مواد الدراسة:

- ‌الكاتب:

- ‌الفصل الخامس والعشرون بعد المائة: الكتاب والعلماء

- ‌مدخل

- ‌الملاحن والألغاز:

- ‌الفصل السادس والعشرون بعد المائة: الفلسفة والحكمة

- ‌مدخل

- ‌الحكمة:

- ‌الفصل السابع والعشرون بعد المائة: الأمثال

- ‌فهرس الجزء الخامس عشر:

الفصل: ‌ ‌الفصل الخامس والعشرون بعد المائة: الكتاب والعلماء ‌ ‌مدخل … الفصل الخامس والعشرون بعد

‌الفصل الخامس والعشرون بعد المائة: الكتاب والعلماء

‌مدخل

الفصل الخامس والعشرون بعد المائة: الكتاب والعلماء

والعلم المعرفة. ورجل عالم وعليم، صاحب معرفة، وأصحاب المعرفة والعلم هم العلماء. ويقال في جمع عالم: علّام، كجهّال في جاهل. قال يزيد بن الحكم:

ومسترق القصائد والمضاهي

سواء عند علام الرجال1

وذكر علماء اللغة أن "الناخع" العالم، وقيل: هو المبيّن للأمور، وقيل: هو الذي قتل الأمر علمًا. قال شقران السلاماني:

إن الذي ربّضتما أمره

سرًّا وقد بين للناخع

لكالتي يحسبها أهلها

عذراء بكرًا وهي في التاسع2

والعلّامة، والعلّام، والتعلمة، والتعلامة: العالم جدًّا، وذلك للمبالغة في سعة علم العالم. وذكر علماء اللغة أن "العلامة والعلام: النسابة"3، ويظهر أنهم إنما قالوا ذلك، بسبب أن النسب كان عند الجاهليين من أهم علومهم التي

1 تاج العروس "8/ 405"، "علم".

2 تاج العروس "5/ 520".

3 تاج العروس "8/ 406"، "علم".

ص: 313

برعوا وتخصصوا بها، حتى صار النسب مرادفًا للعلم عندهم. وفي القرآن:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 1، و"علماء بني إسرائيل"2، وألفاظ كثيرة لها صلة بالتعلم والعلم، وفي ورودها فيه دلالة على وقوف الجاهليين على العلم والتعلم وعلى وجود العلماء عندهم.

وترد لفظة "الكاتب" بمعنى العالم. قال الله تعالى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} 3، "وفي كتابه إلى أهل اليمن: قد بعثت إليكم كاتبًا من أصحابي، أراد عالمًا، سُمي به لأن الغالب على من كان يعرف الكتابة أن عنده العلم والمعرفة"، والكاتب عندهم العالم. والإكتاب الإملاء. تقول: أكتبني هذه القصيدة، أي: أملاها علي 4، و"الكاتب" عند الشعوب الأخرى، بمعنى العالم كذلك، وقد كانت للكتاب منزلة كبيرة في مجتمعهم، إذ كانوا يعدون من الطبقات العالية الممتازة؛ وذلك لأن الكاتب لا يكون كاتبًا إذ ذاك، ولا ينال العلم، إلا إذا كان من الطبقة العالية المتمكنة ومن أسرة عرفت بالعلم. والعلم إذا ذاك محصور في العواثل، وفي رجال الدين وفي الطبقة التي تتولى الكتابة في قصور الملوك.

ونجد في القرآن لفظة: "كتب" و"كَتَبَتْ"و"كَتَبْتَ"و"كَتَبْنا"، و"كتبناها"، و"فسأكتبها"، و"تكتبوه"، و"نكتب"، و"يكتب"، و"يكتبون" و"أكتب"، و"فاكتبها"، و"فاكتبوه"، و"كُتِبَ" و"ستكتب"، و"اكتتبها"، و"فكاتبوهم"، و"كاتب"، و"كاتبًا" و"كاتبون"، و"كاتبين"، و"الكتاب"، و"كتابًا"، و"كتابك"، و"بكتابهم"، و"كتابنا"، و"كتابه"، و"كتابها"، و"كتابي"، و"كتابيه"، و"كُتُبٌ"، و"كُتُبِهِ"، و"مكتوبًا". وفي ورود هذه الألفاظ فيه معبرة عن معان مختلفة لها صلة بالكتابة وبالعلم دلالة على أن الجاهليين كانوا على علم، وأنهم كانوا يكتبون في أغراض مختلفة من أغراض الحياة، وأنهم لم يكونوا على نحو ما يقص عنهم أهل الأخبار من الجهل والأمية.

1 فاطر، الآية 28، تفسير الطبري "22/ 86"، تفسير الألوسي "22/ 176".

2 الشعراء، الآية 197.

3 الطور، الآية 41، القلم، الآية 47.

4 تاج العروس "1/ 445"، "كتب".

ص: 314

وذكر علماء اللغة أن "الشهر" وجمعها "شهور" بمعنى العالم، واسشهدوا على هذا المعنى ببيت شعر ينسب إلى أبي طالب، هو:

فإني والضوابح كل يوم

وما يتلو السفاسرة الشهود1

قال الصاغاني: هكذا أنشده الأزهري لأبي طالب، ولم أجده في شعره2. ولكن الرواة يروونه على هذا النحو:

فإني والسوابح كل يوم

وما تتلو السفاسرة الشهود3

والسفاسرة أصحاب الأسفار، وهي الكتب، والشهود أنسب في تفسير الشعر من الشهور؛ لأننا لا نعلم أن أحدًا قال إن الشهر: العالم، وأرى أن تصحيفًا قد وقع في البيت حول حرف "الدال""راء"، ففسرت لفظة الشهور بالعلماء، لعدم تصادم هذا التفسير مع المعنى، وفي العربية مئات الأمثلة على مثل هذا التصحيف.

وترد لفظة "الفقه" بمعنى العلم بالشيء والفهم له. ويظهر أن الجاهليين كانوا يستعملون لفظة "فقه" ومشتقاتها في معان لها صلة بالعلم. ودليل ذلك ما ورد في القرآن الكريم من قوله {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} 4، ومن ورود "تفقهون"، و"تفقه"، و"يفقهوا"، و"يفقهون"، و"يفقهوه" في مواضع منه. وورد في كتب اللغة والأدب والأخبار:"فقيه العرب: عالم العرب"، و"فقهاء من العرب"5. وورد في الحديث:"أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون" 6، أي: الثرثارون المدّعون العلم والفقه.

ويفهم أيضًا من روايات أهل الأخبار، أنه قد كان للجاهليين أئمة وفقهاء يقضون بينهم، ويفتون في دينهم، ويحافظون على دينهم. فهم عندهم سدنتهم وأمناؤهم. وقد ذكر "ابن حبيب" أسماء نفر من "تميم" تولوا الموسم والقضاء

1 تاج العروس "3/ 272، 320""سفر"، "شهر".

2 تاج العروس "3/ 320"، "شهر".

3 تاج العروس "3/ 372"، "سفر".

4 التوبة الرقم 9، الآية 122.

5 اللسان "13/ 522"، "فقه".

6 شمس العلوم، الجزء الأول، القسم الأول "ص242".

ص: 315

بعكاظ. فكانوا يجلسون في مكان من السوق، بين المتخاصمين وللإفتاء فيما يشكل عليهم من أمر دينهم. وكان منهم من تخصص بالإجازة بالموسم. ومنهم من تخصص بالفتيا والقضاء. ومنهم من جمع بين الاثنين1.

وأنا لا أستطيع أن أتحدث عن كتب ومؤلفات نقول: إن الجاهليين كتبوها بالعربية على نمط اليونان واللاتين والفرس والسريان في الكتابة والتأليف، ذلك لقصور علمنا في الموضوع، ولعدم وصول أي خبر إلينا عنه حتى الآن.

نعم، لقد أشرت إلى وجود ما يُسمى "مجلة لقمان" و"حكمة لقمان" وإلى كتب امتلكها بعض الجاهليين، إلا أن الأخباريين لم يصفوا كيف كانت مجلة لقمان، ولم يتطرقوا إلى ما كان فيها، كما أن الظواهر تشير إلى أن تلك الكتب هي مؤلفات جيء بها من بلاد الشأم والعراق واليمن، أغلبها في موضوعات دينية وتأريخية وقصص. وأما لغتها، فيظهر أن بعضها بعربية القرآن الكريم، كمجلة لقمان، وبعضها بلغة بني إرم.

أما ما قيل له "الأساطير" أو "كتب الأساطير"، فهو كتب قصص وسمرٍ وحكايات وتواريخ. وتدل التسمية على أنها من أصل يوناني، هو: Historia و Storia في اللاتينية، وتعني التأريخ، عرّبت فصارت "أسطورة" وجمعت على أساطير، واستعملها الجاهليون استعمال اليونان واللاتين، أي: أرادوا بها تواريخ الماضين وحكاياتهم وقصصهم.

وأما ما قيل له "السفاسرة"، فالسفسير الحاذق بالشيء. والسفاسرة أصحاب الأسفار، وهي الكتب. والكلمة من أصل "إرمي" على رأي علماء اللغة. و"سفسير" بمعنى "سمسار" في لغة "بني إرم"، أي: المساوم2. والظاهر أن "السفاسرة"، من "سفر"، و"سفر" "سيفير" بمعنى كتاب في عدد من اللغات السامية. وتقابل "سفرو" في لغة بني إرم، بمعنى كتاب3. وقد كان بمكة وبغيرها رجال يتلون الكتب ويقرءون أسفار أهل الكتب من دينية وغيرها قبل الإسلام وفي الإسلام. "وفي الحديث: لا تعلموا أبكار أولادكم كتب

1 المحبر "أئمة العرب". "ص181 وما بعدها".

2 غرائب اللغة "ص187".

3 غرائب اللغة "ص187".

ص: 316

النصارى: يعني أحداثكم"1. وفي هذا الحديث إن صح دلالة على أن قراءة الكتب كانت منتشرة في ذلك العهد. ولا تعني جملة "كتب النصارى" الكتب الدينية بالضرورة، إذ قد تعني كل ما كان يتداوله النصارى من كتب في ذلك العهد. وقد يكون من بينها مؤلفات في الفلسفة وفي الطب وفي فروع المعرفة الأخرى التي كان الناس يتدارسونها إذ ذاك.

وفي الآية: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} 2، دلالة صريحة على وجود الكتب والأساطير عند الجاهليين. فلما نزل القرآن، قال المشركون:"إن هذا إلا إفك افتراه محمد صلى الله عليه وسلم هذا الذي جاءنا به محمد أساطير الأولين، يعنون أحاديثهم التي كانوا يسطرونها في كتبهم. اكتتبها محمد صلى الله عليه وسلم من يهود، فهي تملى عليه، يعنون بقوله: فهي تملى عليه، فهذه الأساطير، تقرأ عليه، من قولهم أمليت عليك الكتاب، وأمليت بكرة وأصيلًا، يقول وتملى عليه غدوة وعشيًّا. وقوله: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بآيات الله من مشركي قومك ما الأمر كما تقولون من أن هذا القرآن أساطير الأولين، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم افتراه وأعانه عليه قوم آخرون، بل هو الحق أنزله الرب الذي يعلم سر من في السموات ومن في الأرض ولا يخفى عليه شيء"3. وزعموا أن الرسول اكتتب القرآن من "أساطير الأولين"، وهي أحاديث سطرها المتقدمون كأخبار الأعاجم، "فهي تقرأ عليه أو كتبت له"4، وقالوا: "ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين وأحاديثهم"5. وكانوا يروون الأساطير وأحاديث الخلق، وهي الخرافات من الأحاديث المفتعلة، فرمى المشركون الرسول بهذه القرية6.

1 تاج العروس "3/ 57"، "بكر".

2 الفرقان، الآية 5.

3 تفسير الطبري "18/ 137 وما بعدها".

4 تفسير النيسابوري "18/ 125 وما بعدها"، "حاشية على تفسير الطبري"، تفسير الألوسي "18/ 213".

5 تفسير الطبري "19/ 60"، تفسير الألوسي "19/ 100".

6 اللسان "10/ 88"، "خلق".

ص: 317

وقد ذهب "شبرنكر" -وهو من الزاعمين أن الرسول كان يكتب ويقرأ- إلى أن النبي قرأ كتابًا في العقائد والأديان وأخبار الماضين، وقد زعم أن اسم هذا الكتاب هو:"أساطير الأولين"1. وقد أخذ رأيه هذا من الآية: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} 2. وهذه السورة هي من السور المكية. فهي تشير إلى زعم قريش في أن القرآن، هو شيء اكتتبه الرسول، وقد أملي عليه من الأساطير. وقد سبق أن قالوا: إنه يتعلمه من أناس عاونوه وساعدوه عليه. قالوا: إن هذا القرآن "إفك افتراه محمد صلى الله عليه وسلم هذا الذي جاءنا به محمد أساطير الأولين، يعني أحاديثهم التي كانوا يسطرونها في كتبهم، اكتتبها محمد صلى الله عليه وسلم من يهود، فهي تُملى عليه. يعنون بقوله: فهي تُملى عليه، فهذه الأساطير تقرأ عليه، من قولهم أمليت عليك الكتاب وأمليت، بكرة وأصيلًا. يقول وتملى عليه غدوة وعشيًّا"، "وأعانه عليه قوم آخرون. يقول: وأعان محمدًا على هذا الإفك الذي افتراه يهود"3. وقد رد على هذا الرأي "نولدكه" في كتابه: "تأريخ القرآن"، وعدّه قولًا لا أهمية له4.

وقد ذكر علماء اللغة أن الأساطير هي الأباطيل والأكاذيب والأحاديث لا نظام لها، وهي جمع "أسطار" و"أسطير" و"أسطور"5. واللفظة من الألفاظ المعربة. وهي Istoriya "استوريا" في اليونانية، و Historia في اللاتينية، وقد أطلقت عندهم على كتب الأساطير والتأريخ. ويظهر أن الجاهليين قد أخذوها من الروم قبل الإسلام، واستعملوها بالشكل المذكور وبالمعنى نفسه، أي: في معنى تأريخ وقصص.

ولا أستبعد وجود الكتب التأريخية باليونانية وباللاتينية في مكة، فقد كان في مكة وفي غير مكة رقيق من الروم، كانوا يتكلمون بلغتهم فيما بينهم وينطقون

1 Noldeke l، S. 16، Ency، of lslam vol. IV، p. 1016.

2 الفرقان، الآية 5.

3 تفسير الطبري "18/ 137 وما بعدها"، أسباب النزول، للنيسابوري "160".

4 Noldeke، l، S. 17.

5 تاج العروس "3/ 297"، المفردات "231"، البيضاوي، تفسير "1/ 144"، تفسير الطبرسي "7/ 32"، "14/ 66".

ص: 318

بها إذا تلاقوا، كما كانوا يحتفظون بكتبهم المقدسة، وبكتب أخرى مدوّنة بلغتهم. وقد ذكر علماء التفسير اسم رجل زعمت قريش أنه كان هو الذي يعلم الرسول ويلقنه القرآن. وإليه الإشارة في الآية:{لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} 1. وهي في سورة النحل، وسورة النحل من السور المكية. "كانوا يزعمون أن الذي يعلم محمدًا هذا القرآن عبد رومي"، "وكان صاحب كتب، عبد لابن الحضرمي"، "فكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يدخل عليه وحين يخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه"2.

وقد ذهب "شبرنكر" إلى وجود "صحف إبراهيم" عند الجاهليين، زعم أن الرسول قرأها وأخذ منها. وقد رد على رأيه هذا "نولدكه"، بقوله: لو فرضنا أن محمدًا أخذ من هذه الصحف، ونسبه لنفسه وادعاه، على أنه وحي أوحى الله به إليه، لو فرضنا ذلك، فإن من غير المعقول عندئذ ذكر محمد لتلك الصحف في القرآن؛ لأن ذكرها فيه معناه إرشاد الناس إلى المورد الذي أخذ منه واتهام نفسه، ولهذا فلا يعقل الأخذ بكلام "شبرنكر"3.

وورد في كتب أهل الأخبار أن "الأحناف" كانوا يقرءون الكتب، وتبحروا في التوراة والإنجيل، ومنهم من وقف على لغة "بني إرم" وعلى العبرانية. ومن هؤلاء "ورقة بن نوفل بن أسد"، "الشاعر صاحب العلم في الجاهلية. وكان قد قرأ الكتب وتبحر في التوراة والإنجيل، وهو الذي لقيته خديجة في أمر النبي"4.

وورد في بعض الأخبار في تفسير الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} 5 أن هذه الآية إنما نزلت في قوم كانوا يشترون الكتب من أخبار السمر والأحاديث القديمة، ويضاهون بها القرآن، ويقولون: إنها أفضل منه6. وفي هذا الخبر دلالة على وقوف الجاهليين

1 النحل، الرقم 16، الآية 103.

2 تفسير الطبري "14/ 119 وما بعدها".

3 Noldeke، l، S. 17، Sprenger، Lebens Muhammad، II، S. 367.

4 الاشتقاق "102".

5 سورة لقمان، الآية 6.

6 العقد الفريد "6/ 9".

ص: 319

على الكتب واستعمالهم لها، وخاصة كتب السمر والأحاديث القديمة، إذ لا يعقل أن يكون شراؤهم لها حادثًا طارئًا، ظهر عندهم بنزول القرآن.

وذكر بعض المفسرين أن الآية المذكورة نزلت في حق "النضر بن الحرث وكان يتجر إلى فارس، فيشتري كتب الأعاجم: رستم واسفنديار فيحدث بها قريشًا. وقيل: كان يشتري المغنيات، فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول أطعميه وأسقيه وغنّيه، ويقول: هذا خير مما يدعوك محمد إليه من الصلاة والصيام، وأن تقاتل بين يديه"1.

وإذا صح ما ذهب إليه بعض المفسرين من أن هذه الآية قد نزلت بحق "النضر" لأنه كان يعاند الرسول ويعارضه وقت يكون مجتمعًا بنفر من الناس يلقي عليهم مبادئ الإسلام، فيقرأ عليهم من كتب الأعاجم ومن قصص: رستم واسفنديار فإن ذلك يدل على أنه كان يتقن الفارسية، وأنه كان يمتلك كتب الفرس ويقرأ بها وهو بمكة، ويترجم ما جاء فيها لمن يتجمع حوله. وأنه اشترى جملة كتب خلال تجاراته مع العراق.

فنحن إذن أمام أقدم مترجم يصل إلينا خبره من مترجمي العرب قبل الإسلام بمكة. يقوم بترجمة كتب من الأعجمية إلى العربية. ويكون بذلك قد سبق المسلمين بزمن طويل في ترجمة كتاب رستم واسفنديار إلى العربية. غير أننا يجب أن نتحفظ ونحترز كثيًرا في قولنا هذا. فنحن لا نقصد أنه ترجم كتاب رستم واسفنديار ترجمة تدوين وتحبير، وبالتمام والكمال. فقول مثل هذا يكون قولًا جزافًا، لا يستند إلى علم أو دليل إن قلته. وإنما أقصد ترجمة شفوية على نحو ما ذكره وأورده المفسرون وأصحاب السيرة. وقد ترجم هذا الكتاب في الإسلام. ترجمه جبلة بن سالم2.

ولا أعتقد أن رجلًا مثل الحارث بن كَلَده الثقفي، أو ابنه النَّضر، وهما من العلماء بالطب، لم يرجعا إلى مؤلفات في الطب مدوّنة بلغة من اللغات الأعجمية، للحصول على علمهما في الطب، وكيف يمكن ذلك، وقد درسا في مدرسة لم تكن

1 تفسير النيسابوري، حاشية على تفسير الطبري "21/ 52"، سيرة ابن هشام "1/ 383 وما بعدها"، تفسير القرطبي "14/ 52".

2 الفهرست "438".

ص: 320

مدرسة عربية، هي مدرسة "جنديسابور"، عرفت واشتهرت في الطب. وقد كان عماد دراستها في الطب ما ألفه اليونان، وما نقله منها علماء السريان. ولا أعتقد أنهما كانا في جهل بمؤلفات أبقراط وجالينوس وغيرهما ممن بنوا صنعة الطب، ووضعوا فيها المؤلفات. بل لا أعتقد أن رجالًا في مكة أو في يثرب أو الطائف كانوا على جهل بأسماء مشاهير حكماء اليونان، وبينهم من كان له اتصال ببلاد الثقافة والعلم وبالأجانب على نحو ما ذكرت، وإن أغفل عن ذكرهم أهل الأخبار.

ويظهر من روايات أهل الأخبار-مثل رواية ابن الكلبي عن وجود دواوين فيها ما مدح به آل لخم وما قيل فيهم من شعر ومقدار ما حكم كل واحد منهم، وروايات غيره عن تدوين الشعر قبل الإسلام- أن الجاهليين كانوا قد شرعوا في تدوين الأخبار والشعر وما لفت انتباههم قبل الإسلام، وقد يكون ذلك قبيل الإسلام بعهد غير بعيد، وأن التدوين كان بهذه اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، أن بلهجات قريبة منها. ومعنى هذا أن هذه اللهجة كانت قد اكتسبت قوة في هذا العهد، حملت الناس على التدوين وعلى نظم الشعر بها. ولكن الذي رفعها وجعلها لغة للعرب أجمعين، هو القرآن الكريم من غير شك، فبفضله صارت هذه اللغة لغة للعرب كلهم ولغة المسلمين الدينية.

ويظهر من القرآن الكريم أن هذه اللغة كانت قد عرفت ألفاظ الحضارة والفكر في يوم نزوله، لورودها فيه. ولورودها فيه أهمية كبيرة في إعطاء فكرة عن مستوى أهل الحجاز العقلي في ذلك اليوم، ففيه ألفاظ مثل العلم والعلماء والحكمة والأساطير والأمثال إلخ

وألفاظ ذات صلة بالكتابة والتدوين تحدثت عنها ومصطلحات أخرى، ولا يمكن ورود مثل هذه الكلمات في لغة قوم ما، ما لم يكن لهم أو لجماعة منهم على الأقل، حظ من ثقافة وتفكير وعلم.

ولا أقصد أن الجاهليين استعملوا تلك الألفاظ بمدلولها المفهوم في الزمن الحاضر، أو بالمعاني المفهومة منها عند اليونان. فلفظة "علم" مثلًا، لا تعني علمًا بالمصطلح الحديث، أي: في مقابل Science في الإنكليزية، وإنما تعني المعرفة عامة. ولفظة "علماء"، لا تعني المشتغلين بالعلوم خاصة أي ما يقال لهم Scientist في الإنكليزية، وإنما يراد بهم العارفون أصحاب المعرفة والفهم. وقد صار للفظتين مدلولان خاصان في العصر العباسي، ولكن هذا لا يعني أن لفظة "علم" أو "علماء"، لم تكن تعني معنًى خاصًّا عند الجاهليين، وإلا ما استعملت للتعبير

ص: 321

عن معان معينة في القرآن الكريم، وما يميز القرآن الكريم والحديث النبوي العارفين بلفظة علماء، لتمييزهم عن السواد. وبهذا المعنى وردت لفظة "عالم" وعلم عند العبرانيين1.

ولا أستبعد تأثر المثقفين الجاهليين ومن كان على اتصال بالعجم وباليهود والنصارى بالآراء الفلسفية والدينية وبالجدل الذي وقع بين المذاهب النصرانية في أمور عديدة. فقد خالط الجاهليون، ولا سيما في بلاد العراق وبلاد الشأم، أقوامًا عديدة ذات ثقافات متباينة، واحتكوا بها، وأخذوا منها، فلا يعقل ألا يتأثروا ببعض آرائهم في الكون وفي الحياة وفي سائر نواحي التفكير. وقد وردت في شعر للأعشى وفي شعر لبيد، فكرتان متناقضتان عن الجبر والاختيار، فذهب الأعشى في هذا البيت.

استأثر الله بالوفاء وبالعد

ل وولى الملامة الرجلا

مذهب القائلين بالاختيار، أي: إن الإنسان مختار قادر على أفعاله. أما الأعشى فذهب مذهب الجبرية القائلين بأن الإنسان مُجْبر، مسير، وذلك في قوله:

إن تقوى ربنا خير نقل

وبإذن الله ريثي وعَجَل

من هداه سُبُل الخير اهتدى

ناعم البال، ومن شاء أضل2

وقد سبق أن ذكرت في مواضع متعددة من هذا الكتاب أن أكثر من نُسِب إلى التوحيد، أي: من ينعتهم أهل الأخبار بالحنفاء، كانوا يقرءون ويكتبون، وكانت عندهم كتب أهل الكتاب، وأن أكثرهم كانوا أصحاب رأي وفكر في الخلق. وفي هذا العالم. ولكنهم لم يدخلوا في يهودية ولا في نصرانية؛ لأنهم لم يجدوا في الديانتين شيئًا يُفرِّج ويُرفِّه عما كان يجول في رءوسهم من آراء ومقالات عن الخالق والكون. وقد جالس هؤلاء رجال اليهود والنصارى، وتكلموا معهم في أمور عديدة من أمور الفكر والدين في جزيرة العرب وفي بلاد العراق وبلاد الشأم. وينسب لجندب بن عمرو بن حممة، وهو من دوس، أنه كان يقول في الجاهلية:

1 Hastings، Dict. Of the Bible، p. 831.

2 العقد الفريد "2/ 378".

ص: 322

إن للخلق خالقًا لا أعلم ما هو. ثم جاء إلى الرسول، فأسلم. وقد ذكر أن ورقة بن نوفل، وهو واحد من المذكورين، كان قد قرأ الكتب وكتب بالعبراني أو السرياني، وأنه كتب بالسريانية "العبرانية" من الإنجيل ما شاء أن يكتب. وكان قد امتنع عن أكل ذبائح الأوثان1. وذكر أيضًا: أن زيد بن عمر بن نفيل، وهو ممن كان على الحنيفية، كان ينتقد قريشًا، ولا يأكل ذبائحها؛ لأنه ذبحت للأصنام والأوثان2؛ وأن عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن غفار المعروف بآبي اللحم الغفاري كان يأبى أن يأكل اللحم، ولهذا سُمي:"آبي اللحم". وكان شريفًا شاعرًا. وقد أسلم: وشهد حنينًا3. وكان لكل هؤلاء وقوف على كتب أهل الكتاب، ولهم علم بأقلامهم.

وقد ذكر أهل الأخبار أن وهب بن منبه وأخاه كانا يستوردان الكتب القديمة من بلاد الشأم. ويرد مصطلح "الكتب القديمة" في كتب السير والأخبار4. ووهب بن منبه وأخوه من الإسلاميين، ولكن استيرادهما للكتب لم يكن بدعًا واكتشافًا منهما، بل لا بد أنه كان قديمًا معروفًا عند الجاهليين.

وقد ذكر أهل الأخبار عبد عمرو بن صيفي النعمان المعروف بأبي عامر الراهب في جملة من كان يناظر أهل الكتاب، ويتتبع الرهبان، ويألفهم، ويكثر الشخوص إلى الشأم. ومن هنا قيل له: الراهب5. وقد علم بذلك علم أهل الكتاب.

وورد أن أهل الكتاب، وهم اليهود، كانوا يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم" 6، وورد جواز تفسير التوراة والإنجيل باللغة العربية7. وكان اليهود يجادلون رسول الله في أمور الدين، وقد أشير إلى جدالهم له في القرآن الكريم: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا

1 الأغاني "3/ 14"، "3/ 120"، "12/ 52".

2 الأغاني "3/ 15 وما بعدها".

3 الإصابة "1/ 13"، الاستيعاب "1/ 111""حاشية على الإصابة".

4 شرح القاموس "5/ 421".

5 نسب قريش "ص281".

6 إرشاد الساري "10/ 466".

7 المصدر نفسه "ص465".

ص: 323

مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} 1، وكانوا يستعينون في جدلهم بالتوراة، يفسرونها بالعربية للمسلمين2. وقد فسر بعضهم الآية:"ليقولوا دارست"، "بقوله: قرأت على اليهود وقرءوا عيك"، وفسرها بعضهم بذاكرتهم، أو قرأت كتب أهل الكتاب3، فنحن إذن أمام أقدم أخبار تشير إلى ترجمة العهد القديم إلى العربية، ليفهمها العرب المشركون. وقد كان جدال اليهود مع النبي على أمور واردة في التوراة، فلا بد وأنهم كانوا يستعينون بالترجمة في هذا الجدال.

وفي أخبار أهل الأخبار هذه مواضع تثير التساؤل وتوجه الانتباه إلى قضية وقوف أهل الجاهلية وصدر الإسلام على كتب أهل الكتاب، ونقلهم عنها وشرحهم لبعض ما نقلوه باللغة العربية. فقد وقفنا توًّا على ما ورد عن بعض الأحناف من وقوفهم على كتب أهل الكتاب ومن معرفتهم بالعبرانية والسريانية، وقد وقفنا من أخبارهم على أن "عبد الله بن عمرو بن العاص" كان قد قرأ "الكتاب الأول"4.وأنه كان يقرأ بالسريانية5، وأنه استأذن رسول الله في أن يكتب ما سمعه منه، فأذن له، فدوّنه في صحيفة سماها: "الصادقة"6، وروي أنه كان يقرأ الكتابين: التوراة والإنجيل7. وأنه "كان فاضلًا عالمًا قرأ الكتاب واستأذن النبي في أن يكتب حديثه، فأذن له، فكتب عنه حديثه وحفظ عنه ألف مثل8. وروي أنه كان على علم بالمثناة، و"المثناة" "المشنا" في تفسير التوراة، وأنه جمع كتبًا حصل عليها يوم "اليرموك"، وكان له علم بها"9.

وروي أن "عمر" انتسخ كتابًا من كتب أهل الكتاب ووضعه في أديم، وجاء به إلى رسول الله، فقال له: "ما هذا في يدك يا عمر؟ قال: يا رسول الله

1 العنكبوت، الآية 46.

2 تفسير الطبري "21/ 2 وما بعدها".

3 تاج العروس "4/ 150"، "درس".

4 الطبقات "4/ 267""صادر".

5 الطبقات "4/ 266""صادر"، المعارف "287".

6 الطبقات "4/ 262""صادر".

7 الإصابة "2/ 343"، "رقم "4847".

8 الاستيعاب "2/ 339"، "حاشية على الإصابة".

9 تاج العروس "10/ 61"، "ثنى".

ص: 324

الله كتاب استنسخته لنزداد به علمًا إلى علمنا. فغضب رسول الله حتى احمرّت وجنتاه". وورد أيضًا أن رجلًا من "بني عبد القيس" سكه بالسوس، كان قد نسخ "كتاب دانيال"، وكان يقرأه ويفسره للناس، وذلك في أيام عمر، فنهاه عن ذلك، وشدد عليه في وجوب محو ما كتبه1. وورد أن "عمر" كتب إلى عامله "أبي موسى الأشعري" كتابًا نسخته: "اغسلوا دانيال بسدر وماء الريحان"2.

وورد أن "عمر بن الخطاب"، قال للنبي: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فنهى الرسول عن ذلك3.

ويرد اسم "كتاب دانيال" في خبر آخر، فقد ورد عن "عمرو بن ميمون الأودي"، أنه كان جالسًا مع قوم، فجاء رجل ومعه كتاب، فقالوا له: ما هذا الكتاب: قال: كتاب دانيال4.

ولم يرد اسم "دانيال" في القرآن ولا في الحديث، ولكنه معروف جدًّا عند المسلمين، بأنه نبي، وله قصص في أخبار الرسل والأنبياء5. وقد وصلتهم قصصه ممن أسلم من يهود ومن اليهود الذين عاشوا بين الجاهليين وبين المسلمين. حيث اكتسبت رؤيا "دانيال" وتنبوءاته وتفسيره لحلم "نبوخذ نصر" شهرة خاصة عند يهود، وانتقلت منهم إلى المسلمين. ويعد "دانيال" أحد الأنبياء الأربعة الكبار، وتولى مناصب عالية عند البابليين والميديين "الماديين"، وقد اشتهر بتعبير الرؤيا وبالتنبؤ عن المستقبل6. والظاهر أن شهرته هذه عند أهل الكتاب، أكسبته منزلة خاصة عند المسلمين.

وورد أن "ابن قرة" جاء بكتاب من بلاد الشأم إلى "عبد الله بن مسعود"، وكان قد أعجب به، فأمر "عبد الله بن مسعود" بطست فيه ماء، محا به أثر الكتابة7.

1 الخطيب البغدادي، تقييد العلم "51".

2 كنز العمال "6/ 310"، خورشيد أحمد "132"، القسم العربي "رقم 241".

3 الفائق "3/ 218".

4 تقييد العلم "56 وما بعدها".

5 راجع قصص الأنبياء "ص231".

6 قاموس الكتاب المقدس "1/ 432 وما بعدها".

7 سنن الدارمي "1/ 123"، تقييد العلم "53".

ص: 325

وذكر أن "عمر بن الخطاب" قال: "أيها الناس، إنه قد بلغني أنه ظهرت في أيديكم كتب، فأحبّها إلى الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحدٌ عنده كتاب إلا أتاني به، فأرى فيه رأيي. فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها، ويقوّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف؛ فأتوه بكتبهم. فأحرقها بالنار"1. ويظهر أن هذه الكتب هي من كتب أهل الكتاب، فعندنا أخبار عديدة تذكر حصول الصحابة على كتب كثيرة وقعت إليهم في الغزوات والحروب التي جرت في بلاد الشأم.

وقد ورد في شعر بعض الشعراء الجاهليين ما يفيد وقوف أصحاب ذلك الشعر على كتب أهل الكتاب. كالزبور و"خط زبور" و"مصاحف الرهبان" و"التوراة" و"المجلة"، أي: الإنجيل وأمثال ذلك، مما يدل على أنهم كانوا قد وقفوا على خبرها وشأنها، وأن اليهود والنصارى وهم عرب على اليهودية والنصرانية كانوا يتداولونها فيما بينهم، باعتبار أنها كتبهم المقدسة2.

وقد وجد المسلمون مصاحف لليهود في مستوطناتهم فيها التوراة وفيها كتبهم الأخرى. فذكر أن المسلمين لما فتحوا "خيبر""وجمعت مصاحف فيها التوراة، ثم ردت على اليهود"3.

وأنا لا أستبعد احتمال ترجمة الكتاب المقدس بقسميه، كلًّا أو جزءًا منه إلى العربية، فقد كان اليهود -كما سبق أن قلت- يفسرون ليهود يثرب ولعربها التوراة وكتبهم الدينية بالعربية، كما كان المبشرون يفسرونه بالعربية، وقد رأيت أن قريشًا اتهموا الرسول بأنه كان يستمع إلى رجل نصراني، ويأخذ منه. وأنهم ذكروا أن الأحناف كانوا يقرءون التوراة والإنجيل، وأن عرب العراق كانوا يدرسون في الكنائس والأديرة بالعربية، فلا أستبعد احتمال وجود ترجمات عربية للكتب الدينية قبل الإسلام، تلفت لأسباب عديدة، منها أنها لم تكن إسلامية، ولأسباب أخرى، فلم تصل إلينا لذلك.

وقد ورد في بيت شعر يُنسب إلى "بشر بن أبي خازم"، ذكر كتاب كان عند بني تميم، إذ جاء فيه.

1 تقييد العلم "52".

2 خزانة الأدب "3/ 11"، ديوان السموأل "12"، اللسان "12/ 113""صادر".

3 إمتاع الأسماع "1/ 323".

ص: 326

وجدنا في كتاب بني تميم

أحق الخليل بالركض المعار1

ولو أخذنا بظاهر العبارة، دل البيت على وجود كتاب عند بني تميم، قد يكون صحيفة وقد يكون كتابًا مؤلفًا من صفحات. ولو أخذنا بالتأويل وقلنا معناه: وجدنا هذه اللفظة مكتوبًا، أن أحق الخيل بالركض المعار، انتفى وجود كتاب لديهم2. وقد نسب هذا البيت إلى "الطرماح بن حكيم"، وهو شاعر إسلامي. وإذا صح أن هذا البيت هو من شعر الطرماح، جاز أخذ لفظة "كتاب" بالمعنى الحقيقي، إذ كانت الكتب معروفة في هذا الوقت.

وجاء في كتاب "إمتاع الأسماع"، أن الرسول "كتب هذه السنة المعاقل والديات، وكانت معلقة بسيفه"3. وأشار الطبري إلى هذه الصحيفة بقوله: "وقيل: إن هذه السنة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعاقل فكان معلّقًَا بسيفه"4، والسنة المشار إليها هي السنة الثانية من الهجرة. والخبر أشبه ما يكون بخبر "الصحيفة" المنسوبة إلى "علي بن أبي طالب"، فقد ورد في "صحيح البخاري":"عن أبي جحيفة، قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله، أو فَهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر". وورد أنها "كانت معلقة بقبضة سيفه. إما احتياطًا أو استحضارًا"، وورد "فأخرج كتابًا من قراب سيفه"5. ويكاد يكون الخبر واحدًا، فالصحيفة صحيفة المعاقل والديات، وموضعها في الخبرين السيف، معلقة به، أو في قرابه. ويظهر من روايات أخرى أن فيها أحاديث عن الرسول: مثل: المدينة حرام ما بين عاثر إلى كذا، فمن أحدث حدثًا أو آوى محدثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس

1 المفضليات "98"، الموشح "179"، تاج العروس "3/ 434"، "عبر".

2 "فمعناه وجدنا هذه اللفظة مكتوبة"، المرزباني، الموشح "179".

3 المقريزي، إمتاع الأسماع "1: 107".

4 الطبري "2/ 486".

5 إرشاد الساري "1/ 203 ومابعدها".

ص: 327

أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن والى قومًا بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل". وورد أنه كان فيها أشياء من الجراحات وأسنان الإبل1.

ولم نجد في الأخبار ما يفيد أن الصحابة كانوا على علم بصحيفة النبي، ولو كانت للرسول صحيفة فيها أحكام المعاقل والديات، كان الرسول قد علقها على سيفه، دلالة على اهتمامه بها، لما سكت عنها الصحابة، مع ما لها من الأهمية بالنسبة لإصدار الأحكام؛ ولأنها يجب أن تكون المرجع المطاع الثاني بعد القرآن. ولذلك فإنا أشك في أمر هذه الصحيفة، وفي صحيفة الإمام كذلك المأخوذة من كلام الرسول، ولو كانت صحيفة الإمام، هي صحيفة الرسول نفسها، صارت إليه بعد وفاته، لما سكتت الأخبار من الإشارة إليها وعن انتقالها إلى "عليّ" لما لها من أهمية، ولا سيما بالنسبة إلى الشيعة الذين يفتشون عن هذه الأمور باعتبارها منقبة تضاف إلى مناقب الإمام، وحجة في إثبات إمامته واعتماد الرسول عليه وحده. ولو كانت الصحيفة صحيفة الإمام، دوّنها بنفسه، معتمدًا على حديث الرسول، وكانت عنده معلقة بسيفه، حرصًا عليها، لتكون معه وتحت متناول يده، يراجعها متى شاء، فلا يعقل أن تكون مقتصرة على المعاقل والديات وأسنان الإبل، وهي أمور يعرفها الإمام، وهو فقيه، ومرجع من مراجع الإفتاء، دون حاجة إلى أن يكتبها في صحيفة يحرص على حملها معه معلقة بسيفه، ثم إنها إذا كانت على هذه الأهمية بالنسبة للإمام، لما تركها أصحابه، فلم ينقلوها بالنص والحرف، وهي أخطر وثيقة، مع أنهم رووا عنه أحاديث كثيرة، حتى نسب الناس له خطبًا وأشياء لا يصح صدورها منه. ومنها صحيفة تسمى:"الصحيفة الكاملة، أو زبور آل محمد وإنجيل أهل البيت"2.

ورأيي: أن ما ورد من أن الخليفة "أبو بكر" كان يمتلك صحيفة فيها حديث الرسول3، هو خبر غير صحيح كذلك، ولو كانت لديه صحيفة، لما خفي أمرها عن الصحابة، فلم يحفظوها ولم ينقلوا عنها. وأما ما ورد من أمر صحيفة

1 الكافي للكليني "85"، الإرشاد "258"، أبو رية، أضواء على السُّنة المحمدية "94 وما بعدها".

2 بروكلمن "1/ 183".

3 الذهبي، تذكرة الحفاظ "1/ 5".

ص: 328

"عبد الله بن عمرو بن العاص"، المسماة بالصحيفة الصادقة، وما كتب فيها من حديث الرسول، ومن إنه قد جمع ألف مثل من أمثال الرسول1، وما ورد من صحيفة "همام بن منبه"، المسماة بالصحيفة الصحيحة، فقد بحث في أمر هذه الصحف العلماء2.

وقد عدّ "الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان" التميمي المجاشعي، في جملة علماء العرب وحكامهم. قال عنه بعض العلماء:"وكان عالم العرب في زمانه"3. كان عالمًا بالنسب وبأخبار الناس، ولهذا كانوا يتنافرون إليه. وكان شريفًا في الجاهلية والإسلام. وقد حكم في المنافرة التي وقعت بين "جرير بن عبد الله" البجلي، وبين "خالد بن أرطاة" الكلبي. وكان "خالد" زعيم "قضاعة" يومئذ، فنفر "الأقرع" جريرًا على خالد، بمضر وربيعة4. وكان من المؤلفة قلوبهم5.

والنسب هو من أهم المعارف التي عرف بها أهل الجاهلية. وهو علم يرتقي إلى عهد بعيد عن الإسلام من دون شك، لما له من تماس مباشر بحياتهم الاجتماعية وبنظمهم السياسية؛ ولأنه الحماية بالنسبة إلى الجاهلي في تلك الأيام. وأستطيع أن أدخل في علم النسب، العلم بأنساب الخيل، فقد عنوا بالخيل عناية كبيرة، وحفظوا أنسابها، ووضعوا شجرات أنساب لها. كما عنوا بأنساب الإبل، لما هذا النسب من صلة بالأصالة وبسعر بيعها وشرائها. ونجد في الأخبار ما يشير إلى وجود أناس تخصصوا بحفظ نسبها.

والنسّاب: العالم بالنسب، وهو النسّابة. أدخلوا الهاء للمبالغة والمدح. "وفي حديث أبي بكر، رضي الله عنه: وكان رجلًا نسّابة، النسّابة: البليغ العالم بالأنساب"6.

1 الإصابة "2/ 343"، "رقم 4847"، الاستيعاب "2/ 338 وما بعدها"، "حاشية على الإصابة".

2 مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، المجلد الثامن والعشرين "1953".

3 الخزانة "3/ 296"، "بولاق".

4 الخزانة "3/ 296 وما بعدها"، "بولاق".

5 الإصابة "1/ 72"، "رقم 231".

6 اللسان "1/ 756"، "نسب".

ص: 329

والنسب: نسب القرابات. يكون بالآباء، ويكون بالقبائل، ويكون إلى البلاد، ويكون في الحرف والصناعة1.

وقد نبغ بين القبائل والقرى أناس تخصصوا بحفظ النسب، منهم من برع في حفظ نسب قبيلته، ومنهم من برع في حفظ أنساب جملة قبائل، وممن اشتهر وعرف من قريش بحفظ النسب وبالعلم به، "أبو بكر". وكان علمه بعلم الأنساب، ثم بأمور الناس، ثم الشعر. قيل: إنه "كان أنسب قريش لقريش وأعلمهم بما كان منها من خير أو شر"، وقيل: إنه كان أنسب العرب، وأعلم قريش بأنسابها، وأنسب هذه الأمة2. و"كانت قريش تألف منزل أبي بكر رضي الله عنه لخصلتين: العلم والطعام"3. ولما أمر الرسول حسّان بن ثابت بالردّ على شعراء قريش قال له: "إئت أبا بكر، فإنه أعلم بأنساب القوم منك". فكان يمضي إلى أبي بكر ليقفه على أنسابهم". فلما سمعت قريش شعر "حسّان"، قالت:"إن هذا الشعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة"4. ولما مرّ بالناس في معسكرهم بالجرف، جعل ينسب القبائل5.

وكان "جبير بن مطعم بن عديّ بن نوفل بن عبد مناف"، وهو أحد أشراف قريش وحلمائها من علماء النسب في قريش، وكان ممن أخذ النسب من أبي بكر. وكان ممن يؤخذ عنه النسب لقريش وللعرب عامة6.

وعرف "أبو جهم بن حذيفة" القرشي العدوي بعلمه بالنسب، وكان من المعمرين في قريش. عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام. وكان من مشيخة قريش وصحب النبي7. وكان أحد الأربعة الذين كانت قريش تأخذ عنهم النسب8.

1 اللسان "1/ 755"، "نسب" تاج العروس "1/ 483"، "نسب".

2 الإصابة "2/ 334"، "رقم 4817"، البيان والتبيين "1/ 318".

3 البيان والتبيين "4/ 76".

4 الاستيعاب "1/ 335"، "حاشية على الإصابة".

5 الفائق في غريب الحديث "1/ 184".

6 الإصابة "1/ 277"، "رقم 1091"، الاستيعاب "1/ 232"، "حاشية على الإصابة"، كتاب نسب قريش "201"، البيان والتبيين "1/ 318"، تاج العروس "6/ 44"، "ألف".

7 نسب قريش "369".

8 الإصابة "4/ 35"، "رقم 207".

ص: 330

ومنهم: "مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف". وقد أخذ عنه النسب. وكان عالمًا بأنصاب الحرم1. قال عنه "أبو عبد الله المصعب بن عبد الله الزبيري": "وكان له سر وعلم، وكان يؤخذ عنه النسب"2، وقد أرسله "عمر" مع "سعيد بن يربوع"، و"أزهر بن عبد عوف"، و"حويطب بن عبد العزى" لتجديد أنصاب الحرم، فجددوها، ويقال: إن "عثمان" بعثهم كذلك. وهو راوي خبر قصة استسقاء "عبد المطلب"، وما ورد فيه من الشعر3.

قال "الجاحظ": "أربعة من قريش كانوا رواة الناس للأشعار، وعلماؤهم بالأنساب والأخبار: مخرمة بن نوفل بن وهب بن عبد مناف بن زُهرة، وأبو الجهم بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عوف، وحويطب بن عبد العزى، وعقيل بن أبي طالب. وكان عقيل أكثرهم ذكرًا لمثالب الناس، فعادوه لذلك، وقالوا فيه وحمقوه"4. و"حويطب" من مسلمة الفتح ومن المؤلفة قلوبهم5. ومات زمان معاوية، وهو ابن عشرين ومائة سنة وباع من معاوية دارًا بالمدينة بأربعين ألف دينار6. وتوفي سنة "54هـ"7.

وروي أن غنائم الحيرة لما وصلت الحيرة وفيها سيف النعمان بن المنذر، استدعى "عمر""جبيرًا"، فسأله عن نسب "النعمان" فقال له: إنه أشلاء قنص بن معد. فأعطاه سيفه، وذكر أنه كان أنسب العرب، وعنه أخذ "سعيد بن المسيب" النسب8.

ومن نسابي قريش "عقيل بن أبي طالب". ولما وضع "عمر" الديوان، استعان بعقيل ومخرمة، وجبير في ترتيب عطاء الناس على منازلهم، فبدءوا ببني هاشم9. وعقيل هو أخ "علي بن أبي طالب"، ذكر أنه "كان عالمًا بأنساب

1 الإصابة "3/ 370"، "رقم 7842".

2 نسب قريش "262".

3 الإصابة "3/ 370"، نكث الهميان "287".

4 البيان والتبيين "2/ 323".

5 البيان والتبيين "2/ 323".

6 نسب قريش "425 وما بعدها".

7 الإصابة "1/ 363"، "رقم 1882".

8 الإصابة "1/ 227"، "رقم 1091"، الاستيعاب "1/ 232 وما بعدها"، "حاشية على الإصابة"، الفائق "1/ 608 وما بعدها"، البيان والتبيين "1/ 303".

9 ابن سعد، المجلد الثالث، الجزء الأول "212".

ص: 331

قريش ومآثرها ومثالبها، وكان الناس يأخذون ذلك عنه بمسجد المدينة"، فهو من شيوخ العلم الذين نصبوا أنفسهم لتعليم الأنساب والمآثر والمثالب. قيل: "كان في قريش أربعة يتحاكم الناس إليهم في المنافرات: عقيل، ومخرمة، وحويطب، وأبو جهم. وكان عقيل يعد المساوي، فمن كانت مساويه أكثر يقر صاحبه عليه، ومن كانت محاسنه أكثر يقره على صاحبه"1، ونظرًا لتكلمه مع الناس وتحدثه عن مساويهم فقد عودي وحمق2.

وقد صار مسجد الرسول في المدينة موضع دراسة للمسلمين، فقد رأينا "حسان بن ثابت"، هو ينشد الشعر فيه، وهذا "عقيل" يعلم الناس الأنساب فيه، وهناك غيرهما من كان يعلم الناس في هذا المسجد.

وممن عرف واشتهر بعلم النسب، وأخذ النسب عن الجاهليين، دغفل السدوسي من بني شيبان، وعميرة أبو ضمضم، وابن لسان الحمرة من بني تيم اللات، وزيد بن الكيس النمري، والنخار بن أوس القضاعي، وصعصعة بن صوحان، وعبد الله بن عبد الحجر بن عبد المدان، وعبيد بن شريه وغيرهم3.

وذكر عن "دغفل بن حنظلة" النسّابة السدوسي الشيباني، أنه كان عالمًا بالعربية والأنساب والنجوم، وقد اغتلبه النسب. وقد أعجب به "معاوية" لما سأله أمورًا كثيرة في هذه العلوم4. ولا بد وأن يكون قد أخذ علمه ممن أدرك الجاهلية من رجال، وممن عاصر الرسول. وذكر أنه و"زيد بن الكيس" النمري، كانا ممن أثارا أحاديث عاد وجرهم، ولذلك قال فيهما الشاعر:

أحاديث عن أبناء عادٍ وجرهم

يثورها العضان زيد ودغفل5

وروي أن معاوية "قال لدغفل بن حنظلة النسّابة. بمَ ضبطت ما أرى؟

1 الإصابة "2/ 487"، "رقم 5630".

2 البيان والتبيين "2/ 324"، نكث الهميان "200".

3 الإصابة "1/ 464"، "رقم 2399"، البيان والتبيين "1/ 118"، بلوغ الأرب "3/ 196"، التمدن الإسلامي "3/ 40 وما بعدها"، الفهرست "137 وما بعدها"، البيان والتبيين "1/ 322 وما بعدها".

4 الإصابة "1/ 464"، "رقم 2399"، الاستيعاب "1/ 467".

5 العسكري، جمهرة "2/ 113"، "رقم 1358"، الميداني "2/ 24".

ص: 332

قال: بمفاوضة العلماء. قال: وما مفاوضة العلماء؟ قال: كنت إذا لقيت عالمًا أخذت ما عنده، وأعطيته ما عندي"1. وذكر أن "أبا بكر"، سأل قومًا من "ربيعة" عن نسبهم، وفيهم "دغفل"، وكان غلامًا إذ ذاك، فلما انتهى أبو بكر من استجوابهم، سأله "دغفل" عن نسبه، فأفحمه2.

وقد اشتهر "دغفل" في النسب، حتى ضرب به المثل في النثر وفي الشعر بسعة علمه به، وقد ذكره "الفرزدق" بقوله:

أوصى عشية حين فارق رهطه

عند الشهادة في الصحيفة دغفل

أن ابن ضبّة كان خير والدًا

وأتم في حسب الكرام وأفضل3

ونجد اسمه في شعر شعراء آخرين4.

وكان ممن أدرك النبي، ولم يسمع منه. واسمه "الحجر بن الحارث" الكناني، ودغفل لقب له5.

وكان "صحار" العبدي من النسابين البلغاء، وله مع "دغفل" محاورات. وكان من المقربين إلى معاوية ومن المطالبين بدم "عثمان"6.

و"صعصعة بن صوحان" العبدي، وكان مسلمًا في عهد رسول الله ولم يره. وشهد صفين مع "علي"، وكان خطيبًا فصيحًا، له مع معاوية مواقف. "قال الشعبي: كنت أتعلم منه الخطب"7. وله إخوة، منهم "سيحان بن صوحان" العبدي، كان أحد الأمراء في قتال في أهل الردة8 ومنهم "زيد بن صوحان" وكان سيدًا في قومه، وقد شهد الجمل مع "علي"9.

1 الفائق "2/ 304".

2 الفائق "3/ 84".

3 النقائض "1/ 198".

4 ديوان القطامي "31"، البيان والتبيين "1/ 322 وما بعدها".

5 الفهرست "137"، "المقالة الثالثة".

6 الإصابة "1/ 170"، "رقم 4041".

7 الإصابة "2/ 192"، "رقم 4130".

8 الإصابة "2/ 102"، "رقم 3630".

9 الإصابة "1/ 565 وما بعدها"، "رقم 2997".

ص: 333

‌الحكمة:

وأما "الحكمة"، فقد ذكر أهل الأخبار أمثلة عديدة منها زعموا أنها لحكماء جاهليين، أوردوا أسماءهم، ولكنهم لم يفيضوا في بيان سيرهم وتراجم حياتهم،

ص: 326