المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومنهم من يذهب إلى اشتقاق المسند من الخط الكنعاني، للتشابه - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٥

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الخامس عشر

- ‌الفصل السادس عشر بعد المئة: الفن الجاهلي

- ‌العمارة

- ‌الفصل السابع عشر بعد المئة: القصور والمحافد والاطام

- ‌مدخل

- ‌الأعمدة والأسطوانات:

- ‌الفصل الثامن عشر بعد المئة:‌‌ الخزفوالزجاج والبلور

- ‌ الخزف

- ‌الفصل التاسع عشر بعد المئة: الفنون الجميلة

- ‌مدخل

- ‌التصوير:

- ‌الفصل العشرون بعد المئة: أمية الجاهليين

- ‌الفصل الحادي والعشرون بعد المئة: الخط العربي

- ‌مدخل

- ‌الخط العربي:

- ‌الفصل الثاني والعشرون بعد المائة: المسند ومشتقاته

- ‌مدخل

- ‌أصل القلم المسند:

- ‌القلم اللحياني:

- ‌الخط الثمودي:

- ‌الأبجدية الصفوية:

- ‌الترقيم:

- ‌الفصل الثالث والعشرون بعد المائة: الكتابة والتدوين

- ‌الفصل الرابع والعشرون بعد المائة: الدراسة والتدريس

- ‌الكتاتيب:

- ‌مواد الدراسة:

- ‌الكاتب:

- ‌الفصل الخامس والعشرون بعد المائة: الكتاب والعلماء

- ‌مدخل

- ‌الملاحن والألغاز:

- ‌الفصل السادس والعشرون بعد المائة: الفلسفة والحكمة

- ‌مدخل

- ‌الحكمة:

- ‌الفصل السابع والعشرون بعد المائة: الأمثال

- ‌فهرس الجزء الخامس عشر:

الفصل: ومنهم من يذهب إلى اشتقاق المسند من الخط الكنعاني، للتشابه

ومنهم من يذهب إلى اشتقاق المسند من الخط الكنعاني، للتشابه بين بعض حروف الخطين. وللتوصل إلى معرفة منشأ الخط المسند، لا بد من تعيين تأريخ لأقدم كتابة مدونة بالمسند، ولم يتفق العلماء على تأريخ ثابت معين. إنما يرجع بعضهم تأريخ أقدم الكتابات إلى سنة 1500 أو 1300 قبل الميلاد، على حين لم يرتفع آخرون بتأريخ أقدم كتابة عثر عليها بالمسند إلى أكثر من 700 أو 800 قبل الميلاد. ولضبط هذا التأريخ أهمية جد عظيمة في البحث عن أصل منشأ ذلك الخط. ثم إنه لا بد في تعيين أصل الخط المسند من النص على أسماء الحروف نصًّا ليس في أمره شك، ثم لا بد أيضًا من النص على نظام ترتيب حروف المسند عند العرب الجنوبيين. وكل هذه الأمور غير متفق عليها، وإذن فليس من الممكن في مثل هذه الظروف التوصل إلى حل علمي يوافق عليه جميع الباحثين في العربيات الجنوبية.

وإذا كان أغلب الكتابات في موضوع واحد، هو التقرب إلى الآلهة بهدايا وبنذور، كان أسلوبها يكاد يكون واحدًا، فهي تبدأ عادة باسم المهدي أو بأسماء المهدين، ثم يعقب ذلك فعل يشير إلى التقديم مثل: استعمال فعل قدم أو أهدى وما شاكل ذلك من أفعال مناسبة، ثم اسم الإله أو أسماء الآلهة التي قدمت لها الهدايا، يليها بيان السبب الذي من أجله قدمت، مثل: شفاء من مرض أو وفاء لنذر، أو طلبًا من الإله أو الآلهة أن تطيل عمر المهدي، أو تشفيه من مرضه، أو لتحل له مشكلًا وقع فيه أو مشكلات تحيط به.

ص: 230

‌القلم اللحياني:

ومن القلم المسند اشتق القلم اللحياني، والقلم الثمودي، والقلم الصفوي؛ وذلك لأن القلم المسند متقدم في الوجود على هذه الأقلام، فلا يمكن أن يكون قد أخذ منها. ثم إن المناطق التي وجدت فيها الكتابات اللحيانية والكتابات الثمودية، كانت في حكم المعينيين والسبئيين، بدليل عثور العلماء على كتابات معينية فيها. وهذه الكتابات أقدم عهدًا من الكتابات اللحيانية والثمودية، ولذلك ذهب الباحثون في اللحيانيات والثموديات إلى اشتقاق خطها من الخط المسند.

ولم ينقل أهل أعالي الحجاز القلم المسند نقلًا تامًّا، بل عدّلوا بعض حروفه

ص: 230

وغيّروا فيها بعض التغيير، فظهر من ذلك القلمِ القلمُ اللحياني والقلم الثمودي، غير أننا نجد أن كتابات القلم اللحياني تختلف بعض الاختلاف. وقد قسّمها "ورنر كاسكل" إلى نوعين: كتابات لحيانية متقدمة، وكتابات لحيانية متأخرة. وقد بني تقسيمه هذا على أساس قدم الكتابات وتأخرها في التأريخ. والواقع أننا نجد الكتّاب قد تحرروا في كتابة حروفهم في جميع العهود، في العهد المتقدم وفي العهد المتأخر، بحيث لم يتركوا لنا مجالًا للأخذ بهذا التقسيم. فنراهم وقد كتبوا بعض الحروف بأوضاع قد تزيد على الخمسة. غير أننا إذا ما تصفحنا هذه الحروف المختلفة الأشكال، لا نجدها تختلف اختلافًا بينًا، إنما يرجع هذا الاختلاف في الواقع إلى ضعف وقوة يد الكاتب الذي حفر تلك الكتابات على الحجارة أو الخشب أو المواد الأخرى التي حفر الكتابة فيها. فمنهم من كان قويًّا في حفره للحروف، ومنهم من كان ضعيفًا، فبان هذا الاختلاف في هيئات رسم الحروف. ومن هنا أرى أن اختلاف صور الحروف، لا يدل حتمًا على تطور الخط، بقدر ما يدل على مهارة أو ضعف الكاتب في الكتابة.

والقلم اللحياني مثل المسند خالٍ من الشكل، وخالٍ من الرموز أو الحروف التي تشير إلى المدّ أو التشديد أو الإشباع أو الإشمام أو الإمالة وما شابه ذلك. وقد أوجد هذا النقص لقراء الكتابات اللحيانية مشكلات كثيرة في فهمها وفي ضبط الكلمات والأسماء فيها. فلفظة "زد" مثلًا المكتوبة بحرفين، قد تقرأ على أشكال مختلفة، قد تقرأ "زَد" و"زِد" و"زُد" و"زاد" و"زيَدْ" و"زود"، إلى غير ذلك من أشكال. وهي قد تكون اسمًا، كما قد تكون فعلًا أو مصدرًا، وعلى القارئ استخراج نوعها من موقعها في الجملة ومن مقتضى الحال. ومثل ذلك عن "شم" التي تعني "شيم" اسم رجل، "وكتب" بمعنى "كاتب" اسم رجل أيضًا، مع أن للكلمة عدة معانٍ يفهمها الإنسان من موقع اللفظة في النص.

ولم يتقيد كتّاب الكتابات اللحيانية تقيدًا تامًّا بكتابة الفواصل العمودية التي تستعمل للفصل بين الكتابات، كما تقيد بها كتّاب المسند. غير أنهم لم يسيروا في كتاباتهم على وتيرة واحدة، فنراهم يخالفونها أحيانًا فيفصلون الألفاظ بفواصل. وقد رفعت الفواصل عن الألفاظ المؤلفة من مقطع واحد، مثل مع، وكتبت مع اللفظة التي تليها. أما إذا اجتمعت لفظتان، كل واحدة منهما ذات مقطع

ص: 231

واحد مثل "و" حرف عطف و"لِ" فالكتاب يكتبونهما على طريقة كتّاب المسند، أي: ممزوجتين، على هذا الشكل:"ول"1.

وتجد في هذه الصورة كتابة لحيانية متأخرة، يظهر منها وكأن صاحبها قد كتبها على عجل، فالخط فيها سريع ضعيف يدل على عجلة، والحروف غير واضحة، وقد كتبت بطريقة الحفر بقلم من حديد أو سكين أو آلة حادة أخرى على الحجر، حفرًا سريعًا، كما نكتب بسرعة في القلم. ومن هنا يختلف القلم اللحياني عن القلم المسند، يختلف عنه في عدم تمسك كتّابه بكتابة الحروف بصورة واضحة بينة وبخط قوي واضح يقرأ بسهولة. ولعل لموقع اللحيانيين ولموقع من كتب مثلهم بسرعة وبغير نظام ثابت وتقيد بهندسة الحروف وأشكالها، فيما بين الأبجديات الشمالية، والأبجدية العربية الجنوبية أثرًا في هذا التغير، إذ نكاد نلمس من قراءتنا لهذه الخطوط أنها تحاول الهروب من نظام المسند، المستند على الشكل الهندسي المرتب للحروف، الذي يفصل بين الحروف، والذي يحتاج الكاتب فيه إلى التأني في كتابة الحرف، فيضيع بعض الوقت بسبب ذلك، كما يحتاج إلى إشغال مكان واسع للحروف. بينما نرى الأبجديات الشمالية تقلص من حجم حروفها وتحاول جهد إمكانها ربطها بعضها ببعض اختصارًا في الوقت وفي المكان وفي الجهد. وحروف هذه الأبجديات وإن بقيت محافظة على استقلالها وعلى أشكالها الدالة على أنها من نبت المسند، إلا أنها اتخذت صورًا متعددة، كما أنها لم تتقيد بما تقيد به المسند في نظامه من السير على طريقة السطور، وهو نظام يسهل على القارئ قراءة الكتابة من اليمين إلى اليسار، أو من اليسار نحو اليمين، أو بطريقة "حلزونية"، بل خرجت على هذا النظام، ولا سيما في حالة الكتابات الثمودية والصفوية، فكتبت بصور غير منتظمة، على صورة هلال، أو كرة، أو نسيج العنكبوت، مما جعل من الصعب على القارئ فهم الكتابة، ويظهر أن ذلك إنما وقع سبب أن الكتبة كانوا من الرعاة أو الفلاحين، وأن الكتابات التي عثر عليها هي من

1 W.CaskeI، S. 60.

ص: 232

كتاباتهم، وقد كتبوها تعبيرًا عن خاطر عنَّ لهم، فهي لا تمثل إذن كتابات رسمية أو كتابات جماعة من المثقفين الذين يعتنون بحسن الخط، وإنما هي خواطر دوّنت على أي حجر وجده الكاتب، ودونها بالشكل الذي وجده يناسب ذلك الحجر.

وهذه الكتابة التي تراها في هذه الصورة هي كتابة محفورة على لوح من الحجر، وهي من الكتابات اللحيانية المتأخرة، المحافظة على نظام السطور. وخطّها وإن كان ضعيفًا غير أنه واضح نوعًا ما ونجد الشبه كبيرًا بينه وبين المسند.

كتابة لحيانية متأخرة "من كتاب: CaskeI، Nr،2"

ص: 233

كتابة لحيانية قديمة

من كتاب: Caskel، Nr. 1

أما هذه الصورة، فتمثل كتابة لحيانية قديمة، وقد تفنن في كتابتها كاتبها، وحفر الحروف فيها حفرًا جعلها بارزة، وقد حافظ فيها على نظام السطور، ونرى الشبه بين أشكال هذه الحروف وأشكال المسند بينًا، إذ لم تكن الكتابات اللحيانية القديمة قد ابتعدت بَعْدُ بعدًا كبيرًا عن الخط العربي الجنوبي.

ص: 234