الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأكياس التي تملأ بالنقود أو بأي شيء آخر، وختموا زق الخمرة حتى لا يتطاول عليه متطاول. قال الأعشى:
وصهباء طاف يهوديها
…
وأبرزها وعليها خَتَمْ1
كما ختموا الطعام بالروسم، وهو خشبة مكتوبة بالنقر. أو لويح فيه كتاب منقور، تختم به الأكداس2. وقيل له "الروشم" أيضًا في لغة السواد3. وكلمة "رشم"، تعني "كتب" في الإرمية. و"راشوم"؛ بمعنى لوح منقوش تختم به البيادر في لغة بني إرم، Rouchmo، وتعني علامة4.
وكان من عادتهم ختم الأمور المهمة أيضًا خشية ضياعها أو التطاول عليها أو لحفظها. فلما كتب أهل مكة فيما بينهم كتابًا يتعاقدون فيه ألا يناكحوا بني هاشم وبني المطلب ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يُسلّموا إليهم محمدًا. كتبوا بذلك صحيفة ختموا عليها ثلاثة خواتيم، وعلقوها في سقف الكعبة5. ويظهر أنهم بعد أن كتبوا الصحيفة وضعوها في ظرف ثم سدّوه وختموا عليه ثلاثة خواتيم، حتى لا يفتح الظرف. أو أنهم طووها بعد أن كتبوها ثم ختموا عليها حتى لا تفتح، فلما أرادوا فتحها وجدوا أنها قد تهرأت وتلفت من فعل لعب الأرضة بها. ويجوز أنهم ختموا عليها ثلاثة خواتيم. بخواتيم الكتبة الثلاثة الذين نسبت كتابتها إلى كل واحد منهم، بحسب اختلاف الروايات. وهم: منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم، أو النضر بن الحارث، أو بغيض بن عامر بن هاشم.
1 مصادر الشعر الجاهلي "76".
2 تاج العروس "8/ 312"، "رسم".
3 تاج العروس "8/ 313"، "رشم".
4 غرائب اللغة "183".
5 إمتاع الأسماع "1/ 25".
الكاتب:
والكاتب في اصطلاحنا هو الذي خصص نفسه بالكتابة، أو من يقوم بعمل
كتابي، أو من اشتهر وعرف بحذقه في فن الكتابة. وذكر علماء اللغة أن الكاتبين، هم الكتبة وحرفتهم الكتابة. وذكروا أن الكاتب في أيام الجاهلية: العالم. "وفي كتابه إلى أهل اليمن: قد بعثت إليكم كاتبًا من أصحابي. أراد عالمًا سُمي به لأن الغالب على من كان يعرف الكتابة أن عنده العلم والمعرفة"1. والواقع أن نسبة العلم للكتاب، لم تكن نظرة أهل الجاهلية وحدهم بالنسبة إلى كتّابهم، بل كانت وجهة نظر شعوب العالم كلها إلى الكتبة في ذلك العهد؛ لأن أكثر كتّاب تلك الأيام كانوا من أبناء العوائل المتمكنة ومن أبناء طبقة رجال الدين، وكانوا يتعلمون إلى جانب الكتابة في الغالب علم اللسان، كالعربية بالنسبة إلى العرب والإرمية بالنسبة إلى بني إرم، وشيئًا من الأدب من منظوم ومنثور وحساب وأمثال وحكم، لذلك يخرج المتعلم، وقد تثقف بثقافة تجعله فوق مستوى أقرانه، فيكون بعلمه هذا أعلم من غيره وأدرك منهم بشئون الحياة. ومن هنا صار أعلم من بقية الناس. ونظر إليه نظرة تقدير وتبجيل.
ومن هنا نجد أن الأحناف، وهم الدعاة إلى الإصلاح وإلى رفع مستوى الحياة في الجاهلية، كانوا كلهم من الكتّاب بالعربية. وقد نسب إليهم أنهم كانوا يكتبون ويقرءون بالعبرانية أو بالسريانية أو باللغتين أيضًا، كما عرف عن بعض الخطباء والشعراء أنهم كانوا يقرءون ويكتبون، ومنهم من كان له اطلاع على الثقافات واللغات الأعجمية حتى بان ذلك على كلامه المنظوم أو المنثور، وخير مثال على هؤلاء: عدي بن زيد العبادي، وأمية بن أبي الصلت والأعشى ولبيد.
وقد عرفت حرفة احتراف الكتابة بين الجاهليين أيضًا، كالذي كان من أمر "زيد" والد "عدي بن زيد العبادي" مع الفرس، وكالذي كان من أمر ابنه عدي نفسه مع الفرس أيضًا، ثم ما كان من أمر ابن عدي معهم. وكالذي كان من أمر "لقيط بن يعمر الإيادي"، وغيرهم. وقد رأينا أن الناس أطلقوا على "حنظلة بن الربيع"، كاتب الرسول "الكاتب"، حتى عرف بـ"حنظلة الكاتب"، لأنه كان قد قضى معظم وقته في الكتابة للرسول، فكان يكتب له إذا غاب كاتب من كتّابه عنه. فهؤلاء إذن، هم كتّاب، صارت الكتابة حرفتهم، ولا بد وأن نتصور أنهم كانوا قد أتقنوا حرفتهم لطول مرانهم بها
1 تاج العروس "1/ 445"، "كتب".
وخبروها على خير وجه. ومن المؤسف، أننا لا نملك نماذج من رسائلهم ولا من خطوطهم في هذا اليوم. كما لا نملك من خطوط غيرهم شيئًا، وسبب ذلك هو ندرة مواد الكتابة وغلائها بالنسبة لذلك الوقت، فكانوا يغسلون الصحيفة المكتوبة ويمحون ما كتب عليها، ليكتبوا عليها من جديد، ثم عدم إدراك الناس إذ ذاك لأهمية وقيمة الوثائق، حتى بالنسبة إلى الوثائق المهمة كرسائل الرسول وأوامره وأحاديثه وأمثال ذلك، فضاعت الأصول بسبب هذا الإهمال، وهي أصول سريعة التلف؛ لأنها كتبت على الجلود وعلى مواد تبلى بسرعة، وتحتاج إلى عناية وحرص كي تحافظ على حياتها مدة طويلة.
وقد سار الكتّاب الجاهليون على الجادة التي سلكها الكتّاب الآخرون الكاتبون بالأقلام السامية من عدم وضع علامات للحروف المتشابهة مثل الباء والتاء والثاء، بحيث إنهم كانوا إذا كتبوها، لم يضعوا عليها نقاطًا لتمييز حرف منها عن حرف مشابه له أو علامة أخرى فارقة، تفرق هذا الحرف عن الحرف الآخر.
كما ساروا على الجادة التي سار عليها غيرهم من عدم وضع علامات خاصة بالحركات. فكتبوا ما كتبوا من غير إعجام ولا حركات. تاركين أمر القراءة الصحيحة وفهم المكتوب إلى علم القارئ وفهمه وذكائه وحذقه باللغة وبالمهنة. ولعلهم فعلوا ذلك محاكاة لغيرهم مثل: الكتبة النبط والآراميين والعبرانيين، الذين تمسكوا بهذا الأسلوب، على اعتبار أنه سُنَّة قديمة ورثت عن الآباء، وقد كتبت بها الكتب المقدسة. أو لأن القارئ يجب أن يكون عالمًا بفنه بارعًا به، فلا يكتب له بما يشعره أن مستواه في فهم المكتوب، هو مثل مستوى سائر الكتبة، ممن تعلموا القراءة والكتابة وكفى. فكتبوا من غير إعجام ولا حركات. وقد جعلوا ذلك خاصة في مخاطبة ذوي المكانة والحكم، أما إذا كان الإنسان المكتوب إليه من سواد الكتّاب القرّاء، فكانوا يبيحون لأنفسهم حرية إعجام الكتابة وتحريكها. ومن هنا أيضًا، ظهرت نماذج من الخطوط، خصصت بكتّاب العامة.
وكانوا يميزون بين الخطوط، ويرجحون الخط القوي السوي على الخط الضعيف. والخط الجيد هو الخط الذي يجود فيه. ولا يستبعد أن تكون لهم مدارس في كيفية تدوين الخط. فقد أطلقوا على خط أهل الأنبار المشق. وقد عرفوا هذا الخط، بأنه فيه خفة. ولا يعقل بالضبط أن يكون هذا الخط خطًّا رديئًا ولهذا سُمي مشقًّا، بل هو طريقة خاصة من طرق رسوم الخطوط التي امتازت بمدِّ
الحروف وبخفتها في الكتابة، أي: سهولتها، ولا تزال هذه الطريقة المعروفة بـ"خط المشق" معروفة. وهي تستعمل عند الخطاطين في كتابة بعض الأمور التي يناسبها هذا الخط. ذكر أن الخليفة "عمر" ذكره فقال:"شرّ الكتابة المشق وشر القراءة الهذرمة"1. لما في الاثنين من السرعة والتسرع. فالهذرمة السرعة.
وذكر أيضًا أن "ابن سيرين" كره كتابة المصاحف بالمشق2.
والنوع الثاني الذي نعرفه من أنواع الخطوط، هو الجزم، وهو خط أهل الحيرة. وهو خط المصاحف3.
ويجب أن نضيف إلى هذين القلمين قلم أهل مكة، الذي دعاه "ابن النديم" بـ"الخط المكي"، ثم الخط المدني. وقد ذكر أن ما بعدهما الخط البصري ثم الكوفي. وهما خطان إسلاميان، وإن كنت لا أستبعد من كونهما قد أخذا من خط عرب العراق في الجاهلية، ولعلهما قد طعما بشيء من قلم أهل مكة أو المدينة. وقد وصف "ابن النديم" بعض خصائص القلم المكي والقلم المدني، فقال: "فأما المكي والمدني، ففي ألفاته تعويج إلى يمنة اليد وأعلى الأصابع وفي شكله انضجاع يسير4. ويمكن استخراج بعض خواص رسم خطوط أهل الحجاز في القرن الأول للهجرة من الكتابات التي عثر عليها بعض الباحثين في مواضع متعددة من الحجاز، والتي قد يعثر عليها في المستقبل.
والصفة التي يذكرها "ابن النديم" عن ألفات أهل مكة وأهل المدينة، تدل على أن أهل المدينتين قد أخذوا خطهم من أهل العراق والنبط؛ لأن الصورة المذكورة هي صورة كتابة الألف في الخط الشمالي، ولم يعدل الألف، بحيث صير مستقيمًا إلا في الإسلام.
وأنا لا أستبعد احتمال تدريس مبادئ اللغات وبينها مبادئ اللغة العربية في الحيرة وفي الأنبار وفي مواضع حضرية أخرى؛ فليس يعقل اقتصار التعليم في هذه المواضع على تعليم الخط والقراءة ثم لا يتجاوزهما إلى مراحل أخرى ومراقي أرفع. خاصة وأن السريانيين كانوا قد اقتبسوا من اليونان أجرومية النحو وأصول
1 الصولي، أدب الكتاب "56".
2 تاج العروس "9/ 101"، "هذرم"، المصاحف، للسجستاني "134".
3 الاقتضاب، للبطليوسي "89".
4 الفهرست "14".
الشعر وفلسفة قواعد اللغات بترجماتهم الكتب اليونانية إلى اللغة السريانية. وأن جماعة من النصارى العرب كانوا يزورون القسطنطينية وبلاد الشأم ويقرءون الكتب الدينية من آرامية ويونانية للتعلم والتثقف، وهؤلاء هم الذين تولوا تثقيف أبنائهم العرب وتعليمهم. وأناس من هذا الطراز لا بد وأن يكونوا قد تأثروا بما تعلموه من اليونان ومن السريانية فطبقوه على العربية، ووضعوا القواعد لصيانة الألسنة ولتقويمها، وسلكوا سبلًا في البيان ترتفع فوق مستوى تفكير السواد والسوقة بدرجات. وترجموا الموضوعات الدينية ولا سيما الكتب الدينية إلى الناس لتفقيههم بأمور دينهم.
ورجل مثل "عدي بن زيد العبادي"، ولِّي ديوان الرسائل والإنشاء عند كسرى وهو ديوان مهم، لم يكن الفرس يسلمون أمره إلا لرجل أديب حاذق، لا يعقل أن يكون مجرد قارئ خطاط ناقش للحروف، لا بد وأن يكون صاحب فن وحذق، له أسلوب في تنميق الكلام والتحبير، قوي البيان، يكتب وفوق قواعد اللغة وأصولها. درس القواعد والأدب وأساليب العرب والعجم في التعبير والبيان، فصار من ثم كاتبًا بالعربية وبالفارسية كما يذكر أهل الأخبار.