الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشهَى من الأمن الشَّهيِّ وقد بدا
…
بِعدَ التشتُّتِ في العَراءِ الأغبرَ
في ظلِ مولانا الأمير ومَنْ علا
…
فرقَ السِّماكَ على المَحَلِّ الأكبرِ
فاللهُ يَحْرسُهُ ويَعْصِمُ مجْدَهُ
…
مِنْ أنْ يزولَ إلى قيام المَحْشَرِ
قالَ: فلمّا اجْتلَى الأمير لُمَعَ وميضها، وابتَلى زبدَ اغريضِها وعبقَ عَرْفُ أسجاعها التي وكَفتْ وكفَتْ، وسمعَ من بدائع إبداعِها ما وصفَتْ وصَفتْ امتطىَ صهْوةَ الطّرَبِ، وألقَى إليهِ صُبرتين مِنَ الذهبِ، فدفعَ إليَّ صُغرى الصُّبرتينِ، بعدِ الذّبّ عن أنْفِ أنفَتهِ واللُبدتَيْن، وقالَ لي: خذْها إليكَ، واعلم أن الحربَ تارةً لكَ وتارةَ عليكَ، ثُمَّ إنّهُ نهَضَ إلى الخَلا، وقد راقَ وقتُنا وخلَا، ففرَّ من وقته وجلَا، بعدَ أن جَلا مِن عرائسهِ ما جلا، فغادرَ وعساءَ آَنْسِنا كالصَّفا، ورنَّقَ من عيشنا ما صفَا، وغَرّقَ فُلْك الفُكاهةِ عندما طَفَا، وطلّق حَصانَ مِصْباح اصطباحِنا فانطفأ.
المقامة الحادية والعشرون الإعرابَيّةُ
حكى القاسم بنُ جريال، قالَ: اضطررتُ حينَ مشاهدةِ المَعيش، ومساعدةِ سهْم المكاسِب المَريْش، وشِباكِ الأشَرِ الواصبِ، واشتباكِ صِعاد البَطَر الحاصبِ، إلى مُجاورةِ الأعراب، اضطرارَ الأسماءِ إلىَ الإعرابِ، لأكتسبَ عقودَ كفاحَهِم وأحتلبَ عقودَ إفصاحِهِم، وأرتضعَ حَبَبَ حبائِهِم، وأضطبع لِسَعْى معرفةِ احتبائِهم، وأنخرِط في نِصاح حُماتِهم، وأقتبسَ نفائَس مُحاماتِهم، فَجعلتُ أجوبُ الفِجاجَ، وأستجلبَ المُجاجَ، وأستفتحَ الارتياج، وأستمحُ من طَفَحَ بالمُلَح وماجَ، فلم يبقَ معنىً إلاّ سُمْتُه، ولا مغنىً إلاّ وَسَمْتُهُ، ولا حُسَام إلاّ شِمْتُهُ، ولا بَشامٌ إلاّ شممته حتى حويت محامد الخِلالِ، وانثنيْت عن معاهدِ الإخلالِ، وجنَّبْتُ عن منهج الجَهالةِ، وأطنبتُ في طلَبِ سَنام التسنُّم والإهالةِ، فلمّا بلوتُ الأنبياءَ، وتلوْتُ الأصفياءَ، حمدتُ اللهَ على صفاءِ القريحةِ، وصلاح النيّةِ الصريحة، وارتِضاع البراعةِ واستبضاعُ عُروض هاتيكَ البضاعةِ، فبينما أنا أهُب بالاندفاقِ، وأرب أفق الاتفاقِ، إذ ألجأني عَدم الرفيقِ، في ليلةٍ فاحمةِ الأفيق، إلى حيٍّ ذكيِّ البوغاء، زكيِّ الرُّغاءِ، مفتوح المذاهبِ، ممتوح المواهبِ. فدنوتُ إلى حواءٍ جميلِ المَساندِ، جليلِ الأسائدِ، فتلقِّيْتُ باحترام، ولقيت أشرفَ مقام، ودارتْ علينا صنوفُ الصِّحافِ، وضَمَّني حُسْنُ لحافِ ذَلكَ الالتحافِ، فلم نزل ما بين مُذاكرةٍ ذكيَّة، ومفاخرةٍ مَعْدَكيةٍ، إلى أن انفلَّ حسامُ الليلِ، وقَل قيلُ ذلك القَيلِ، ولمّا مالتِ الأجيادُ، وحَمْحمَتْ الجيادُ، وأفلَ لَهَبُ دُخانها، وطَلُعَ ذَنَبُ سِرحانها، قالَ صاحبُ حِوائنَا، وجابرُ سِنْسِنِ سَوَائنا: تاللهِ لقد أوحشَنا السحابُ المرعدُ والسّحوح المُزبِدُ، والبَطلُ الفارسُ، والهيصرُ الممارسُ، فلو جالسنا الليلةَ لرفَا ملابِسَ الإلهام، ونفى وساوسَ الأوهام، وضوَّعَ همهمةَ الاهتمام، وضيَّعَ غَمْغَمةَ الاغِتمام، فإنَّهُ خَليَّةُ المشتارِ، وهديَّةُ المُمْتَارِ، وعَروسُ السَامرِ، وخَنْدَريسُ المُسامر، قالَ القاسمُ بنُ جِريال: فلما شَرِبتَ الأنديةُ رحيقَ امتياحهِ، وطربتِ الأفئدةُ بأغاريد امتداحهِ، قلتُ له، إنِّي لأحبُّ أنْ تُطرِفَني بمشاهدتِهِ، أو تُتْحِفَني بلطيفةٍ من بُداهته، لأداوي علَّة هذا النُروع، وأنُاوي شدّةَ قلقِ قَلبي النَّزوع، فقالَ: اعلم أنه نزل بنا قوَمَ من آل صعفوق، في زمن منِ النوائب خفوقٍ، تقامُ بوصيدِ عبدانهِ الأحرار، وتهانُ لعزةِ عِزَّةِ بُرِّهِ الأبرارُ، وكنا يومئِذِ أولى نَزْوةٍ وراغيةٍ، وثروةِ وثاغيةٍ، وحمائلَ رايعة، وجمائلَ راتعةِ وجِفانِ مملوّةٍ بالثرائدِ، وضيفان مخدومةٍ بالخرائدِ، وكانوا إذ ذاكَ ذَوِي فاقةٍ مدقعَةٍ، وسعادةٍ متبرقِعةٍ، وأعباءٍ باهضةٍ، وأوباءٍ ناهضَةٍ، وأجوبةٍ خاليةٍ، وأحويةٍ بالحَزَن حالية، فَلَمْ نزَلُ نُملِّكهُم نُخبَ أرسانِنا ونسوفُ إليهم سُحُبَ إحسانِنا، ونملأ لَهُمْ حياضَ إنعامِنا، ودرأ عنهم أوبيةَ عامِنا، إلى أنْ غاثتِ السحائبُ، وأغاثتِ الكتائبُ، وهِطلَ الصبيرُ، وعظمَ العصير، وقصرَ الطويلُ، وطالَ القصيرُ، فلمّا انجلتْ مرآةُ بوسِهم، وجلَتْ عساكِرُ عُكوسِهم، وقَلّدْتُ بالدُّرَرِ غِلمانها، وأكلَ كثرةُ اللبنِ إيمانَها، جعلتْ تشمخُ بأنوفِهَا، وتتعززُ علينا بأنوفِها، وتهزأُ بنظافِنا، وتُنكِرُ طِيْبَ نطافِنا، وتتعرَّضُ لنضالنا وتجحَد فواضل إفضالنا، ولم يكفها ذلكَ، حرسَ اللهُ قُلَلَ إقبالِكَ، حتى نهضَ خطيبُهم واستطال، وأَنشأ خطبَةَ أنيقةً وقال:
الحمدُ للهِ مُزجِي النِّعمةِ الوافرةِ، والنّعمة المتوافرةِ، والآلاء السانحةِ، والنعماءِ السارحةِ، ذي الدَّولةِ العاليةِ، والدُّولةِ المتعاليةِ، والمِنَّةِ المؤيَّدة، والمُنّةِ المؤبّدةِ، والحُجَّةِ الراحضةِ، والمحجّةِ الواضحةِ، الذي توَّجَ جباهَ عِزّتِنا بتيجانِ الجَلالِ، وأسرجَ عناجيجَ عزِمتِنا في مناهج الإجلالِ، وسوّرَ مِعْصَمَ ألسنتِنا بأساورِ المَقَالِ، ونِوَّرَ مصباحَ صولَتِنا في مَساربِ الأثقالِ، وأطلعَ شموسَ صلاحِنا من مشارقِ الكمال، وأينعَ غصونَ إصلاحِنا في حدائقِ الإكمالِ، حتى لاحَ حمدُنَا وألاحَ، وراحَ بحُلَلِ مدحِنا وارتاحَ، وألفْنَا السِّلاحَ: وفاحَ عَرْفُ عُرْفنا وساحَ، وألنا الشداد، وفللْنا الحدادَ، وملأنا القِعاب، وخَذَلنَا مَنْ سَفُه وعابَ، فكمّلَ أعدادنا، وجمَّل أعدادَنا، وشرّفَ أبعادنا، وأمن المجاورُ إبعادَنا، فعندما يجبرُ المكسورُ، وتركعُ لزور زرائبنا الكسورُ، لا يعرِفُ وجْهَ معروفِنا البسورُ، وتخضعُ لِعظَم عظمةِ عصفورِنا النسورُ: المتقارب:
ففينا الذّكُور وفينا الذَّكورُ
…
وفينا الجُسورُ وفينا الجسورُ
وفينا الدُّرورُ وفينا الدَّرورُ
…
وفينا القُدورُ وفينا القَدورُ
وفينا الطّهورُ وفينا الطهورُ
…
وفينا الظُّهور وفينا الظهورُ
وفينا البدور وفينا النُّدورُ
…
وفينا الخُبور وفينا الحُبورُ
فنحنُ المكينُ ونحنُ الرًّكين
…
ونحنُ السفين ونحن البُحورُ
قال: فلما جد جد فخاره، وقَدَّ قَدّ نُخَب افتخاره، وَثَبَ خطييُنا على طنفستهِ، وأفاض من فرائِد منافستهِ، ثم هَمَرَ كالليثِ الهصور، ونفخ نفخة إسرافيلَ عندَ التقام الصُّور، وقال: الحمدُ للهِ الذي بَسَقَتْ أغصانُ رَحمتَهِ، واتسقَتْ أقمارُ حكمته، وطلعَتْ نجومُ مِنَّته، وأينَعتْ ثِمارُ مَعونتهِ، وعالَتْ أمواجُ إعانتهِ، وتعالَتْ أفواجُ أعّنتهِ، أحمدهُ على إنعامهِ العرمرم الرّجراج، وفلكِ إكرامه الكاملِ الأبراج، وعَدْلِه المضوع الأثوابِ، وفَضْلهِ المفتح الأبوابِ، حمدَ مَنْ متَحَ من بحار إحسانهِ فاعترفَ، وانمَدحَ لهَ دوْحُ امتنانهِ فاخترف، وأشهدُ أنه الواحدُ الفتاحُ، الذي أسهبَ في مدْح عُباب معروفه المُمتاحُ، موجدُ الوجودِ، ذو الجود الموجودِ، أرسلَ محمداً بالرسالة الصادحةِ، والمقالة الراجحةِ، ووضوح السَّننِ وسُحوح السنن، صلّى اللهُ عليه وعلى آله، ما خَلَعَ هامَ هلالٍ إهابهُ، وأصابَ صيّبُ هِلال أهابه، أما بعدُ: فإنِّهُ لمّا اشتهرَ في الآمِنِ والمَخُوفِ، وانتشرَ بينَ الأسنةِ والسُجوفِ، مالنا مِنَ الاحتباء، وجلالةِ الاجتباءِ، وعدم الإغراءِ، والفصاحةِ الغراءِ، ونفاسةِ الأصول، المقدّسةِ عن النصولِ، الراشقةِ بسهام السؤدَدِ والنّصولِ، وجَبَ علينا جابةُ الصنوف، وإجابةُ الضيوفِ، ودفاعُ العَارِ، وادراعُ الغار، واطراحُ العناقِ، واقتناءُ العِتَاقِ، ومعاصاةُ العُتاةِ، ومواصاةُ العُناة، وطولُ الخُفوقِ، وبذل الحقوق، ومحاسمةُ الغَبوق، ومناسمةُ العَيّوق، فنهضنا بما افترضَ وأعنا من تعني بما اَفترضَ، فجاءَ بالإمْر أمرُنا بُراحا، وآلى ألاّ يرومَ مدى الأزمنة بَراحَا تواظب بطونَ كفوفِنا الظُّباة، ولا يصاحبُ عيونَ عقولِنا السُّباتُ. المتقارب:
فنحنُ الليوثُ إذا حاربُوا
…
ففينا الثُّباتُ وفينا الثّباتُ
ونحن الصّفاةُ ونحنُ الصفات
…
ونحن التُّقاة ونحن الثقاتُ
ونحن الجُباةُ ونحن الجُناةُ
…
ونحن الكفاةُ ونحن الكِفاتُ
ونحن الكُماةُ ونحن الحماةُ
…
ونحنُ الحياةُ ونحن المماتُ
فحولُنا لا يتناهَى، وفحولُنا بها نَتباهى وجلائلنا تَمون، وحلائلنا لا تخونُ، ورفاقنا لا تخورُ، ورقاقُنا بالظِّفَرِ تَحورُ، وعُداتُنا تخيبُ، وعداتنُّا تُجيب، فعندنا تفْقد السّخِابُ، ومنّا تعلّمَ الكرمَ السحاب، المتقارب:
فنحن الغيوث إذا استُنْجِعوا
…
ونحنُ الرَّباب ونحنُ الرِّبابُ
ونحنُ العقاب ونحن العُقابُ
…
ونحن العِذاب ونحنُ العَذاب
ونحن الشَّرابُ ونحنُ السّرابُ
…
ونحن الحبابُ ونحن الحُباب