الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتقلّبونَ، وأنا إلى ربّنا لمنقلبونَ، ثم ألقيتُهُ فصاحَ، وسبَّ نفسهُ والفِصاحَ فغشيني يم رحمته، وأدركَنيُ مدركة مضر مرحمته، فاحتملتُهُ احتمال الأجواد، وأعدتُهُ إلى مكان النجادِ، فأنشدَ بعدَ ما صبَّ صيِّبَ صًبْرهِ صبّاً، وضممتُ إلى فِتْرِ رأفتي بُصماً وَرتْبا: الطويل:
تجملْ رعاكَ اللهُ لا تُظهرِ العَتبا
…
ولا تُسكنِ الأحزانَ منْ صَدْرِكَ القَلْبا
ولا تلبس الأوجالَ إنْ لاحَ مكْسَبٌ
…
فتُمسِي وقد أهْدَتْ إلى قلبِكَ القُلبا
فأفٍّ لليثٍ لا يعفِّر أنفَهُ
…
بعِثْيَره حِرصاً إذا ساور السِربَا
وتُفٍّ لَه إنْ ضاقَ ذَرعاً وخِيْسهُ
…
خَلِيٌّ من الأشلا إذا شاهدَ السَّربا
وليس بعار أنْ يبيتَ وجوعُهُ
…
يضِبُّ وفيضُ الرزقِ قد يشبع الضبا
فما عزَّ من أمسى من الذّلِّ كاسياً
…
ولا سادَ ذو ضَنٍّ على المالِ إذ ضبَّا
قال: فسِرت تحته سير الجليدِ، إلى تربةِ خالدِ بنِ الوليدِ، وقلتُ لهُ: أقسِمُ بمسخِّرِ الرِّيْح، وجابرِ القَلْبِ القريح، لَئِنْ لَمْ تجتوِ هذهِ الإحساءَ، لا صحبتُكَ أو يصحبَ صخرُ الخنساءَ، ويعتري النِقْرسُ النساءَ، ثم إنّي رقدتُ رِقدةَ الأجير، واضطجعَ لإدبارِ جيوش الهَجيرِ، فاستيقظتُ وقد ولَّتْ قنابل الوقودِ، فألفيتُهُ قد أرقَلَ إرقالَ القرودِ، فبتُّ وأنا منَ الكُرَبِ صادٍ، مِنَ الوجلِ على مِرْصاد، كأننَّي صريعُ فِرصادٍ، لا أنطقُ بحاءٍ وميمٍ وصادٍ.
المقامةُ الثالثةُ والثلاثونَ الواسطيَّةُ
حكَى القاسمُ بنُ جريالٍ، قالَ: اتَّخذْتُ مدَّةً مِنَ الدهر الأدهم، والعصر المحلولكِ الأسحم، بالحبشةِ داراً، وقد قدَّني الملوانِ إِذعاراً، لا يرتضيها الضِّبعانُ غاراً، والثعْلُبانُ أَنَفَةً وعاراً، فحينَ كرِهْتُ مُعاقرةَ عروشها، ونَدِمْتُ على معاشرةِ أحبوشِها، اعروريتُ سنامَ العَيْسجورِ، وفَريْتُ إهابَ البحر المسْجورِ، ولم أزل أخِد بأقدام الفِرارِ، إلى مواطن القرارِ، وأجدُ مَعْ مكابرةِ البِكار، حرّ حَزِّ مرارةِ الإفتكار، إلى أنْ سَرَطَني سراطُ واسط، وأنا ما بينَ قابضٍ منَ القلقِ وباسط
فأرَقْتُ كَؤوسَ النُّحوس، وفارقتُ لَبُوسَ الحَظِّ المَنْحوسِ وكسرتُ كؤوسَ الوُكوس، وهجرتُ عروسَ العُكوس، فلمّا عُمْتُ بمعارج أسواقها، وأقمتُ سُوقَ المَيْسُرةِ على ساقِها، ألفيتُها ذاتَ رُواءٍ وارفٍ، ولواءٍ وطارفٍ، يَصْبو إلى أركانها الوليدُ، ويَنْبو عَنْ مُناسمة سُكّانِها البَليدُ، فجعلتُ أقْصِدُ مُنادمةِ المدُاني، وأقصِدُ يدَ دِنانِ التداني، وكنتُ أيّامَ مُبادرةِ ثمارها، ومُذاكرة أذْمارها، أنْخرِطُ إلى حاكم المدينةِ، وأًلْتَقِطُ من نَثْر مآثرهِ المتينة، وكانَ مِمّنْ يَقْلِي لقاءَ البارح، ويقضِي بَيْنَ المُقيم والنازح، فبينما أنا عندَهُ في يوم مُسْهَوْهبِ الذَّائب، مُغْلَولبِ السَّحائبِ، إذ أقبلَ شَيْخ مُسْبل سِرارَ سَاجِه، مُرْهِف غِرارَ انزعاجه، نافضٌ رِفْلَ ثوبهِ العَمَرِ، قابضٌ غِلالةَ غلام كالقمرِ، فلمّا مثلا لدَى القاضي، ونثلا وفاضَ التغاضي، شهرَ الشيخُ لساناً كالِمخْصلِ الماضي، وقالَ: أيَّدَ اللهُ سُطَا سَيْفِكَ العمري، وشيدَ رَبْعَ عِزِّ عدلِك العُمَريِّ، ولا بَرحَ لِدانُ إنصافِك مُثقّفَ الأنابيب، وعنانُ انتصافِكَ مفوَّقَ الشآبيبِ، أنُهِي إلى وَلِيِّ إفضالِكَ، وجليِّ إجلالِكَ، أنَّني وَلدْتُ هذا الغلامَ، الماهرَ العُلامَ، وعَلَّمْتُهُ الكلام، وثقفتُهُ مُذْ قامَ حتَّى استقامَ، فحينَ شَبَّ في شِبابه ودبَّ لهَبُ هِبابه جَعَلَ يَحصِبُني بشَنيع مُنازعته، ويضرْبُني بقطيع مُقاطعتهِ، ويتحفني بامتنانهِ، ويَقْصِفُني بأهوية هَوانه، ويَخْذفُني بحصى حصانهِ، ويَحْذِفُني بعصا عِصيانهِ، ويُنشِقُني رياحَ عُقارِه، ويرشُقُني بقُذَذِ نقاره، ولم أزل مذ أتَّسقَ شفق بدره، وظهرَ ثَمَرُ نَدْرهِ، وراحَ للحِكمَ واشتغل، وفاح عَرفُ مَعْرفتهِ واشتلَ، وكَملَ شاربُهُ وبَقَلَ، ودَرَأَ دَرَنَ درايته ونقلَ، وصبا ركامُ ذِهْنهِ وصبَّ، واستيقظَ مِنْ سنَة وَهْنه وهبَّ، وعدنَ بدار الأدب وألب، وامتلأ صِدار صَدْرهِ بالدّرر واتلأب، أخِيط إذا طَرَّ، وألينُ إذا اقمطَرَّ، وأقترضُ إذا اضطرَّ، وأنقبضْ إذا اسبطرّ، وهو لا يَهْبِطُ عن ساحج عَجاجهِ، ولا يَعْدِلُ عن لاحب لَجاجه، ولَمْ يَكْفِهِ كُفْرُ فَيْض إفضالي، وطول مَدِّ طُلْيَةِ الطَّمَع إلى نضالي، حتّى عادَ يُطفِئُ وميضي، ويُرفئُ سفينةَ السَّرَقِ إلى قَريضي، وقَدْ تطرَّق هواهُ، وتدفَّق شرُّهُ وشَذَاهُ، إلى أنْ أفسدَ عليَّ بشاطئ هذا العبُور، شِعراً يُشابِكُ شناتِر الشِّعرى العَبورِ، فرفعَ منه ألفاظاً يسيرةً فأف لها سيرة، ووضَعَ عِوضها حقيرةً، فتُفٍّ لها جَريرةً، ولم يزلْ يا ذا الجُودِ، وفاطر الفَلَك الموجودِ، نسبةُ حَظِّي الموؤد، مع أمِّه الولود، نسبةَ الوالدِ إلى المولودِ، من طاعة هذا المولودِ، قالَ: فأقبلَ القاضي على فَتاهُ، وقالَ لهُ: إنِّي لأخالُهُ صادقاً فيما تَعيهِ، صابراً على ما يدَّعيهِ، فاتَّقِ اللهَ في مُناقشتهِ، واصبر على شدَّة شِرّةِ معاشرته، فقالَ له الغلام: أقسِم بِمَنْ أيَّدك بالعَلاءٍ، ورفَعها بعدد حروف الاستعلاء، وجعلَ بحارَ حِكَم الحكّام، في شامخ أحكام حِكَمِك كالرُّكام، أنَّني ما أطفأتُ وميضَهُ، ولا احتقرْتُ حَضِيضَهُ، ولا رفضتُ فريضَهُ، ولا انتحلتُ قَرِيْضَهُ وها هو مُدع أِّنَني ادعيت قصيده، وهدمت أبنية شعره ووصيده وليس الحال كما ادعاه وضمه وعاء سمعك ووعاه، وإنَّماَ سمح خاطري قبله، بشعر لو رآه الأخطل قبله، ولم أكنْ رفعتُ قَبْلُ قناعَهْا، ولا تدبَّرتُ اختراعها، فإنْ أحببت شيم شرر لددنا، وتبَلُّجَ صُبْح حَقَ أَحَدِنا، فمُرْنا بإيرادِ الدُّرَّتينِ، ليتضح لكَ اختلافُ كَلم الكلمتين، فقالَ لَهُ القاضي: تالله لقد وضعت محاسنَ سِراطِكَ وأنصفتَ برفع نَصيف أشراطِكَ، وهَرَفت بمدحِكَ على نشاطِكَ، وأرهفْتَ لهياج دَم ذمِّهِ شَباةَ مِشْراطِكَ فإن شِئْتَ أن تُجَلِّي فجلِّ، وإن رُمتَ أن تُصَلِّي فصَلِّ، فقالَ الغُلامُ أما عَلِمْتَ أنَّ البركة في الأكابرِ، ولا سيما المأخوذَةَ عن الكابرِ بَعْدَ الكابرِ، فقال الحَكمُ للشَّيْخ: أتْلُ شعْرَكَ لَدَيْهِ، وقَدْ خَصَّكَ بخلاص التقدّم عليهِ، فقالَ، وقد سعَّرَ لنزاله لهيبا، وجَرَّدَ لكفاحه لساناً مهيباً: الطويل:
متى أمتَري رَوْض النَّجاءِ قريباً
…
ويُصبحُ حُر الوجْهِ فيَّ قشيبا
وأخْلُصُ من شدِّ الإرانِ وأنثني
…
أخا حَنَفٍ يهوَى المُقامَ نصيبا
فوَيْل إذا أجني الرجاء، وأجتدي
…
سليم نوالٍ في الأنام عَسيبا
فإن عُدّتُ منصوراً بجَونِ سعادةٍ
…
أظلُّ لأعناق القطوع قضيبا
وإنِّي وإنْ صلَّيتُ في السَّبْتِ مدَّةًوأضحيتُ دَهْراً للترابِ نسيبا
وأمسيتُ عَنْ وَصْلِ الخَليلِ مقيَّداً
…
يرى جَسدي بعد المسيح صليبا
لأعلَمُ حقًّاً سوفَ أحيا وأغتدي
…
إلى يَوم عَرْض للحسابِ جذيبا
وأصبحُ بعدَ الفَن في لاجبِ البِلى
…
أبا جَذَلٍ حُلْوَ الشبابِ حَبيا
فلا تحسبِ الإنسانَ إلا سحابةً
…
تقشَّعُ من ريح المَماتِ قَريبا
فلمّا تحيَّرَ الحَكَمُ بإنشادها، وتَعَجَّبَ بمشيد شيدِ إرشادِها، قالَ للغُلام: أخرجْ يدَ برهانِكَ، مِنْ جَيْبِ غَمائم تهتانِكَ، وتَوَّقَ مواقعَ بُهتانِكَ، قبْلَ شُرْب شَراب امتهانك، فأنْشَدَ عندما أعادَ عُوْدَ حُرمتهِ لحيبا، وملأ حَضْرةَ الحَكَم نحيباً رحيباً: الطويل:
متى أرتعي روض النّجاءِ قريباً
…
وأرسو بصبْر ظلَّ فيَّ قشيبا
وأفكرُ في شَدِّ الإُرانِ وأزدَري
…
أبا حَنَفٍ يَرضَى المَلامَ نصيبا
فسحقاً إذا أجْنى الرَّجاء وأنثنى
…
سَليمَ نِزالٍ ظَلْت فيه عَسيبا
فإن بِتُّ منصوراً بجَوْنِ سَحابةٍ
…
مِنَ الحرْص أمسى بالعَنَاءِ قضيبا
ولو أنَّني صلَّيْتُ للسَّبتِ عامداً
…
لأنشأتُ دَهْراً لا تضُم نسيبا
سأضرب بالعضب الخَليل مقوِّماً
…
أخا صَعَر ظن المسيحَ صَليبا
وأحيا إذا أحيي من الجودِ جانباً
…
ليمسي خصيباً للعُفاة جذيبا
فمن حب هذا الفنِّ تاللهِ لم أزلْ
…
مقيماً لأصحاب السؤال حَبيبا
ولم أخفض الإنسانَ إلا تعفّفاً
…
لئلا يَبيتَ العارُ فيّ قريبا
قال: فحين فَرَغَ من استجلاءِ عجائبه، وأفرغَ غَيْثَ غِمام غرائبه قالَ له القاضي: إنّهَا لأبياتُ أبيكَ، ولا أحابيكَ، ولم تُلْقِ سوى قيلٍ قليل فسلالا لكَ من سليلٍ، فقال الغلامُ: أقسمُ بمَنْ أتاحَ لنا قصدَ هذا الطريقِ، وأباحَ للمتمتع صيامَ أيام التَّشريق، إنَّها لفريدةُ نصاحي، ووليدةُ اجتراحي ونفيسةُ عفاصِي، وفريسة اقتناصي، غيرَ أن معنى ألفاظهما متغايرٌ، وغبار شدةِ مباينتهما متطايرٌ، وأنا - أعزَّكَ الله - أبيِّنُ حقيقةَ الحالِ، وأعيِّنُ عدمَ الانتحالِ، ثم إنُّه مضى في شرح القصيدتينِ، مُضِيَّ الفَرْقَدَيْن، فحينَ فتح أبوابَهُما، وأوضحَ أسبابَهما، قال القاضي للشيخ: ها هو قد بسطَ إليكَ عَشْرَهُ، وشرحَ لديكَ شِعرَهُ، فهل بقي بوفاضِكَ سِهام، أم تخلف بشهرَيْ ناجرِ احتجاجِكَ سَهام، فقالَ لهُ: اعلم - طَوَّلَ الله بِكَ ذَلاذِلَ الذيولِ القصار، وقلَّدَ عُنُقَ اقتداركَ بتقصار الانتصار - أنَّني جئتهُ حينَ تَمَّم إحكامَها، ونمَّر طخاريرَ الشكالة وركامَها فأنكرت عليهِ، ما أفضتِ القضيةُ إليهِ، وقلتُ لَهُ: تَعساً لك من سَروقٍ، وراكب عُجلزة عقوق، وتباً لكَ من ذي لَفْظ رخيم، وصاحبِ خيم وَخيم، أتهزأ - ويلك - بأشعاري، وترزأ بقواضب القِحةِ حلائلَ ابتكاري، ثُمَّ إنّهُ قَدْ حَصَل لك حال قُبْح هذِي الخِصال، واتِّصالِ خُمْصانَةِ هذا الوصال، مَعْ ما توخيتْ من جَودةِ هذا الارتفاقِ، صياغةُ الصِّناعةِ بالاتِّفاق، فكنتُ كمُشْتارٍ قَصدَ الصابَ، أو عابثٍ قذفَ حَجَراً فأصابَ، ثم إنِّي شَرَحْتُ لَهُ ما زعم أنَّهُ اقتضبَهُ، وقدحت في حدب قرا الجهْلِ الذي ارتكبَهُ، فحين حَذقَ ما شرحتهُ، وطفقَ يُتقن ما له أبَحتُهُ، قالَ لي: يا للعَجَبِ أتسبقُني لشرح ما به دَلَّهتُ، وتُناضِلُني بالكنائنِ التي بها تنبهت، فيا خيبة من يرجو روح أرواحكَ، والرجوعَ إلى مُراحكَ، والطيرورة بجناحك، وقد جرح بخناجر اطراحك، وها أنا قد أحضرتُهُ إليكَ، وعرضتُ عُروض انتحاله عليكَ، فنظر القاضي إلى الغلام وقال له: ما الذي تُجيبُ، وقد احتدَمَ بين حربكُما الوجيبُ، فقال له: إنْ كنتَ تُحِبّ بأنْ يُحَصْحِصَ لكَ الحقُّ ويَبينَ، ويلين لَدَيكَ الظالم ويستكينَ، فَمُرْهُ بأنْ نتساجلَ بالقَريض، أو بإغريض النثرِ الأريض، فقالَ له الحكمُ: قد سَمِعْتُ نظمكما، ووعيتُ وعظَكما، ولكِنْ تساجلا بنثرٍ يشاكلُ المنثورَ، ويشاكِهُ اللؤلؤَ المنثورَ، مشابهاً لهذي الصِّناعة، مماثلاً لها في عبارة البراعة، فلمّا سَمِعا كلامَهُ، وعلِما ما رامَهُ، تَلبَّبا وتناهزا، وتصلّبا وتبارزا، ثُمَّ شَحَذَ الشيخُ النِّصالَ الصِّقَالَ، وجالَ في حَلْبَةِ المُنافرةِ وقالَ: مُجانبة الجَنَفِ نجائبُ النَّجاء، فقالَ الغلام: ومجاورةُ النجَفِ مكاسبُ النّجاءِ، قالَ: طُوبَىْ لمن اصطبحَ في السماءِ، فقال: طُوبى ولو سبَّحَ في سماءِ السماءِ، قال: بئسَ الضّرَرُ بالبَدَن الحر، فقالَ: نَعَمْ ولكن لا يَضُرُّ الفَرَسَ الحَرُّ، قال: أولى الناس بالكرامة الحرُّ، فقال: وأحقُّ الأشياءِ بضربِ الكرامةِ الحُرُّ، قال: خَابَ مَنْ هَجَمَ عفافَه ولاطَ، فقال: وطابَ من هجم، أخلافَهُ ولاطَ، قالَ: السعيدُ مَنِ اعتبرَ بهزال الهلال، فقال: والجليدُ مَنْ ساورَ هلال الهِلالِ، وقالَ: لا تؤسِّد ذا اللَّبَنِ اللَّبِنَ، فقال: ولا تُعالج باللّبَنِ اللَّبِنَ، قَالَ: رَبحَ مَنْ تعلَّمَ خاءً وطاءً، فقال: وخَسِرَ من طلقه الأطيبان وطاء، قالَ: تَعِبَ مَنْ جوَّدَ ألفاً وباءَ، فقال: وأتعب مِن زَوَّدَ ألفاً وباءَ، قالَ: اعتيام البُكَرِ للغُرابِ، فقالَ: وقِوامُ القيام بالغراب، قالَ: الحظيُّ مَنْ كذَّبَ المسيحَ، فقال: والوفي مَنْ صَدَّقَ المسيحَ المسيح، قال: أسْوَغُ مشَروبنا الفَصيحُ، فقال: وأبلغُ أريبنا الفَصيحُ الفصيحُ، قالَ الراوي: فلمّا استدلّ القاضي بما استدعاهُ، وعَلَّ رحيقَ ما أبدعاهُ، قالَ لهما: لقد صحَّ عندي مُحالُ حكايَتِكما، وإبطالُ محاكمتِكما، فكلُّ منكما شَرٌّ من صاحبه، جارٌّ ذيلَ خَتْرِه على مساحبه، لكن أنا مِمَّنْ يُحْسِنُ الإيالة، ويستحسنُ لصَيْد الكرام الحِبالةَ، ثمَّ إنَّهُ قبضَ لهما قبضةَ منَ اللُجينِ، مُذْ وَجَدَهُما محوَجَينِ، وبتاج الفصاحة متوَجَيْن، وقالَ: تغمَّرا بهذي الإراقة، وتقنَّعا