الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فحينَ قَضبَ جريرَ جرَّتهِ، ونَضَبَ ماءُ مَسيلِ حرَّتهِ، وأَلجم أسَد وعظهِ القَضْقاض، وألجمَ سَدا فضلهِ الفَضْفَاض، وقدَّ قميصَ يُوسُف عِظتهِ وقَصّ، وسدّ ما انسجمَ من سَحَ سحابهِ وفصَّ، قالَ: أًلهمكُم اللهُ الصبرَ الجميلَ، وأتبعَ في دَعَ سَيْلِ مصابكم الحًميلِ، وجعلَ هذا الرُّزء فِسْكِل أتراحِكم والهموم، وآخِرَ ذَمّة أحزانِكم والهموم. ونفَحكُم بأَجْرٍ تضيقُ بهِ متونُ العَراءَ، ويَصْغُرُ في جَنبه كبَرُ هذا العزاءَ، بطولهِ السابغ الذُّيولِ، ودَوح إحسانهِ المنَّزهِ عَنِ الذّبولِ، قال الراوي: فلمّا غَبَطُوا جودَةَ فيضه النجيبِ، وأغبطوا الأنفسَ حَلَّ نظام لآلئ النحيبِ، جَبرُوه عندما خَبرُوهُ، وشبروه بعدما سبروهُ، فكنتُ أولَ مَن حضرَهُ وحيّاهُ، وحل بمحضره حباه وحباهُ، وكنتُ أرجَي حينَ سكرتُ من سلافةِ شموله وشكرْتُ تألقَ ضياءَ شُمولهِ، مَعْ ما أمارسُ مِن مُزاحمةِ العَمِّ، وسَورةِ سُكْر مزاحمة الغَمِّ، حصولَ معرفتهِ، وما الذي حَصَلَ برفع غَوْرِ مِغْرفَتِهِ، لأعرفَ من أي سحاب انسكب سيبُهُ، وفي أيَ شِعْب شَعْبِ انتشرَ شَيبهُ، فم أستطِعْ للجَلبةِ إبصارَهُ فما ثلت بالأثنيةِ أنصارهُ، وأمهلتُه إلى أنْ قرَّ المجلسُ وتَسَعْسعَ، ورقَّ قَرْقَفُ المطاللةِ وتشعشعَ، وتَقَهْقرَ النهارُ ويرَفع وجهَ الغزالةِ البَهارُ، ولم يبقَ معه من الخَلْق، سوى سدس عددِ أحرفِ الحَلْق، فألفيتُهُ النّهْشلَ الشريَّ، والسَّميدعَ السريَّ، ذا الفضل المضري، أبا نصر المصريّ، صاحب البطش الضرّيَ، وعاشقَ الدَرهم الصريَ، فأقبلتْ أمورُ مَوْرَ الخائم، وأتردّدُ تردد الحائم، إلى أنْ سلّمْتُ عليهِ تسليمَ مَن ظفَرَ برجائهِ، وقرن هُوجَ هَجُوم جَذَلهِ برُخائه، وقلتُ لهُ: إلامَ معْ سَعَةِ سأوكَ، وشَرَف شِنْشنَةِ شأوك، وتطاولِ سِنِّكَ، وتضاؤل شَنِّكَ، تُظْمئُ وتعُلُّ، وتَسرِق وتَغُلُّ، وتَنْقُصُ وتَحيس، وتنقضُ وتخيسُ، وتزهدُ في نديك، وتُزعجُ أوابدَ بديِّكَ، وتَروضُ ضُبارماً وعامراً، وتخوضُ عامراً وغامراً، وتَلبِسُ أسماطكَ والأسمالَ، وتستأصِلُ الباكورةَ والأشمال، وتلتقمُ التقام الناهِش، وتتأوّد تأوّدَ النزيفِ الباهش وتجيء بالصُقْرِ والبُقْرِ، وتهزأ بالأسودِ والبَقرِ، فحينَ جُرحَ بحسام سام مَعْتَبتهِ، وعُقِرَ بعُقارِ قارِ مَعْيَبَتِهِ، نظرَ إليَّ نظر الأسدِ الباسلِ، وانهمرَ كالسيلِ الناسل، وزفَر زفرةَ المُعل، ونفثَ نفثةَ الأفعوانِ المُغِل، وقال لي: خَلَني من نِمْنَمَةِ فُصولكَ، وحلِّني بحلْي قَضْبِ فائض فُضُولِكَ، واذهب بداءَ غُلِّكَ واكفني غَلْغلَةَ غَلَلِ غِلّكَ، فلستَ لي بصاحبِ ظريفِِ، ولا باذلِ تالدِ ولا طريفٍ، وحيثُ لا تُعِينُ، ولا تسامح ولا تغِين، فأنتَ أولُ مَنْ مَنَّ ودَّهُ وجَبَّ، وكسرَ ساعدَ مساعدتهِ وخبَّ، فلا خيرَ في مساترتِك، وخساسةِ مُسايرتِكَ، ومعَ لَسْع سِفّ سَفائكَ، وطُولِ طِيَلِ شُقَّةِ شَقائكَ، لو مَنَحتني من تكملةِ إفصاحِكَ سطرينِ، لجعلتُ صِلَة هذهِ الموعظةِ بيننا شطرينِ، فالَ: فكأنه نَدِمَ على كَلامه، فطفق يداوي مواضع كلامهِ، فألقاهما إلي وسكع ونسأ بعيرَ عزمه وشكعَ، وقال لي: إلى كَم بالغرامة أغطِّيك، فتارة آخذ منك وتارةً أعطيكَ ثم إنَهُ جالَ جَولَ المقاطعةِ وحامَ، وأحجمَ عن خيول المخاتلةِ وخامَ فتظنيته أقتنصَ بحبائلِ الحِن، أو احتُنِك بأناملِ جحافلِ الجن.
المقامةُ الخامسةُ والأربعون الفرضيّة
حكَى القاسمُ بنُ جريال، قال: مُنيتُ حِينَ عَرَضَ عارضي، واعترضَ فِي عنَان المعارضةِ مُعارضي، بحُبِّ حِب حَوَى الحمرة والبياض، وملأ قَرِيَّ قُرى مقاطعتهِ والحياض، وكنتُ يومئذٍ ذا نُصرة خارجةٍ وحَسْرَةٍ والجةٍ، وعتبةٍ واهيةٍ، ومَعتَبَةٍ هاويةٍ، أتقلقلُ تقلقُلَ المغلوبِ، وأنشِدُ على هذا الأسلوبِ: الوافر:
نَقِي الخَدِّ ليسَ بهِ اجتماع
…
ولا بياض مَجْلسهِ الأنيقِ
يُسَعِّرُ مهجَتي مَرَحاً وسِحْراً
…
بحُمرةِ وَجْنةٍ شِبْهِ العَقيق
إذا رمْتُ الوصالَ يقولُ عَجِّلْ
…
بقَبْض داخلٍ قَبْلَ الطريقِ
فحينَ تحَسّيت مفاضَة الإيلام، من أنامل يدِ الملام، ومارستُ معْ عَدَم صِرام المَرام، خَيْلِ خَبْلِ عُرام الغَرام، وهَطَلَ سَفّاحُ عبرتي المستورُ، وبَطَلَ بَطَلُ صِيْتِ نُصْرتي المنصورُ، وأدخلني الخِدْنُ فيَنْ يمونُ، ورقَّ لي الخِلُّ الأمينُ والمأمونُ، تَضاءلتُ لذلكَ الاجِتزاءِ، ومَضِّ ضمِّ خَصْرِ الزَّهقةِ العجْزاءِ، تضاؤلَ ضرب الأجزاءِ في الأجزاءِ، فلَّما تضرَّرتُ بتضيقِ المَدارج، تضرُّر الأم مع الأخوينِ وأبِ الدارج، ركضتُ ضامرَ غيْرةِ القرونِ، وأمطتُ الدّرنَ عن صهوةِ الوطَرِ القَرونِ، وأبتعتُ مطية صبوراً على الإرانِ، لا تعلمُ ما مرارةُ العِرانِ، لا تَحِنُّ إلى حُوارٍ رضيع، ولا تئنّ لسرف فادح فظيعٍ تَردي على خبَبِ المِزاج، ولا تدرِي ما زعازعُ الإزعاج، شريتُها بدرهمينِ، وَتِخْذُتها عُدّةً ليوم البَينِ الخفيف:
تَلْعقَ الصبر في مَضيقي
…
وتَصْبِرُ أيامَ بؤسي وضيقي
فَهيَ محمودة على الرُحْبِ عندي
…
وهي مشكورة على التضييقِ
تبذلُ الجُهدَ كلّما جُبْتَ فَجّاً
…
بعدَ فَجٍّ من المكانِ السَّحيقِ
قال القاسمُ بنُ جريال: ثم أقبلتُ ارتقبُ رُفقةً تَحْدج للرِّحلةِ نِياقاً، لأجعل قربهُم لداءِ ذلكَ الدَّله دِرْياقاً، إلى أنْ فزتُ برفاقِ تفوقُ أَصحابَ الرَّقيم، على عددِ أسماءِ الخطِّ المستقيم، يتناضلون بسهام مَقتهم، ويمتطون حِقاقَ موافقتهم، يقصُرُ بمصاحبتِهم الطريقُ، وتَروقُ سحائبُ سرْوهم وتريقُ، فخفّ لخَطْفِ الأرقِ بارقي، وثَقُلَ بسحِّ سُحْبِ إحسانِهم عاتقي: الكامل:
فكأنّهم شُهبُ السَّماءِ ولفظُهم
…
دُرّ تساقَط من نُحورِ عَواتق
يمضونَ في الخَطْبِ الخطيرِ بهمة
…
أمضَى مِن العَضْبِ الخشيب الفاتق
قال: فلم نزلْ نساورُ عوابسَ البراري، ونحالِسُ حَنادسَ الليلِ الساري، ونَسْتنْتِجُ مواعيدَ الأملِ اليتربية، ونستنشقُ ريحَ رياحينِ الرياح اليثربيةِ، حتى حَلْلنَا طيبة الرسولِ بعدَ حطم المكناتِ والحسول، فقلتُ عندَ لِمّ جناني الجَريح، وضمِّ ضَريح ذلكَ الصَّريح: الطويل:
حِماكَ إلهي من ضَريح وُجِّدَدتْ
…
يَدُ المَجْد في ذاكَ الجَلال الممحد
ضريح عَلا هامَ الضّراح مُحَلهُ
…
شريفٍ منيف بالعَلاءِ مُعَمدِ
سأجعلُ قُربانِي إلى اللهِ حُبَّهُ
…
وحُبَّ بنيهِ الطّهرِ آلِ محمد
قالَ: وحينَ حَمِدْنَا محاسنَ الظّفَرِ، وكَسرْنا مِنساةَ سَموم السَّفرِ، جعلنا نجولُ لضَربِ ضروبِها، ونحومُ بمسلولِ الفصاحةِ ومقروبِها، إلى أنْ انتهى بنا آخرُ النّقَل، وقطعُ السُّهولةِ والنَقَلِ، إلى مدرسةٍ متدَفِّقة البَهاءِ، مُفْهَقةٍ بمقاولِ الفقهاءِ، قد اَرتفعَ نقْعُ مباحثتِهم، وطلعَ نفعُ طلْع مطارحتِهم، تُجاه مدرِّس مطلّس، ظاهرِ المناظرةِ، قملس، تسجدُ دروسُ الدرايةِ لدروسهِ، وتغربُ شُموسُ البلاغةِ لشَّموس شُموسهِ، فتأملْتُهُ بالنظرِ الصّفيِّ، تأملَ الصَّيرفيِّ، فإذا هو الدِّهانُ المتلوِّنُ، والسرحانُ المتفنِّن، والفَذ القيصريُّ، أبو نصرٍ المِصْريُّ، فأحجمتُ إلى أنْ شام سيوفَ درسهِ، وسردَ ما سدّدَ من ثمارِ جَرْسِهِ، ثم سلّمَتُ عليهِ، وجثَمْتُ بين يديهِ، وقلتُ لَهُ: جلَ مَنْ جَلَّلَكَ بجليلِ التّدريس، وخلّصُكَ من دراسةِ التدليس، وخصَّكَ بربْع البَراعةِ والمربَع، اختصاص الأترجِّ بالطبائع الأربع، ثم إنّهُ اَنطلقَ بي إلى طِرافهِ، مترنِّحاً بملاحةِ أطرافه، فبسطَ ساعِدَهْ وحَسّرَ، وأحضرَ ما كانَ عندَه تيسَّرَ، ولّما سكنَ مَوْرهُ، وظعنَ زَورهُ، ألبسني جُبّةَ أجادَها كفُّ إسكافِها، وكثرُ جوَابُ سؤالِ ميمِها وكافها، ثُمّ قال لي: يا بنَ جِريالٍ ما الذي سلكَكَ في سلوك المفاليسِ، وأدخلَكَ في خَللِ غَليس هذا التغليس، وقتلكَ بثقلِ هذهِ المِرْداةِ، ونقلك إلى مجالس الساداتِ، فقْفِنِي على خبر ابتداءِ ارتحالكَ، وخَفْضِ نَصبِ تَمييزِ حُسْن حالِكَ، قال: فأخبرتُهُ بما تمَّ، وما سفك من دَم الثروةِ ثَمَ، وعرّفتُهُ صورةَ النّزالِ، في وقيعةِ ذيّاكَ الغَزالِ، فجبذني متظارفاً، ونبذَني متلاطفاً، وقالَ لي: أراكَ هَويت الهُوِيَّ بعدَ الهَوِيِّ، وهوَيْتَ إلى الواوِ الساكنةِ قبلَ حرفِ التّرويِّ، وجررْتَ في المَخازي المُروطَ، وأولجْتَ في الدائرةِ المخروطَ، فأطعَم الله رهطَ لوط البلّوطَ وسقاهم من نهرِ قَلّوطَ، ثم قالَ لي: غِبَّ نَثْلِ جَعْبَتهِ، وطيب ظلِّ أثْلِ مداعبتِه، تالله لقد بِت أسعدَ أولادِ سام وسامٍ، وأطهرَ أولادِ حَام وَحام، فَوَمَنْ شرّف بكّةَ، وأخرسَ اللُسُنَ لكَ وبَكَّتَ، لقد حللْتَ بكِناسكَ، ونزلْت بمَنْ لم يُناسِكَ، ونزعتَ سرابيلَ باسِكَ، وخلعْتَ جلابيبَ التباسِكَ، فقلت لَهُ: الحمدُ للهِ الذي سلَّمني من المَدانس، وخلّصني من حِبالةِ المناحس، وقَلَسَ عَنِّي ثيابَ الثُّبورِ، وقمسَ قلبي في بحورِ الحُبورِ، ثم إنِّي أقمتُ في قَرائع دَارهِ، سابحاً في سحائبِ إدرارهِ، يُتحِفُني بالهدايا، ويزورني بالعَشايا والغَدايا، ويمنحُني السِمانَ والدِّقاقَ، ويشاركُني مشاركتَها في مصدرِ الفَعْلِ الرِقاقَ، حتى حُسِدْتُ لكثرةِ سوادي، واتّحادِ وسادهِ ووسادِي، وعُدْتُ بعدَ طولِ مصاحبتهِ، وتطاولِ مناوحتهِ، سنانَ غِرارهِ، وصِوانَ أسرارهِ، ونبالَ سَطوتهِ، وبِلالِ دَعوتهِ، وحَسّانَ ثنائه، وسلماَنَ فنائه، فبينما نحن ذاتَ يوم نخترفُ ثمُرَ المثابرة، ونحترفُ بأسواق تِجّارِ المجاورةِ، ونختلفَ إلى معاهدِ المنادلةِ، ونَجْتَلف وجوهَ جذالةِ المجادلة، إذ وقفَ بنا جماعةٌ يستفتونَ، وعلى تركةِ مَيْتٍ يتهافتونَ، فناولوهُ رقعةَ لا يفارقُ قَلْبَ مقلِّب حِبرِهَا حُبورٌ، فإذا فيها مزبور: الخفيف:
يا فقيهاً علا على الثقلين
…
وإماماً سَما بعِلْم لِذَين
نَبِّنا وأفصِحَنَّ عمَّا عَرانا
…
في مُصَابٍ أجْرَى عيونَ العين
مَيِّتٌ طُمَّ عن ثَلاثِ بَنَاتٍ
…
مُحصنَاتٍ مِنْ غيرِ رَيْبٍ ومَين
فَحَوَتْ إرثَها الكبيرةُ ثُمناً
…
غيرَ بَخْس مِنْ كُلِّ عَرْض وعين
وغدت أختها برُبْع صحيح
…
بعد ثمن وربعهِ مرتين
مثلما حازَتِ الصغيرةُ فاعلم
…
يا خَلياً مِنْ كُلِّ غشّ وشين
ثمَ ماتَتْ صُغْرى البناتِ بجَمْع
…
عَنْ نصابَيْنِ عَسْجدٍ ولُجين
فمَضَتْ أختُها التي حازتِ الثُمْنَ
…
بخمسى تُراثِها النقدين
وأغتدَتْ أختُها بباقيهِ قهراً
…
تُتْحِفُ النَقْصَ أختَها كرّتين