المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقامة الثالثة والأربعون الدمشقية - المقامات الزينية

[ابن الصيقل الجزري]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

- ‌المقامة الأولى البغدادية

- ‌المقامة الثانية الطوسية

- ‌المقامة الثالثة اللاذقية

- ‌المقامة الرابعة الشينية

- ‌المقامة الخامسة التوأمية

- ‌المقامة السادسة الحجازية

- ‌المقامة السابعة السنجارية

- ‌المقامة الثامنة الحلوانية

- ‌المقامة التاسعة العمادية الإربلية

- ‌المقامة العاشرة الشاخية

- ‌المقامة الحادية عشرة الرسعنية

- ‌المقامة الثانية عشرة البحرانية

- ‌المقامة الثالثة عشرة النيسابورية

- ‌المقامة الرابعة عشرة الزرندية

- ‌المقامة الخامسة عشرة الماردينية

- ‌المقامة السادسة عشرة الصادية الظفارية

- ‌المقامة السابعة عشرة المصرية

- ‌المقامةُ الثامنةَ عشرةَ الدّجليّة

- ‌المقامةُ التاسعةَ عشرةَ القُدْسيَّةُ

- ‌المقامةُ العِشرون العانيِّةُ

- ‌المقامة الحادية والعشرون الإعرابَيّةُ

- ‌المقامةُ الثانيةُ والعشرونَ الشّهر زوريَّة

- ‌المقامة الثالثة والعشرون المجدية الفارقية

- ‌المقامةُ الخامسةُ والعشرونَ الملطيَّةُ

- ‌المقامةُ السادسةُ والعشرون الشيرازّية الجيميّة

- ‌المقامةُ السابعة والعشرونَ الكوفيّةَ

- ‌المقامةُ الثامنةُ والعشرون النَّصيبيّة

- ‌المقامةُ التاسعةُ والعشرون الإسكندريَّة الخَيفاء

- ‌المقامة الثلاثون الآمديّة

- ‌المقامةُ الحاديةُ والثلاثون البصريّةُ

- ‌المقامةُ الثانيةُ والثلاثونَ الحمصيّة

- ‌المقامةُ الثالثةُ والثلاثونَ الواسطيَّةُ

- ‌المقامةُ الرابعةُ والثلاثونَ الحَمَويَّةُ

- ‌المقامةُ الخامسةُ والثلاثونَ السَّروجيّة

- ‌المقامةُ السادسةُ والثلاثون السَّمنانيَّة الطبيّةُ

- ‌المقامةُ السابعةُ والثلاثونَ البُزاعيّة

- ‌المقامةُ الثامنةُ والثلاثونُ المَوْصليَّةُ

- ‌الأولى

- ‌الثانية

- ‌الثالثة

- ‌الرابعة

- ‌الخامسة

- ‌السادسة

- ‌السابعة

- ‌المقامةُ التاسعةُ والثلاثونَ الرهاويّة

- ‌المقامة الأربعون الأهوازيّةُ

- ‌المقامةُ الحاديةُ والأربعونَ الحنفيّةُ الكِيشيّةُ

- ‌المقامةُ الثانيةُ والأربعونَ الصوفيّةُ الأرز نكانيّة

- ‌المقامة الثالثة والأربعون الدمشقية

- ‌المقامة الرابعة والأربعون التجنيسية القَزْوينية

- ‌المقامةُ الخامسةُ والأربعون الفرضيّة

- ‌المقامةُ السادسةُ والأربعونَ الحصكفيّةُ الرقطَاءُ

- ‌المقامةُ السابعةُ والأربعونَ الضَّبْطاء

- ‌المقامةُ الثامنةُ والأربعونَ الجماليةُ الجوينيّةُ

- ‌المقامةُ التاسعةُ والأربعونَ الجزيريّةُ

- ‌المقامة الخمسونَ اليَمنيَّة

- ‌الاعتذار

الفصل: ‌المقامة الثالثة والأربعون الدمشقية

النفاضةِ، وعرَّضَ بدُخولهِ في الريَاضةِ، ثم أقبلَ يُسمعُنا من لمحاتِ حقائقهِ، ما يُغنِي عَنْ نفحاتِ حدائقهِ، ويَنْشُرُ من لَطيفِ طرائقهِ، ما اَنطوَى عَنْ بهجةِ نُضَارِ النَّضَارةِ ورائقهِ، حتَّى اقتنصَ بمَخْلبِ بَراعتهِ حبّاتِ البصائرِ، وقَنَصَ عينَ عقولِنا بطوال عرائسه القَصائرِ، ونَقَصَ قطرُنَا عندَ سُحُوح سَحائبهِ، ورقَصَ حَبَبُ إفصاحهِ، على رؤوس كؤوس سبائبهِ، فشُغْلنا بذلكَ الشِّهادِ، عن مراجعةِ الجِهاد، واشتغلْنا بذلكَ الإروادِ، عن مُراودةِ الأورادِ ولمّا فَرّتْ جَحافلُ جهادِنا، وكرَّتْ كتائبُ رقادِنَا، انكفأَ كلٌّ إلى مرقدهِ، وقد شُدِهَ بأسودِ إرشاده ونقدهِ، فانطلقتُ بهِ إلى مَخْدَع شاغرٍ، وأنا بمدح فضائلهِ أفضلُ فاغر، فتهلَّلَ لمفارقتهِ، واستقبلَ قنابلَ قبلتهِ، وباتَ محتجباً عن الرِباطِ. لا تلجُ مقلتُهُ بينَ خلَلِ الرقدةِ والرباط، حتى أويْنا لطولِ قيامهِ، ورثينا لأفولُ منامِهِ، وأخذْنا نعجَبُ من بَدائع عاداتهِ، وعظمَ طلائع عبادته، ونقول: حينَ حسمَ حبالَ التهويم، وأعجزنا بوسيم ذلكَ التسويم، وأخرس الألسنَ بنثرِ نثرهِ النِظيم، يختصُّ برحمتهِ مَنْ يشاء واللهُ ذو الفضلِ العظيم، قالَ: وكنتُ لمّا ندَّد بمعانيهِ، وبرَّدَ بينَنا لطائفَ ما يعانيهِ، أَظُنُّ أنَّ أبا نصرِ جالبُ هذهِ الآياتِ، وناصبَ قَصَبِ هذهِ الراياتِ، وأنا فلا أتمَكّنُ من تدقيق النظر فيهِ، لَازدحام حِزَقِ معتفيهِ، فلمَّا استبَاحَ مِنْ حلائلِ سَحَرهِ ما استباحَ، وهَزَمَ معسكرَ الصباح المصباحَ، ألفيتُ مَعَ صَيِّب نَصْرِنا، صاحبَ نَصْرِنا أبا نَصرِنَا، فأقبلتُ إليهِ إقبال العِشْرِ الشاربِ، على طيب مَشَارع المَشاربِ، فقالَ لِي: أراكَ عدْلتَ عن مَبْيَع المُجْتدي، واَعتدلتَ عند اعوجاج المعتدي، فقلتُ له: كيف لا وسيبُ سيرتك أجتدِي، وبسَبَب سَنَنِكَ أقتدِي، ومن يهَدِي اللهُ فهو المهتدي فقالَ: الحمدُ للهِ الذي اطلعَ في خضراء عِفتِك: غمائم جابتِهِ، ورفع على جباهِ معرفتِك عمائمَ إجابتهِ، وندَبَك إلى طريقِ طاعتهِ، وضرَبَكَ في قالبِ أهْل إطاعتهِ، فطوبَى لِمَنْ أخلصَ في قِصاصهِ، وتذكّرَ يومَ قِصاصهِ وفَكّر في خَلاصهِ، لإتقانِ إخلاصهِ، ثم إنه شكَرَ ذلكَ القال، وشَهَرَ شَبا مشرفيِّ قيلهٍ وقال: الوافر:

لقد ضَل أمرؤ أمسَى عكوفاً

على رَاح الجَهالةِ والشموع

يبيتُ وطَرفُهُ سام طَموحٌ

إلى خَوْدِ المطامع والشّموع

ويُصبحُ قلبُهُ في حَصْرِ حِرْص

قَنيصَ نقيصَةٍ صِنوَ الوُلوع

ويمسي هَمهُ كَسْبَ المساوى

بسُوقِ فسوقِهِ السَّاهي الوَلوع

ويَبرقُ عقلُهُ منَ برقِ تَوْقٍ

إلى الرَّاووقِ مَمْقوت اللموع

ويْرفلُ تائهَاً في رِفْل ثَوْبٍ

يَثوبُ بذمِّهِ الدَّنَس اللَّموع

وتجْذِبُ لُبَّهُ بُرةُ الأماني

بكَفِّ رَجائهِ الوافي القُنُوع

فيا نُعْمَى لَهُ لو ظلَّ يَوماً

بظِلِّ قَنوطِهِ عَيْنَ القَنوع

قال الراوي: فازددتُ بأبياتهِ حماسةً ونُسكا، وقَنِعْتُ بما يكون للرَّمْقِ مُراقَة ومسكاً ولمّا أسنَّ إنسانُ ليلنا، ومَنَّ المَلَلُ سِنانَ مَيْلِنا، أحضرْنا ما تخلَّفَ مِنْ خِواننا، وأظهرْنَا لَهُ ما استتَر في صِواننا، فأخرجَ مَريساً مِن جِرابهِ، الذي اضطبنهَ وجرى بهِ، وقالَ لنا: مُذْ طلّقتُها كرهتُ بَنيهَا، وكلفت بتَرْكِ مواكليها، فقالوا لَهُ: فخوّلْنَا ممّا لديك، لتحلَّ البركةُ بحلولِ يديكَ، فقَدّمَ لنَا وعاء مريسهِ، ولَمْ ندر أنهُ شَابَ حلاوةَ مريسهِ، بمرِّ مرمريسهِ، وحين حصلَ بالمِعَدِ، وشَمَل كُلَّ العَددِ، إنصرعَ كلٌّ علَى مُصلاهُ، واَرتفعَ قَطَنُ فقارهِ وصلاهُ، فمالَ إلى كَسواتنا، وتركنا بانحسار سوءاتنا، ثمَّ انسابَ بالبابِ انسيابَ الذُّباب، فكنتُ أَوَلَ مَنْ غُمِط حقُهُ، وقَصِدَ مَحْقُهُ، وأطربَهُ فِلْقُهُ، وصَحبَهُ دِلْقُهُ.

‌المقامة الثالثة والأربعون الدمشقية

ص: 114

أخبر القاسمُ بن جريال، قالَ: جَنَحْتُ حينَ جُنوح النَّوائب، وسُحوح أَنُوح الركائبِ، ونُكوص شُصُوص المَصائبِ، وخُصُوص خلوصَ الرَّغائب، إلى مُحادثةِ الحبائبِ، ومُناوحةِ هذي السَّحائبِ، فألقيتُ مِنْسَأَةَ الارتحالاتِ، واتَّقيتُ أراقمَ الانتقالاتِ، وأقبلتُ أروضَ الذِّعبليّاتِ، وأتوسَّدُ الحشيّاتِ بالعَشيّاتِ، وأهزُّ أغصانَ المُصاهرةِ، وأبُزُّ لها أثوابَ المُثابرةِ، وأَمْرَحُ بحُلَلِ الأرْيحيَّةِ، بين حدائقِ الصالحيّةِ، يُساعدني مُساهرةُ القمرين، ومحاضرةُ الأحمرين، ومسامرةُ الأسمرين، فبينما أنا قافلٌ من مَغَارةِ الدَّم، رافلٌ بالخَدْين المُخدَّم، أترنَّحُ ترنُّحَ المِزْهَري، بالرِّيح العنبريِّ، على شاطئ السَّريِّ، بالطِّرْفِ العَبْهرى، إذْ لحظتُ بالطَّرفِ البَريِّ، فُرَيْخَ أبي نصرٍ المِصريَ، وهو يلتوي لغَيْثِ غَرَثِهِ، ويَرْعَوي لِعَيْث شعَثهِ، ويَنْضَوي لفَيْض قَضَفهِ، وينطوي لنَشْرِ شَظَفه، فاَلتفتَ إليَّ اَلتفاتَ العاتب، ورمقَني بحُسْن لَحْظهِ المُعاتبِ، وقال لي: شغلكَ عنِّي ببابِ البريد، طُلاوةُ دَثركَ الرَّبيد، وألهاك كثرةُ الثريد، عَنْ حفْظ ودنا الرَّثيد، وحجبَكَ عَدَمُ عَقْلك الرِشيدِ، عن إسعافِ الشَّادنِ الشَّريدِ، وأعجبكَ مكاثرةُ العَبيدِ، إنَّكَ لفي تِيه تيهِكَ البعيدِ، فقلتُ له: معاذَ اللهِ أنْ أَكفَّ وَكْفَ هذهِ الدِّيمةِ، أو أتناسىَ سَحَّ عهدِ العهودِ القديمةِ، ثمَّ إنِّي أحللتُهُ قَريعة قراري، وأجللتُهُ بتجديدِ وَكيرةِ داري، ونفحتُهُ بجبّةٍ وحظيّةٍ وعمامةٍ قاضويّةٍ، وأمرْتُ بإحضارِ الأَطعماتِ، والجِفانِ المُطعِمَاتٍ، وبقيتُ مدّةَ مُقامهِ لا أسألهُ عن نوازل الزمن واَنتقامه، إلى أن ذكر لي أن سببَ كسرِ ساعدهِ، اَنزعاجٌ حصلَ بينَهُ ووالدهِ، فقلتُ له: إنِّي لأرى المبادرةَ إلى الاصطلاح، عَيْنَ الصَّلاح، والمسابقةَ إلى سبيل هذا الفلاح، أولى من تقبيل فَم قُبح هذا القُلاح فالصوابُ أنْ تَنْصَبَّ إلى منْ يكْثِرُ خُبوُب خوابيْكَ، ويملأ جيوبَ جَوابيكَ وتَخْلَعَ شِعارَ تَغابيكَ، وَتخْفِضَ جَناحَ المذلَّةِ لأبيك ومتى خالفتَهُ وعصيت، وأسرَرْتَ عقوقَهُ وتعاصيتَ، قلَّ نيلُكَ، وكثُرَ مَيْلُكَ، وطالَ ويلك، وقصر ذيلك، فمِثلك منْ أكرمَ والدَه وبر، وأبحرَ إلى حِواءَ إحسانِه وأبر، قالَ: فجعلَ قُبَلَ عَروس وَصيَّتي قَبولاً، وفتحَ لَهُ مِنْ رِيْح حُسْن قَبولهِ صبَاً وقبولاً، قال القاسمُ بن جريالِ: وكنتُ أنشأتُ مدّةَ مَدِّ الطّوائلِ، وإدبارِ أَدبار الغَوائلِ، داراً دارتْ في فَلكِ الفِخارِ، وأدارتْ دِرَر تَسْنيم نَسيمها الزخَّار، وحَسَدَ فِردوسُها سَنَا سَعَدِها المكينِ، وسَجَدَ لآدم دُمَى أركانها ملائكةُ التمكين، بينما نحنُ ذات يوم نتتبَّع بدائعَ المُداعباتِ، ونتوقعُ ذخائرَ المخاطباتِ، إذْ دخلَ عليَّ وصيف، بكتابٍ ما رُفعَ لَهُ نَصيفٌ فكسرْتُ صِمامَهُ، وشكرتُ اهتمامَهُ، فإذا هو مِنْ أبيهِ، ذي الفَضْلِ النبيهِ تتضمَّن دُرَرَ ألفاظهِ المُجيدةٍ، تهنيئةً بنزولِ الدارِ الجديدةِ، لا يُعيبُ ذوائبَ عروسِها قَطَطٌ، ولا يَشُوبُ شمولَ شُمولِ إنشائها نُقَ، وهي: أطالَ اللهُ طِوالَ الطَّوْدِ الأَطولِ، والمالكِ الأكملِ، وأدام دُولَ آدهِ ووطَّدَهَا، وعدَّلَ دعامَ عُلوها وأسعدَها، وحرسَ سوامَ سُموِّها وسرمدهَا، وحسمَ حسودَ حولِها وأكدها، وألهمَ كحْلَ حِكمهِ كحْلَ سوداء، سِرِّهَا ومِرْوَدَها، وأمرَ عَددَها وعُددَها وأمرَّ كأسَ أعداءَ عَمْرِها وأوعدَهَا، وسدَّدَ أراء سَعْدِها ومَعْدَدِها، المملوكُ أصدَره حاملَ دُرِّ مِدَح لا ساحلَ لمدَدِ مَدِّهَا، ولا حاسمَ لحللِ حَدِّ حَمْدِها، ولا صارمَ لعرمرِم عِهادِ عهدِها، ولا طاسم لحَدَ دُورِ درورِ وُدِّها، ولا هادمَ لأسس سُؤْددٍ سَرْدِها، ومادحَ حِوَاءَ حُرِّرَ للعطاء والكَرَمِ، وأهِّلَ لصُعُود صعودِ السماحِ والهِمم، أمدَّهُ اللهُ مَدَد الدُّهورِ والأَعوام، وأحلَّه مَحَلَّ الصارِم الصَّمصام، لا الطّالحَ الكَهام: الكاملَ:

دارٍ سمَا سَعْدَ السُّعودِ سماؤها

وسُموُّها وسَلا اللَّعا حُسَّادُها

دامَ السرورُ مَعَ السعودِ وحَلِّها

وأسالَ سَحَّ سَدادِها إسعادُها

ص: 115