الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال القاسم بن جريال: فحين فاهَ بجليَّةِ حالهِ وتاهَ بسريّةِ مِحالهِ في محُالِه، أيقنت أنَّه المصري بلبلُ بُستانِ السرور، وقُنبلُ محراب دهاءِ الدهور، ولمّا علمتُ بقعودهِ، وقرِمْتُ إلى اختبار عُوده، صرتُ بينَ أقنانه لافتراع فرائدِ افتنانه، فألفيته بين مِزاح يَموجُ، وأقداح تَروجُ، وأغصانٍ تنوع، وحوْذان يضوع، وغِناء غريب، وغَنَاءِ رغيب، وكِباءٍ رطيب، وخِباءٍ وطيبٍ، فعِفت سربالَ التدلس، وعرفتُ ما ذكر في جرِّ جلبابِ التجسس، وندمتُ على تحلَّيتُه، وقدِمتُ إلى ما صنعتُهُ فلحيتُهُ وكرهتُ أن أكون بعدها قريباً رقيباً، أو اجعلَ عِرْض كلَ منْ وجدتُهُ بالأدبِ رحيباً حريبا.
المقامة الرابعة الشينية
روَى القاسمُ بن جريال، قال: ألفت إيّان نهابي، وإبّانَ طَراوة إهابي، وإجتلاءِ حَبابي، واختلاءِ أفانين لُبابي، مداومةَ السِّفار، ومنادمةَ الأسفار، وانتيابَ المخارم، واجتنابَ المحارم، وأنا - مع مناسمةِ السَّرْو الساكب، ومُكاسرةِ السأو الكاسب - ذو حَدِّ غير محدود، وخَد غير محدود، ما خالطَ مسكَ فوديَّ كافورُ يُهاب ولَا خامرَ مِسكَ جنبي فضول تعاب فلم أزل أضارع نعامى، وأجعل الخبب طعامي وأسير بالدو الدامي، وأصير النخب إدامي، إلى أن أدتنى شحوة الشحناء والقتنى مناسم العنس العنساء، إلى نواحي البصرة الرعناء، فألفيت حياً موسوماً بالسباء، محسوماً عن الاستباء، فأرخيت إليه زمام التقريب، وقد مالت الجونة للمغيب، وكنت خشيت شدة الاضطرام، وازدحام حام الظلام، لعلمي أن هذين إذا حما أشد من التشنج بعد الحمى، فلما دلفت إلى باحته، وكلفت بعظم مساحة ساحته، وجدته أعظم حي، وأنا كالميت في صورة حي، قد غادرتني أوجال السفرة الحجون كالعرجون، وأوحال الحزون كالمحزون، فوقفت محني القرى ألتمس المبيت وعقرى، فأقبل إلى ألطف عبقري، في أنعم عبقري، وقال لي: مرحباً بك من منادم، وصادم صر مصادم، هلم لنكرم مثواك، ونختم المسرة بمسراك، فعندنا أشرف فئة، وأكرم إبل مدفئة، وطعام مركوم، ومدام، وكوم، ومن المحاضرة الإنشاء، ومن المسامرة ما تشاء، قال: فاستويت بعد جلوة منته الحسناء، والاستصباح بسنا مسايرته والسناء، ومزايلة جوانح الوجناء، على روضة روضة إفضاله الغناء، فجعل يسير وعندي الخجل اليسير، وأنا خلفه أسير، ولفضل سعيه الأسير، وحين حللت بحوائه ورفعت بين العرب ألوية ثنائه أشار إلى كل مشارف، بإحضار شارف، وإلى كل قريع، بنحر نحر قريع، وإلى الرعابيب بقضب الرعابيب، وإلى الطهاة بالإنضاج، وإلى السقاة بالإزعاج، فلما قدمت القدور، وبادرت إلى المعازف البدور، وتقدمت الخمور، وجعلت العبدان عندها تمور، أمر بقدوم إخوانه إلى خوانه، وحضور خزانه لا حضار خزانه، فظلنا بين شدو ونشيد، وشاعر مشيد، وداعر نجيب، وذاعر مجيب، تجانبنا جنائب المجانبات، وتحاببنا حبائب المحاببات: الطويل:
وبتنا نشاوى من حديث كأنه
…
جنى النحل مقطوب بريح القرنفل
لطيف أو الراح المشوب بعنبر
…
يخامره طعما شهاد وفلفل
وملنا إلى الأضواء نرتع في الدجى
…
بروض سديف كالقطن المفتل
بكل صبيح مع فصيح كأنه
…
سحوح سحاب مسبل أي مسبل
تراه ربيعاً في المحول وموئلاً
…
مع الخوف حتى الدهر زاداً لمرمل
وكل قؤول للقريض مبرز
…
على كل نظام جميل مجمل
ترى عنده قس الفصاحة باقلاً
…
وشمساً كنبراس وليثاً كتتفل
كذا عنده أوس بن سعدى وحاتم
…
وأهل الأيادي مادر في التطول
شديد لدى شد الكماة مكرم
…
كريم المحيا منزل حيز منزل
يتيه على من تاه قدماً بقوله
…
قفا نبك من ذكرى وحبيب ومنزل
قال: فلما لاح مصباح الصباح، وفاح ريج رواح الصباح، طفقت أثني بلسان مقتي، وأنثنى لامتطاء ناقتي، بعد أن خزمتها، وشددت العيبة وحزمتها، ثم إني ركبتها، ومددت وضينها وركبتها فقال لي: لن تذهب ومن عرف المصيف، وشرف المضيف، وحمد محاسن اللين، أو تذهب شدة أحرف المد واللين، فأقبلت أتردد في إهمال الإمهال، تردد إن المخففة بين الأعمال والإهمال، وعند جنوح الترجيح، وسنوح قد الإقامة الرجيح، سرت سيرورة الإعجال، إلى تلك الحجال، وطرت طيرورة المعجال، لمجاورة الرجال، ولما آن وقت العشاء، وحان حين حلب البوازل والشاء، أقبل ذو عمامة قفداء، على مطية ربداء مرثومة المناسم، تسيل سيل السيل الراسم قد ملها النطيح مما تطيح، وبلها المسيح مما تسيح، وبيده اسمر كشف المحبوب، أدور من الماء المسكوب من فم الأنبوب، وقد أوثق لثامه حذر حروره، وأطلق زمامه لإسراع عيسجوره وأمامه غلام قد نزل عذاره وانخزل ذراره، على صافن سحوح محبوك الجوانح جموح، فلما ورد سوح السرادق، وتورد دلوح تهتانه الوادق، رفع يده وأطلع من وطاب الطرف زبده، وقال: يا رباب الرباب، وأرباب الأرباب وعوان الخطب الخطير، وأعوان العاني القطير أين أميركم؟ ومميدكم ونجيبكم ومجيبكم، ذو يتطول في اللهيم، ويعول على معاليه في العويم، قال الراوي: فأرسله القوم إلى صاحب خبائنا، ومجمع اختبائنا، فلما وقف برحابه، ووكف سحوح نحابه، وهمر قطقط قحابه، أبرز رجله من غرز ناقته، ووضعها على نمرقته ومضى في إظهار ساتره، وشور إليه بشناتره، وقال السيد السكوب، السند الكسوب، السابق النسيب، السابق الحسيب القسور، السفاح الأسور، السحاح الباسل، السني الناسل، السرى المداعس، الخميس المنافس النفيس المستأسد السديد المسعد السعيد، أسعد السلم سراء سيادته، وسرمد سراء سعادته، وأسبل سربال حماسته، وأرسل مرسلات حراسته، وسدل ستور مسرته، وسجل سيب انسكاب سورته، وسمل بسداد سيرته، وسمل إنسان حسدته، بمسبار حسن سريرته، أسح سول، وأسمح مسؤول، وأحمس حابس، وأشمس سائس وأشوس فارس، وأشرس ممارس، وأسد خيس، وأسد خريس، وحاسم رسيس وطاسم وطيس، وسمع فرسان، وسمع سلطان، وحسام مسحوت، وانسجام سبروت، وسرد لحاسد، ودرس لساحر، وسلامة مناسم، وأسامة محا، فسجلك سالم، ومساجلك مسالم، وميسورك مقسوم ومقسورك مسقوم، ومحسوسك محسود، وناموسك مسعود، وسير سماحك تسير، وسوى مسيل سحبك اليسير، وإحسان سؤددك يهيس وبستان سعودك يميس، وسيوبك تسح وتستماح، وأسلوبك أيسر محاسنه السماح، ومستنجد معسكرك مسن، أسهمه بوس وأسقمه عكوس وسامر السهى سهاده، وناسم السنا حساده، وسبت سبته إسعاده وسبت عساكر سعد سعاده، وبس حسه حسانه وحس سيفه حسانه، فسلم سواي بلباس السلب، وحسم سواي بالتباس النسب، وسلمت وسليلي، وفرسه ودرفسه سبيلي: الطويل:
فأمسيت رسماً ليس يسعد كسرتي
…
سوى سيبك السامي السنى المساعد
فسارع عسى يسمو بحسن وسيلتي
…
سناني وأنساني السفوح وساعدي
وآس نساء حاسرات بكسوة
…
لترسو وتسمو بالسناء وساعد