المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقامة التاسعة والأربعون الجزيرية - المقامات الزينية

[ابن الصيقل الجزري]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

- ‌المقامة الأولى البغدادية

- ‌المقامة الثانية الطوسية

- ‌المقامة الثالثة اللاذقية

- ‌المقامة الرابعة الشينية

- ‌المقامة الخامسة التوأمية

- ‌المقامة السادسة الحجازية

- ‌المقامة السابعة السنجارية

- ‌المقامة الثامنة الحلوانية

- ‌المقامة التاسعة العمادية الإربلية

- ‌المقامة العاشرة الشاخية

- ‌المقامة الحادية عشرة الرسعنية

- ‌المقامة الثانية عشرة البحرانية

- ‌المقامة الثالثة عشرة النيسابورية

- ‌المقامة الرابعة عشرة الزرندية

- ‌المقامة الخامسة عشرة الماردينية

- ‌المقامة السادسة عشرة الصادية الظفارية

- ‌المقامة السابعة عشرة المصرية

- ‌المقامةُ الثامنةَ عشرةَ الدّجليّة

- ‌المقامةُ التاسعةَ عشرةَ القُدْسيَّةُ

- ‌المقامةُ العِشرون العانيِّةُ

- ‌المقامة الحادية والعشرون الإعرابَيّةُ

- ‌المقامةُ الثانيةُ والعشرونَ الشّهر زوريَّة

- ‌المقامة الثالثة والعشرون المجدية الفارقية

- ‌المقامةُ الخامسةُ والعشرونَ الملطيَّةُ

- ‌المقامةُ السادسةُ والعشرون الشيرازّية الجيميّة

- ‌المقامةُ السابعة والعشرونَ الكوفيّةَ

- ‌المقامةُ الثامنةُ والعشرون النَّصيبيّة

- ‌المقامةُ التاسعةُ والعشرون الإسكندريَّة الخَيفاء

- ‌المقامة الثلاثون الآمديّة

- ‌المقامةُ الحاديةُ والثلاثون البصريّةُ

- ‌المقامةُ الثانيةُ والثلاثونَ الحمصيّة

- ‌المقامةُ الثالثةُ والثلاثونَ الواسطيَّةُ

- ‌المقامةُ الرابعةُ والثلاثونَ الحَمَويَّةُ

- ‌المقامةُ الخامسةُ والثلاثونَ السَّروجيّة

- ‌المقامةُ السادسةُ والثلاثون السَّمنانيَّة الطبيّةُ

- ‌المقامةُ السابعةُ والثلاثونَ البُزاعيّة

- ‌المقامةُ الثامنةُ والثلاثونُ المَوْصليَّةُ

- ‌الأولى

- ‌الثانية

- ‌الثالثة

- ‌الرابعة

- ‌الخامسة

- ‌السادسة

- ‌السابعة

- ‌المقامةُ التاسعةُ والثلاثونَ الرهاويّة

- ‌المقامة الأربعون الأهوازيّةُ

- ‌المقامةُ الحاديةُ والأربعونَ الحنفيّةُ الكِيشيّةُ

- ‌المقامةُ الثانيةُ والأربعونَ الصوفيّةُ الأرز نكانيّة

- ‌المقامة الثالثة والأربعون الدمشقية

- ‌المقامة الرابعة والأربعون التجنيسية القَزْوينية

- ‌المقامةُ الخامسةُ والأربعون الفرضيّة

- ‌المقامةُ السادسةُ والأربعونَ الحصكفيّةُ الرقطَاءُ

- ‌المقامةُ السابعةُ والأربعونَ الضَّبْطاء

- ‌المقامةُ الثامنةُ والأربعونَ الجماليةُ الجوينيّةُ

- ‌المقامةُ التاسعةُ والأربعونَ الجزيريّةُ

- ‌المقامة الخمسونَ اليَمنيَّة

- ‌الاعتذار

الفصل: ‌المقامة التاسعة والأربعون الجزيرية

قال الراوي: فانهمرَ غينُ عينِ الحكم وعبَرَ، واعتبرَ بمَنْ عبرَ واستعبرَ، ورَثى كلٌّ لحالِهما، ولم يشعُرْ أحد بمُحالهما، ثم إنَّه جَثَا جُثوة النّصَّار، وحثالهما حفنة من النّضَار، فخرصَتْ ذيّالكَ المعينَ، فكانَ سبعةَ أتساع تسعةٍ وسبعين، ثم إنّه غاص في لجَّةِ الحِزَقِ وحاص، وحاصَ عن مهيع المعاهدةِ واعتصاصَ، فحثَّني الحِرصُ على تعنيفه، وضَمِّ رفيق مرافقه إلى عنيفه، فامتطيتُ عَوْداً عَجمْتُ عودَ إقدامه، واستعجمتُ عن جوابِ مستامهِ، وأقبلتُ أتلوهُ كاليعفورِ المعفَّر، إلى أنْ آن اجتلاءُ الجونة في المُعَصْفَرِ، فألفيتُهُ عند عواءِ الوحوش، بخانٍ خالٍ منَ الحروش، خاو على العروش، فنزلتُ بالقلب الهالع، نزولَ الهوالع، وبرداءةِ الطالع عن أضالع الظالع، ثم بادرْتُ إلى تأنيبه، وذمّه على مَيْنهِ وتأويبه، وقلتُ لهُ: تَاللهِ لا أنتجعُ هتونَ اتّهابكَ، ولا أجتمعُ بعدها بكَ، أو يصيد السوذقَ ساقُ حرّ، ويُفيدُ الاختلاعُ برقبةِ مَنْ تحتَ حُرٍّ، ويوافق المهذب الوسيط ويُغَذِّي المركبَ البسيطُ، وتشرَبُ الوكنات بالمُغارف فقال لي: يا بنَ جريالٍ كيفَ يحظَى بحاجته، مَنْ لَمْ يفِدْ بإجابتهِ، أم كيف يظفَرُ بتجابته، مَنْ لم يَصِدْ بنجابتهِ، فأنَّى تطمعُ أنْ تكون في المغارم، كالمحلِّل الغانم لا الغارم، فدعْني مِنْ هذا السَّفَاءِ، وسِفِّ فَم فعلكَ الفأفاءِ، فإنِّي مختصٌّ معَ الكاعب اللفَّاء، بشطْرِ هذا اللفاءِ، اختصاص جوابِ الجَحدِ بملازمةِ الفاءِ، ثم إنَّه لبّق قلبي واستمالَ، وحبَّقَ خُلقانَه والشمالَ، ولَبَقَ قلبَهُ والمقالَ، وحَبَق بي مستهزئاً وقالَ: البسيط:

احذر فديتكَ أنْ تُلفى أخا طَمَع

يُلقيْكَ في طَبَع ناهيكَ من طبع

والبس مِنَ اليأس سِرْبا لا تُزانُ بهِ

فالعِزُّ في اليأس والإذلالُ في الطَّمَع

قال: فانثنيتُ عارياً منْ وبيلِ مننهِ، كاسياً من سرابيلِ سُنَنهِ، بعدَ أنْ فَرَرْتُ من عوالي نَكْر نُكْرهِ إذ عوى لي، فرارَ الصَّلَع من الدوالي، لعلمي أنَّ سِلْمَهُ مِنْ أنفعَ الدوالي.

‌المقامةُ التاسعةُ والأربعونَ الجزيريّةُ

ص: 131

حكَى القاسمُ بنُ جريال، قالَ: اجتويتُ جيرونَ عاماً لا عِلّةَ بهِ قَطّ، ولا جبذَ زِمامَ نوقِ مَنْ أحِبُّ بهِ الشَّحْط، وأنا في شَرْخ شَبَابٍ ما شابَه الوَخطُ، ولا خالطَ خطَّ عِذاري شَكْلُ البياض ولا النَّقْطُ، فخَرَجْتُ بقلبٍ منَ الجَوى وَجِل، ومَنسْم إلى الوَجىَ عَجِل، لا أتشوَّق إلى مرافق، ولا أتوقَّفُ على قَرقفِ موافقةِ موافق، فحينَ ظَهَرَتْ ثنيةُ العُقاب، وعَقَرَتْ بفَم الرِّحلَةِ ثنية الأعقابِ، أقبلتُ أتقلّدُ قلائدَ الدموع، وأتردَّدُ في ركوبِ رَكوبةِ الرجوع، ولم أزل أتذكّرُ نوائبَ السَّلفِ، وأتوقَّعُ توقيعَ ديوانِ وقائع التلَفِ، إلى أنْ شاهدْتُ المُناخ واتخْتُ الشَّدنيَّةَ مَعْ من أناخَ، فقُمْتُ حينَ رقَدَ التوقّدُ وباخَ، وتسنّمَتْ سُلامي النسيم السباخَ، لأصطفي صديقاً يُعادلني، أو أرتادَ رقيقاً لا يجادلني، فألقيتُ أبا نصر المصريَّ ينتجعُ شآبيب المعادلة، ويختلعُ رعابيبَ الخاتلةِ، فجنحتُ إليهِ جنوحَ مَنْ حظِيَ بربح نجائهِ، ووقَفَ مِنَ الأملِ على أرجائهِ، وأيقنتُ أنْ قَدْ فُزْتُ بلقائه، وإنْ كنتُ لأجِدُ ريحَ يوسفِ الحَذَرِ من تلقائه، فلمّا ألبسَني حُقل حِمْلاقِه، وألبستُ بَصَري قميصَ إملاقه، مالَ إلى مصافحتي، وأذكرَني أيام مناوحتي، ثم قالَ لي: إلامَ تركبُ التلاتلَ، وتصحبُ المخاتلَ، وتقلقُ المَقاتلَ، وتقلقلُ المُقاتلَ، فقلتُ لهُ: إلى أنْ ينشرَ مَيْتُ إفاقتي، وتُطوى من أجزاع الجزَع دروعُ فاقتي، ومعَ مفارقةِ منْ ضمَّهُ صيْرُكَ، وعمَّهُ عصيرُكَ، فإلى أينَ مصيرُكَ، وبأيّ البُقع يستجمُ قصيرُكَ، فقال لي: بلغَني ما تعطّرتْ بذكره الأكنافُ، وتشوَّفت بصنوفِ أوصافه الأصنافُ، وتشنَّفَتْ به الأسماعُ، وامتدَّتْ إلى طِيْبِ طيبهِ الأطماعُ، من وصفِ الجزيرةِ العمريّةِ، وأرجَ أخلاقِ قومها الشِمَّرية، وما حوَتْ منَ الصفاتِ، والأحكام المنصفاتِ، فحملَني الشوقُ الشديدُ الشامخُ، والتَّوْقُ المَشيدُ المتشامخُ، على أن اتضمَّخَ بصعيدِها، وأتشرَّفَ بوصيدها وصِيْدِها، علَّ أنْ أستخرجَ من عُباِبهم جمُانةً، أو أضَّمَ إلى سَفَطِ ما جَمَعْتُهُ مرجانةً، فقلتُ له: متى تخِذَتِ المجرّةُ للكرم جسورا واتَّخذَتِ الخُنسَُّ خوفَ الجلَل سُورا، وقَلّدَتِ الصفائحُ بالمِنَح نحوراً، وضمت الجزائرُ بحوراً وحوراً، فقال لي: سُبحان مَنْ سَلَب سَنا حِسِّكَ السليم، وألجأِ عوج حَدْسِكَ إلى العتابِ الأليم، وأحوجَ عَوَجَ نفسِكَ إلى ثقافة التعليم، ذلك تقديرُ العزيز العليم، ثم قال لي: هل لكَ في الموافقة إليها، وكثرةِ نثارِ هذه الأثنية عليها، لأنسيك مُرَّ انقطاع الرضاع، بحلاوةِ ارتضاع هذا الإيضاع، فقلتُ: من لي بأنْ أحمل ترابَ شراكِكَ، ولو نشِبتُ في شَطنِ إشراكِكَ، وأنسلكَ في علاط عيالكَ ولو رميتُ بسِلاطِ اغتيالك، ثمّ لَمْ نزل نَسري لسَرْوها الرائق بينَ الطرائقِ، ونقطعُ عُرَى العلائقِ، خوفَ العُذْرِ العائقِ، إلى أَنْ قبَّلَ فَمُ فِرسن الدرفسة سقلانَ وتقبَّل أرْيُ المرافقة ذلكً الجُلجلان، وحين ابتهجنا بمفارَقةَ اليَهماء، وولجْنا بابَ سورها السامي على السماءِ: البسيط:

ألفيُتها بَحْرةً بالبحرُِمحْدقَةً

كأنَّها دُرَّةٌ في لُجِّ مُنْهمر

أو جَوْنةً قُلِّدَتْ بالشهب لَبَّتُها

لتجتلا بالعُلى يوماً على قَمَر

ثم أخذنا بعدَ تحصيل الغَريفِ، ومدح دَوْحِها الورَيفِ، وحمد زيارةِ جودِّيها الشريفِ، نسبرُ مُرَسَ مراسِها، وشرفَ لِباس باسها، وعدم أدناس ناسِها، فلم نرَ إلاّ مَنْ يطيرُ بالقوادِم، لإسعافِ القادم، ويصافحُ بالعقلِ الثاقبِ، أناملَ الثواقبِ، ويُبرمُ قوى الأمراس، ليوم المِراس، ويُخمدُ أنفاسَ الخَرّاص، بالرُمح العرّاص، لا يلحقُون بحلبةِ محادثةٍ ولا يبرقونَ لحدوثِ حادثةَ محادثة، همهم إرغام المناخر، وإنعاشُ الرميم الناخر، وكسب المفاخر، وفتُّ فؤاد المفاخرِ، يُخْجِلُ نورُ إحكامَهَا القمرينِ، ويعدل عدِلُ حُكّامِها العُمرين، لا تنظرُ سوى أندية بالمناظرة موصوفةٍ، أو نمارِق حِكمٍ فوقَ قُرشُ المنافرةِ مصفوفةِ: البسيط:

كأنَّها جَنّةُ المأوَى وساكنُها

حُوْرٌ حَوَتْ حُسْنَ أحكام وإحكام

ص: 132

لا يخفِضُونَ نزيعاً حل رَبْعهُمُ

بل ينصبون بأنعام وإنعام

فيها الأذانُ وفيها للطِعانِ مَعاً

مذ يُعرفون بأعلام وإعلام

لا يسبقون إلى العلياءِ إذ سَبَقوا

كلَّ الأنام بأقدامٍ وإقدام

قالَ: فطفقتُ تدورُ لدينا فواكِهُ مفاكهاتِهم، وتسيرُ إلينا مناسمُ مناسماتِهم، ونحنُ نمرج في مروج افتنانِهم ونمرحُ، ونسرجُ عناجيجَ المَرَح، بلا حبِ إحسانِهم ونسرحُ، حتى صرنا مِنهم كاللازم من الملزوم، واتصلْنا بِهم اتصالَ الحازم بالحيزوم، وبينما نحنُ نشمخُ بشامخَ ذاك الحُدورِ، ونسمحُ بكاملِ بدورِتِيكَ الخدورِ، إذ عنَّ للخواطرِ، الطلوعُ بالعطر الماطر إلى الظواهر، بالقصفِ الظاهرِ، مشفوعاً بالقناني، والرحيق القاني، ولمّا بركتْ بنا أيانقُ القعودِ، وزمجرتْ علينا أسودُ الرعودِ، وأخذتِ السماءُ في الانتقابِ، وجعلت الشمسُ تنظرُ من خِلال النقاب، وسلّتْ سيوفُ السحبِ على مَدَرِها، فسالت أوديةٌ بقدرِها، أقبلتُ أفكِّرُ في الدرانكِ السُندسيّةِ، والطنافس السونيّةِ، ومدائنِ المنادمةِ مفتّحةَ الحصونِ، والطيرُ يشدو لرَقْص أعطافِ الغُصون، والغلائلُ تعبَثُ بها أيدي النسيمِ، والزهرُ قد عَمَّمِ رؤوسَ التسنيمِ، والبهارُ كالعاشقِ في انتظاره، والعبهر يبهر بلجينه ونضاره، والجسد فوق زلال مائه، كالعلم الراقي على ملائه، والسفنُ ترقُصُ على تصفيقِ الماءِ، رقص الغواني في إيقاع الغناءِ، والبقعةُ مع لُطفِ جَهْرِها والسِّوادِ، كالعروس المجلوةِ في السّوادِ: البسيط:

كأنّها مِزْهَرٌ في حِجْر غانيةٍ

موصوفةٍ بغناءِ طائل الطَرَب

أو غاده لَبسَتْ غِربيب حُلّتِها

من غير ما حَزنٍ منْها ولا حرَب

ص: 133

قالَ: فلمّا بلونا سبائكَ بَهارِها، وجَلَوْنا وجوهَ عرائس أزهارِها، تخيرنا وهدةً لزَفْنِ القيانِ، وروضةً لإدارةِ العقيانِ، تجاه جماعةٍ التحفوا بريطِ المطارحةِ، وأتزّروا بإزارِ المناوحةِ، يتدفَقُ حُلْو رحيق تحقيقهِم، ويترقرقُ برقُ جُلِّْ جَزلِهم ورقيقهم، ولما مارتْ أكوابُ مُسطارهم، وحَمِدوا سحائبَ أمطارهِم أحببنا استنشاقَ ألنجوجهم، واختبارَ نطقِ حَبرهم وعُلوجِهم، فقلنا لهم: هل لكم في ارتشاف شمطائنا، والانعطافِ لقطافِ زهرِ وطائنا، فقالوا لنا: تاللهِ لقد رقشتُم بأقلام أوفاضِنا، ورشقْتُم بسيِّ قِسيِّ وفاضنا، واعتقلتم رماح مستفاضنا، واعتلقتُم بقُوى أسبابِ أغراضنا، ثم إنَهم نهضوا من حالهم مرتاحين بحلاوةِ ارتحالِهم، فذكرَ كلّ حديثِ قديماً، وقبل كلّ نديم نديماً، وحل حَلَلنا محلَّ شِقهم وأقبَلنا عَلى نقلِ نُقْلهِم وزقِّهم، ملنا إلى شيِّ الكبابِ، وغيِّ الحَبابِ، ونشر الحِبابِ، وطَيِّ الضِّباب، حتى نصفنا المدامةَ، وعَرَفنا باقلَ القوم من قدامةَ، ولما ثارتْ زَعازعُ نزاعِهمِ، وأثارَتْ هُوج المناظرةِ خرائدَ اختراعِهم، تململ منْ بينهم أتيّ، ظاهرُ الفصاحةِ فتي، وقالَ: يمين اللهِ لقد غُلّتْ يدُ البلاغةِ بعد النواخر واعتلّت أجسامُ المفاخرةِ بين الأواخر، وعادتِ الدرَرُ إلى أصدافهاِ وزاحمَتِ البهائمُ الدُولَ بأَكتافِها، حتَّى لم نَرَ مَنْ يفوهُ بألوكة غريبِةِ، أو يَتِيهُ بوشي صناعةٍ غربيبة، قالَ: فلمّا طافت علينا سُقاة قاله، وتجافتْ جنوبنا عن مضاجع صِقالهِ، وذَوَتْ بُستانُ مسرّتنا الخضراءِ، وانزوِت أرجاءُ أرض نضرتِنا الغضراءِ، أقدم أبو نصر للحديثِ المسحَنفِر، كالغيثِ المثعنَجِر، وقال لَهُ: يا ذا المقْوَلِ الضَاربِ، والمخضَل المُضَاربِ، هلاّ ردعْتَ طلائعَ بدعِك وقد وقدعت بعيضَ عارض سَرعك، لئلا تسير بمنعكَ، سيرَ واخد، وتسوق الورى بقطيع واحدٍ أو ما علمتَ أنَّ بحضرتك، وحوزةِ محاضرتكَ، مَنْ تُزَفُّ عليه أبكارُ البدائع، وتَزِفّ إليهِ حمولةُ حسنِ الثناءِ الذائع، وتمنحهُ الفِكرُ بحسانِها، وتنقادُ لَهُ الزُّبَدُ بأرسانِها، إن قامَ لمعنىً بهرَ، أو أقامَ بمغنىً اشتهر، وأن تلفّظَ بقريضِه، فضحَ الأفاضلَ بإغريضهِ، أو ترنَّمَ باختراعهِ، بلبل البلابلَ بأسجاعهِ، ثم إنّه أدار نظرَهُ عليَّ، وغمزَ بحاجبهِ إليَّ، وقالَ: ها هو بازائكم، والمُجالسُ على مُزّائِكمَ فإن شئتُم أن تبصُروا لؤلؤَ فِصاحهِ، فسارعوا إلى معرفةِ إفصاحهِ أو تَخبروا قِرواحَ قِراحهِ، فبادروا إلى حلِّ حقيبةِ اقتراحهِ، قال القاسمُ بنُ جريالٍ: فأقبلتُ عليهِ، وأقتلتُ مِمَا أشارَ إليهِ، وقلتُ لهم: قَسَماً بمَنْ حَرَم الحَظ المنيحَ، وحرَّمَ على الشحيح المديحَ، إنّهُ لمدرج هذهِ الجبوبِ، ومخرجُ هِتِهِ الريح الجَنوبِ، ومستخرجُ نُقودِ النُخبَ مِنْ هذي الجُيوبِ، الذي أدهشَ بنفائس حوبائهِ، واحتوشَ الحِكمَ إلى حَرمَ حِوائهِ، وترك كلاً يصبو إلى وشائه ويحشو بعرَ شائه بإنشائه، وأننِّي لدى تبره الخالص، وبحرهِ الغائص، كالدرهم الردي، والدرِع النّدي، وأنّهُ مِمَّن يقتلُ، ولا يدِي، ويصيدُ الأفاعي على يدي، فإيّاكَ وأن تصطلي بنارهِ، أو تبتلى غَواربَ تيّارهِ، فإنّه إنْ شَربَ شَربِ خابيةً، وإنما أخذ أخذ أخذةً رابيةً، فقال لَهُم: أرى كلاً شاهداً لرفيقهِ، قاصراً عن صعودِ عَقَبةِ فِيقه، عاجزاً عن مدِّ شعر أفيقهِ، قال: فزجرَهُ القومُ على مسيلِ ثقاله، وفكِّ عقالهِ في مقالهِ، وقالوا له: أنت يا هذا قدمْتَ بالأمس، بعد مفارقةِ الخْمس، ولم تعرف الضبارمة من النمْس، فكيفَ تَحاربُ العقاربُ السودَ، ويضارع السَّيد المسودَ فأخضعْ لفيضَ فضيلهما، ولا تمتر في إصابةِ نَبْلِ نَيْلِ نُيلهَما، قال: فأنه اكتأبَ لفَرَطاته، فعطفِ ليتَه إلى قَطاتهِ، وجعل يفكرُ في وَرطاته، بعد أنْ عظُمَ عليهِ وشقَّ، وقدَّ قميصَ يوسفِ سرورهِ فانشقّ فلمّا عرَفَ أبو نصر ضيقَ صَدرهِ، وطلوعَ غمائم غَمْغَمَةِ فِكرهِ، أخذَ في تغميزِ قَدَمه، وتمزيقِ زيقِ ندمهِ، وقالَ لهُ: أدنُ بحياتِكَ إليَّ، واقترحُ بما تحبُّه عليَّ، لئلا يعُمَّ صفوَ صحونا نَغَصٌ ولا يَضُمَّ شحرور انشراح قلبِنَا قَفَصٌ، ولتعلم أنَّ كل فصيح إلى وصيدِ إفصاحي يَصيرُ، وكلَّ بليغ تحتَ ألويةِ جيوش بإنشائي يسيرُ، فقال له:

ص: 134

أحبُّ أن تَبْتَدِعَ رسالةً تثقِّف مَيْلَ ظنِّ كُلِّ مائلٍ، وتُمزّقَ لسان لسانِ كلِّ قائِلِ، يكون آخرُ حرف من اللفظةِ الماضيةِ، كأولِ حرف من اللفظة التالية، لا يشوب شرابها لمعُ سراب، ولا يصوب بصوابِها إنصاب صاب معربة عن أشواق صادحة، وأتواق فادحة، وأشجان طافحة، وأحزان لافحة فقال: حباً لأمرك الكريم وحرم أربك المنزه الحريم، ثم إنه وقف قيس تعريس أو حلب ثعل عنتريس وقال له: أكتب: جدد دوام مجلس سيدنا العالم. ملك كرماء الزمان. نافع علماء الأوان. ناقد درَر رواءِ البيان نظام مَجرة هالة هذا البرهان ناسف فناء السفاء، الواسع عداء العَطاءِ السماء الخنذيذ ذا الرداء الجذيذ. ذو وجب بحضرته هناءْ النمو. وانسكب بها امتداد دأماء الدنوِّ وهطل لنا أنواء أحياء الحنوَ، وعرب بطلوع عز زهوهِا اعتداء العدُو. وأغرب بمدحِها ألسن نماء السموُ، ولالاهَ هَم معادِ دعَيِ، يانعٍِ عرواء أعضاءِ البطش شقي، يرفضُ ضياء بإحسانها المحذو ويكفر رَفَدَ دوم مدد دَرُها المرجو. والخادمْ مملوك كرمِها أصدَرَ رسالته هذه هادمة هُوةَ هفوتهِ. هاتمة هامة هامة هِزلاع عثرتهِ. هارب بخطا الخطاء إليك كاسر رديني يدداء الزَلل لديكَ: الطويل: بُّ أن تَبْتَدِعَ رسالةً تثقِّف مَيْلَ ظنِّ كُلِّ مائلٍ، وتُمزّقَ لسان لسانِ كلِّ قائِلِ، يكون آخرُ حرف من اللفظةِ الماضيةِ، كأولِ حرف من اللفظة التالية، لا يشوب شرابها لمعُ سراب، ولا يصوب بصوابِها إنصاب صاب معربة عن أشواق صادحة، وأتواق فادحة، وأشجان طافحة، وأحزان لافحة فقال: حباً لأمرك الكريم وحرم أربك المنزه الحريم، ثم إنه وقف قيس تعريس أو حلب ثعل عنتريس وقال له: أكتب: جدد دوام مجلس سيدنا العالم. ملك كرماء الزمان. نافع علماء الأوان. ناقد درَر رواءِ البيان نظام مَجرة هالة هذا البرهان ناسف فناء السفاء، الواسع عداء العَطاءِ السماء الخنذيذ ذا الرداء الجذيذ. ذو وجب بحضرته هناءْ النمو. وانسكب بها امتداد دأماء الدنوِّ وهطل لنا أنواء أحياء الحنوَ، وعرب بطلوع عز زهوهِا اعتداء العدُو. وأغرب بمدحِها ألسن نماء السموُ، ولالاهَ هَم معادِ دعَيِ، يانعٍِ عرواء أعضاءِ البطش شقي، يرفضُ ضياء بإحسانها المحذو ويكفر رَفَدَ دوم مدد دَرُها المرجو. والخادمْ مملوك كرمِها أصدَرَ رسالته هذه هادمة هُوةَ هفوتهِ. هاتمة هامة هامة هِزلاع عثرتهِ. هارب بخطا الخطاء إليك كاسر رديني يدداء الزَلل لديكَ: الطويل:

كئيب به هم مقيم مقلقل

له هدة هالت تلاتلها البشر

رسا أسها أيام مارس سمها

أخو وله هاو وحقك كالأثر

رهبانية هفواته هامية. هِزة همهمة همومه هائلة. هدد دلالك كلام مغناه هَزه هوان نهنهه هِجاء الصلف فما أغناه. هبر رئته هلال لواء الاغتراف فأضحى يرقب ببصيرة هدايته هلالاً لألأ لأواء الاعتراف: الطويل:

فها أنا أرجو وسع عَفوك كلما

أسا الحلم ما أهفو وصفحكَ كافل

ليجمعنا إلٌ له همة هَمَت

تلألأ، لا لاغ غلامك كامل

لو واصلني يوسفْ فتاءِ العِلاء، لأتيتْ تائباً ألتمس سناء العْلو والعفو. وأضرب بهذا اللقاء أقفاء الهفو والسهو والسلام: قال الراوي: فحين زَفَ عرائسَ الإرادة. وحفَ وحفْ أفنان، الإفادة، وضم تليل الشرفِ إلى دسيعه، ومَنَ بدرياق الملاطفةِ على لسيعهِ. وعلمَ من لفظ ماذي فضله المذاب. إشارته إلى تساوي الرؤوس والأذناب. أفعم وعاء علمه ثناء. وسماءُ سنى مسرته سناءَ. وثبتَ ثَبتْ براعته لديهم، وعكفت راح راح عبارته عليهم، ولما آن حِينُ الذهابِ، وحانَ حلولُ الفاحم الإهابِ، رفلَ في رداءِ ظرْفهِ واستدعاني بكفِّ كَفِّ طَرْفهِ، وقالَ: اعلم أنَّني عازمٌ تَرْكَ هذا الملحوب، وفَرْك سَراة شَرَاةِ سُرحوبِ هذا الحُوبِ، بعدَ أنْ أقلبَ له العَنْبرَ، وأقصدَ بَلْعَنْبَر، لأمر عَناني فإنْ كنتَ تُحِبُّ محالفتي وترومُ، فأنا مِمَّنْ يضمُّ شَمْلَهُ الرُّومُ، ثم إنَّهُ اَنخرطَ بسناسنه العُوج، بينَ المروج، انخراطَ البهلولْ والأرقط الزّهلولِ، وخلّفني ألاّ أذُمَّ ألفَهُ، وخلَّفني خَلْفَه، كفصيلٍ فارقَ خِلْفَهُ، فكنتُ كَمَنْ أودَعَ قلبَهُ السِهام وخِلبهُ السُهامَ، وأسبلَ ثجَّاجَ دمعه والرِّهَامَ، وخَرَجَ مِنَ الجنَّةِ وهَامَ.

ص: 135