المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقامة الخامسة والثلاثون السروجية - المقامات الزينية

[ابن الصيقل الجزري]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

- ‌المقامة الأولى البغدادية

- ‌المقامة الثانية الطوسية

- ‌المقامة الثالثة اللاذقية

- ‌المقامة الرابعة الشينية

- ‌المقامة الخامسة التوأمية

- ‌المقامة السادسة الحجازية

- ‌المقامة السابعة السنجارية

- ‌المقامة الثامنة الحلوانية

- ‌المقامة التاسعة العمادية الإربلية

- ‌المقامة العاشرة الشاخية

- ‌المقامة الحادية عشرة الرسعنية

- ‌المقامة الثانية عشرة البحرانية

- ‌المقامة الثالثة عشرة النيسابورية

- ‌المقامة الرابعة عشرة الزرندية

- ‌المقامة الخامسة عشرة الماردينية

- ‌المقامة السادسة عشرة الصادية الظفارية

- ‌المقامة السابعة عشرة المصرية

- ‌المقامةُ الثامنةَ عشرةَ الدّجليّة

- ‌المقامةُ التاسعةَ عشرةَ القُدْسيَّةُ

- ‌المقامةُ العِشرون العانيِّةُ

- ‌المقامة الحادية والعشرون الإعرابَيّةُ

- ‌المقامةُ الثانيةُ والعشرونَ الشّهر زوريَّة

- ‌المقامة الثالثة والعشرون المجدية الفارقية

- ‌المقامةُ الخامسةُ والعشرونَ الملطيَّةُ

- ‌المقامةُ السادسةُ والعشرون الشيرازّية الجيميّة

- ‌المقامةُ السابعة والعشرونَ الكوفيّةَ

- ‌المقامةُ الثامنةُ والعشرون النَّصيبيّة

- ‌المقامةُ التاسعةُ والعشرون الإسكندريَّة الخَيفاء

- ‌المقامة الثلاثون الآمديّة

- ‌المقامةُ الحاديةُ والثلاثون البصريّةُ

- ‌المقامةُ الثانيةُ والثلاثونَ الحمصيّة

- ‌المقامةُ الثالثةُ والثلاثونَ الواسطيَّةُ

- ‌المقامةُ الرابعةُ والثلاثونَ الحَمَويَّةُ

- ‌المقامةُ الخامسةُ والثلاثونَ السَّروجيّة

- ‌المقامةُ السادسةُ والثلاثون السَّمنانيَّة الطبيّةُ

- ‌المقامةُ السابعةُ والثلاثونَ البُزاعيّة

- ‌المقامةُ الثامنةُ والثلاثونُ المَوْصليَّةُ

- ‌الأولى

- ‌الثانية

- ‌الثالثة

- ‌الرابعة

- ‌الخامسة

- ‌السادسة

- ‌السابعة

- ‌المقامةُ التاسعةُ والثلاثونَ الرهاويّة

- ‌المقامة الأربعون الأهوازيّةُ

- ‌المقامةُ الحاديةُ والأربعونَ الحنفيّةُ الكِيشيّةُ

- ‌المقامةُ الثانيةُ والأربعونَ الصوفيّةُ الأرز نكانيّة

- ‌المقامة الثالثة والأربعون الدمشقية

- ‌المقامة الرابعة والأربعون التجنيسية القَزْوينية

- ‌المقامةُ الخامسةُ والأربعون الفرضيّة

- ‌المقامةُ السادسةُ والأربعونَ الحصكفيّةُ الرقطَاءُ

- ‌المقامةُ السابعةُ والأربعونَ الضَّبْطاء

- ‌المقامةُ الثامنةُ والأربعونَ الجماليةُ الجوينيّةُ

- ‌المقامةُ التاسعةُ والأربعونَ الجزيريّةُ

- ‌المقامة الخمسونَ اليَمنيَّة

- ‌الاعتذار

الفصل: ‌المقامة الخامسة والثلاثون السروجية

جَلَّ الذي هزَّ القوامَ وأرهفَ

الطرفَ الكحيلَ إذا الحواجب قوسا

فاقَ الصِّباحَ لما الصَّباحُ بنُورهِ

فاق المساءَ أخا المساءةِ إذ عسا

فجعلتُ أسكبُ وَسْميَّ المدامع، وأرسبُ في سَيْل سَحابِ الجَفنِ الدامع، وقلت لَهُ: أتحفتني بجَلْوةِ عروسِكَ رَسيسا، وسلبْتَ مني بالنَّفيس نَسيسا فأقرِن بَقرنِ ما قدّمتَهُ تخميسا، وإنْ عادَ وًجْدي بالخَميس خميسا فقالَ: الكامل.

يا مَنْ تجزَعَ بالكآبةِ أكؤوسَا

سَلِّ الفؤادَ مع التّباعُدٍ بالأسى

يا مَنْ تحمَّل في الصبابة أبؤسا

ما بالُ قلبِكَ في الغَوايةِ غلسا

يا مَنْ تعلّلَ بالوصالِ وأبلسا

فَوِّضْ أمورّكَ للقضاءَ وسلِّما

وانصِبْ إلى رُتَب المعالي سُلّما

وَدَع الرجاءَ فما يفيدُكَ مَغْنَما

رفه فؤادك ما استطعتَ فإنَما

قَلبُ الذي يَحْكي الغزالةَ قدْ قسا

متًع جفونكَ إن قَدَرْتَ على الكَرى

يا غاغلا سلبَ الفؤادَ وما دَرَى

لا تعتبن على الزمانِ وما جرى

واصبر ونفس مِن هُمومِكَ ما نرى

فعسى يرِقُّ فؤاده القاسي عَسَى

يا باكيَاً تسقي المآقي خَدَّهُ

رِفقاً بقلبك كي يفيقَ وصُدهُ

يا هائمَاً يشكو الحَبيبَ وصَدَّهُ

لا تطمعن فليسَ يبلغُ قَصدَهُ

رجلٌ يبيتُ مِنَ الدراهم مُفلسا

قالَ:. فَلَمْ تَزَل جيوشُ الوَجَلِ تجولُ، وليوثُ لَوثهِ الراحةِ تحولُ، حتّى كدت أكسِرُ بحَرِّ ماءَ الصُّراخ، سورةَ بحْرِ جَمِّ التَجلّد النُّقاخ، وما رأى أنْ قَدْ نشب شص الشجن واعتاصَ، وتحقق أنَّ الإخلاصَ مِنْ حِبالةِ الحَزَن ولا مناص، سترَ سره والعَلَنَ، وَعادل الظَّعَنَ وظَعَنَ، بَعْدَ أنْ تمنى لي الوَسَنَ، وأَجررتُهُ الرَّسن، وشكرتُ إحسانَهُ الحسنَ البَسن.

‌المقامةُ الخامسةُ والثلاثونَ السَّروجيّة

ص: 89

أخبر القاسمُ بنُ جريال، قالَ: سكنتُ سَروجَ أحيانَ ممازجةِ الرِّحابِ، ومجالسةِ الأنجاب، ومُجانبةِ المِنجاب، ومشاهدة الشادنِ المُجاب، فباشرتُها مباشرةَ البَشيرِ، وعاشرتهَا معاشرةَ العشيرِ المَستشيرِ، وكنتُ يومئذٍ لَهِجاً بحبِّ المُدْلَجِيّات، مبتهجاً بامتطاء الأعوجياتِ، أشتريها ولا أماكسُ، وأبالغ في أثمانِها وأنافس، فتواصينا ذات يوم للسِّباقِ، على متونِ العِتاقِ، فخرَجنا مصحوبينَ بالسَّبَقِ، على عدد حروفِ النَّسَق، فنشِطْنا نشاطَ مَنْ شارفَ الشَّبقَ، وشرطنَا السبقَ لمَن سَبَقَ، ولمّا قُمنا بعدَ قِصَرِ الحِينِ، ورُمنَا المسابقةَ بينَ السَّراحينِ، أقبلَ ذو سابح نَحيفٍ، جانح من الوَصَبِ ضعيفٍ، يسحبُ أرساغهُ لكلالهِ، ويخضِبُ عُرقوبَهُ من صككِ هُزالهِ، يبينُ عاتقُ شِمالهِ، من تَحتِ عنقِ أسمالهِ، ويَلوحُ بياضُ ثغامتِهِ، من بَيْن أدوارِ عمامتهِ، فحينَ وَصَلَ إلينا، وبزغَ قمرُ قُربهِ علينَا، قالَ أسعدَ اللهُ العِصابةَ السَّروجيَّةَ، وجدَّدَ أيامَ إنعامَها اليلنجوجِيَّةَ، فقُلْنا لهُ: حُيِّيْتَ يا ذا اللسانِ الطليقِ، واللِّثام الوَثيقِ، ثم شرعَ معهُ بعضُ الجماعةِ، في نوع من الخَلاعةِ، وقالَ لهُ: هَلْ لكَ يا ذا الشارةِ، في أنْ تسابقَ على هذهِ الفارةِ، فقال له: أنَّى أسابقُ بما لو سابقَ الدَّبا لدَبا، أو أزدفرَ زبالَ الكَبا لكبا، شازباً لو انتُدِبَ لسباقَ الصَّبا لصَبا، أو أمِرَ بمصادمةِ الرُّبا لربَا، لكن أسابقُ على رَبوةِ يفاع، بصَهوةِ صافِن صِفاع، لو خامر عُبابَ القَفا لقفا، أو جاورَ كدرَ أصحاب الصفا لصَفَا، فَمَنْ شاءَ فليبرُزْ لابِسَ لامةٍ، ومَنْ شاء فلينصرِفْ عنِّي لا بسلامةٍ، قالَ: فلّما تألقَ قمرُ فَلَكِ فُكاهتِهِ، وتعلَّق بنانُ مُداعبتنا بأَهدابِ مُفاكهته، قلنا تالله لنُرْجيَنَّ السِّباقَ، ولنرخيُنَّ لهذا الشيخ الشباقَ، فإنَّ ساعات الدُعابة بعده تموتُ، وطيبَ أوقات المسابقة متجدِّدةٌ لا تفوتُ، فتجرّدوا عن السَّوابح، وإنْ كان في خلاعتهِ عينَ الرابح، فنزلَ كلٌّ عن صَاهلهِ، وجذبَ بجلابيبِ كاهلهِ، رغبةً في عذوبةِ تأهِلهِ، وودودِ حَلاوةِ مناهلهِ، فحينَ عاين ميلنا إليه، وعَلِمَ ما نجد من المَسرَّةِ لديهِ، ألقَى رداءهُ على منكبيهِ، ثم نكصَ على عَقبيهِ، فاَعتلَقَ كل بعنانه، ومنعناهُ عن استيفاءِ مَيدانه، وقلنا لهُ: قسماً بمَنْ سخَّرَ الإعصارَ، وخفف بأيد أيدي نصرهِ الآصار، لا نفارقُك ولو لغايةِ عامِنا، أو ترتعَ في رياض طعامنا، فلمَّا سمِعَ كلامنا، وحمِدَ إلمامَنا، قال إلينا واَنضَوى، بعدَ أنْ نوى ذلكَ الهوى وهوى، فجَعَلَ كلّ مِنَّا يَجْذبُهُ إليهِ، ويتوّكأ لاستخراج نُخَبهِ عليهِ، فحينَ شاهدَ قشوفَنَا لكَشفِ أهلّةِ هالاتهِ، وتأففنَا لقلّةِ قلّةِ مُبالاتهِ، وتأثفنا حولَ مَلة ملة عُزّى لَعبهِ وَلاتهِ، قال: إنْ شِئْتُم قعدتُ بالقرعة، وإن أحببتُمْ ربضتُ بازاءِ هذا القَرعةِ، وأَومأ إليَّ، وضحِكَ ضَحِكَ المفتضِح عليَّ، وقالَ: أأقعدُ بجنْبِ هذا المولى الفاخرِ، السيّد الأجَلِ الحُرِّ المفاخرِ، فَقُهقَتُ إلى أن فحصتُ بأخمصَي، وسقطَتْ مهابةُ تقمصي، وقلتُ لهم: أتدرونَ إذْ لطَّفَ المقالَ ماذا قالَ، فقالوا: ما الذي قالَ، ألهمَهُ اللهُ القِيلَ والقالَ، وقلّدَهُ النِّقالَ، وحمَّلَهُ السحابَ الثقال، وألبَسُهُ مِنَ المَنحَسَةِ إزاراً، وجعلَ عنفقتَهُ لقَلْبِ قلبِ أخي موسى مزاراً، فقلت: قالَ اقعدُ إلى جَنبِ هَذا العبدِ الفاجرِ، التيس الكلبِ الحيةِ المفاجرِ، فلصقوا به لصوقَ العَنونةِ باللِّصاقِ، وصافحوا بينَ يدِ وجههِ وأناملِ البُصاق، ثم التفتَ إليهِ مَنْ عَنْ يميني، ومَنْ في حَلْبةِ المُلَح يَليني، وقالَ لهُ: مِن أي الأمكنةِ الشَّيَيخُ، القَذِرُ الضُّحكَةُ الوُسَيْخُ، فقالَ لَهُ: أنا مِنْ بُقْعَةٍ تَرْقُصُ بِهَا غانياتُ نَتْفِ سِبالِكَ، على إيقاع كَفِّي وقَذَالِكَ، ويُحلقُ حِينَ تحجها شعر رأسِكَ، بحدِّ حسم موسى مَداسِكَ، فقالَ لَهُ الذي يليهِ: فما أنتَ عدَاكَ العِيُ، أيهَّا اللَّوذَرِعي، فقال طبيب يُضارعُ بقراطَ، ومن وطئ بقدم قُدرتهِ هذا البِساطَ، فمتى انحرف مِزاجُك، وتعذَّرَ عِلاجُك، أسقِكَ ما يمنع سلاسةَ مسعاكً، ويقطعُ جداولَ مِعَاكَ، فلا حرسَكَ ربّكَ ولا رعاكَ

ص: 90

فقال له الذي يليهِ: ما تقولُ وقيتَ مَصارعَ الحِذَاءِ، في الرياضةِ بعَيْدَ الغذاءِ، فقال: تُخرج طعامك غير نضيج، وتُوقعُ رقابَ مرابِضكَ في صَفْع منَ السُّددِ مَريج، وتفتقِر في قهر هذهِ الأعلالِ، إلى شُرْبِ شَرابِ أصولِ النِّعالِ، ثم أنَّهُ عَطَفَ إليهِمْ وقالَ: تاللهِ إنكم لكمن عرَّضَ قفَاهُ لنَعْلهِ الخَصيفِ، وسألَ الفاجرةَ إلقاءَ النّصيفِ، واستبزلَ قَذَرَ كَنيفه الرصيف أيامَ شَبَا شِدَّة المَصيفِ، فأفٍّ لكم من أسافلةٍ، وشُموس في عينِ حَمْأةِ الحماقة آفلة، قال القاسمُ بنُ جريالٍ فعجبوا لِعَوَج مَطاه، وعدم عِوَج ما تعاطاه، وأحبوا كَشْفِ لِثامهِ فامتنعَ، ورَضِيَ بمقَةِ مُقاطعتهِم واقتنعَ، فكشفتُهُ حِرصاً على عِرفَتهِ، بعدَ اختبارِ خُرافتهِ، فألفيتُهُ عندَ كَشْفهِ، ونَهْلِ شَمول شُهدهِ ورشْفهِ، أبا نصر المصريَّ ذا الفنونِ الفائقةِ، والشُّجون الشائقةِ، فقلتُ له: إلامَ تَجْنَعُ للهُي، وتهزأ بذوي النهي، وتسخر بالبدور والسهى، وتَجْمَعُ بينَ مَجْدَل المجادلة والرهى، ثم إنِّي أثنيتُ على شيءٍ من صفاتهِ، وأخذت في وصفِ صحُف مُنصفاتِهِ، فقالَ لي: يا بنَ جريالٍ خَلِّني من مَلَقك، وانهضْ لاكتسابِ سَبقكُ، فنهضَ كل لأمرهِ، وجَمَعَ بينَ نابِ المطاوعةِ وَعمرهِ، ولمَّا امتطينا السوابقَ، لنسبرَ الفِسكلَ والسابقَ، جَلَّى صاحبُ مُلمْلَم مَحبوكٍ، كعمودِ إنابٍ مَسبوك، خالِصٍ قَرونٍ وقرونٍ، وخُصَل كالخَصْلِ غير قرونٍ، يُضارعُ الزّعزعَ في اعتراضِها، والثواقبَ في اَنقضاضِها، صُلْبِ الحوافر، سليل زاد المُسافر لا يعبأ بوُحولهِ ولا يكترثُ بعُورِ النَّصَبِ وحُولهِ، يُطيعُ فارسَهُ، ويَعصِي فوارسَهُ، يجوعُ لشبَعهِ النَّسيبُ ويَحكِي قِصَرَ غُرمولهِ العسيبُ، فاَستحسنَ القومُ حُسْنَ هِمَّتهِ وهامتهِ، وشَرعوا في رفع شُرُع شُكْرِ شَهامتهِ، واقترحوا بأن يَصِفَهُ كل بقصيدةٍ، وارفةِ الفصاحة مجيدةٍ، قالَ: فأجابتِ القرائحُ، وتبيَّن المُكدي والمائحُ، وبرزت المفاتحُ، وتُحَقِّقَ المُجبل والماتحُ، فكنت مِمَّنْ أجبلتْ قَحَتُهُ، وأكدتْ قريحتُهُ ونضَب عُبابهُ، وانقصبَ لبابهُ، فلمّا رأى أبو نصر حلوك عاهتي، وحفولَ آهتي، قال لي: يا بن جريال لِمَ تعجَلُ لدَىَ حُمْسكَ بعض خَمسك، وتخجلُ لكُسوفِ شمسِك، وقد جُرِّبَتْ. منك الشجاعةُ بأمسِكَ، فإن شِئْتَ سقيتكُ مِن قلالي، إلى وقتِ إقلالي، وأقرضتُكَ من حبالي إلى حين إحبالي، فقلتُ لَهُ: أعلى اللهُ حشاكَ، ذاك إلى مرؤتكَ وحاشاكَ، وإنِّي لمفتقرٌ إلى فِقركَ السنيَاتِ، افتقارَ الكناياتِ إلى النيّاتِ، فقالَ: سأجمع بين لباءِ لُبانتكَ والمجيع، وأسجعُ لكَ قصيدةً تخنسُ لها أسودُ الأساجيع، أذكر لك فيها من ملاحةِ مِدَح تَصطفيها ومن طمّني بهذَا المُطير، عشرينَ اسماً من الطير،، يشهدُ بفضلِها البليغُ العادل، وتُطرِّبُ بطيبِ إفصاحِها العنادلُ، فلّما سمعت ما نطق بهِ، ومنطقَ بذهبهِ، قلتَ لهُ: الحمدُ للهِ الذي نَصرني، بعدما حصرني، ورحمني حين أفحمَني، فجدْني بإنجاز وعْدِكَ وأنجِدني بصواعقِ رعْدِكَ، فأومأ إيماءَ البَيسريّ، ذي الشرفِ القعسَرِيِّ واهتزّ لذلكَ الجوهريّ، اهتزازَ السمهريِّ، وقالَ: الكامل: له الذي يليهِ: ما تقولُ وقيتَ مَصارعَ الحِذَاءِ، في الرياضةِ بعَيْدَ الغذاءِ، فقال: تُخرج طعامك غير نضيج، وتُوقعُ رقابَ مرابِضكَ في صَفْع منَ السُّددِ مَريج، وتفتقِر في قهر هذهِ الأعلالِ، إلى شُرْبِ شَرابِ أصولِ النِّعالِ، ثم أنَّهُ عَطَفَ إليهِمْ وقالَ: تاللهِ إنكم لكمن عرَّضَ قفَاهُ لنَعْلهِ الخَصيفِ، وسألَ الفاجرةَ إلقاءَ النّصيفِ، واستبزلَ قَذَرَ كَنيفه الرصيف أيامَ شَبَا شِدَّة المَصيفِ، فأفٍّ لكم من أسافلةٍ، وشُموس في عينِ حَمْأةِ الحماقة آفلة، قال القاسمُ بنُ جريالٍ فعجبوا لِعَوَج مَطاه، وعدم عِوَج ما تعاطاه، وأحبوا كَشْفِ لِثامهِ فامتنعَ، ورَضِيَ بمقَةِ مُقاطعتهِم واقتنعَ، فكشفتُهُ حِرصاً على عِرفَتهِ، بعدَ اختبارِ خُرافتهِ، فألفيتُهُ عندَ كَشْفهِ، ونَهْلِ شَمول شُهدهِ ورشْفهِ، أبا نصر المصريَّ ذا الفنونِ الفائقةِ، والشُّجون الشائقةِ، فقلتُ له: إلامَ تَجْنَعُ للهُي، وتهزأ بذوي النهي، وتسخر بالبدور والسهى، وتَجْمَعُ بينَ مَجْدَل المجادلة والرهى، ثم إنِّي أثنيتُ على شيءٍ من صفاتهِ، وأخذت في وصفِ صحُف مُنصفاتِهِ، فقالَ لي: يا بنَ جريالٍ خَلِّني من مَلَقك، وانهضْ لاكتسابِ سَبقكُ، فنهضَ كل لأمرهِ، وجَمَعَ بينَ نابِ المطاوعةِ وَعمرهِ، ولمَّا امتطينا السوابقَ، لنسبرَ الفِسكلَ والسابقَ، جَلَّى صاحبُ مُلمْلَم مَحبوكٍ، كعمودِ إنابٍ مَسبوك، خالِصٍ قَرونٍ وقرونٍ، وخُصَل كالخَصْلِ غير قرونٍ، يُضارعُ الزّعزعَ في اعتراضِها، والثواقبَ في اَنقضاضِها، صُلْبِ الحوافر، سليل زاد المُسافر لا يعبأ بوُحولهِ ولا يكترثُ بعُورِ النَّصَبِ وحُولهِ، يُطيعُ فارسَهُ، ويَعصِي فوارسَهُ، يجوعُ لشبَعهِ النَّسيبُ ويَحكِي قِصَرَ غُرمولهِ العسيبُ، فاَستحسنَ القومُ حُسْنَ هِمَّتهِ وهامتهِ، وشَرعوا في رفع شُرُع شُكْرِ شَهامتهِ، واقترحوا بأن يَصِفَهُ كل بقصيدةٍ، وارفةِ الفصاحة مجيدةٍ، قالَ: فأجابتِ القرائحُ، وتبيَّن المُكدي والمائحُ، وبرزت المفاتحُ، وتُحَقِّقَ المُجبل والماتحُ، فكنت مِمَّنْ أجبلتْ قَحَتُهُ، وأكدتْ قريحتُهُ ونضَب عُبابهُ، وانقصبَ لبابهُ، فلمّا رأى أبو نصر حلوك عاهتي، وحفولَ آهتي، قال لي: يا بن جريال لِمَ تعجَلُ لدَىَ حُمْسكَ بعض خَمسك، وتخجلُ لكُسوفِ شمسِك، وقد جُرِّبَتْ. منك الشجاعةُ بأمسِكَ، فإن شِئْتَ سقيتكُ مِن قلالي، إلى وقتِ إقلالي، وأقرضتُكَ من حبالي إلى حين إحبالي، فقلتُ لَهُ: أعلى اللهُ حشاكَ، ذاك إلى مرؤتكَ وحاشاكَ، وإنِّي لمفتقرٌ إلى فِقركَ السنيَاتِ، افتقارَ الكناياتِ إلى النيّاتِ، فقالَ: سأجمع بين لباءِ لُبانتكَ والمجيع، وأسجعُ لكَ قصيدةً تخنسُ لها أسودُ الأساجيع، أذكر لك فيها من ملاحةِ مِدَح تَصطفيها ومن طمّني بهذَا المُطير، عشرينَ اسماً من الطير،، يشهدُ بفضلِها البليغُ العادل، وتُطرِّبُ بطيبِ إفصاحِها العنادلُ، فلّما سمعت ما نطق بهِ، ومنطقَ بذهبهِ، قلتَ لهُ: الحمدُ للهِ الذي نَصرني، بعدما حصرني، ورحمني حين أفحمَني، فجدْني بإنجاز وعْدِكَ وأنجِدني بصواعقِ رعْدِكَ، فأومأ إيماءَ البَيسريّ، ذي الشرفِ القعسَرِيِّ واهتزّ لذلكَ الجوهريّ، اهتزازَ السمهريِّ، وقالَ: الكامل:

ص: 91

ومطهم عال شديدِ نَعامةٍ

ضَاهى النعامةَ في العَراءِ تقدُّما

حسنَتُ سُماناه وأحكمِ دِيكهُ

في هامةٍ تحكى السنامَ تسنما

وسَمَتْ سَمامتهُ وسُوِّدَ نَسْرُه

بسواد لَوْنِ سَرارهِ وتطهَّمَا

وجَفَتْ دَجاجتهُ وحيَّر صَقرُهُ

بعد الصُّفوفِ مُكافحاً ومسوَّما

وأضاءَ صلصلهُ وكُمّلَ فرخُهُ

وحَلَا المديحُ لحُسنهِ فتَعظمّا

وحكَى اللُجينَ برأسهِ عُصفورُهُ

لمّا سَما عندَ السباقِ وتمما

وتلألأ الخَرَبُ المجاوزُ حَجْبَهُ

لمّا استدارَ لدىَ الغُرابِ وتمِّما

واحلولكَ الحرُّ الحَميدُ وحملَقَتْ

لقطاتهِ أهلُ الزمانِ تفخُّما

وتخطّفَ الخُطّافُ أبصار الوَرَى

بوَميض بارقِ حُسنهِ لما طما

وصفا مِنَ الصرَد المتين نفاسةً

وعلا بحدأته التليلُ وأفْعِما

وامتازَ منه الناهضانِ ضخَامةً

والقر تحكى في القُنُوءَ العَنْدَما

لو ظلَّ أعوجُ في المضيِّ يَرومُهُ

لكبَا بمَهْمه هَمِّهِ لما هَمى

قال الراوي: فحينَ تحيَّرتِ الجماعة بحذاقته، وحمِدَت طيب لذاذةِ مَذاقَتهِ، قبَلت قرا قدميهِ، وأقبلتُ بتُحَفِ اعتذارِهم إليهِ، وجعَلُوا يثنونَ على فَصاحتِهِ، وَينثنون إلى استحضار نُضارِ راحتهِ، فقلت لهم: تاللهِ ما خصَّكُم بصُبابةٍ منِ فُنونهِ، ولا بَعشر عُشْرِ العُشْرِ من مَكنونهِ، فحذارِ مِنْ أنْ تستخفّوا بانخفاض نجاده، وسَحْقِ نِجاده وبجادهِ، وهُزالِ جَوادهِ، وطُولِ جودِهِ، وجواده، فإنَه صبورٌ على مجاعتهِ، مشكورٌ على شَجاعتهِ، ولو اَمتطى طِرْفاً يَرتضيهِ، ويَميل إلى مراضيه، لرأيتم العجب، والجحفل اللّجِب، ولعلمتم أنَّ اللهَ قد منحَهُ مع هذهِ المِنة بجَودةِ التُّلنّةِ، ومكافحةِ ملاعبِ الأسنة، فلما وعَى صاحبُ الفرس ما ذكرتُهُ، وسعَى في مَدارج ما تذكّرتهُ، قالَ: إنِّي لأحبُّ أنْ ابصِرَ ركوبهُ، وأشاهدَ كأسَ ركضهِ وكُوبَه، أفتأذَنُ لي بأن أسلِّمَهُ إليهِ، قلتُ لهُ: إنَّ وعَن سلَّمْت الغزالةُ عليهِ، فناولُهُ عِنانَهُ، وأباحَ له امتحانَهُ، فلّما استوى بثَجَج قَطاتهِ، وتذكّرتُ قبائحَ وَرَطاتهِ، وندمْتُ على ما فرّطتُ، ولبِستُ سربالَ السَّدَم إذ تورّطْتُ، ثم إنَّ أبا نصر قَبَضَ لِدانَهُ، واَستقبلَ مَيدانَهُ، وجعلَ يعرِضُ علينا اَنثيالَ سُرحوبهِ، وينشرُ لدينا حُلَلَ حُروبهِ، ويُظهِرُ ضوءَ ظهيرةِ اَرتكاضهِ، وطُلاوة طِوال ضَرَبِ ضُروبهِ وعِراضهِ، إلى أن اقتنصَ قلوبَ الحاضرينَ، وملأ للملأ إشرارةَ جريهِ والجرين، وبينما هو يتفنّنُ في استنانهِ وَيَتَبخْتَر بمحاسنِ سِنانهِ، وَيتقلّبُ على سراتهِ ساحباً سرابيلَ مسرَّاته، إذ صرخَ صرخةَ المُماصِع، فخرجَ بهِ كالبرقِ القاصع، فلم نر سوى عَجاجه، بين خروقِ فجَاجِهِ، فلما رأى إباقهُ، واصطباحَهُ في الحِيلِ واغتباقَهُ، بادرَ إلى شَقِّ مُلاءتهِ، أسفاً على شَرخ شبابِ حُضره وعُلالتهِ، ثُمَّ لم يَمْضِ قَدْرُ قَطع كراع، أو خَلع يَلْمَق قِراع، حتى أقبلَ علينا رجلٌ، أشيبُ، يضع بهُ مُهر أشهب، متأبط عُكّازَةً، فدفعَ إلينا جُزازةً، وقالَ لنا: إنّ رجلاً من البادية، عَلى فرَس وافرِ الهادية، كالنخلةِ المتهاديةِ، مرَّ بي عجلانَ، مترنحاً من المَرَح جذلانَ، فأعطانيها، وقال لي: إذا مررْتَ بأولئكَ القعودِ، مؤسسي أُسَّ السيادةِ والعُقود، فانبذِ الورقة إليهم، وأحسِنِ التحيةَ عليهم، بعد أن تُقبِّلَ لديهم السّلامَ، وتقول لهم: صاحب القاسم يُقْرِيكُمُ السَّلامَ، قال القاسم بن جريال: ففضضناها بعدَ أن فضّضناها، وقبلناها قبيلَ أن قلبناها، رجاء أن يكونَ قدِ اَنخرط في نِصاح مزاحهِ مَعْ تقاصرِ أمَدِ انتزاحهِ، إذ كُلٌّ بصارم مَكْرهِ مشطورٌ، فإذا فيها مسطور: الكامل:

بسروج أسرجتُ الصباحَ سوابحا

من حيلتي قد تخرِقَْ الأفهاما

عاشرتُهم عندَ الغَداةِ وقد غَدَتْ

تعدو بأدهَمَ لا يَرى الإحْجاما

ص: 92