الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عطّر اللهُ صدورَ صلاحِها المُحسَّد، وكرَّم مكارمَ كَرَمِها المحمَّدِ، وما دار عاطلٌ، وأطلَّ هاطلٌ، وعطل آهِلٌ، وسرحَ صاهلٌ، وسطَا سامُه وسمَا سامهُ وَسامُهُ، وسَلَّ حُسامَهُ إسلامُه، وإكرامهُ لمحمَّدٍ وآلهِ وسلامُه.
قالَ: فأقبلتُ أفكرُ في حلاوة رُضابها، وَنضارةِ اقتضابها، وإجَادَةِ حَثْلِها، والعَجْز عن رَدِّ جواب مِثْلِها، فقالَ لي اَبنهُ: أرى حَلَّتْ بحُلولي الألوكة ركائبُ افتكارِكَ، ونزلتْ بنزولِ هذهِ الرسالة مقانبُ اصفرارِكَ، فهلْ لكَ في أَن تعرِّفَني فَحوَى هذا المسطورِ، أو تشنفَني بما اَحتَوى عليه صَدْرُ هذهِ السُّطور، فقلتُ لَه: ليسَ بها ما يُوهِنُ، ولا اشتملَ عُنوانُها على ما يُحزِنُ، وإنَّما هي مالكةُ أبيكَ اليمِّ، الفائض الخضم، تترجم عن ذيت وذيت، لا عما ارتديت من سوء سفهك واحتذيت فسبَبُ هُمومي وتَلاطمُ وجُومي، عَدَمُ رَدِّ الجَوابِ بالصفةِ، والاعترافِ بالتقصيرِ من جملةِ المعرفةِ، فقالَ لي: أتهتمُّ وعندَكَ المطَرُ الخارجُ من غَمامِها، والثمرُ البارز من كِمامِها، والشِّبْلُ المستنجلُ من أَسَدِها، والظلّ المِستخرجُ من مُسْتاسَدِها، فلمَّا سمِعْتُ تقريد أليفاظه، وشكرتُ شَيْمَ شرر شُواظهِ، ألقيتُ إليه الكتابَ، وقَدِ ازدحَمَ جحْفَلُ الخَجَلِ وانتابَ، فحينَ فهم مضمونَهُ، وفَقهَ ما تَقِفُ الأفهامُ دونَهُ، دَفع إليَّ دواتَهُ، ووضع بمنجنيقْ الفِكرِ مِرداتهُ، وقالَ: اكتبْ: وردَ الصَّادرُ الأكرمُ، والوارد المكرَّمُ، أدامَ اللهُ سُعود مُرسِلهِ ومَدَاهُ، ودلَّه لأعلام المحامدِ وحَدَاهُ، ودَلَّهَ عدو حَولهِ وحِمَاهُ، وأمَدَّ سموَّ سماء سَعدِه وحمَاهُ، ومهَّدَ مِهادَ عدلهِ وهداهُ، وطول طَولِ طوله وهُداهُ، وصَرَمَ عِصَمَ هَمِّهِ وعدَاهُ، وطمس صورَ حسَّادهِ وعِدَاه ورودا أمطرَ رُكامُ وصولهِ دُرَرَ الكَلمِ، وأصدرَ دأماء حُصولهِ سَحَّ سِحْرِ حَلال الحكم ودَحَا مُراحَ المَرح سِوادُها، ومَحا سُوَرَ عُكاِمس السَّدَرِ أرْآدُها الكامل:
ما الدّرُّ الدَّرورُ وسحه
…
لمّا عَلَا صَدْرَ الطّروسِ مِدادُها
ملا الصُّدورَ سرورُ حُلْوِ حلولها
…
وسما وما حُرِمَ السَّما روَّادُها
عَمَرَ اللهُ معالم إرعادهِ، وعمر عساكر إسعادِهِ، وأهلَّهُ لصلاحِ مَعَادهِ، ومَدَّ دَوَّ وِدادِهِ وعَراهُ، وأسعدَ ساعداً أم أمَّهُ وعَراهُ، وأحْكَمَ وِعَاء عَلاءَ عِلْمهِ وعُرَاهُ، وكَساهُ دُروع عُلُوِّ عملهِ ولَا أعراه، وألْهمَ هِمَمَ مملوكهِ، وحامدَ لألّ لؤلؤ ألوكهِ، حَمْدَ ما لو اَسطَاعَ هداء روحه ما أسَدَاهُ، وكمل لحم كرمه وسداه، لما أداه ما كلم الإكآم، واحلولك الركام وعمر الإسلام، ووصل السلام والسلام.
قال الراوي: فعجبتُ من مَلاحةِ وشائهما، وفصاحة إنشائهما، واشتباه نصاحهما، وانتباه إفصاحِهما، وقلتُ، عندَ انصبابِ ذاك الهباب، وانسكاب ذيالك الإلباب يُؤتى الحكمةَ مَنْ يشاء ومن يؤتَ الحكمةَ فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب..
المقامة الرابعة والأربعون التجنيسية القَزْوينية
روَى القاسمُ بنُ جريالِ، قالَ: ما فتئتُ مُذْ حَرَصْتُ على النَّضَارة والنضَالِ، وخلصتُ مِنْ قِسيّ الجهالةِ والنِّصالِ، واَعتليْتُ قُنَّةَ الإقبالِ، واَحتذيتُ قبائلَ الأقتالِ، وقَلَلتُ قُلَلَ الجَنَفِ والاحتيالِ، وخلعتُ خاتِمَ خِنْصِرِ الخديعةِ والاختيالِ، أتوخَّى قليلاً لا يَحتذي لاحبَ خيانةٍ، ولا يحتذِي رَواحب جنايةٍ، ولا يَجْحَدُ لي إيالةً، ولا أحمِلَ من ثِقَل إبَّائه إبالةً، إلى أن ظَفِرْتُ بخلٍّ مُخْضَرِّ النعال، غير مُتَقَلْقِلٍ لمفارقةِ البِعالِ، ذي جَنان مِزْحَمٍ، ولسانٍ مِرْجَم، يسبحُ العائمُ في لُبَابهِ، ويركع إيوانُ كسرى لِبابهِ، لا يميلُ عنْ حِبابهِ، ولا يستنجعُ محارِمَ جَنابهِ، ولا يَفْري بغَابهِ، عِرْضَ منَ اتَّشحَ بعَابهِ: الطويل:
فكانَ على أزْم الخَنا وخِطابهِ
…
أخا خَفَرٍ لا يَخْتَلي غيرَ طابهِ
وكانَ على رَشْفٍ الشرى ورُضابهِ
…
أبا سَفرٍ لا يَجْتلي ضَيْمَ ظَابهِ
فلم أزلْ منذُ أحسن وَربي، وخوَّلني رُخالاً ورُبِّي أشكرُ شَيْمَ تلك الخلالِ، وأسكنُ في وَسيم ذاكَ الحِلالِ، وألتحِفُ بشف تِيْكَ الشِّمالِ، وأتصف بسَف سَفوفِ نَسيم الشمالِ، إلى أنْ مجَّنا فَمُّ قَزوينَ بعدَ طُولِ النَّقلِ، واَحتمالِ الصَّارم الثقيلِ، فولجتُها بقَلْبٍ قلّبَ ما نَضبَ وَدرَّ، وقلّبٍ جرَّبَ ما غَرَبَ وذَرَّ، لنكتَسِبَ ضَرَبَ زُبدِها، ونَخْتَبرَ شَرَفَ رُبَدِها، فحين طافتْ علينا طوائفُ إبداعِهم، واَصطافَتْ أسماعُنا في طرائف إيداعهم، ألفيتُهم سِّن يفضِّلونَ أصواتَ الجُدَاةِ، على طِيبِ نَغَماتِ الحُداةِ، لا تَنسى بمناسمةِ وسنانِها، مصادمةَ عاملِ الغيِرَ وسِنانِها، ولا تَسْتُرُ مَرأى عيانِها، مخافةَ انتجاع عَنانها: الكامل:
فَهُمُ السحائبُ إنْ تعذَّرَ هاطل
…
يوماً وأقلعَتِ السماءُ وشحَّتِ
ومَتى ترنَّقَتِ المواردُ أو خَلتْ
…
جادتِ بثجَّاج النَّوالِ وسحَّتِ
وإذا تزاحمتِ الحروبُ وحَمْلَقَت
…
قامَتْ على قمَم القُبول وشَجّتِ
وإذا تهتكتِ السُّتورُ ومُزِّقَتْ
…
سدَّتْ كُوى بِدَع الهَناتِ وسَجَّتِ
قال القاسمُ بن جريالِ: ثم لم نزلْ نرتعُ في حِمَى حِوارهِم، ونَرْبعُ حَجرَ حِجْرِ جودةِ جوارِهم، ونَشْتارُ مِنْ شهْدَةِ نشاطهم، ونَمتارُ من زُبْدَةِ سَعَةِ بساطهم، حتَّى بُهتنا بَهتونِ هباتهم، وشُدِهْنا بشيْم شآبيبِ هيئاتِهم، ولمَّا حانَ حِيْنُ الارتحالِ وطابتْ بوصفهِم جلائلُ الارتجالِ، عَرَضَ لَهُ دِقٌّ اندقَّتْ فيهِ صِعادُ صَبره وبارتْ، وهاجَتْ بهِ هُوجُ ريْح تَباريحهِ وثَارَتْ، واَنجزلَتْ حِبالُ حِدَّتهِ وحارَتْ، وانخزَلَتْ جِبالُ جدَّتهِ وخَارتْ، فلمَّا عالَ عَناؤهُ، واستطالَ عياؤهُ، وتغيَّرت سحناؤهُ، وكرَّتْ من كَمينِ الكُرَبِ شحناؤهُ، واَنشقَّ مِنْ مشقَّةِ المَرَض شقَّاهُ، وسَقاهُ كأسُ السَّقَم ما سقاهُ، وعَزاهُ إلى الرِّمَم ما عَزَاهُ، وغَزاهُ مِنْ غُزاةِ الرَّزايا ما غَزاهُ، طاحتْ عليهِ رَحاَ الحِمام، وناحَتْ على آدابهِ وُرْقُ الحَمام، فبادرتُ إلى إحضارِ، حنوطهِ وغِسْلهِ وتنظيفِ رداءَ دَفْنهِ وغسْلهِ، ولمّا ضمَّهُ بُهرة لَحَدِهِ والحوافي، وأنبتَ الأسف عُوجَ قوادم الجَزَع والخوَافي، حَضرَ واعظٌ قَدْ لوَّحَتْ حَرورُ الهَرَم وجوهَ قطَنهِ، وصوَّحتْ رياحُ الحِكَم حدائقَ فِطَنهِ، فقعدَ من حيثُ نرقُبُه ونرَاهُ، وقد تَبعَ قَرَنَ المقاربةِ وتَراهُ، فلمّا قطعَ القارئُ ألحانَهُ وقُرانَهُ، وحسَمَ وضَين تَرجيعهِ وقرانه، حمِدَ اللهَ تعالى وشكرَ، بعدَ أنْ جَدَّ سُيولَ انسجامهِ وسكر، ثم قالَ: صدقَ اللهُ العظيمُ.
الحفيّ الكريم، الخفيُّ رازق الأنام، وغافرُ الآثام، رافع الجرباء، وساطحُ الحزباء، الوافر الحياء، المتضاعف الحباء. مُخَدِّدُ الخدودِ، الواضحُ الحدود، ذو الجدِّ الفاصل، والحدِّ القاصل، والمِنَنِ الظاهرةِ، والسُّنَن الطاهرةِ، الذي أوعدَ أربابَ الفُجورِ، وأرعدَ لتَرْك زَكاةِ الفجور، وتَعْتَعَ المساكنَ وذمَّر، وزعزعَ الأماكنَ ودمَّرَ، أحمدُهُ على تكاملِ نِعمِهِ، وتَزايُدِ نَعَمِهِ، وإفضالهِ المعروفِ، ونَوالهِ الغامرِ المَغروفِ، وأشفعهُ بالصَلاةِ على خيرِ مَنْ خَلَقَ، وعَجَّ بتَطوافهِ إذ حلَقَ، عِبادَ اللهِ ما لكُم أهملتُم الخُشوعَ، وأعملتُم الأملَ الجَشوعَ، وغفلتُم عَن انجذاب زمامِكم، وأَغفلتُم ذكرَ مكاسرةِ رِمامِكُمْ وسُحْتُم، إلى جِفانِ الجَهْلِ واغتذيتم، ورحتُم بارتياح راح الحَنَقِ واَغتديتُم، طالما ذكَرتُم حلاوةَ منافستِكُم، ونسيتُمْ مرارةَ مناقشتكُم، وقلَّما نَفِدَ أعياؤكُم، أو خفَّتْ أعباؤكم، لا تتَّعظونَ بمالكٍ غَبرَ، ولا تعتبرون بهالكٍ عَبر، ولا تكترثونَ بمصادمةِ المآتم، ولا تحترثونَ لحَصْدِ مُنافثَةِ المآتم، همّكم أَكْلُ القاترِ، ومحاضرةُ الطَّرْفِ الفاترِ، ومَنْعُ الإعانةِ والأَعطيةِ، وهَتْكِ سُتورِ الفواحش والأَغطيةِ. هًلاّ ادكرتُمْ السَّيْبَ الذي نَقَضَ جُدُد جُدودكُم وحَطَّ، والشَّيْب الذي وخَطَ بعَرْض عَارضَيْ خُدودِكُم وخَطَّ، والسَّهو الذي مَقَلَ مَقْلَ عقولِكم وغَطّ، والمَهْوَ الذي نَقَلَ نُقَلَ قَمَر اقتداركم وعطَّ، فإلامَ تختالونَ، وعلى حَقير الحُطام تَحتالونَ، أفٍّ لما تتركونَ، وتُفً لعَطنِ عُطلةِ بهِ تَبركونَ، وتَبّاً لِمَا تجلُبونَ، وعُسِّ سَفهٍ بهِ خِلْفَ المخالفةِ تَحلبونَ، إنكم لفي بحرٍ من الحِيَلِ سابحون وَبرٍّ من عَدَم حُسن بِرِّكم سائحون، ثُمَّ أنشدَ: الكامل:
يا مَن تروَّح بالمُنى ثم اغتدَى
…
وبدايَتَيهِ ببغْيهِ لمّا اَعتدَى
إنْ كنتَ مغروراً بتنقيس المَدى
…
فَلعَنْ قريب تَرتوي منكَ المُدَى
ببنانٍ حَينِكَ إنْ تراهُ قد سدا
…
حتّى تَصيرَ بعَرْقِها العاسي سدا