الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ إِن الْأَقْرَع بن حَابِس وعدة من كبارهم قدمُوا على الرَّسُول وسألوه فِي أَمر أولائك الضباب والحسول فَأطلق لَهُم السَّبي والأسرى وَمن عَلَيْهِم كَمَا من على غَيرهم إحسانا وجبرا
وَمن ذَلِك يَقُول الفرزدق من أَبْيَات
(وَعند رَسُول الله قَامَ ابْن حَابِس
…
بخطة إسوار إِلَى الْمجد حَازِم)
(لَهُ أطلق الأسرى الَّتِي فِي حباله
…
مغللة أعناقها فِي الشكائم)
سَرِيَّة قُطْبَة بن عَامر إِلَى خثعم سنة تسع من الْهِجْرَة
بَعثه النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي صفر وجهزه فِي عشْرين من الْمُؤمنِينَ بِالْقضَاءِ وَالْقدر وَأمرهمْ بالمضي إِلَى خثعم وَأَن يقتلوهم بذباب المخذم وطرف اللهذم
(يمم خلال بني كلاب منجدا
…
واسأل عَن القرطاء وَالضَّحَّاك)
(يُخْبِرك من شهد الوقيعة أَنه
…
جزل العداة بِسَيْفِهِ الفتاك)
سَرِيَّة عَلْقَمَة المدلجي إِلَى الْحَبَشَة سنة تسع من الْهِجْرَة
بَعثه النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي ربيع الآخر وجهزه فِي ثَلَاث مائَة خائضين على الْحَقِيقَة فِي بحره الزاخر وَأمرهمْ بالمضي إِلَى السَّاحِل وَأَن يحاربوا الْمُقِيم من الْأَحَابِيش والراحل
وَكَانَ قد بلغه ظُهُورهمْ بجدة وَأَنَّهُمْ تلفعوا بمروط اللَّيْل وتلمعوا بِحمْل الْعدة فَسَارُوا حَتَّى وافوهم فِي بعض الجزائر فخاضوا الْبَحْر إِلَيْهِم مضمرين أَخذهم بالجرائر فَلَمَّا رَأَوْهُمْ هربوا ناكصين على الأعقاب وَرجع الْمُسلمُونَ مَأْجُورِينَ مشكورين على مر السنين والأحقاب
(نَحْو الْأَحَابِيش سَار الْمُسلمُونَ إِلَى
…
سيف القلمس بالأسياف وَالْعدَد)
(لما رَأَوْهُمْ على أَعْقَابهم نكصوا
…
خوفًا وشتان بَين الذِّئْب والأسد)
سَرِيَّة عَليّ بن أبي طَالب إِلَى الْفلس سنة تسع من الْهِجْرَة
بَعثه النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الشَّهْر الْمشَار إِلَيْهِ وجهز مَعَه مائَة وَخمسين من الْأَنْصَار الأخيار لَدَيْهِ فَمضى إِلَى صنم طَيء الشهير بالفلس عَازِمًا على هَدمه وَسَار حَتَّى انْتهى إِلَى محلّة آل حَاتِم مَعَ طُلُوع الْفجْر وغيبة نجمه فهدم بَيت الصَّنَم وظفر بِكَثِير من السَّبي وَالنعَم وهرب إِلَى الشَّام عدي ابْن حَاتِم وَقَامَت فِي الْحَيّ لما جرى سوق المآتم وَكَانَ فِي خزانَة الْفلس ثَلَاثَة أَدْرَاع وَثَلَاثَة أسياف فأضيفت إِلَى الْغَنِيمَة ثمَّ قسمت على الْعدْل والإنصاف
(عَليّ سَار للفلس
…
بأبطال من الحمس)
(لَهُم فِي درس أَعْلَام
…
الأعادي أَيّمَا درس)
(مضوا حَتَّى أَتَوا بَيْتا
…
لأهل الطَّرْد وَالْعَكْس)
(فأشقوه وأبقوه
…
كَأَن لم يغن بالْأَمْس)
غَزْوَة تَبُوك سنة تسع من الْهِجْرَة
ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي شهر رَجَب وأوعز بِطَلَب أهل مَكَّة واستنفر قبائل الْعَرَب وَندب النَّاس إِلَى الْخُرُوج وحضهم لتوفير حظهم على قتال العلوج وَجَاء البكاؤن وهم سَبْعَة إِلَيْهِ وقصدهم يستحملوه فَقَالَ {لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ}
وحث على الْإِنْفَاق فِي سَبِيل الله أهل الْغنى فجاد كل من أبي بكر وَعُثْمَان بِمَا مَلأ الْأَيْدِي وَبلغ المنا
واستخلف على الْمَدِينَة مُحَمَّد بن مسلمة وأوعت بكتائبه الجرارة وفوارسه المعلمة وَأمر عَليّ بن أبي طَالب أَن يخلفه فِي أَهله فَأَقَامَ عَارِفًا بفرع ذَلِك التَّمْيِيز وَأَصله
وَكَانَ بلغه أَن الرّوم تجمعت للمحاربة وَأَن ملكهم هِرقل تهَيَّأ يمحص للمقاتلة والمغالبة
وَسَار صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثِينَ ألفا من النَّاس وَكَانَ فِي جَيْشه العرمرم عشرَة آلَاف من الأفراس وَأخذ فِي الإعناق والإيجاف ثمَّ انتقلوا إِلَى الإغذاذ والإعصاف مُقْبِلين على الْجِهَاد فِي سَبِيل مجازيهم ومثيبهم جازمين بِكَسْر أصلاب الْأَعْدَاء وخفض صليبهم حَتَّى قدمُوا إِلَى تَبُوك وَأتوا وكل
من ثغور الشَّام لمقدمهم ضحوك وَأَقَامُوا بهَا خَمْسَة عشر يَوْمًا وَخَمْسَة أَيَّام وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقصر الصَّلَاة مُدَّة الْمقَام بالأقوام
وَفِي هَذِه الْغَزْوَة جَاءَ المعذرون من الْأَعْرَاب وعنها تخلف نَاس بِغَيْر عذر وَلَا عِلّة وناس من غير شكّ وَلَا ارتياب
وفيهَا اسْتخْلف أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي الْعَسْكَر وَاسْتعْمل عباد بن بشر على حرس جَيْشه الْأَزْهَر وفيهَا أصبح النَّاس وَلَا مَاء مَعَهم فَأرْسل الله بدعائه الْمَطَر وفيهَا ضلت نَاقَته فَأخْبر بمكانها وحبسها بذمامها فِي بعض الشّجر
ثمَّ انْصَرف إِلَى الْمَدِينَة فوصلها فِي شهر الصّيام وَهِي آخر غَزْوَة غَزَاهَا بِنَفسِهِ صلى الله عليه وسلم
وفيهَا يَقُول أَبُو خَيْثَمَة لما رَجَعَ إِلَيْهَا بعد تخلفه من أَبْيَات
(وَلما رَأَيْت النَّاس فِي الدّين نافقوا
…
أتيت الَّتِي كَانَت أعف وأكرما)
(وبايعت باليمنى يَدي لمُحَمد
…
فَلم أكتسب إِثْمًا وَلم أغش محرما)
سَرِيَّة خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى دومة الجندل سنة تسع من الهجر
بَعثه النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بتبوك فِي رَجَب وجهز مَعَه أَرْبَعمِائَة وَعشْرين مسارعين إِلَى مَا عَلَيْهِم وَجب فَسَارُوا إِلَى أكيدر النَّصْرَانِي قَائِد كِنْدَة
عازمين على أَن يهدموا حصنه ويهلكوا جنده حَتَّى انْتَهوا إِلَيْهِ وَقد خرج من الْحصن فِي لَيْلَة مُقْمِرَة وَهُوَ يطارد بقرًا وحشية كَأَنَّمَا فرت من قسورة فشدت عَلَيْهِ الْخَيل فاستأسر وَقتل أَخُوهُ حسان حَيْثُ امْتنع واستكبر ثمَّ اتّفق الْحَال على فتح الْحصن لخَالِد ومصالحته على كثير من المَال الطارف والتالد فَمن ذَلِك ثَمَان مائَة وألفا بعير فَأخْرج الْخمس وَقسم الْبَاقِي على من مَعَه من أولائك النفير ثمَّ قدم بأكيدر إِلَى الْمُخْتَص بالوسيلة فَضرب عَلَيْهِ الْجِزْيَة وَكتب لَهُ أَمَانًا وَأطلق سَبيله
وَفِي هَذِه السّريَّة يَقُول بجير بن بجرة الطَّائِي
(تبَارك سائق الْبَقَرَات إِنِّي
…
رَأَيْت الله يهدي كل هاد)
(فَمن يَك حائدا عَن ذِي تَبُوك
…
فَإنَّا قد أمرنَا بِالْجِهَادِ)
وَفد ثَقِيف وَهدم اللات سنة تسع من الْهِجْرَة
قدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفد ثَقِيف حَيْثُ أرشدهم الطَّائِف بِالطَّائِف إِلَى طَاعَة الْخَبِير اللَّطِيف فَبَايعُوهُ على الْإِسْلَام وتابعوه على أَدَاء فرض
الصَّلَاة وَالصِّيَام فقابلهم بالإحتفال والإختصاص وَأمر عَلَيْهِم عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ
فَلَمَّا أطلعوا فِي أفق الرُّجُوع إِلَى بِلَادهمْ شُهْبَة بعث مَعَهم أَبَا سُفْيَان ابْن حَرْب والمغيرة بن شُعْبَة وَأَمرهمَا بهدم اللات وَقبض مَا فِي بَيتهَا من الْعين والآلات فَخرج مَعَهم إِلَى الطَّائِف وهدمها الْمُغيرَة غير وَجل وَلَا خَائِف وَأخذ مَا فِيهَا من الْحلِيّ وَالْمَال وَرجع إِلَى الْمَدِينَة ناعم الْعَيْش رُجي البال
(ذهب الْمُغيرَة فِي ثَقِيف هادما
…
صنم الَّذين تشبهوا بمحال)
(والرشد ينشد قَائِلا يَا لات مَه
…
ذهب الضلال فلات حِين ضلال)
وَفد بني تَمِيم سنة تسع من الْهِجْرَة
ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفد بني تَمِيم وَأَقْبلُوا يفخرون بشرف نسبهم الصميم لَا يكترثون بِذِي نباهة وَلَا قدر وَلَا يعدلُونَ أحدا بعطارد بن
حَاجِب والزبرقان بن بدر فَلَمَّا دخلُوا الْمَسْجِد رفعوا الْأَصْوَات وهرعوا ينادون من وَرَاء الحجرات
ثمَّ قَامَ عُطَارِد خَطِيبًا وافتخر فِي شعره والزبرقان فأجابهما بِمَا أسكتهما كل وَاحِد من ثَابت بن قيس وَحسان
ثمَّ أَسْلمُوا وسلموا وبفضل المجيبين تكلمُوا وَانْصَرفُوا مغمورين ببر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وإكرامه مسرورين بِمَا حصل لَهُم من جوائزه السّنيَّة وإنعامه
وَمن قَول الزبْرِقَان بن بدر عِنْد قدومه
(أَتَيْنَاك حَتَّى يعلم النَّاس فضلنَا
…
إِذا احتفلوا عِنْد احتضار المواسم)
(بِأَنا فروع النَّاس فِي كل موطن
…
وَأَن لَيْسَ فِي أَرض الْحجاز كدارم)
(وَأَنا نذود المعلمين إِذا انتخوا
…
ونضرب رَأس الأصيد المتفاقم)
(وَأَن لنا المرباع من كل غَارة
…
يقر بِنَجْد أَو بِأَرْض الْأَعَاجِم) فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت من أَبْيَات
(نصرنَا وَآوَيْنَا النَّبِي مُحَمَّدًا
…
على أنف رَاض من معد وراغم)
(منعنَا رَسُول الله إِذْ حل دَارنَا
…
بأسيافنا من كل بَاغ وظالم)
(وَنحن ضربنا النَّاس حَتَّى تتابعوا
…
على دينه بالمرهفات الصوارم)
(بني دارم لَا تفخروا إِن فخركم
…
يعود وبالا عِنْد ذكر الأكارم)
وَفد عبد الْقَيْس سنة تسع من الْهِجْرَة
ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفد عبد الْقَيْس مضمرين أَلا يجيبوا دَاعِي الْهدى بكيف وَلَا لَيْسَ وهم صُحْبَة رئيسهم الْجَارُود وَكَانَ فِي دين
النَّصْرَانِيَّة صَلِيب الْعود
فَلَمَّا وصل الْمَدِينَة وانْتهى إِلَيْهِ رَغْبَة فِي الْإِسْلَام وَعرضه عَلَيْهِ وَدعَاهُ إِلَى الدُّخُول فِي زمرة أمته فَذكر لَهُ الْجَارُود فِرَاق دينه وَطلب مِنْهُ ضَمَان ذمَّته فضمن لَهُ أَن قد هداه الله تَعَالَى مَا هُوَ خير من دينه فَأسلم بِمن مَعَه من أَصْحَابه الواردين عُيُون معينه ثمَّ رَجَعَ بهم إِلَى بِلَادهمْ وَقد ظفروا ببغيهم من الْهِدَايَة ومرادهم
(وَفد عبد الْقَيْس يَا بشراكم
…
بامتثال الْأَمر من خير الْأَنَام)
(قد أعدت جنَّة الْخلد لكم
…
وسلمتم فادخلوها بِسَلام)
وَفد بني حنيفَة سنة تسع من الْهِجْرَة
ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفد بني حنيفَة ونزلوا فِي دَار امْرَأَة من الْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَكَانَ فيهم مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي لَا شكّ فِي طرده وَعَكسه وَلَا ارتياب
ثمَّ انْتَهوا إِلَيْهِ وَأَسْلمُوا على يَدَيْهِ وآمنوا بِمَا جَاءَ بِهِ مِمَّا يقربهُمْ من الله ويزلفهم لَدَيْهِ فَلَمَّا رجعُوا إِلَى الْيَمَامَة تنبأ عَدو الله مُسَيْلمَة بن ثُمَامَة وارتد عَن الْإِسْلَام وأتى من كفره بِمَا تأباه الْقُلُوب وتمجه الأحلام
وَكَانَ صَاحب نيرنجات موهمة وشجعات كليالي خطة من التَّوْفِيق مظْلمَة أحل لِقَوْمِهِ الزِّنَا وَالْخمر وَوضع عَنْهُم الصَّلَاة مُخَالفا لِلْأَمْرِ وَاسْتمرّ تَابعا شَيْطَانه المريد إِلَى أَن قَتله فِيمَا بعد خَالِد بن الْوَلِيد
(ظلام بني حنيفَة عَاد ضوءا
…
بِصُحْبَة من أظلته الغمامة)
(لقد ذَهَبُوا إِلَى ربح وَولى
…
إِلَى الخسران كَذَّاب الْيَمَامَة)
وَفد طَيء سنة تسع من الْهِجْرَة
ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفد طَيء يطوون البيد ويأوون من حرمه الشريف إِلَى ركن شَدِيد وَكَانَ سيدهم زيد الْخَيل الْمَعْرُوف بإسداء الْمَعْرُوف وبذل النّيل فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ أَسْلمُوا على يَده الْمُبَارَكَة وأظهروا من حسن الْإِسْلَام مَا لَيْسَ لَهُم فِيهِ مُشَاركَة
ونوه النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِذكر زيد وَقطع لَهُ أَرضين مِنْهَا نَاحيَة فيد ثمَّ خرج يهزه الشوق والوجد حَتَّى أَتَى مَاء يُقَال لَهُ فردة بِنَجْد فحط رَحْله مفارقا صَحبه وَأَهله وَرمي هُنَاكَ من الْمنية بِسَهْم مُصِيب وَقيل لَهُ أنْشد يَا زيد وَإِنِّي مُقيم مَا أَقَامَ عسيب
وَلما أحس بِالْمَوْتِ قَالَ
(أمرتحل قومِي المشارف غدْوَة
…
وَأنزل فِي بَيت بفردة منجد)
(أَلا رب يَوْم لَو مَرضت لعادني
…
عوائد من لم يبر مِنْهُنَّ يجْهد)
وَفد كِنْدَة سنة تسع من الْهِجْرَة
ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفد كِنْدَة والسعد قد رفع لَهُم علمه وَعقد عَلَيْهِم نبده يؤمهم الْأَشْعَث بن قيس وَيجمع أَمرهم وَكَانُوا ثَمَانِينَ راجين أَن يرفع الله بِالْإِسْلَامِ ذكرهم فَدَخَلُوا الْمَسْجِد وَقد ترجلوا وكحلوا
أَعينهم وبالحرير تسربلوا
وَأمرهمْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِنَزْع الْحَرِير فَألْقوا مَا كَانَ عَلَيْهِم مِنْهُ طَاعَة للبشير النذير ثمَّ آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَبلغ كل مِنْهُم نِهَايَة مطلبه وَغَايَة سوله
(قل لِابْنِ قيس وَمن قد جَاءَ يَصْحَبهُ
…
من وَفد كِنْدَة أهل الْفَوْز وَالظفر)
(أفلحتم إِذْ دَخَلْتُم طائعين إِلَى
…
ظلّ الرَّسُول المرجى سيد الْبشر)
وَفد الأزد سنة تسع من الْهِجْرَة
ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفد الأزد وَفِيهِمْ صرد وَهُوَ الَّذِي سعى فِي تأنيس من نفر مِنْهُم وشرد فَبَايعُوهُ على الْإِسْلَام وَنَقَضُوا حكم الْأَوْثَان والأزلام وَأمر صرد بن عبد الله على من أسلم من أَصْحَابه وَأمره أَن يُجَاهد من يَلِيهِ من أهل الشّرك وأربابه
فَسَار حسب الْأَمر إِلَى قبائل الْيمن وأبلى فِي وقْعَة أهل جرش أَي
بلَاء حسن قَتلهمْ قتلا لم يكن فِيهِ آثِما ثمَّ رَجَعَ بِالْبركَةِ النَّبَوِيَّة سالما غانما
(يَا صَاح إِن وافيت وَفد الأزد قل
…
مترنما لله دَرك يَا صرد)
(أرشدت قَوْمك للهدى وكفيتهم
…
شَرّ الردى ورددت مِنْهُم من شرد)
وَفد هَمدَان سنة تسع من الْهِجْرَة
ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفد هَمدَان مُجْتَمعين على التَّمَسُّك من أهل الْإِيمَان بالأردان وَفِيهِمْ مَالك بن نمط الَّذِي لَا تَحْرِيف فِي أَلْفَاظ بلاغته وَلَا غلط قد لبسوا الحبرات والعمائم العدنية وركبوا برحال على المهرة والأرحبية
فَدَخَلُوا عَلَيْهِ راغبين فِي دين الْإِسْلَام وَكتب كتابا يشْهد لَهُم بِحِفْظ الذمام ثمَّ رجعُوا إِلَى دِيَارهمْ وفنائهم وَنور الْإِيمَان يسْعَى بَين أَيْديهم وَمن ورائهم
وَفِي ذَلِك يَقُول مَالك بن نمط من أَبْيَات
(حَلَفت بِرَبّ الراقصات إِلَى منى
…
صوادر بالركبان من هضب قردد)
(بِأَن رَسُول الله فِينَا مُصدق
…
رَسُول أَتَى من عِنْد ذِي الْعَرْش مهتد)
(فَمَا حملت من نَاقَة فَوق ظهرهَا
…
أَشد على أعدائه من مُحَمَّد)
(وَأعْطى إِذا مَا طَالب الْعرف جَاءَهُ
…
وأمضى بِحَدّ المشرفي المهند)
حجَّة أبي بكر الصّديق رضي الله عنه سنة تسع من الْهِجْرَة
بَعثه النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمِيرا على الْحَج بِالنَّاسِ وَقد عزم على تَطْهِير الْبَيْت من أهل الشّرك والأدناس وجهز مَعَه عشْرين بَدَنَة قلدها وأشعرها بِيَدِهِ الْكَرِيمَة فَخرج فِي ثَلَاث مائَة رجل من ذَوي الصِّفَات الجميلة وَالْوُجُوه الوسيمة
فَلَمَّا كَانَ بالعرج لحقه عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ على الْقَصْوَاء نَاقَة الْمُخْتَار من بني لؤَي بن غَالب ورد لقِرَاءَة بَرَاءَة ونبذ العهود فجمل
بوروده الْوُفُود بل الْوُجُود فَمَضَوْا سائرين وأدلجوا إِلَى بَيت الله صائرين
فحج بِالنَّاسِ أَبُو بكر الصّديق وسلك إِلَى قَضَاء الْمَنَاسِك أحسن الطَّرِيق وَقَرَأَ على بَرَاءَة يَوْم النَّحْر عِنْد الْجَمْرَة ونبذ إِلَى كل ذِي عهد عَهده جاعلا بِيَدِهِ أمره وَقَالَ لَا يحجّ بعد هَذَا الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان ثمَّ رجعا قافلين إِلَى حرم سيد السادات والأعيان
(لقد ظفر الْحجَّاج فِي عَام تِسْعَة
…
لهجرة رب الْعلم وَالْفضل واللسن)
(وفازوا بإقبال ويمن وَكَيف لَا
…
وَفِيهِمْ أَبُو بكر وَفِيهِمْ أَبُو الْحسن)
سَرِيَّة عَليّ بن أبي طَالب إِلَى الْيمن سنة عشر من الْهِجْرَة
بَعثه النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي شهر التَّرَاوِيح وَعقد لَهُ لِوَاء يخفى بضوء صبحة أنوار المصابيح وعممه بِيَدِهِ الْكَرِيمَة وخصصه ببركته العميمة وجهزه فِي ثَلَاثمِائَة فَارس وَألبسهُ من خَزَائِن الْوَصِيَّة أجمل الملابس
فَسَار مُجْتَهدا فِي اتِّبَاع السّنَن وَالسّنَن حَتَّى أَتَى بِلَاد مذْحج من الْيمن فَبَثَّ أَصْحَابه فِيهَا وفرقهم فِي أقطارها ونواحيها فغابوا ثمَّ آبوا
وعرضوا عَلَيْهِ مَا من الْغَنَائِم أَصَابُوا
ثمَّ لَقِي جمعهم فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام فَأَبَوا عَلَيْهِ فَقَاتلهُمْ فَانْهَزَمُوا مِنْهُ ثمَّ أجابوه إِلَى مَا دعاهم إِلَيْهِ وَقَالُوا نَحن على من وَرَاءَنَا من الْقَوْم وبذلوا الزَّكَاة وأذعنوا إِلَى الصَّلَاة وَالصَّوْم
ثمَّ أَمر بِجمع أَصْنَاف الْغَنَائِم وَضمّهَا فَأخْرج الْخمس وَقسم الْبَاقِي على مُقْتَضى المعدلة وَحكمهَا ثمَّ قفل فَوَافى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِمَكَّة قد قدمهَا لحج بَيت الله الْحَرَام
(سَار بِأَمْر النَّبِي محتفلا
…
نجل أبي طَالب إِلَى الْيمن)
(فَأَنْذر الْقَوْم ثمَّ جاهدهم
…
مُجْتَهدا فِي إِقَامَة السّنَن)
(فآمنوا طَاعَة لدعوته
…
وعرجوا عَن إثارة الْفِتَن)
(مهلا بلغت المدى فكم لَك من
…
فضل على النَّاس يَا أَبَا الْحسن)
حجَّة الْوَدَاع سنة عشر من الْهِجْرَة
أجمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على الْحَج فِي ذِي الْقعدَة وَأعلم الْمُسلمين بحركته الْمُبَارَكَة وعرفهم قَصده وَقدم النَّاس عَلَيْهِ يتمسكون بأذياله ويأتمون بأقواله المرشدة وأفعاله
فَخرج من الْمَدِينَة مغتسلا وَظهر متجردا فِي إِزَار ورداء مترجلا واستخلف عَلَيْهَا أَبَا دُجَانَة وَأخرج نِسَاءَهُ المتحليات بعقود الصيانة والديانة وَصلى الظّهْر بِذِي الحليفة قصرا وَنشر للهدي بإشعاره وتقليده ذكرا
ثمَّ ركب نَاقَته وَأحرم من ذَلِك الْيَوْم وَاخْتلفت فِي صفة إهلاله أَقْوَال الْقَوْم وَمضى يقطع الْمنَازل وَيتبع الْعُنُق بِالنَّصِّ على البوازل حَتَّى أَتَى سرف بِمن مَعَه من طيبَة ثمَّ دخل مَكَّة من كداء حَتَّى انْتهى إِلَى بَاب بني شيبَة
فَلَمَّا رأى الْبَيْت رفع يَده دَاعيا ثمَّ طَاف بِهِ مضطبعا وَبَين الصَّفَا والمروة ساعيا
ثمَّ خرج إِلَى منى يَوْم التَّرويَة وَبَات بهَا مُعْلنا التَّلْبِيَة ثمَّ عَاد إِلَى عَرَفَات فَوقف على رَاحِلَته بالهضبات ثمَّ دفع بعد الْغُرُوب إِلَى الْمزْدَلِفَة وَبَات بهَا بِمن قُلُوبهم على محبته مؤتلفة فَلَمَّا صلى الصُّبْح وَقضى من الْموقف بقزح أربه مضى قبل طُلُوع الشَّمْس ملبيا حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة
ثمَّ نحر هَدْيه وَحلق رَأسه بمنى ثمَّ أَفَاضَ طَائِفًا بِالْبَيْتِ عَارِفًا بِمن شيد وَبنى وَقضى مَنَاسِك الْحَج وَحل من الْإِحْرَام وخطب بعد ظهر النَّحْر خطْبَة بَين فِيهَا الْحَلَال وَالْحرَام والتقط النَّاس من دُرَر أَلْفَاظه الثمينة ثمَّ ودع الْبَيْت وَانْصَرف رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة
(سَار إِلَى مَكَّة خير الورى
…
من طيبَة فِي السّنة الْعَاشِرَة)
(فأوضح السبل لمن أمهَا
…
بِالنورِ من آيَاته الباهره)
(وَبَين الْحَج وأركانه
…
وَالسّنَن المأثورة الزاهره)
(وأرشد النَّاس إِلَى مَا بِهِ
…
يرقون فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَه)
(صلى عَلَيْهِ الله مَا غردت
…
وَرْقَاء فِي أوراقها الناضره)
سَرِيَّة أُسَامَة بن زيد إِلَى أَرض فلسطين سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة
بَعثه النَّبِي صلى الله عليه وسلم لأَرْبَع بَقينَ من صفر وَأمره من غَزْو الرّوم والإغارة عَلَيْهِم بِمَا أَمر وَعقد لَهُ لِوَاء بِيَدِهِ الْمُبَارَكَة وجهزه فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار أَرْبَاب الصوارم الفاتكة
فَخرج يحمل لِوَاءُهُ بُرَيْدَة بن الْحصيب وعسكر بالجرف مستعينا بعالم الشَّهَادَة والغيب فَاجْتمع لَدَيْهِ أهل البدو والحضر وانتدب للغزو أَعْيَان النَّاس حَتَّى أَبُو بكر وَعمر وَتكلم قوم فِي إمارته وَهُوَ شَاب على الكهول فَصَعدَ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَر مغضبا وَذكر من تَقْدِيمه وتكريمه مَا وَردت بِهِ النقول
ثمَّ اضْطجع صلى الله عليه وسلم فِي مهاد الْمَرَض وَعرض لأسامة بل لجَمِيع الْمُسلمين من الشّغل بوفاته مَا عرض
ثمَّ إِنَّه سَار فِي خلَافَة أبي بكر إِلَى جِهَة قَصده وَلم يقدم أحد من الْمُسلمين على رد جَيْشه وَلَا حل عقده لَكِن أَبَا بكر سَأَلَهُ فِي عمر بن الْخطاب وَأَن يَأْذَن لَهُ فِي تخلفه عَنهُ فَأجَاب حَتَّى انْتهى بِنَاحِيَة البلقاء
إِلَى أهل أبنى فشن الْغَارة على الْأَعْلَى من مَنَازِلهمْ والأدنى وَحرق بُيُوتهم وأشجارهم ومزق أعوانهم وأنصارهم وأجال الْخَيل فِي عراصهم وَأصَاب كثيرا من سوابحهم وقلاصهم وسبى أَوْلَادهم ونساءهم وَأخذ أَمْوَالهم وَسَفك دِمَاءَهُمْ وَقتل قَاتل أَبِيه واستأصل الخامل مِنْهُم والنبيه واظهر للعسكر نتيجة مَا خص بِهِ من التَّفْضِيل وَقسم الْجُمْلَة المجتمعة من الْغَنَائِم بَينهم على التَّفْصِيل
ثمَّ أَسْرج للرحيل خيله حَتَّى قدم الْمَدِينَة فِي خمس عشرَة لَيْلَة فَخرج أَبُو بكر وَالنَّاس مستبشرين إِلَى لِقَائِه وَهَذِه آخر سَرِيَّة بعثها رَسُول الله وَخَاتم أنبيائه
(للنجم قد سامى أُسَامَة رفْعَة
…
وَلم لَا وَخير الْخلق نوه باسمه)
(وافى إِلَى أَرض الشآم بمحفل
…
فرق العدى ذلت لعزة عزمه)
(وَلكم أَقَامَ بغزو الرّوم من
…
علم يلوح بِعِلْمِهِ وبحزمه)
سحر لبيد بن الأعصم الْيَهُودِيّ
لما رَجَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من الْحُدَيْبِيَة فِي جَيْشه الْأَعْظَم جَاءَت رُؤَسَاء يهود المظهرون لِلْإِسْلَامِ إِلَى لبيد بن الأعصم وَكَانَ أعلمهم بِالسحرِ والسموم وطلبوا مِنْهُ أَن يسحر لَهُم الْمَحْفُوظ بِمن حفظ السَّمَاء بالنجوم وَجعلُوا لَهُ على ذَلِك جعلا فأجابهم قولا وَاتبع القَوْل فعلا
واجتهدوا فِي أمره وسحره حَتَّى وجد من تغير حَاله مَا أنكرهُ وَأخذ عَن النِّسَاء وَالطَّعَام وَالشرَاب وَكَانَ يخيل إِلَيْهِ فعل مَا لم يَفْعَله حَتَّى عَاده الْأَصْحَاب
ثمَّ أَتَاهُ ملكان وَهُوَ بَين النَّائِم وَالْيَقظَان فَأَخْبَرَاهُ بِالسحرِ وبمن سحر وَأَنه فِي مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر وَهُوَ تَحت صَخْرَة فِي بِئْر ذروان وأنزلت عَلَيْهِ السورتان المعوذتان
فَجهز لإظهاره من ألهم رشده وَجعل كلما يقْرَأ آيَة تنْحَل عقدَة وشفي مِمَّا كَانَ يجده صلى الله عليه وسلم ثمَّ عَفا عَن السَّاحر الْيَهُودِيّ بعد أَن اعْترف بِذَنبِهِ لَدَيْهِ
(حسد الْيَهُود مُحَمَّدًا فتجمعوا
…
كي يزرأه بِسحر نجل الأعصم)
(خسروا وخابوا حَيْثُ أعلمهُ بِهِ
…
من علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم)
شَاة زَيْنَب بنت الْحَارِث الْيَهُودِيَّة
لما كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي غَزْو الْيَهُود بِخَيْبَر وَقتل من قتل فِيهَا من أكَابِر ذَوي الخزي الْأَكْبَر أَتَتْهُ زَيْنَب بنت الْحَارِث الْيَهُودِيَّة وأهدت إِلَيْهِ شَاة مَسْمُومَة مصلية فَوضعت بَين يَدَيْهِ وَبَعض أَصْحَابه حُضُور وَكَانَ فيهم بشر بن الْبَراء بن معْرور فنهس عليه السلام من ذراعها نهسة وَتَنَاول بشر مِنْهَا لقْمَة أسكنته فِي ليلته رمسة
فَلَمَّا ازدرد لقمته أعلمهم بعاقبتها المذمومة وَقَالَ إِن هَذِه الذِّرَاع تُخبرنِي أَنَّهَا مَسْمُومَة وَطرح مِنْهَا لكَلْب فَلم يتبع يَده حَتَّى مَاتَ وَكم لَهُ من معْجزَة باهرة الأمارات ظَاهِرَة العلامات
ثمَّ دَعَا الْيَهُودِيَّة وسألها عَن الْحَامِل لَهَا على ضره فَقَالَت قلت إِن كَانَ نَبيا فستخبره الشَّاة وَإِن كَانَ ملكا اسْتَرَحْنَا من شَره فَدَفعهَا إِلَى وُلَاة ابْن معْرور فَقَتَلُوهَا بِهِ على الصَّحِيح من القَوْل فِي المسطور
وَلم يزل يعاوده ألم أكله خَيْبَر إِلَى أَن قطعت مِنْهُ كَمَا ورد عَنهُ الإبهر
وعاش بعد الْأكلَة الْمَذْكُورَة ثَلَاثَة أَعْوَام ثمَّ علا على درج الشَّهَادَة مَعَ مَا أتحفه الله بِهِ من الْإِكْرَام
(وضعت بِخَيْبَر للنَّبِي شويهة
…
مَسْمُومَة بِإِشَارَة الْكفَّار)
(فتكلمت فِي الْكَفّ مِنْهُ ذراعها
…
عَن سمها خوفًا على الْمُخْتَار)
(هَذَا وَكم للمصطفى من آيَة
…
سيارة فِي سَائِر الأقطار)
الإستغفار لأهل البقيع
أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يسْتَغْفر لأهل البقيع وَأَتَاهُ الْآتِي بذلك وَهُوَ فِي بَيته ضجيع فَخرج فِي جَوف اللَّيْل واستغفر لَهُم طَويلا وَصلى عَلَيْهِم بِإِذن من أمره أَن يَتَّخِذهُ وَكيلا وهنأهم بِمَا أَصْبحُوا فِيهِ وَذكر من إقبال الْفِتَن مَا لَا يُمكن تلاقيه وَعرف من كَانَ مَعَه من صَحبه أَنه خير بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَاخْتَارَ لِقَاء ربه
ثمَّ صلى على أهل أحد كَالْمُودعِ للأحياء والأموات فَلَمَّا انْصَرف لَازمه الوعك إِلَى أَن علت بوفاته الْأَصْوَات
(قبل الْوَفَاة أَتَى النَّبِي مودعا
…
أهل البقيع مُصَليا مُسْتَغْفِرًا)
(وَاخْتَارَ لقيا ربه سُبْحَانَهُ
…
فِي جنَّة الفردوس لما خيرا)
وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
دعث لليلتين بَقِيَتَا من صفر ثمَّ حصل لَهُ من الوعك مَا أتعب الخواطر وشغل الْفِكر واشتدت حرارة الْحمى عَلَيْهِ وانصبت مواد الوصب إِلَيْهِ فهرع الْمُسلمُونَ إِلَى عيادته وتألم المخلصون فِي محبته وإرادته
وَكَانَ فِي مَرضه يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَيقْرَأ الْقُرْآن حَتَّى قَرَأَ فِي لَيْلَة سبعين سُورَة فِيهِنَّ الْبَقَرَة وَآل عمرَان فَلَمَّا ثقل قَالَ (مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ) وَألبسهُ من الْخلَافَة والإئتمام بِهِ فِي الصَّلَاة أَفْخَر لِبَاس وَأمر بسد الْأَبْوَاب الْمَفْتُوحَة فِي الْمَسْجِد إِلَّا بَابه وَخرج عاصبا رَأسه فَخَطب وَأثْنى عَلَيْهِ بِمحضر من الصَّحَابَة
وجاءه جِبْرِيل يعودهُ من جِهَة الله إِكْرَاما لَهُ فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ملك الْمَوْت وَلم يسْتَأْذن على أحد من الْأَنْبِيَاء الْأَعْلَام
فَلَمَّا نزل بِهِ مَا لَا محيد لِلْخلقِ عَن لِقَائِه جعل يمسح وَجهه بِالْمَاءِ وَيسْأل الْإِعَانَة فِي دُعَائِهِ ثمَّ شخص بَصَره إِلَى السَّمَاء حَيْثُ حَان التَّحْوِيل وَخير فَاخْتَارَ الرفيق الْأَعْلَى مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل
وَتُوفِّي لاثنتى عشرَة من ربيع الأول عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ على الصَّحِيح وغسله الْعَبَّاس وَعلي وَمن مَعَهُمَا وهم الَّذين وسدوه فِي الضريح وكفن فِي
ثَلَاثَة أَثوَاب سحُولِيَّة لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة وَصلى الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ أفذاذا لَا يقدم أحد مِنْهُم على الْإِمَامَة
وَدفن فِي بَيت عَائِشَة وَفِيه كَانَت وَفَاته صلى الله عليه وسلم
قَالَ أَبُو ذوئيب الْهُذلِيّ سَمِعت هاتفا قبل وَفَاته يَقُول
(خطب أجل أَنَاخَ بِالْإِسْلَامِ
…
بَين النخيل ومعقد الْآطَام)
(قبض النَّبِي مُحَمَّد فعيوننا
…
تذري الدُّمُوع عَلَيْهِ بالتسجام) وَقَالَ سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب من أَبْيَات
(لقد عظمت مُصِيبَتنَا وجلت
…
عَشِيَّة قيل قد قبض الرَّسُول)
(فأضحت أَرْضنَا مِمَّا عراها
…
تكَاد بِنَا جوانبها تَزُول)
(فَقدنَا الْوَحْي والتنزيل فِينَا
…
يروح بِهِ وَيَغْدُو جِبْرِيل)
(وَذَاكَ أَحَق مَا سَالَتْ عَلَيْهِ
…
نفوس النَّاس أَو كربت تسيل) وَقَالَت فَاطِمَة عليها السلام
(اغبر آفَاق السَّمَاء وكورت
…
شمس النَّهَار وأظلم الععصران)
(وَالْأَرْض من بعد النَّبِي كئيبة
…
أسفا عَلَيْهِ كَثِيرَة الرجفان)
(فليبكه شَرق الْبِلَاد وغربها
…
ولتبكه مُضر وكل يمَان)
(وليبكه الطود الْمُعظم جوه
…
وَالْبَيْت ذُو الأستار والأركان)
(يَا خَاتم الرُّسُل الْمُبَارك ضوؤه
…
صلى عَلَيْك منزل الْقُرْآن) وَقَالَت صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب
(أَلا يَا رَسُول الله كنت رجاءنا
…
وَكنت بِنَا برا وَلم تَكُ جَافيا)
(وَكنت رحِيما هاديا ومعلما
…
وليبك عَلَيْك الْيَوْم من كَانَ باكيا)
(لعمرك مَا أبْكِي النَّبِي لفقده
…
وَلَكِن لما أخْشَى من الْهَرج آتِيَا)
(أفاطم صلى الله رب مُحَمَّد
…
على جدث بِيَثْرِب ثاويا)
(فدى لرَسُول الله أُمِّي وخالتي
…
وَعمي وآبائي وَنَفْسِي وماليا)
(نصحت وَبَلغت الرسَالَة صَادِقا
…
ومت صَلِيب الْعود أَبْلَج صافيا)
(عَلَيْك من الله السَّلَام تَحِيَّة
…
وأدخلت جنَّات من العدن رَاضِيا) ،، تمّ بِحَمْد الله،،