الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّبَّاغِ، عَنِ الْحُسَيْنِ يَعْنِي ابْنَ عَلِيٍّ وَلا أَعْلَمُهُ إِلا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ شَهِدَ أَمْرًا فَكَرِهَهُ كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهُ، وَمَنْ غَابَ عَنْ أَمْرٍ فَرَضِيَ بِهِ كَانَ كَمَنْ شَهِدَهُ» .
بَابٌ:
1807 -
حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ قَالَ: لَمَّا هَزَمَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَالَ الْمُعَلَّى: فَخَشِيتُ أَنْ أَجْلِسَ فِي حَلْقَةِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ فَأُوجَدُ فِيهَا فَأُعْرَفُ فَأَتَيْتُ الْحَسَنَ فِي مَنْزِلِهِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعْدٍ، كَيْفَ بِهَذِهِ الآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 62] ؟ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ الْقَوْمَ عَرَضُوا السَّيْفَ فَحَالَ السَّيْفُ دُونَ الْكَلامِ.
قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ فَهَلْ تَعْرِفُ لِمُتَكَلِّمٍ فَضْلا؟ قَالَ: لا.
قَالَ الْمُعَلَّى: ثُمَّ حَدَّثْتُ بِحَدِيثَيْنِ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَدِيثٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلا لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِالْحَقِّ إِذَا رَآهُ أَنْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ، فَإِنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلا يُبْعِدُ مِنْ رِزْقٍ» .
قَالَ: ثُمَّ حَدَّثَ الْحَسَنُ بِحَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» .
قِيلَ: وَمَا إِذْلالُهُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: «يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاءِ لِمَا لا يُطِيقُ» .
قِيلَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ فَيَزِيدُ الضَّبِّيُّ وَكَلامُهُ فِي الصَّلاةِ؟ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى نَدِمَ.
قَالَ الْمُعَلَّى: فَقُمْتُ مِنْ مَجْلِسِ الْحَسَنِ فَأَتَيْتُ يَزِيدَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا مَوْدُودٍ بَيْنَا أَنَا وَالْحَسَنُ نَتَذَاكَرُ إِذْ نَاصَبْتُ أَمْرَكَ نَصَبًا.
فَقَالَ: مَهْ يَا أَبَا الْحَسَنِ.
قَالَ: قُلْتُ: قَدْ فَعَلْتَ.
قَالَ: فَمَا قَالَ الْحَسَنُ؟ قُلْتُ: قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى نَدِمَ عَلَى مَقَالَتِهِ.
قَالَ يَزِيدُ: مَا نَدِمْتُ عَلَى مَقَالَتِي وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ قُمْتُ مَقَامًا أَخْطِرُ فِيهِ بِنَفْسِي.
قَالَ يَزِيدُ: فَأَتَيْتُ الْحَسَنَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ غُلِبْنَا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ نُغْلَبُ عَلَى صَلاتِنَا.
فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا إِنَّكَ تُعَرِّضُ نَفْسَكَ لَهُمْ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَتِهِ.
قَالَ: فَقُمْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَكَمُ بْنُ أَيُّوبَ يَخْطُبُ فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ الصَّلاةُ.
قَالَ: فَلَمَّا قُلْتُ ذَلِكَ احْتَوَشَتْنِي الرِّجَالُ يَتَعَاوَرُونِي فَأَخَذُوا بِلِحْيَتِي وَتَلْبِيبَتِي وَجَعَلُوا يَجِئُونَ بَطْنِي بِنِعَالِ سُيُوفِهِمْ وَمَضَوْا بِي نَحْوَ الْمَقْصُورَةِ فَمَا وَصَلْتُ إِلَيْهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي دُونَهُ.
قَالَ: فَفُتِحَ لِي بَابُ الْمَقْصُورَةِ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيِ الْحَكَمِ وَهُوَ سَاكِتٌ.
فَقَالَ: أَمَجْنُونُ أَنْتَ؟ وَمَا كُنَّا فِي صَلاةٍ؟ فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ هَلْ مِنْ كَلامٍ أَفْضَلَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: لا.
قُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا نَشَرَ مُصْحَفًا يَقْرَؤُهُ غُدْوَةً إِلَى اللَّيْلِ أَكَانَ ذَلِكَ قَاضِيًا عَنْهُ صَلاتَهُ؟ قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسَبُكَ مَجْنُونًا.
قَالَ: وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ جَالِسٌ تَحْتَ مِنْبَرِهِ سَاكِتٌ.
فَقُلْتُ: يَا أَنَسُ، يَا أَبَا حَمْزَةَ، أُنْشِدُكَ اللَّهَ فَقَدْ خَدَمْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَحِبْتَهُ أَبِمَعْرُوفٍ قُلْتُ أَمْ بِمُنْكَرٍ؟ أَبِحَقٍّ قُلْتُ أَمْ بِبَاطِلٍ؟ قَالَ: فَلا وَاللَّهِ مَا أَجَابَنِي بِكَلِمَةٍ.
قَالَ لَهُ الْحَكَمُ بْنُ أَيُّوبَ: يَا أَنَسُ.
قَالَ: لَبَّيْكَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ.
قَالَ: وَكَانَ وَقْتُ الصَّلاةِ قَدْ ذَهَبَ؟ قَالَ: كَانَ بَقِيَ مِنَ الشَّمْسِ بَقِيَّةٌ.
فَقَالَ: احْبِسُوهُ.
قَالَ يَزِيدُ: فَأُقْسِمُ لَكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ - يَعْنِي لِلْمُعَلَّى - لَمَا لَقِيتُ مِنْ أَصْحَابِي كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ مَقَامِي.
قَالَ بَعْضُهُمْ: مِرَاءٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَجْنُونٌ.
قَالَ: فَكَتَبَ الْحَكَمُ إِلَى الْحَجَّاجِ: أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي ضَبَّةَ قَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ: الصَّلاةُ.
وَأَنَا أَخْطُبُ وَقَدْ شَهِدَ الشُّهُودُ الْعُدُولُ عِنْدِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ إِنْ كَانَتْ قَالَتِ الشُّهُودُ الْعُدُولُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ فَخَلِّ سَبِيلَهُ وَإِلا فَاقْطَعْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَاسْمِرْ عَيْنَيْنِ وَاصْلُبْهُ.
قَالَ: فَشَهِدُوا عِنْدَ الْحَكَمِ أَنِّي مَجْنُونٌ فَخَلَّى عَنِّي.
قَالَ الْمُعَلَّى عَنْ يَزِيدَ الضَّبِّيِّ: مَاتَ أَخٌ لَنَا فَتَبِعْنَا جَنَازَتَهُ؛ فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا دُفِنَ تَنَحَّيْتُ فِي عِصَابَةٍ فَذَكَرْنَا اللَّهَ وَذَكَرْنَا مَعَادَنَا فَإِنَّا كَذَلِكَ إِذْ رَأَيْنَا نَوَاصِيَ الْخَيْلِ وَالْحِرَابَ، فَلَمَّا رَآهُ أَصْحَابِي قَامُوا وَتَرَكُونِي وَحْدِي فَجَاءَ الْحَكَمُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيَّ فَقَالَ: مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ مَاتَ صَاحِبٌ لَنَا فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ وَدُفِنَ فَقَعَدْنَا نَذْكُرُ رَبَّنَا وَنَذْكُرُ مَعَادَنَا وَنَذْكُرُ مَا صَارَ إِلَيْهِ.
قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَفِرَّ كَمَا فَرُّوا؟ قُلْتُ أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ أَنَا أَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ سَاحَةً وَآمَنُ لِلأَمِيرِ مِنْ أَنْ أَفِرَّ.
قَالَ: فَسَكَتَ الْحَكَمُ.
فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكَ بْنُ الْمُهَلَّبِ وَكَانَ عَلَى شُرْطَتِهِ تَدْرِي مَنْ هَذَا؟ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْمُتَكَلِّمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
قَالَ: فَغَضِبَ الْحَكَمُ وَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَجَرِيءٌ؛ خُذَاهُ فَضَرَبَنِي أَرْبَعَ مِائَةِ سَوْطٍ فَمَا دَرَيْتُ حِينَ تَرَكَنِي مِنْ شِدَّةِ مَا ضَرَبَنِي قَالَ: وَبَعَثَنِي إِلَى وَاسِطٍ فَكُنْتُ فِي دِيمَاسِ الْحَجَّاجِ حَتَّى مَاتَ الْحَجَّاجُ.