الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حَرْفُ الْفَاءِ] [
الْفَاسِدُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]
الْفَاسِدُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ: الْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ عِنْدَنَا وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ الْحَجَّ وَالْخُلْعَ وَالْكِتَابَةَ وَالْعَارِيَّةَ، وَصُورَةُ الْحَجِّ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَجِيءُ عَلَى وَجْهٍ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ وَهُوَ مُجَامِعٌ.
وَحُكْمُ الْفَاسِدِ أَنَّهُ يَجِبُ الْمُضِيُّ " فِيهِ "، بِخِلَافِ الْبَاطِلِ كَالرِّدَّةِ.
وَصُورَةُ الْخُلْعِ الْفَاسِدِ " أَنَّهُ يُوجِبُ " الْبَيْنُونَةَ وَيُفْسِدُ الْمُسَمَّى، وَالْبَاطِلُ مَا أَسْقَطَ " الطَّلَاقَ " بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ أَسْقَطَ بَيْنُونَةً مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مُلْغًى.
وَصُورَةُ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ مَا أَوْقَعَتْ الْعِتْقَ وَأَوْجَبَتْ عِوَضًا فِي الْجُمْلَةِ، وَالْبَاطِلَةُ مَا لَا تُوجِبُ عِتْقًا أَصْلًا أَوْ أَوْجَبَتْهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ تَعْلِيقًا لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْعِوَضِ، فَالْبَاطِلَةُ لَاغِيَةٌ وَالْفَاسِدَةُ تُشَارِكُ الصَّحِيحَةَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهَا.
وَصُورَةُ الْعَارِيَّةِ فِي إعَارَةِ النَّقْدِ " لِلتَّزْيِينِ " هَلْ تَصِحُّ؟ وَجْهَانِ، فَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ وَإِنْ فَسَدَتْ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ حُكْمُ الصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ وَالثَّانِي لَا تُضْمَنُ؛ لِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ بَاطِلَةٌ.
وَبَلَغَنِي عَنْ الشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ الْكَتَّانِيُّ " أَنَّهُ اسْتَدْرَكَ أَرْبَعَةً أُخَرَ، وَهِيَ الْوَكَالَةُ وَالْإِجَارَةُ وَعَقْدُ الْجِزْيَةِ وَالْعِتْقُ، وَنَحْتَاجُ لِتَصْوِيرِهَا، فَالْوَكَالَةُ تَفْسُدُ بِالتَّعْلِيقِ وَيَسْتَفِيدُ بِهَا جَوَازَ التَّصَرُّفِ، وَالْبَاطِلَةُ " لِاخْتِلَالِ " الْعَاقِدِ لَاغِيَةٌ، كَتَوْكِيلِ الصَّبِيِّ وَكَذَا الْمَرْأَةُ فِي النِّكَاحِ، وَصُورَةُ الْعِتْقِ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ سَوَاءٍ؛ لِأَنَّهُ افْتِدَاءٌ.
وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: " إنَّهُ " لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى خَمْرٍ أَوْ مَغْصُوبٍ فَفَعَلَ نَفَذَ الْعِتْقُ " عَنْ " الْمُشْتَرِي، وَلَزِمَهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ الصُّلْحُ عَنْ الدَّمِ، وَصُورَةُ الْجِزْيَةِ أَنْ تُعْقَدَ " بِإِخْلَالِ " شَرْطٍ وَحُكْمُهَا أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ بَعْضُهُمْ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ عِنْدَنَا سَنَةً " أَوْ أَكْثَرَ " وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارٌ وَلَا يَجِبُ الْمُسَمَّى، وَأَمَّا الْبَاطِلَةُ فَبِأَنْ يَعْقِدَهَا بَعْضُ الْآحَادِ مَعَ الذِّمِّيِّ، فَإِذَا أَقَامَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارٌ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ، كَمَا لَوْ فَسَدَ عَقْدُ الْإِمَامِ، وَأَصَحُّهُمَا لَا؛ لِأَنَّهُ لَغْوٌ، وَصُورَةُ " الْإِجَارَةِ ".
الثَّانِي: فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَمَعْنَى " ذَلِكَ " أَنَّ مَا اقْتَضَى صَحِيحُهُ الضَّمَانَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْعَمَلِ فِي الْقِرَاضِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ فَيَقْتَضِي فَاسِدُهُ " أَيْضًا الضَّمَانَ "؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَمَا لَا يَقْتَضِي صَحِيحُهُ الضَّمَانَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ كَالرَّهْنِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْأَمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ،
وَالتَّبَرُّعِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لَا يَقْتَضِيهِ فَاسِدُهُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْمُوجِبُ لَهُ هُوَ الْعَقْدُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا الْيَدُ؛ لِأَنَّهَا " إنَّمَا " جُعِلَتْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ كُلَّ حَالٍ ضُمِنَ " فِيهَا الْعَقْدُ " الصَّحِيحُ ضُمِنَ " فِي مِثْلِهَا الْفَاسِدُ " فَإِنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ لَا يَجِبُ فِيهِ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا يُضْمَنُ الْعَيْنُ بِالثَّمَنِ وَالْمَقْبُوضُ " بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَجِبُ " فِيهِ " ضَمَانُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي " كَانَ فِي يَدِهِ " سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ أَمْ " تَلِفَتْ " تَحْتَ يَدِهِ، وَالْمَهْرُ " فِي " النِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَيَسْتَقِرُّ بِالْوَطْءِ، وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْوَطْءِ، " وَفِي الْإِجَارَةِ " الصَّحِيحَةِ تَجِبُ الْأُجْرَةُ " بِعَرْضِ الْعَيْنِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ " وَتَمْكِينُهُ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ " يَقْبِضْهُ "، وَفِي الْفَاسِدَةِ لَا تَجِبُ بِالْعَرْضِ، كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا يَفْتَرِقَانِ عَلَى وَجْهٍ فِي الْقَبْضِ إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ فَفِي الصَّحِيحَةِ يَضْمَنُ الْأُجْرَةَ وَفِي الْفَاسِدَةِ لَا، وَالْمَذْهَبُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِيهِ.
وَقَدْ اسْتَثْنَوْا مِنْ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ صُوَرًا.
أَمَّا الطَّرْدُ " فَالْأُولَى ": إذَا قَالَ: قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِي، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قِرَاضٌ فَاسِدٌ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةً فِي الْأَصَحِّ. الثَّانِيَةُ: إذَا سَاقَاهُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ " جَمِيعَهَا لِرَبِّ الْمَالِ فَكَالْقِرَاضِ "
الثَّالِثَةُ: إذَا سَاقَاهُ عَلَى وَدِيٍّ لِيَغْرِسَهُ وَيَكُونُ الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا أَوْ لِيَغْرِسَهُ وَيَتَعَهَّدَهُ مُدَّةً وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا، فَالصَّحِيحُ فَسَادُهَا ثُمَّ إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ " لَا تُتَوَقَّعُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَفِي اسْتِحْقَاقِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ الْوَجْهَانِ فِي اشْتِرَاطِ الثَّمَرَةِ " كُلِّهَا لِلْمَالِكِ، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، قَالَ " وَهَكَذَا " إذَا سَاقَاهُ عَلَى وَدِيٍّ مَغْرُوسٍ وَقَدْرِ مُدَّةٍ لَا يُثْمِرُ " فِيهَا فِي الْعَادَةِ. " الرَّابِعَةُ ": إذَا اسْتَأْجَرَ أَبُ الطِّفْلِ أُمَّهُ لِإِرْضَاعِهِ وَقُلْنَا: لَا يَجُوزُ لَمْ تَسْتَحِقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فِي الْأَصَحِّ.
الْخَامِسَةُ: إذَا اُسْتُؤْجِرَ الْمُسْلِمُ لِلْجِهَادِ وَقَاتَلَ وَقُلْنَا بِفَسَادِ " الْإِجَارَةِ " فَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ " الْغَنِيمَةِ " وَجْهَانِ " أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْهُ بِالْإِجَارَةِ " وَلَمْ يَحْضُرْ مُجَاهِدًا، وَالْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ صَرَفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى نَفْسِهِ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؟ السَّادِسَةُ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ لِمُسْلِمٍ: إنْ " دَلَلْتنِي " عَلَى قَلْعَةِ كَذَا فَلَكَ مِنْهَا جَارِيَةٌ وَلَمْ يُعَيِّنْهَا فَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ، كَمَا لَوْ جَرَى مَعَ كَافِرٍ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْجَعَالَةُ فَدَلَّ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً. السَّابِعَةُ: إذَا صَدَرَ عَقْدُ الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ لَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى الذِّمِّيِّ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ، وَوَجَّهَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْقَبُولَ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْإِيجَابَ لَغْوٌ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ شَيْئًا، " وَقِيلَ ": لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارٌ، كَمَا لَوْ " فَسَدَ " عَقْدُ الْإِمَامِ.
قُلْت: وَهَذَا مِنْ صُوَرِ الْبَاطِلَةِ لَا الْفَاسِدَةِ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ عَقْدٌ حَتَّى يُقَالَ: فَاسِدٌ، " وَهَذَا " الْبَحْثُ يَطْرُقُ غَالِبَ " هَذِهِ " الصُّوَرِ، وَيَظْهَرُ عَدَمُ اسْتِثْنَائِهَا.
وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ الْمُسَابَقَةَ وَالْمُنَاضَلَةَ، فَإِنَّ صَحِيحَهُمَا مَضْمُونٌ بِالْمُسَمَّى، وَفَاسِدَهُمَا لَا ضَمَانَ فِيهِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِيهِمَا وُجُوبُ الْأُجْرَةِ.
وَأَمَّا الْعَكْسُ فَصُوَرٌ.
مِنْهَا: الشَّرِكَةُ فَإِنَّ صَحِيحَهَا لَا يُوجِبُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ شَيْئًا وَفَاسِدَهَا يُوجِبُهُ.
وَالْهِبَةُ الصَّحِيحَةُ لَا ضَمَانَ فِيهَا وَالْفَاسِدَةُ تُضْمَنُ عَلَى وَجْهٍ نُقِلَ " تَرْجِيحُهُ " عَنْ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ.
وَلَوْ غَصَبَ عَيْنًا وَوَهَبَهَا أَوْ آجَرَهَا فَتَلِفَتْ فِي يَدِ " الْآخَرِ " كَانَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَتُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ " الْقَرَارُ " عَلَى الْغَاصِبِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْفَاسِدِ مَا يَشْمَلُ الْبَاطِلَ فَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ إعَارَةِ النَّقْدِ وَإِجَارَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يُضْمَنُ إذَا قُلْنَا: يَبْطُلُ، وَكَذَا الرَّهْنُ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ كَالصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِيمَا إذَا عَجَّلَ زَكَاتَهُ ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فَوَجَدَهُ تَالِفًا أَنَّ الْقَابِضَ يَضْمَنُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِيمَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْقَبْضِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا، لَكِنَّهُ " مُرَاعًى "، نَعَمْ إذَا ظَهَرَ قَابِضُ الزَّكَاةِ " مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا " فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا لِكَوْنِ الْقَابِضِ " لَا " يَمْلِكُ بِهِ فَهَذَا مِنْ الْقَبْضِ الْبَاطِلِ لَا الْفَاسِدِ.
الثَّالِثُ: حُكْمُ فَاسِدِ الْعُقُودِ حُكْمُ صَحِيحِهَا " فِي " التَّغَابُنِ فِيمَا يُحَطُّ وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَقُلْنَا: لَا يَصِحُّ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي " مَاذَا " يَغْرَمُ؟ " عَلَى " قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا ثَمَنُهُ، وَالثَّانِي يُحَطُّ النَّقْصُ الْمُحْتَمَلُ فِي الِابْتِدَاءِ، كَمَا إذَا " كَانَ " ثَمَنُهُ عَشْرَةً " وَيَتَغَابَنُ " فِيهِ بِدِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِثَمَانِيَةٍ يَغْرَمُ تِسْعَةً وَيَأْخُذُ الدِّرْهَمَ " الْبَاقِيَ " مِنْ الْمُشْتَرِي.
الرَّابِعُ: قَالَ الْعَبَّادِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَشُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ " فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ: كُلُّ عَقْدٍ " بِمُسَمًّى " فَاسِدٍ يُسْقِطُ الْمُسَمَّى إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا إذَا عَقَدَ الْإِمَامُ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ " السُّكْنَى " بِالْحِجَازِ عَلَى مَالٍ " فَهَذِهِ " إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، فَلَوْ " سَكَنُوا " " سَنَةً " وَمَضَتْ الْمُدَّةُ لَزِمَ الْمُسَمَّى لِتَعَذُّرِ إيجَابِ عِوَضِ الْمِثْلِ فَإِنَّ مَنْفَعَةَ دَارِ الْإِسْلَامِ " سَنَةً " لَا يُمْكِنُ أَنْ تُقَابَلَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا فَيَتَعَيَّنُ إيجَابُ الْمُسَمَّى. قُلْت: وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ " سَكَنُوا " بَعْضَ الْمُدَّةِ وَجَبَتْ الْحِصَّةُ مِنْ الْمُسَمَّى وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ.
وَيَلْتَحِقُ بِهَا صُوَرٌ: مِنْهَا: لَوْ قَالَ: أَحْرِقْ ثَوْبِي أَوْ أَهْدِمْ دَارِي أَوْ أَتْلِفْ هَذَا الطَّعَامَ بِشَرْطِ أَنْ تَضْمَنَ ذَلِكَ " لِي " بِعَبْدٍ صِفَتُهُ، كَذَا بِصِفَةِ السَّلَمِ فَإِنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ إذَا أَقْدَمَ عَلَى الْإِتْلَافِ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى دُونَ الْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ دُونَ " الْمِثْلِ " فِيمَا لَهُ مِثْلٌ، نَقَلَ هَذِهِ الصُّورَةَ صَاحِبُ كِتَابِ جَوَاهِرِ التَّنْبِيهِ ".
وَمِنْهَا: لَوْ عَقَدَ الْإِمَامُ الذِّمَّةَ لِجَمَاعَةٍ كُلٌّ مِنْهُمْ بِأَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَهَذَا عَقْدٌ فَاسِدٌ، ثُمَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ إذَا مَضَتْ السَّنَةُ، إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ قَالَ: لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ الْعَهْدَ إلَيْهِمْ حَتَّى يُجَدِّدُوا عَقْدًا صَحِيحًا.
وَمِنْهَا: لَوْ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ الْعَامِلَ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ " قِيلَ ": يَجِبُ الْمُسَمَّى وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ مَالِهِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْإِجَارَةِ.
وَمِنْهَا: لَوْ بَذَلَ " الْمَالِكُ " طَعَامَهُ لِلْمُضْطَرِّ " " بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَالْأَقْيَسُ لُزُومُهُ، وَقِيلَ: ثَمَنُ الْمِثْلِ وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَا تَشُقُّ عَلَى الْمُضْطَرِّ " لِيَسَارِهِ لَزِمَتْهُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْأَخْذِ قَهْرًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ فَهُوَ مُحْتَارٌ فِي الِالْتِزَامِ فَيَلْزَمُهُ قَطْعًا.
الْخَامِسُ: الْفَاسِدُ لَا يُمْلَكُ فِيهِ شَيْءٌ " وَيَلْزَمُهُ " الرَّدُّ وَمُؤْنَتُهُ وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ
الْبَدَلِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ إنْ عَلِمَ الْفَسَادَ وَكَذَا إنْ جَهِلَ فِي الْأَصَحِّ.
وَيُسْتَثْنَى صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ فِيهَا أَكْسَابَهُ.
الثَّانِيَةُ: إذَا صَالَحَنَا كَافِرًا بِمَالٍ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ فَدَخَلَ وَأَقَامَ، فَإِنَّا نَمْلِكُ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْفِرِنْجِ عَلَى " زِيَارَتِهِمْ " بَيْتَ لَحْمٍ " وَكَنِيسَةَ قُمَامَةَ "" فَإِنَّهُ " يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُونَ، كَمَا يَمْلِكُونَهُ بِالْمُصَالَحَةِ " عَلَى " دُخُولِ الْحَرَمِ.
السَّادِسُ: الْفَاسِدُ مِنْ الْعُقُودِ لَا يُوجِبُ الْمَالَ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: الصَّدَاقُ وَالْخُلْعُ وَكُلُّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ إذَا عُلِّقَ فَسَدَ بِالتَّعْلِيقِ إلَّا فِي الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ بِأَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ، وَكَذَا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ " فِيمَا " لَوْ قَالَ: الْمَالِكُ لِغَيْرِهِ: عَبْدِي عَنْك حُرٌّ بِأَلْفٍ إذَا جَاءَ الْغَدُ؛ فَقَالَ الْمُخَاطَبُ: قَبِلْت؛ عَتَقَ وَهَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ أَوْ الْمُسَمَّى؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي كَتَعْلِيقِ الْخُلْعِ.
السَّابِعُ: لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِفَسَادِ الصَّدَاقِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِحُرَّةٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ رَقَبَتُهُ صَدَاقَهَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَإِنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: فِيهِ احْتِمَالٌ لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَيْ وَهُوَ صَاحِبُ الشَّامِلِ.
الثَّانِيَةُ: نِكَاحُ الشِّغَارِ وَهُوَ إذَا قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك، وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُ الْأُخْرَى فَزَوَّجَهُ فَالنِّكَاحَانِ بَاطِلَانِ.
الثَّامِنُ: الْفَاسِدُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَحْكَامِ الصَّحِيحِ كَالصُّوَرِ السَّابِقَةِ فِي الْحَجِّ وَالْكِتَابَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْخُلْعِ " وَمَا أُلْحِقَ بِهَا وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ يَحْصُلُ الْعِتْقُ فِيهَا " بِالْأَدَاءِ "، وَكَذَا الْوَكَالَةُ الْفَاسِدَةُ " يَنْفُذُ " التَّصَرُّفُ مِنْ الْوَكِيلِ فِيهَا، وَكَذَا التَّسْمِيَةُ الْفَاسِدَةُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ تُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ كَالْخُلْعِ.
التَّاسِعُ: الْفَاسِدُ مِنْ الْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْإِذْنِ إذَا صَدَرَتْ مِنْ الْمَأْذُونِ صَحَّتْ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ إذَا أَفْسَدْنَاهَا فَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ صَحَّ لِوُجُودِ الْإِذْنِ، وَطَرَدَهُ الْإِمَامُ فِي سَائِرِ صُوَرِ الْفَسَادِ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحُجَّ عَنْهُ بِأُجْرَةٍ فَاسِدَةٍ أَوْ صَدَرَتْ الْإِجَارَةُ بِشَرْطٍ فَقَطَعَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ إذَا صَحَّ انْصَرَفَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ حَسَنٌ صَحِيحٌ لِصِحَّةِ الْإِذْنِ، وَهُوَ " بِمَثَابَةِ " الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مَعَ شَرْطِ عِوَضٍ " لِلْوَكِيلِ " فَاسِدٍ، " فَالْإِذْنُ " صَحِيحٌ وَالْعِوَضُ فَاسِدٌ، " قَالَ ": وَهَذَا يَظْهَرُ جَرَيَانُهُ فِيمَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِذْنِ الْمُجَرَّدِ وَالْحَجُّ كَذَلِكَ.
قُلْت: " وَقَضِيَّةُ " جَرَيَانِهِ فِيمَا لَوْ وَكَّلَ الْمَوْلَى بِتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَلَوْ زَوَّجَ صَحَّ نَظَرًا لِبَقَاءِ الْإِذْنِ، لَكِنَّ كَلَامَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ يُخَالِفُهُ.
الْعَاشِرُ: الْفَاسِدُ مِنْ الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا إذَا اطَّلَعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَجَبَ " عَلَيْهِ فَسْخُهُ " إذَا رُفِعَ إلَيْهِ، وَهَلْ يَفْسَخُهُ قَبْلَ التَّرَافُعِ خِلَافٌ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَمْ يُعْطَ فِيهِ الْفَاسِدُ بَعْضَ حُكْمِ الصَّحِيحِ فَإِنْ أُعْطِيَ كَالْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ الْإِبْطَالُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ السَّيِّدِ صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ تَعَاطِيهِ حَرَامٌ وَقَدْ سَبَقَ أَحْكَامُهُ " فِي حَرْفِ التَّاءِ ".
الثَّانِيَ عَشَرَ: لَا يَدْخُلُ الْفَاسِدُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا فِي صُوَرٍ: مِنْهَا: الْحَجُّ " يَحْنَثُ بِفَاسِدِهِ " كَصَحِيحِهِ.
وَمِنْهَا: إذْنُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ ضَمِنْت لِي " خَمْرًا " فَأَنْتَ حُرٌّ فَضَمِنَهَا عَتَقَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ عِنْدَ عِتْقِ أَمَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ " بِمَنْ حَلَفَ " لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ.
وَمِنْهَا: حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَ وَهُوَ جُنُبٌ حَنِثَ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ.
وَمِثْلُهُ: حَلَفَ لَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ فَوَطِئَ فِي الدُّبُرِ حَنِثَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ مُنَازَعٌ فِيهِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ حَنِثَ بِالْمِيتَةِ وَالْخِنْزِيرِ عَلَى وَجْهٍ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: الْقَبْضُ الْفَاسِدُ لَا أَثَرَ لَهُ إلَّا " فِيمَا " إذَا وَقَعَ فِي ضِمْنِ إذْنٍ " فَيَبْرَأُ " إلْغَاءً لِلْفَاسِدِ وَإِعْمَالًا لِلصَّحِيحِ، وَلِذَلِكَ صُوَرٌ: إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ لَهُ طَعَامٌ مُقَدَّرٌ عَلَى زَيْدٍ وَلِعَمْرٍو عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَقَالَ: اقْبِضْ مِنْ زَيْدٍ مَا لِي عَلَيْهِ لِنَفْسِك فَفَعَلَ فَالْقَبْضُ فَاسِدٌ وَتَبْرَأُ بِهِ ذِمَّةُ الدَّافِعِ عَنْ دَيْنِ الْآخَرِ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، فِيمَا إذَا بَاعَ نُجُومَ الْكِتَابَةِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي هَلْ يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ؟ قُلْت: لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ هُنَاكَ أَنَّهُ " لَا " يُعْتَقُ، وَيَحْتَاجُ " لِلْفَرْقِ ".
الثَّانِيَةُ ": فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ الْأَحْوَطُ الصَّرْفُ إلَى السَّيِّدِ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَهُ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِقَدْرِ الْمَصْرُوفِ مِنْ النُّجُومِ.
الثَّالِثَةُ: إذَا فَسَدَتْ وِلَايَةُ الْعَامِلِ وَقَبَضَ الْمَالَ مَعَ فَسَادِهَا بَرِئَ الدَّافِعُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَبْقَى وَإِنْ فَسَدَتْ الْوِلَايَةُ نَعَمْ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ بَعْدَ فَسَادِهَا لَمْ يَبْرَأْ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ إنْ عَلِمَ بِالنَّهْيِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَوَجْهَانِ كَالْوَكِيلِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ
قِسْمِ الْفَيْءِ " وَالْغَنِيمَةِ " عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ صِحَّةِ وِلَايَتِهِ وَفَسَادِهَا؟ قُلْنَا: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَظْهَرُ فِي الْإِجْبَارِ عَلَى الدَّفْعِ مَعَ صِحَّةِ الْوِلَايَةِ، وَلَيْسَ لَهُ الْإِجْبَارُ مَعَ فَسَادِهَا.
الرَّابِعَةُ: إذَا تَبَايَعَ الْكُفَّارُ بُيُوعًا فَاسِدَةً وَتَقَابَضُوا ثُمَّ تَرَافَعُوا إلَيْنَا لَمْ يُنْقَضْ مَا فَعَلُوا لِانْتِهَاءِ الْأَمْرِ وَنِجَازِهِ فِي الشِّرْكِ مَعَ كَوْنِهِمْ " يُقِرُّونَ ". نَعَمْ، لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَخْذُ أَثْمَانِ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَقَدْ خَالَفُوا هَذَا فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا تَقَابَضَا بَعْضَ الْعِوَضِ الْفَاسِدِ فِي حَالِ الشِّرْكِ ثُمَّ تَرَافَعُوا إلَيْنَا فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُبْطِلُ هَذِهِ الْكِتَابَةَ وَمَا " يُسَلِّمُهُ " لَا يَقَعُ مَوْقِعَهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْفَاسِدَةَ لَا تَنْبَرِمُ بِقَبْضِ بَعْضِ عِوَضِهَا قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الْكِتَابَةِ إنَّمَا يَقَعُ " بِتَسْلِيمِ الْكُلِّ، وَلِهَذَا إذَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الصَّحِيحَةِ أَوْ الْفَاسِدَةِ وَعَجَّزَ نَفْسَهُ سَقَطَ مَا دَفَعَهُ وَعَادَ كُلُّهُ رَقِيقًا وَهَذَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْعُقُولِ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: فَاسِدُ الْعِبَادَاتِ لَا يَلْحَقُ بِصَحِيحِهِ إلَّا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ " فَإِنَّهَا " بِالْفَسَادِ يَنْقَطِعُ حُكْمُهَا وَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ " عَهْدِهَا.
وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَجَبَ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ.
وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ " رحمه الله " فِي الْأُمِّ: وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ إلَّا الْحَجَّ فَمَنْ أَفْسَدَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ طَوَافًا وَمَضَى فِيهِ لَمْ يَجْزِهِ، وَكَانَ عَاصِيًا. " هَذَا " لَفْظُهُ.
وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَجَّ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْقَوْلِ " فَلَمْ " يَخْرُجْ مِنْهُ بِالْفِعْلِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَجَّ لَمَّا جَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ مَعَ مَا يُضَادُّهُ وَهُوَ مَا إذَا أَحْرَمَ مُجَامِعًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ فَاسِدًا فَلِهَذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِالْفَسَادِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ " فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ " مَعَ مَضَائِهِ، فَلِهَذَا خَرَجَ " مِنْهُ " بِالْفَسَادِ.
وَقَدْ يُورَدُ " عَلَى الْحَصْرِ فِي الْحَجِّ " أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: الصَّوْمُ فَإِنَّهُ إذَا أَفْسَدَهُ " لَزِمَهُ " الْإِمْسَاكُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْ الْمُفْطِرَاتِ وَهُوَ مِثْلُ الْحَجِّ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَعَلَى هَذَا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ جِمَاعٍ آخَرَ " لِاشْتِرَاكِ " الْعِبَادَتَيْنِ فِي أَنَّهُ ارْتَكَبَ " مَحْظُورًا " مِنْ مَحْظُورَاتِهِ بَعْدَ إفْسَادِهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ إفْسَادُ الصَّوْمِ وَهُوَ فَاسِدٌ فَلَمْ يُؤَثِّرْ.
الثَّانِي: لَوْ " اُضْطُرَّ " فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ " إلَى " الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ عُذِرَ فِي الْأَصَحِّ وَنَقَلَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ نَصِّ " الْإِمَامِ " أَنَّهَا تَبْطُلُ وَيَمْضِي " فِي صَلَاتِهِ " وَيُعِيدُ وَقَدْ يُؤَوَّلُ قَوْلُهُ: " تَبْطُلُ " أَنَّهَا لَا تُغْنِي عَنْ الْقَضَاءِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يَمْضِي فِيهَا مَعَ الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ، وَسَبَقَ فِي
نَصِّ الْأُمِّ التَّصْرِيحُ بِاخْتِصَاصِ الْحَجِّ بِذَلِكَ وَقَالُوا: الْفَاسِدُ لَا انْعِقَادَ لَهُ إلَّا فِي الْحَجِّ إذَا أَحْرَمَ مُجَامِعًا عَلَى وَجْهٍ أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ انْعَقَدَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَقَدْ يُورَدُ عَلَى الْحَصْرِ التَّحَرُّمُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا فَإِنَّهُ فَاسِدٌ وَيَنْعَقِدُ نَفْلًا.
الْخَامِسَ عَشَرَ: مَنْ شَرَعَ فِي عِبَادَةٍ " تَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ " ثُمَّ أَفْسَدَهَا فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَفْسَدَهَا مَعَ الْإِمْكَانِ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ الْمُسَافِرُ وَنَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ مُطْلَقًا ثُمَّ أَفْسَدَهَا " وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا "" تَامَّةً "؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى خَلْفَ مُقِيمٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا تَامَّةً.
وَمِنْهَا: لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ أَفْسَدَ نُسُكَهُ بِالْجِمَاعِ وَجَبَ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ " وَإِنْ " جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ دَمٌ كَالْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ " ذَكَرَ " هَذِهِ الْقَاعِدَةَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، وَاسْتَثْنَى مِنْهَا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً. وَهِيَ مَنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ " مَعَ الْإِمَامِ " ثُمَّ أَفْسَدَهَا يُعِيدُهَا ظُهْرًا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ جُمُعَةً، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ فَأَفْسَدَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ قَابِلٍ، لِأَنَّ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ لَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ، وَقَدْ أَفْسَدَهُ " فَلَزِمَهُ " قَضَاؤُهُ عَلَى صِفَةِ مَا أَفْسَدَهُ.