الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا أَنَّ الشُّرُوعَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ يُلْزَمُ بِهِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْهُ كَانَ قَضَاءً وَإِنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ " وَفِي الشُّرُوعِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ " خِلَافٌ " وَأَنَّ مَنْ تَرَكَ فَرْضَ عَيْنٍ أُجْبِرَ عَلَيْهِ قَطْعًا وَفِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ خِلَافٌ " وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَائِلِينَ " بِتَفْضِيلِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْعَيْنِ أَرَادُوا بِهِ الْجِنْسَ عَلَى الْجِنْسِ وَهُوَ مُنَازَعٌ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَنْ يَتَقَرَّبَ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَيَّ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِمْ» مَعَ أَنَّ فِي " تَعَلُّقِ " فَرْضِ الْكِفَايَةِ " بِالْجَمِيعِ " خِلَافًا.
وَأَمَّا الشُّبْهَةُ الَّتِي " اسْتَنَدَ " إلَيْهَا هَذَا الْقَائِلُ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَدِّيَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرِ وَلَيْسَتْ بِقَاعِدَةٍ مُطَّرِدَةٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ " فِي حَرْفِ الْعَيْنِ " وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَلَا شَكَّ فِي تَخْصِيصِهِ " بِمَنْ " سَبَقَ إلَيْهِ أَوَّلًا، أَمَّا مَنْ " فَعَلَهُ " ثَانِيًا فَلَا يَكُونُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا: يَقَعُ فَرْضًا؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ وَتَسْمِيَةَ الثَّانِي فَرْضًا إنَّمَا هُوَ لِحُصُولِ ثَوَابِ الْفَرْضِ.
[الْفَسْخُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]
ُ كَمَا تَعَلَّقَتْ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْعَقْدُ كَمَا سَبَقَ فِي حَرْفِ الْعَيْنِ.
الْأَوَّلُ: فِي حَقِيقَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الِانْفِسَاخُ انْقِلَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ إلَى دَافِعِهِ، وَالْفَسْخُ هُوَ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ إلَى صَاحِبِهِ فَهَذَا هُوَ فِعْلُ الْفَاسِخِ فَالْأَوَّلُ صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ " قَالَ " وَبِذَلِكَ رَدَدْنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ، لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رَدُّ الصَّدَاقِ " فَمَا " انْقَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَذَهَبَتْ حَقِيقَةُ الْفَسْخِ.
الثَّانِي: الْفُسُوخُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يَخْتَلِفُ فِي " تَعَلُّقِ " الْفَسْخِ بِهِ كَالْعُنَّةِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ " وَالْمَهْرِ " فَيُفْتَقَرُ إلَى الْحَاكِمِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ.
وَالثَّانِي: مَا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَى الْفَسْخِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْفَسْخُ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى الْحَاكِمِ مِثْلُ فَسْخِ الْأَمَةِ تُعْتَقُ تَحْتَ عَبْدٍ، لَمَّا أُجْمِعَ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ لَمْ يُفْتَقَرْ لِحَاكِمٍ وَإِنْ اخْتَلَفَ فِيهِ فِي مَوْضِعٍ وَهُوَ مَا إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ وَكَذَا الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ.
فَأَمَّا " إنْ " كَانَ الْخِلَافُ ضَعِيفًا يَسُوغُ نَقْضُ الْحُكْمِ بِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ الْفَسْخُ بِهِ إلَى حَاكِمٍ.
الثَّالِثُ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْفَسْخِ فَائِدَةٌ فَلَا يَمْلِكُهُ الْفَاسِخُ، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي
أَوَّلِ كِتَابِ الصَّدَاقِ.
وَلِهَذَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: لَوْ اسْتَأْجَرَ " شَخْصًا " لِيَحُجَّ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَنْ " مَيِّتٍ مِنْ مَالِهِ فَأَخَّرَ عَنْهَا فَلَا خِيَارَ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ إمَّا فِي تَحْصِيلِ الْحَجِّ فِي " هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ فَاتَ، وَإِمَّا فِي الِانْتِفَاعِ بِالْأُجْرَةِ وَصَرْفِهَا فِي أَغْرَاضِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الدِّيَاتِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ الْجَانِيَ ثُمَّ اطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ، قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَّا الرَّقَبَةُ: فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الرَّدِّ؟ فَيُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا " رَدَّ " فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ إنْ عَتَقَ " بِمَا " يَفْضُلُ عَنْ قِيمَتِهِ عَلَى قَوْلٍ.
وَمِنْهَا: الْفَسْخُ بِالْإِعْسَارِ بِالصَّدَاقِ لَا فَائِدَةَ لَهُ، لِأَنَّهَا إذَا فَسَخَتْ النِّكَاحَ وَتَزَوَّجَتْ لَا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الصَّدَاقَ عَلَى الزَّوْجِ، بَلْ يَسْقُطُ صَدَاقُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَبْقَى فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ.
وَلَوْ أُعْسِرَ بِصَدَاقِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ فَلَا خِيَارَ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ لَهَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ نِصْفُهُ وَبَعْدَ الدُّخُولِ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ، كَمَا كَانَ وَيَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ النَّفَقَةِ.
وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ عَبْدًا " مِنْ رَجُلٍ " ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ فِي يَدِهِ.
قَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ: يُنْظَرُ إنْ كَانَ مُشْتَرِيهِ قَدْ عَلِمَ بِهِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ نَظَرَ؛ إنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِ مَا بَاعَهُ أَوْ بِأَكْثَرَ لَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَهُ إنْ رَدَّهُ إلَيْهِ تَحْصُلُ لَهُ فَائِدَةٌ وَهُوَ عَوْدُ الثَّمَنِ الْأَكْثَرِ إلَيْهِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الَّذِي بَاعَهُ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا " لِأَنَّ مُشْتَرِيَهُ يَرُدُّ
عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي رَدِّهِ وَأَصَحُّهُمَا لَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَهُ رُبَّمَا " يَرْضَى " بِهِ فَلَا يَرُدُّهُ.
الرَّابِعُ: الْفُسُوخُ لَا يَدْخُلُهَا خِيَارٌ.
وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْإِقَالَةِ إنْ قُلْنَا: فَسْخٌ وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ ثَبَتَ.
كَذَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ اخْتَارَ عَيْنَ مَالِهِ الْمَبِيعِ مِنْ الْمُفْلِسِ لَزِمَهُ وَلَا خِيَارَ " فِيهِ "، وَقِيلَ: لَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ " شَبِيهٌ "، بِالْخِلَافِ فِي الشَّفِيعِ انْتَهَى.
وَلَمْ يَطَّرِدُ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْإِقَالَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَسْخٌ لِثُبُوتِهَا بِالتَّرَاضِي بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ.
وَلَوْ تَقَايَلَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ الْبَائِعُ عَلَى عَيْبٍ بِهِ حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْإِقَالَةِ إنْ قُلْنَا: فَسْخٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ الْإِقَالَةِ وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ لَهُ رَدُّ الْإِقَالَةِ إنْ كَانَ جَاهِلًا.
وَلَك أَنْ تُعَبِّرَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ.
" وَمِنْهُ مَا " فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي " الْبَيْعَ " بِعَيْبٍ قَدِيمٍ، وَكَانَ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ " أَنْ انْفَسَخَ " فَلَيْسَ
لَهُ فَسْخُ الرَّدِّ، لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَلْ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ، كَمَا لَوْ تَقَايَلَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْبَائِعِ فَسْخُ الرَّدِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ.
وَمِثْلُهُ قَوْلِهِمْ: إذَا قُلْنَا: " يَمْتَدُّ " خِيَارُ التَّصْرِيَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَاطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ " ثَلَاثٍ "، لَا رَدَّ لَهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الرَّدُّ وَيَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ انْتَهَى وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، فَقَالَ: إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ الثَّلَاثِ رَدَّ، كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَإِنَّمَا الثَّلَاثُ فُسْحَةٌ لَهُ إذَا عَلِمَ " التَّصْرِيَةَ " فِيهَا فَلَهُ تَأْخِيرُهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ وَالِانْفِسَاخَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعُقُودِ دُونَ الْفُسُوخِ، وَكَذَا الْعَزْلُ وَالِانْعِزَالُ، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ قَالَ " لَوْ " عَزَلَ الْمُودِعُ نَفْسَهُ فَوَجْهَانِ إنْ قُلْنَا: الْوَدِيعَةُ عَقْدٌ ارْتَفَعَتْ أَوْ مُجَرَّدُ إذْنٍ فَالْعَزْلُ لَغْوٌ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي تَنَاوُلِ طَعَامِهِ لِلضِّيفَانِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَزَلْت نَفْسِي فَيَلْغُو قَوْلُهُ. قُلْت: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي أَمِينِ الْمَالِكِ، أَمَّا الْأَمَانَاتُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ، فَلَوْ قَالَ: فَسَخْت الْأَمَانَةَ كَانَ عَلَى الْأَمَانَةِ، فَمَتَى لَمْ يَرُدَّ حَتَّى هَلَكَتْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّهَا لَا ضَمَانَ.
وَمِمَّا " يَبْنِي " عَلَى هَذَا أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَنْعَزِلُ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ.
وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ جَعَلَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ، فَقَالَ الْوَكِيلُ: عَزَلْت نَفْسِي لَا يَنْعَزِلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: أُلْزِمْت الْعَقْدَ فَيُلْزَمُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ فُلَانٍ فَقَالَ فُلَانٌ " عَزَلْت نَفْسِي عَنْ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِمَشِيئَتِي فَلَا يَصِحُّ بَلْ مَتَى شَاءَ وَقَعَ.
الْخَامِسُ: الْعَقْدُ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى مَوْجُودٍ بِالْقُوَّةِ أَوْ بِالْفِعْلِ لِيَشْمَلَ الْحَمْلَ إذَا بَاعَ الْحَامِلُ وَأَطْلَقَ، وَقُلْنَا: يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ.
وَأَمَّا الْفَسْخُ فَيُرَدُّ عَلَى الْمَعْدُومِ فِي مَوْضِعَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: بَابُ التَّحَالُفِ.
الثَّانِي: الْإِقَالَةُ.
وَقَالَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ " فِي كِتَابِ السَّلَمِ: لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ ثُمَّ اسْتَقَالَهُ الْبَائِعُ اسْتَرَدَّ مِنْهُ الثَّمَنَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ قِيمَةَ مَا أَكَلَ مِنْهُ، قَالَ الْقَفَّالُ " فَجُوِّزَ " الْفَسْخُ فِي التَّالِفِ، " لَكِنَّهُ " نَصَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَحَصَلَ قَوْلَانِ وَأَجْرَاهُمَا الْقَفَّالُ فَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِهِمَا عَيْبًا هَلْ لَهُ فَسْخُهُ فِي التَّالِفِ وَالْقَائِمِ؟ قَوْلَانِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ إنْ جَعَلْنَاهَا فَسْخًا عَلَى الْأَصَحِّ كَالْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ.
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَفِي الْإِقَالَةِ فِي " الثَّانِي " وَجْهَانِ بِالتَّرْتِيبِ " أَوْ " الْقَائِمُ تُصَادِفُهُ الْإِقَالَةُ، وَيَسْتَتْبِعُ التَّالِفُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ خَالَفُوا ذَلِكَ فِي الْفَسْخِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَدَّرُوا الِانْفِسَاخَ قُبَيْلَهُ، فَقَالُوا: لِأَنَّ التَّالِفَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فِيهِ، كَمَا لَا يَقْبَلُ
الْعَقْدَ فَاحْتَجْنَا " لِلتَّقْدِيرِ ".
" وَقَدْ ثَبَتَ " الْخِيَارُ فِي التَّالِفِ، كَمَا فِي إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِلْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ.
السَّادِسُ: سَائِرُ الْعُقُودِ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ الْخُلْعِ قَوْلَيْنِ فِي أَنَّ النِّكَاحَ هَلْ يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي؟ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ كَالْبَيْعِ، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّ وَضْعَ النِّكَاحِ عَلَى الدَّوَامِ وَالتَّأْيِيدِ وَإِنَّمَا يُفْسَخُ لِضَرُورَةٍ عَظِيمَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ. وَجَعَلَهَا أَصْلَ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ.
وَأَغْرَبَ الْإِمَامُ هُنَاكَ " أَيْضًا " فَنَقَلَ " عَنْ شَيْخِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ الْبَيْعَ هَلْ يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ " بِقَبُولِهِ " الْفَسْخَ. وَالْقَوْلَانِ فِي لَفْظِ الْإِقَالَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كُلُّ مَا فُرِضَ عَلَى التَّرَاضِي سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْفَسْخِ أَوْ الْإِقَالَةِ، فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلَا نَظَرَ إلَى لَفْظِ الْفَسْخِ فَالْفَسْخُ لَفْظٌ أَلِفَهُ الْفُقَهَاءُ وَمَعْنَاهُ رَدُّ شَيْءٍ وَاسْتِرْدَادُ مُقَابِلِهِ، وَالْإِقَالَةُ مِنْ طَرِيقِ اللِّسَانِ صَرِيحَةٌ فِي رَفْعِ مَا تَقَدَّمَ، وَرَدِّ الْأَمْرِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، أَمَّا الْجَائِزَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ تَرَاضِيهِمَا، بَلْ لِكُلٍّ مِنْهَا الْفَسْخُ، وَكَذَلِكَ فِي الْجَائِزَةِ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَالْمُرْتَهِنِ يَفْسَخُ الرَّهْنَ، وَالْعَبْدُ يَفْسَخُ الْكِتَابَةَ، وَالْعَامِلُ فِي الْجَعَالَةِ وَنَحْوِهِ.
السَّابِعُ: مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ فَقَالَ: أَسْقَطْته هَلْ يَسْقُطُ؟ نَظَرٌ، إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَجَدَّدُ
ضَرَرُهُ سَقَطَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَجَدَّدُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَسْقُطُ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ السَّلَمِ، وَقَدْ " بَيَّنْت " فُرُوعَهَا فِي بَحْثِ الْخِيَارِ.
الثَّامِنُ: الْفَسْخُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الرَّافِعُ لِلْعَقْدِ كَالْفَسْخِ بِعَيْبِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ أَوْ تَلَفِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ " بِعَيْبِ " أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ.
وَالْمَجَازُ أَنْ لَا يَكُونَ رَافِعًا، " بَلْ " قَاطِعًا كَالطَّلَاقِ لَيْسَ رَفْعًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ قَطْعًا لِلْعِصْمَةِ، " وَكَذَلِكَ " الْعِتْقُ وَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ قَاطِعٌ لِلْمِلْكِ وَالْفَسْخُ رَافِعٌ لِلْعَقْدِ الْمُقْتَضِي لِلْمِلْكِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي " أَنَّ " الْفَسْخَ بِعَيْبِ الْمَبِيعِ هَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَقُولَ: إذَا قُلْنَا مِنْ حِينِهِ فَهُوَ وَالْقَطْعُ سَوَاءٌ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَشِرَاؤُهُ اقْتَضَى أَحْكَامًا مِنْ الْمِلْكِ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ مَثَلًا " أَوْ بَاعَهُ " أَوْ وَهَبَهُ كَانَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ قَاطِعَةً لِلْمِلْكِ وَلَيْسَتْ رَافِعَةً " لِشِرَائِهِ "، لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ آثَارِهِ، فَكَيْف تَرْفَعُهُ، فَإِنَّ شِرَاءَهُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَى إعْتَاقِهِ، فَإِذَا رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ " رَجَعَ " إلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَكَانَ الْمِلْكُ الثَّانِي مُسْتَفَادًا مِنْ شِرَائِهِ السَّابِقِ عَلَى بَيْعِهِ، وَلَيْسَ مِلْكًا جَدِيدًا بِالْفَسْخِ، وَلَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ كَانَ عَوْدُهُ إلَيْهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ مُبْتَدَأً.
وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا " رَدُّهُ " لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ رَدَّهُ " عَلَيْهِ بِعَيْبٍ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ لَا يُعْتَقُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيقًا قَبْلَ الْمِلْكِ، " لِأَنَّ
الْمِلْكَ " الْعَائِدَ هُوَ الْأَوَّلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ " حَيْثُ " فَرَّقُوا بَيْنَ رُجُوعِهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَرُجُوعِهِ بِالْأَوَّلِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ.
التَّاسِعُ: الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ هَلْ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ؟ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ: الثَّانِي " حَيْثُ يَفُوزُ الرَّدُّ " بِالزَّوَائِدِ، وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْخِيَارِ إلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَعُودُ إلَى " الْفَاسِخِ " مَعَ الْفَسْخِ " أَوْ قَبْلَهُ "، وَهَذَا النَّظَرُ أَدَقُّ مِمَّا قَبْلَهُ.
وَالْمُرَادُ بِارْتِفَاعِهِ مِنْ حِينِهِ ارْتِفَاعُ الْمِلْكِ " فِي الْمَبِيعِ " فَقَطْ دُونَ زَوَائِدَ، وَهَذَا الْخِلَافُ يَجْرِي فِي الْفَسْخِ " بِخِيَارِ " الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي الْإِقَالَةِ، وَقِيلَ: فِي الْإِقَالَةِ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَيَجْرِي فِي الْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ.
وَلَوْ فُسِخَ الْمَبِيعُ بِالْفَلَسِ لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَى الثَّمَنِ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا وَالزَّوَائِدُ لَهُ قَطْعًا.
وَمِثْلُهُ رُجُوعُ الْوَالِدِ فِي هِبَةِ الْوَلَدِ، وَيَجْرِي فِي الِانْفِسَاخِ أَيْضًا، فَإِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ، وَهَلْ يُقَدَّرُ ارْتِفَاعُ الْعَقْدِ مِنْ حِينِ التَّلَفِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ.
وَهُنَا تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ حَكَوْا هَذَا الْخِلَافَ فِي الْفَسْخِ وَلَمْ يُطْرِدُوهُ فِي الْإِجَازَةِ هَلْ تَقْتَضِي اسْتِقْرَارَ الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ حُدُوثِهِ مِنْ حِينِهَا؟
وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُمْ لَمْ يُجْرُوا هَذَا الْخِلَافَ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، وَالْقِيَاسُ مَجِيئُهُ فِي الْفَسْخِ بِالْعُيُوبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ مِنْ أَصْلِهِ " أَنْ يُتَبَيَّنَ " " عَدَمُ الْوُقُوعِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الشَّرْعَ سَلَّطَ الْعَاقِدَ عَلَى رَفْعِ أَحْكَامِهِ وَجَعَلَهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَإِنْ كَانَتْ عُيُوبُهَا مُخْتَلِفَةً، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ فِي النِّكَاحِ.
إمَّا أَنْ يَرْفَعَ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ.
فَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْلِهِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَمْ يَجِبْ الْمُسَمَّى سَوَاءٌ كَانَ بِمُقَارِنٍ " أَوْ بِحَادِثٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ أَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ ".
وَإِنْ كَانَ مِنْ حِينِهِ وَجَبَ الْمُسَمَّى وَلَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ.
وَالتَّفْصِيلُ مَا وَجْهُهُ؟ وَلِهَذَا السُّؤَالِ اخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَفْعٌ " لِلْعَقْدِ " مِنْ حِينِ حُدُوثِ سَبَبِهِ لَا مِنْ أَصْلِ الْعَقْدِ وَلَا مِنْ حِينِ الْفَسْخِ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهَا الْمَنَافِعُ وَهِيَ لَا " تُقْبَضُ " حَقِيقَةً، إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ " وَأَمَّا " الْفَسْخُ فِي النِّكَاحِ بِالرِّدَّةِ وَالرَّضَاعِ وَالرِّقِّ وَالْإِعْسَارِ وَنَحْوِهِ قَاطِعَةٌ لَهُ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا وَلَا تَعُودُ إلَى أَصْلِ " الْعَقْدِ " " قَطْعًا وَلَا يَقْتَضِي تَرَادَّ الْعِوَضَيْنِ، بَلْ إنْ كَانَ مِنْهُمَا سَقَطَ
الْمَهْرُ "، وَإِلَّا فَلَا.
وَلِهَذَا إذَا " اشْتَرَتْ " زَوْجَهَا سَقَطَ فِي الْأَصَحِّ " وَإِذَا " اشْتَرَاهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يُشْطَرُ فِي الْأَصَحِّ.
الْعَاشِرُ: أَنَّهُمْ فَصَلُوا فِي النِّكَاحِ بَيْنَ الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَالْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فِي تَشْطِيرِ الصَّدَاقِ " وَتَكْمِيلِهِ " وَلَمْ يَذْكُرُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَنَقَلُوا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَلْحَقَ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ بِالنِّكَاحِ، وَقَالَ فِي الْجَمِيعِ مَا كَانَ فَسْخًا حَقِيقَةً يَقْتَضِي رَدَّ الْعِوَضِ وَمَا كَانَ فَسْخًا غَيْرَ حَقِيقِيٍّ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الِاخْتِيَارِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَقَالَ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ أَبِيهِ بِعَشْرَةٍ " دَفَعَهَا " وَاسْتَنْفَقَهَا الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَخَلَّفَ الدَّارَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَهَلْ تَنْفَسِخُ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: لَا، وَالثَّانِي، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: نَعَمْ، وَقَالَ الشَّارِحُونَ: هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الشِّرَاءِ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: تَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِصِفَةٍ لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَوْ قَالَتْ الْأَمَةُ: مَتَى أُعْتِقْت تَحْتَ " هَذَا " الْعَبْدِ فَقَدْ اخْتَرْت فَسْخَ نِكَاحِهِ لَمْ يَصِحَّ.
وَلَوْ أَسْلَمَ عَنْ زَوْجَاتٍ مُشْرِكَاتٍ وَقَالَ: كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ فَقَدْ اخْتَرْت فَسْخَ نِكَاحِهَا؛ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا إنْ أَرَادَ " بِهِ " حِلَّ عَقْدِ النِّكَاحِ.
الثَّانِيَ عَشَرَ: الْفُسُوخُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي ابْتِدَاءِ الْعُقُودِ.
وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا بِثَوْبٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَهُ اسْتِرْدَادُ الْعَبْدِ فِي الْأَصَحِّ.
وَلَوْ وَجَدَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ بِهِ عَيْبًا فَقِيلَ: يَرُدُّهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: عَلَى الْوَجْهَيْنِ.
وَلَوْ تَقَايُلًا حَيْثُ لَا عَيْبَ وَقُلْنَا: الْإِقَالَةُ فَسْخٌ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ اغْتَفَرُوا فِيهَا حُصُولَ مِلْكِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْفَسْخِ وَإِنْ " لَمْ " يُخَيِّرُوهُ ابْتِدَاءً.
وَمِنْهُ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ، وَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَجْهَانِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ، " وَرَجَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ الْجَوَازَ "، وَادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَيَتَأَيَّدُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْفَسْخُ " فَأَجَازَ " ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي صُوَرٍ يَضْبِطُهَا أَنْ يَدُومَ الضَّرَرُ، وَقَدْ سَبَقَتْ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: إذَا اجْتَمَعَ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ تَغْلِبُ الْإِجَازَةُ إلَّا فِي " صُورَتَيْنِ "" إحْدَاهُمَا " إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَأَعْتَقَهَا فَالْإِجَازَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْفَسْخِ فِي الْأَصَحِّ.