الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالضَّابِطُ: أَنَّ الْوَضْعَ إنْ كَانَ " مُحْتَرَمًا " فَعَيْنٌ وَأَلَّا فَأَثَرٌ
[الْقَضَاءُ مُقَابِلُ الْأَدَاءِ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]
ُ: الْأَوَّلُ: لَا يُؤْمَرُ بِهِ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ " سَبَبُ " الْأَمْرِ بِالْأَدَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّبَبِ " الْمُقْتَضِي " مَا هُوَ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ سَوَاءٌ قَارَنَهُ مَانِعٌ مِنْ تَرَتُّبِ حُكْمِهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَإِذَا تَقَدَّمَ السَّبَبُ وَلَمْ يَفْعَلْ أُمِرَ بِالْقَضَاءِ.
وَمَتَى لَمْ يَتَقَدَّمْ السَّبَبُ أَصْلًا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقَضَاءِ
وَكَذَلِكَ تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا يَقْضِي لِوُجُودِ " سَبَبِ الْوُجُوبِ "، وَالنَّائِمُ يَقْضِي لِوُجُودِ السَّبَبِ الَّذِي قَارَنَهُ " مَانِعُ " الْوُجُوبِ وَهُوَ النَّوْمُ.
وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِيمَا " انْعَقَدَ سَبَبُ " وُجُوبِهِ وَلَمْ يَجِبْ، إمَّا لِمَانِعٍ " أَوْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ " أَوْ تَخْفِيفًا مِنْ الشَّارِعِ هَلْ يُسَمَّى تَدَارُكُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَاءً عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ، فَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ حَقِيقَةٌ سَوَاءٌ تَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنْ فِعْلِهِ " فِي الْوَقْتِ " كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي كَانَ يُطِيقُ الصَّوْمَ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ شَرْعًا كَالْحَائِضِ
أَوْ عَقْلًا كَالنَّائِمِ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إطْلَاقُ اسْمِ الْقَضَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ، لَكِنَّهُ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي كَانَ يَخْشَى الْهَلَاكَ فِي الصَّوْمِ وَتَرَدَّدَ فِي بَقِيَّةِ " الصُّوَرِ " ثُمَّ رَجَّحَ كَوْنَهُ مَجَازًا، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ لَفْظِيٌّ إلَّا أَنْ يُلْحَظَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ فِي النِّيَّةِ. وَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ: إحْدَاهَا ": أَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ إذَا بَلَغَ لَا يُؤْمَرُ " بِقَضَاءِ " الصَّلَاةِ، " لَا إيجَابًا " وَلَا نَدْبًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي ذِمَّتِهِ " سَبَبُ " الْوُجُوبِ.
وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا فَتَرَكَهَا ثُمَّ بَلَغَ أُمِرَ بِالْقَضَاءِ بَعْدَ الْبُلُوغِ نَدْبًا، كَمَا كَانَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَدَاؤُهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ مَأْمُورٌ " بِأَمْرِ الشَّرْعِ " فَإِنْ قُلْنَا: بِأَمْرِ الْوَلِيِّ فَلَا " وَقَدْ حَكَى " ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ رِوَايَةِ الْجِيلِيِّ فِي أَمْرِهِ بِالْقَضَاءِ وَجْهَيْنِ وَلَعَلَّ مَأْخَذَهُمَا مَا ذَكَرْنَا الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمَجْنُونَ إذَا أَفَاقَ لَا يُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَحَبَّ، لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِي حَقِّهِ رُخْصَةٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ تَخْفِيفًا، لَكِنْ قَالُوا: إنَّهُ لَا يُنْدَبُ فِي حَقِّهِ قَضَاءُ النَّوَافِلِ " لِسُقُوطِ " الْفَرَائِضِ. الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْحَائِضَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا بَعْدَ الطُّهْرِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ سُقُوطَهَا فِي حَقِّهَا عَزِيمَةٌ وَلَيْسَتْ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْوُجُوبِ، بَلْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي طَبَقَاتِهِ
عَنْ " أَبِي بَكْرٍ الْبَيْضَاوِيِّ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْقَضَاءُ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ الْكَرَاهَةُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ إلَّا مَا اتَّصَفَ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ، " فَإِنَّهَا تُوصَفُ " بِالْأَدَاءِ وَلَا تُقْضَى.
وَمِثْلُهُ الْوُضُوءُ فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ أَدَاءِ فَرْضِ الْوُضُوءِ وَلَا يَدْخُلُهُ " الْقَضَاءُ "، فَلَوْ تَوَضَّأَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ " وَصَلَّى بِهِ تِلْكَ الصَّلَاةَ " وَقَعَتْ قَضَاءً، وَلَا يُوصَفُ " الْوُضُوءُ " بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُوصَفَ تَبَعًا لِلصَّلَاةِ، كَذَا تَرَدَّدَ فِيهِ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ تَفَقُّهًا، وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَكَانَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَقُولُ: الطَّهَارَةُ لَا يَدْخُلُهَا الْقَضَاءُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى رَأْيِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ لَابِسَ خُفٍّ فِي الْحَضَرِ فَأَحْدَثَ بَعْدَ الزَّوَالِ مَثَلًا وَهُوَ مُقِيمٌ وَخَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهُوَ مُقِيمٌ وَسَافَرَ ثُمَّ مَسَحَ فِي السَّفَرِ " فَإِنَّهُ " عِنْدَهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ، لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَنْ الطَّهَارَةِ اللَّازِمَةِ.
وَلَوْ تَطَهَّرَ فِي الْإِقَامَةِ وَمَسَحَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مَسْحُ مُقِيمٍ، " فَكَذَلِكَ " فِي قَضَائِهَا.
وَقَدْ أُورِدَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ إلَّا إذَا أَمْكَنَ وَصْفُهُ بِضِدِّهِ، كَالْإِجْزَاءِ وَالصِّحَّةِ " لَا " يُوصَفُ بِهِمَا إلَّا مَا أَمْكَنَ وُقُوعُهُ غَيْرَ مُجْزِئٍ وَغَيْرَ صَحِيحٍ فَكَيْفَ تُوصَفُ الْجُمُعَةُ بِالْأَدَاءِ وَلَا تَقَعُ " غَيْرَ " مُؤَدَّاةٍ.
وَأُجِيبُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَنْعُ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَقَدْ يُوصَفُ " الشَّيْءُ " بِمَا لَا يُوصَفُ بِضِدِّهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْجُمُعَةَ تُقْضَى ظُهْرًا، وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ اشْتِرَاكٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَقَبِلَتْ الْوَصْفَ بِذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ بَعْدَ الْوَقْتِ بِجَهْلٍ مِنْ فَاعِلِهَا سُمِّيَتْ قَضَاءً فَاسِدًا فَصَحَّ وَصْفُ الْجُمُعَةِ بِالْقَضَاءِ لَمَّا صَحَّ وَصْفُ الصَّلَاةِ بِالْفَسَادِ، وَقِيلَ: يُتَصَوَّرُ قَضَاءُ الْجُمُعَةِ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا وَتَكُونَ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ بِسَبَبِ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ ثُمَّ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ، لَكِنْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ هَا هُنَا؛ لِأَنَّ الَّذِي تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ الظُّهْرُ فَلَا يَقْضِي غَيْرَهَا.
الثَّالِثُ: الْعِبَادَاتُ تَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا ": مَا لَا يُوصَفُ بِقَضَاءٍ وَلَا أَدَاءٍ كَغَيْرِ الْمُؤَقَّتِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالتَّوْبَةِ مِنْ الذُّنُوبِ وَإِنْ أَثِمَ الْمُؤَخِّرُ لَهَا عَنْ الْمُبَادَرَةِ فَلَوْ تَدَارَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى قَضَاءً. الثَّانِي: مَا يُوصَفُ بِهِمَا وَهُوَ مَا لَهُ وَقْتٌ " مُحَدَّدٌ " مِنْ الْفَرَائِضِ قَطْعًا، " وَكَذَا " النَّوَافِلُ عَلَى الْأَظْهَرِ.
الثَّالِثُ: " مَا قَبْلَ " الْأَدَاءِ دُونَ الْقَضَاءِ وَهُوَ الْجُمُعَةُ وَالْوُضُوءُ عَلَى مَا سَبَقَ وَحُكِيَ فِي الْبَيَانِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ " أَنَّ الْجُمُعَةَ " إذَا فَاتَتْ يَقْضِيهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ أُقِيمَتَا مَقَامَ " الرَّكْعَتَيْنِ "، وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ: لَا مَعْنَى لِقَضَائِهَا فَإِنَّ النَّاسَ وَإِنْ سَقَوْا فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ بِصُورَةِ الِاسْتِسْقَاءِ " وَيُقِيمُونَهَا شُكْرًا "، وَكَذَا صَلَاةُ " الْخُسُوفِ " لَا تُقْضَى بَعْدَ الِانْجِلَاءِ بِلَا خِلَافٍ، " فَإِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ " لَيْسَتْ بِمُؤَقَّتَةٍ، وَكَذَلِكَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الِاسْتِسْقَاءِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ لِمَعْنًى فَفَاتَتْ بِفَوَاتِهِ، وَكَذَلِكَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ " وَجَلَسَ " فَاتَتْ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: وَلَا نَقُولُ: يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا " لِسَبَبٍ " وَهُوَ احْتِرَامُ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ فَاتَ السَّبَبُ وَوُجِدَ التَّضْيِيعُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ بَانَ كَوْنُهُ مُحْدِثًا لَا " يَلْزَمُهُ " الْقَضَاءُ وَلَوْ فَعَلَ كَانَ ابْتِدَاءَ فِعْلٍ، وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ الْمُتَطَوِّعُ بِهَا، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُضَحِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ لَا يَقْضِي
قَطْعًا، لِإِمْكَانِ تَدَارُكِهَا أَدَاءً مِنْ السُّنَّةِ الْأُخْرَى، قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ الْآتِيَةِ: قَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَعْتَادُ صَوْمَ أَيَّامٍ تَطَوُّعًا فَتَرَكَ الصَّوْمَ فَلَيْسَ " يَتَحَقَّقُ عِنْدِي " قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ " أَفْسَدَهُ " بَعْدَ التَّحَرُّمِ بِهِ فَإِنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ يَكُونُ ابْتِدَاءَ تَطَوُّعٍ، وَالْأَيَّامُ الَّتِي رَغَّبَ " الشَّارِعُ " فِي التَّطَوُّعِ بِصَوْمِهَا إذَا لَمْ يَصُمْهَا فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ قَضَائِهَا، وَلَوْ تَحْرُمُ " بِالصَّوْمِ " ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَقَدْ يَتَخَيَّلُ إمْكَانَ الْقَضَاءِ وَلَسْتُ أَرَاهُ " أَيْضًا " وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى " انْتَهَى ". ضَابِطٌ: حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي قَضَاءِ النَّوَافِلِ وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ التَّقَرُّبُ بِهِ ابْتِدَاءً لَا يُقْضَى كَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ وُجُودِ سَبَبِهِمَا، وَمَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِهِ ابْتِدَاءً كَنَافِلَةِ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا هَلْ تُقْضَى فِيهِ قَوْلَانِ.
وَمِنْهُ " سَجْدَةُ " التِّلَاوَةِ، وَقَدْ نَازَعَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَقَرَّبُ بِهَا فَإِنَّهَا رَكْعَتَانِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ مَعَ أَنَّ قَضَاءَ الْعِيدِ مَشْرُوعٌ أَيْضًا. الرَّابِعُ: يَنْقَسِمُ حَالُ الْمُكَلَّفِ فِي الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ فِي الصَّلَاةِ إلَى أَقْسَامٍ " الْأَوَّلُ " مَنْ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ، وَهُوَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ
وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَالْمُتَحَيِّرَةُ وَالْمُصَلِّي " عَارِيًّا " وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَعْذَارِ النَّادِرَةِ. الثَّانِي: مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ وَلَا الْقَضَاءُ " وَهُوَ " الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فِيمَا فَاتَهُمَا مِنْ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ الْعُذْرِ.
الثَّالِثُ: مَنْ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ دُونَ الْقَضَاءِ وَهُوَ " الْمُكَلَّفُ " الْكَامِلُ إذَا أَدَّاهَا بِشَرْطِهَا، وَكَذَا مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ، لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى.
وَيَنْقَسِمُ حَالُهُ فِي الصَّوْمِ إلَى أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَنْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَالْمُجَامَعِ فِي رَمَضَانَ.
ثَانِيهَا: مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْأَمْرَانِ وَهُوَ الْمُفْطِرُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ أَوْ " الْمَرَضِ " وَيَمُوتُ قَبْلَ زَوَالِ عُذْرِهِ.
ثَالِثُهَا: مَنْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ كَالْمُفْطِرِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ.
رَابِعُهَا: عَكْسُهُ كَالشَّيْخِ " الْهَرِمِ ".
فَائِدَةٌ: قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: كُلُّ عِبَادَةٍ وَاجِبَةٍ إذَا تَرَكَهَا الْمُكَلَّفُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ أَوْ الْكَفَّارَةُ إلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ مَكَّةَ إذَا أَوْجَبْنَاهُ فَدَخَلَهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ ثَانِيًا يَقْتَضِي إحْرَامًا آخَرَ فَهُوَ وَاجِبٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لَا بِالْقَضَاءِ
نَعَمْ، لَوْ صَارَ مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ كَالْحَطَّابِ
قَضَى لِتَمَكُّنِهِ.
وَقَدْ نُوَزِّعُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا " وَجَبَ " الْقَضَاءُ يَخْرُجُ ثُمَّ يَعُودُ مُحْرِمًا، وَلَا نَقُولُ: إنَّ عَوْدَهُ يَقْتَضِي إحْرَامًا آخَرَ " كَمَا إذَا دَخَلَهَا لِنُسُكٍ " يَكْفِيهِ الْإِحْرَامُ بِهِ.
" وَيُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ بِضْعُ عَشْرَةِ صُورَةٍ " لَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِيهَا: " إحْدَاهَا ": " الثَّانِيَةُ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ وَأَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ وَقِيلَ: يُمْكِنُ " الْقَضَاءُ " بِأَنْ يُسَافِرَ ثُمَّ يَقْضِيَ مَا أَفْطَرَ أَوْ يَصُومَ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ.
" الثَّالِثَةُ ": إذَا تَرَكَ إمْسَاكَ يَوْمِ الشَّكِّ وَثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ وَاجِبٌ وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ لِتَرْكِهِ قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ.
" الرَّابِعَةُ ": إذَا فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ عَنْ اثْنَيْنِ غَيْرَ مُتَحَرِّفٍ لِقِتَالٍ وَلَا
مُتَحَيِّزٍ " إلَى فِئَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ مَتَى لَقِيَ مَنْ " يَجِبُ " قِتَالُهُ وَجَبَ قِتَالُهُ فَهَذَا اللِّقَاءُ لَا قَضَاءَ " لَهُ ".
" الْخَامِسَةُ ": رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ أَخَّرَهُ سَقَطَ عَنْهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ تَعْلِيقِهِ، " وَيُبْنَى " عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِرَدِّ السَّلَامِ لَا يُقْبَلُ. " السَّادِسَةُ ": لَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ بِالْجِمَاعِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فَلَوْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ بِالْجِمَاعِ " أَيْضًا "" لَزِمَتْهُ " الْكَفَّارَةُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ لِهَذَا الثَّانِي قَضَاءٌ.
" السَّابِعَةُ ": مَنْ نَذَرَ " أَنْ يَحُجَّ " كُلَّ سَنَةٍ مِنْ عُمْرِهِ فَفَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي صِيَامِ الدَّهْرِ.
" الثَّامِنَةُ " إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَأَخَّرَ وَاحِدَةً فَصَلَّاهَا فِي آخَرِ الْوَقْتِ
" التَّاسِعَةُ ": إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَاضِلِ مِنْ قُوتِهِ كُلَّ يَوْمٍ فَأَتْلَفَ الْفَاضِلَ فِي يَوْمٍ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفَاضِلَ عَنْ قُوتِهِ بَعْدَ هَذَا يَسْتَحِقُّ التَّصَدُّقَ بِهِ بِالنَّذْرِ لَا بِالْغُرْمِ. " الْعَاشِرُ ": لَوْ نَذَرَ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ فَمَلَكَ عَبْدًا وَأَخَّرَ الْعِتْقَ حَتَّى
مَاتَ الْعَبْدُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهُ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ.
" الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ": نَفَقَةُ الْقَرِيبِ إذَا فَاتَ مِنْهَا يَوْمٌ أَوْ أَيَّامٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ [قَضَاؤُهُ] ، لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ.
" الْخَامِسُ ": مَا وَجَبَ قَضَاؤُهُ تَارَةً يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مَا إذَا " أُفْسِدَتْ " الْعِبَادَةُ أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَتَارَةً يَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي
وَهُوَ مَا إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: " إحْدَاهُمَا ": فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ فَإِذَا تَعَذَّرَ فِي هَذَا " الْعَامِ " وَجَبَ التَّدَارُكُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
الثَّانِيَةُ: إذَا أَفْطَرَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي السَّادِسُ: إنَّ التَّرْتِيبَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْوَقْتِ وَقَدْ فَاتَ.
وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: يَجِبُ " اعْتِبَارًا لِلْقَضَاءِ " بِالْأَدَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ فِي الْأَسَالِيبِ وَيَلْزَمُهُمْ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي رِعَايَةِ التَّتَابُعِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَيَّامَ كَانَتْ مُتَتَابِعَةً فِي الْأَدَاءِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ.
وَمِنْهَا لَوْ لَمْ يَصُمْ الْمُتَمَتِّعُ الثَّلَاثَ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ الْعَشَرَةِ، وَهَلْ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ صَوْمِ الثَّلَاثِ " وَالسَّبْعِ "؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ، لِأَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْأَدَاءِ، كَمَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ صَوْمَ السَّبْعِ عَلَى الثَّلَاثِ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ وَلَهُ أَنْ يَصُومَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ، لِأَنَّ التَّفَرُّقَ فِي الْأَدَاءِ كَانَ لِحَقِّ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ أُرْفِقَ بِهِ، فَإِذَا صَارَ قَضَاءً سَقَطَ التَّفْرِيقُ، كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْأَدَاءِ فِي أَوْقَاتِهَا فَإِذَا قُضِيَتْ جَازَ قَضَاؤُهَا مُتَتَابِعَةً.
وَمِنْهَا " لَوْ " تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ جَازَ قَضَاؤُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِاللَّيْلِ، لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ فَعَلَى الْأَصَحِّ هَلْ تَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ " بَيْنَ " الْقَضَاءِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ يَرْمِي أَوَّلًا عَنْ الْقَضَاءِ إلَى كُلِّ جَمْرَةٍ سَبْعًا ثُمَّ يَعُودُ فَيَرْمِي عَنْ الْأَدَاءِ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ، لِأَنَّ التَّرْتِيبَ " يَسْتَحِقُّ " عَلَيْهِ لِحَقِّ الْوَقْتِ، فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ سَقَطَ التَّرْتِيبُ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ.
وَمِنْهَا لَوْ تَرَكَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ وَقَضَاهُ فِي السَّفَرِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْأَدَاءِ " فِي السَّفَرِ، قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: إنْ كَانَ مَعْذُورًا حَالَ أَدَاءِ الصَّوْمِ وَأَفْطَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي الْقَضَاءِ بِعُذْرِ السَّفَرِ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا فِي الْأَصْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ هُوَ أَنَّهُ، لَوْ افْتَتَحَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ، فَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَهُ فِي الْحَضَرِ وَشَرَعَ فِي قَضَائِهِ " فِي السَّفَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّلَاةُ لَوْ افْتَتَحَهَا تَمَامًا فِي السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَصْرُهَا، فَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَهَا فِي الْحَضَرِ وَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فِي حَقِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ.