الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خُرُوجَهُ " اُسْتُحِبَّ "" إيقَاظُهُ " وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ نَامَ بَعْدَهُ وَاسْتَمَرَّ، وَالْقِيَاسُ وُجُوبُهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ بِهَا، وَأَمَّا النَّوْمُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَنْتَبِهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ.
[النَّجَاسَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ]
ُ الْأَوَّلُ: فِي حَقِيقَتِهَا قَالَ الْمُتَوَلِّي " هِيَ " كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مَعَ إمْكَانِ التَّنَاوُلِ لَا لِحُرْمَتِهَا، زَادَ النَّوَوِيُّ: وَاسْتِقْذَارُهَا وَضَرَرُهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ فَخَرَجَ بِالْإِطْلَاقِ السُّمُّ إذْ يُبَاحُ قَلِيلُهُ الَّذِي لَا يَضُرُّ " وَبِالْإِمْكَانِ الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ، وَبِعَدَمِ الْحُرْمَةِ الْآدَمِيُّ، وَبِالِاسْتِقْذَارِ الْمُخَاطُ وَالْمَنِيُّ وَنَحْوُهُمَا، وَبِتَضَرُّرِ الْبَدَنِ وَالْعَقْلِ التُّرَابُ وَالْحَشِيشُ الْمُسْكِرُ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ: فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَحْرِيمَ مَعَهَا وَأُسْقِطَ قَيْدُ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْهُ. " وَاعْلَمْ " أَنَّ هَذَا حَدٌّ لِلنَّجِسِ لَا لِلنَّجَاسَةِ فَإِنَّ النَّجَاسَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَكَيْفَ تُفَسَّرُ بِالْأَعْيَانِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ " رَسَمُوهَا " بِحُكْمِهَا الَّذِي لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ " مَعْرِفَتِهَا لِكُلِّ " عَيْنٍ حَرُمَتْ لَا لِمَضَرَّتِهَا وَلَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِهَا أَوْ كُلُّ مَا يَبْطُلُ بِمُلَاقَاتِهِ الصَّلَاةَ.
الثَّانِي: الْمَشْهُورُ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مُغَلَّظَةٌ وَمُخَفَّفَةٌ وَمُتَوَسِّطَةٌ.
وَجَعَلَهَا الْمُتَوَلِّي قِسْمَيْنِ وَجَعَلَ مَا عَدَا نَجَاسَةَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ مُخَفَّفَةً " كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ " وَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ خَفَّفَ فِي الْبَوْلِ مِنْ سَبْعَةٍ إلَى " وَاحِدٍ ".
" الثَّالِثُ ": فِي " وُجُوبِ " النِّيَّةِ فِيهَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ، وَقِيلَ: تَجِبُ، وَفِي ثَالِثٍ تُعْتَبَرُ فِي الْبَدَنِ دُونَ الثَّوْبِ لِوُجُوبِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَقَدْ اشْتَهَرَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ الْقَائِلُ بِالْوُجُوبِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ عَنْ الصُّعْلُوكِيِّ. وَقَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ " أَنَّهُ يَشْتَرِطُ النِّيَّةَ وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ، وَأَوْضَحَ الْإِمَامُ " رضي الله عنه " مَذْهَبَ ابْنِ سُرَيْجٍ " فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الرِّيحَ لَوْ أَلْقَتْ ثَوْبًا نَجِسًا فِي " أَجَانَةٍ " فِيهَا مَاءٌ تَنَجَّسَ الْمَاءُ وَلَمْ
يَطْهُرْ الثَّوْبُ، وَلَوْ " طَرَحَهُ " الْغَاسِلُ فِيهَا عَلَى قَصْدِ الْإِزَالَةِ حَصَلَتْ الْإِزَالَةُ وَلَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَظَاهِرُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ أَنَّ الْمَاءَ لَوْ انْصَبَّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ عَلَى ثَوْبِ الْمُتَنَجِّسِ وَكَانَ يَنْحَدِرُ مِنْهُ وَدَفْعُ الْمَاءِ " يَتَوَالَى " حَتَّى زَالَتْ النَّجَاسَةُ طَهُرَ الثَّوْبُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ " قَاصِدٍ " وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَصْدِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَمْ " يُعْدَمْ " فِيهِ مُخَالِفًا مِنْ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْغَرَضُ زَوَالُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ فَلَا أَثَرَ لِلْقَصْدِ.
الرَّابِعُ ": فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا وَلَا شَكَّ فِيهِ إلَّا فِي صُوَرٍ مِنْهَا: إذَا خَافَ مِنْ غَسْلِهَا التَّلَفَ لَا يَجِبُ بَلْ يَحْرُمُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ نَفْيَ الْخِلَافِ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي تِلْكَ النَّجَاسَةِ فَإِنْ كَانَ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ وَصَلَ عَظْمُهُ بِنَجِسٍ ثُمَّ خَافَ مِنْ نَزْعِهِ التَّلَفَ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا " أَنَّهُ لَا يَجِبُ ".
" الْخَامِسُ ": فِي أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ إزَالَتُهَا عَلَى الْفَوْرِ أَمْ لَا؟
وَالضَّابِطُ أَنَّ مِنْ النَّجَاسَةِ " مَا يُعْصَى " بِالتَّلْطِيخِ بِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ لِوُجُودِ الْمَعْصِيَةِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَجِيءُ فِيهِ خِلَافٌ فِيمَا إذَا أَخَّرَ الْفَائِتَةَ " بِغَيْرِ " عُذْرٍ هَلْ
يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ هُنَاكَ انْتَهَى أَمْرُهَا بِالتَّفْوِيتِ " وَإِنَّمَا لَمْ " يَعْصِ بِإِصَابَتِهِ نَحْوَ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ أَوْ خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ غَيْرِ " قَصْدٍ "؟ فَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ " عَلَى " الْفَوْرِ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي صُوَرٍ: مِنْهَا: إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ فَتَجِبُ الْإِزَالَةُ مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا الطَّوَافُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّهَارَةِ. وَمِنْهَا: إذَا أَرَادَ مَسَّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ الْمَوْضِعِ النَّجِسِ وَقُلْنَا: مُحَرَّمٌ كَمَا هُوَ رَأْيُ الصَّيْمَرِيِّ.
وَمِنْهَا: إذَا أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ بِرِجْلِهِ الْمُلَوَّثَةِ بِالنَّجَاسَةِ ".
وَمِنْهَا: إذَا أَرَادَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِفَمِهِ الْمُلَوَّثِ بِالنَّجَاسَةِ وَقُلْنَا: يَحْرُمُ كَمَا هُوَ الرَّاجِحُ وَإِنْ كَانَ النَّوَوِيُّ رَجَّحَ عَدَمَ التَّحْرِيمِ.
" السَّادِسُ ": النَّجَاسَةُ لَا " تَتَعَدَّى " مَحَلَّهَا وَهَذَا مِمَّا يُخَالِفُ فِيهِ النَّجِسُ الْحَدَثَ وَمِنْ فُرُوعِهِ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ لَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَمَسَّ الْمُصْحَفَ بِغَيْرِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ " جَازَ.
وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ: لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مَسُّهُ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَتْ الطَّهَارَةُ تَجِبُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَكَذَلِكَ هُنَا، قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: وَهَذَا ضَعِيفٌ
لِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ يَتَعَدَّى وَحُكْمَ النَّجَاسَةِ لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْدِثَ يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ غَيْرُ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَطْهِيرِ غَيْرِ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ فَافْتَرَقَا.
وَمِنْهَا: لَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ " مِنْ ثَوْبٍ " فَانْتَشَرَتْ " الرُّطُوبَةُ فِي الثَّوْبِ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَوْضِعِ الرُّطُوبَةِ، نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُهُ مَا إذَا انْتَشَرَتْ وَهُوَ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ فَإِنْ تَغَيَّرَ فَنَجِسٌ وَمِنْهَا الْمَاءُ الَّذِي يُصَبُّ عَلَى النَّجَاسَةِ مِنْ إبْرِيقٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ اتَّصَلَ بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَنْعَطِفُ عَلَيْهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، قَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ: الْمَاءُ الْمُتَصَعِّدُ مِنْ فَوَّارَةٍ " إذَا " وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ عَلَى أَعْلَاهُ لَا يَتَنَجَّسُ بَاطِنُهُ وَنَحْوُهُ " ذَكَرَهُ " الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ: لَوْ كَانَ " كُوزٌ " " فَفَرَّ " الْمَاءُ مِنْ أَسْفَلِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ " الَّذِي فِيهِ "؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَاءِ يَمْنَعُ انْعِطَافَ النَّجَاسَةِ وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ.
" تَنْبِيهٌ ": يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْأَصْلِ صُورَةُ التَّبَاعُدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْهَا بِقَدْرِ قُلَّتَيْنِ عَلَى الْقَدِيمِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
" السَّابِعُ ": يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ إلَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: لَا بَأْسَ أَنْ يَسْقِيَ الْحَيَوَانَ الْمَاءَ النَّجِسَ لَا سِيَّمَا مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَأَنْ " يَصُبَّهُ " فِي
أُصُولِ النَّخْلِ وَالْغَرْسِ أَمَّا مُجَرَّدُ الذَّوْقِ " لِاسْتِكْشَافِهِ " عِنْدَ الِاجْتِهَادِ فِيهِ وَنَحْوُهُ فَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ " مِنْهُ "؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ بَقِيَ طَعْمٌ لَمْ يَظْهَرْ، "؛ لِأَنَّهُ سَهْلُ الْإِزَالَةِ " قَالَ: وَيَظْهَرُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا دَمِيَتْ لِثَتُهُ أَوْ تَنَجَّسَ " فَمُهُ " بِنَجَاسَةٍ أُخْرَى فَغَسَلَهُ فَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ مَا دَامَ يَجِدُ طَعْمَهُ فِيهِ انْتَهَى.
وَهَذَا التَّصْوِيرُ يُشْعِرُ بِامْتِنَاعِ اخْتِبَارِ " مَحَلِّ " النَّجَاسَةِ بِالذَّوْقِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ قَالَ فِي الْمُجْتَهِدِ فِي الْأَوَانِي: يَجُوزُ الِاخْتِبَارُ بِالذَّوْقِ. " وَالْجَوَابُ " أَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى " الظَّنِّ بَقَاءُ النَّجَاسَةِ فَلِهَذَا يَمْتَنِعُ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُهَا لَا يَمْتَنِعُ اخْتِبَارُ الْمَحَلِّ لِوُجُودِ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَيُنَزَّلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ فَمَهُ النَّجِسَ فَلْيُبَالِغْ فِي الْغَرْغَرَةِ لِيَغْسِلَ " كُلَّ مَا " هُوَ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَلَا " يَبْتَلِعَ " طَعَامًا وَلَا شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ أَكَلَ نَجِسًا أَوْ شَرِبَ نَجِسًا. انْتَهَى.
وَهُوَ فَرْعٌ حَسَنٌ يُغْفَلُ عَنْهُ.
" الثَّامِنُ ": إنْ تَنَاوَلَهُ فَعَلَيْهِ إلْقَاؤُهُ نَصَّ عَلَيْهِ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " فَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ: فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مُحَرَّمٍ فَعَلَيْهِ إلْقَاؤُهُ
بِأَنْ يَتَقَيَّأَهُ، " وَقَالَ الْإِمَامُ " وَإِنْ أُسِرَ رَجُلٌ فَحُمِلَ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ أَكْلِ مُحَرَّمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْوُجُوبُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَمْرِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَقِفْ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى نَصِّهِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ فَقَالَ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ " رضي الله عنه "" عَلَى " أَنَّ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَهَا " فَيُحْتَمَلُ " أَنَّهُ إنَّمَا " أَوْجَبَ " الِاسْتِقَاءَةَ لِخَوْفِ السُّكْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِلنَّجَاسَةِ وَبَنَى عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ مَا لَوْ أَكَلَ نَجِسًا هَلْ يَجِبُ قَذْفُهُ إنْ " عَلَّلْنَا " بِالنَّجَاسَةِ وَجَبَ أَوْ بِالْإِسْكَارِ فَلَا، وَهَذَا الْبَحْثُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي مَحَلِّهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ فِي وُجُوبِ التَّقَيُّؤِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الِاسْتِحْبَابَ، وَالْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ الْوُجُوبُ وَعَلَى مُقْتَضَاهُ جَرَى الْأَصْحَابُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ فِي الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ يَلْزَمُهُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى.
قُلْت: نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمِنْهَاجِ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَنْ " صَاحِبِ الْإِيضَاحِ "؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ حَصَلَتْ فِي " مَعْدِنِهَا " فَأَشْبَهَ الطَّعَامَ الَّذِي فِي الْمَعِدَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا " بِخِلَافِ " النَّصِّ وَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا " قَالَ " الشَّافِعِيُّ فِي
الْأُمِّ أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَ دَمًا تَحْتَ الْجِلْدِ وَثَبَتَ يَجِبُ إخْرَاجُهُ مَعَ أَنَّ مَا تَحْتَ الْجِلْدِ مَوْضِعُ الدَّمِ وَمَعْدِنُ النَّجَاسَةِ انْتَهَى، وَنَقَلَ فِي التَّتِمَّةِ الْوُجُوبَ عَنْ النَّصِّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ التَّعَدِّيَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالِاسْتِدَامَةِ فَإِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ تَنَاوُلِهِ مُحَرَّمًا كَانَ اسْتِدَامَتُهُ لِتَكَامُلِ الِانْتِفَاعِ بِهِ أَيْضًا " مُحَرَّمًا " وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ أَمَّا الْخَمْرُ فَيَجِبُ قَذْفُهَا بِلَا خِلَافٍ إنْ خِيفَ مِنْهَا السُّكْرُ لَوْ تَرَكَهَا فِي جَوْفِهِ، فَإِنْ شَرِبَ مِنْهَا قَدْرًا لَا يُسْكِرُ " فَهَذَا " هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ. وَيُحْمَلُ " أَيْضًا كَلَامُ " الشَّافِعِيِّ فِي الشُّرْبِ عَلَى مَا إذَا " كَانَ " السُّكْرُ يَخْرُجُ بِهِ وَقْتُ صَلَاةٍ أَوْ صَلَوَاتٍ كَمَا إذَا كَانَ مِنْ عَادَةِ شَخْصٍ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ بُكْرَةً لَا يَصْحُو " إلَّا " إلَى عَشِيَّةٍ وَصَارَ نَظِيرُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ مَنْ عَادَتُهُ " إذَا لَعِبَ " بِالشِّطْرَنْجِ يَنْسَى الصَّلَاةَ أَنَّهُ يَعْصِي بِالنِّسْيَانِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَوْ شَرِبَهُ زَالَ عَنْهُ " قَبْلَ فَوَاتِ الصَّلَاةِ فَلَا يَجِبُ "؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَوِّتُ حَقًّا وَيُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ اسْتَحَبَّهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ مَنْ أَكَلَ حَرَامًا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَقَيَّأَهُ، وَأَجَابَ عَنْ تَقَيُّؤِ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا قِيلَ " لَهُ ": إنَّ " اللَّبَنَ " مِنْ الصَّدَقَةِ لِيُعْلِمَ النَّاسَ تَحْرِيمَهَا عَلَى الْإِمَامِ، وَأَنَّ مَنْ أَخَذَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَغْصُوبٍ وَغَيْرِهِ فَبَقِيَ فِي يَدِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ بِخِلَافِ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ " وَكَيْلَا " يَسْتَدِيمَ " الِاغْتِذَاءُ " وَالِانْتِفَاعُ بِالْحَرَامِ.
التَّاسِعُ ": النَّجَاسَةُ مَا دَامَتْ فِي الْبَاطِنِ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِحُكْمِ النَّجَاسَةِ فِي إبْطَالِ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا لَوْ حَمَلَ الْمُصَلِّي حَيَوَانًا طَاهِرًا حَيًّا وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَلِكَ لَا حُكْمَ لَهَا فِي تَنْجِيسِ مَا لَاقَتْهُ وَتَنْجِيسُهَا بِمَا لَاقَاهَا مِنْ نَجَاسَةٍ هِيَ أَغْلَظُ مِنْهَا، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَكَلَ لَحْمَ كَلْبٍ أَنْ يَغْسِلَ دُبُرَهُ كُلَّمَا تَغَوَّطَ أَوْ بَالَ وَلَمْ " يَتَنَجَّسْ " اللَّبَنُ الْمُلَاقِي " لِلْفَرْثِ " فِي الْبَطْنِ.
وَلَمْ يَنْجُسْ " الْمَنِيُّ " وَإِنْ مَرَّ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ، وَلَمْ تَنْجُسْ " النُّخَامَةُ "" النَّازِلَةُ " مِنْ الرَّأْسِ بِجَرَيَانِهَا فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ بَعْدَ مَا جَرَى فِيهَا دَمُ الرُّعَافِ وَغَسْلُ ظَاهِرِ " الْأَرْضِ ""، وَمِنْ " هَذَا قَالَ فِي الْبَسِيطِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ مَعْنَى الْخِلَافِ فِي نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ أَنَّ تِلْكَ الرُّطُوبَةَ هَلْ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمٌ وَهَلْ يُقَدَّرُ خُرُوجُهَا فَإِنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَثْبُتُ مَا " دَامَتْ " الْفَضْلَةُ فِي الْبَاطِنِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ قِيلَ: لِمَ قَطَعْتُمْ بِجَوَازِ التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا بُدَّ مِنْهَا قُلْنَا مَا " يَحْوِيهِ " الْبَاطِنُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ وَلَكِنَّ تَحْرِيمَ النَّجَاسَةِ مِنْ قَبِيلِ " الِاجْتِنَابِ " فَلَا يَبْعُدُ سُقُوطُهُ " بِالضَّرُورَاتِ "، وَلِهَذَا نَقَلَ " الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ النَّسَوِيُّ " فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: الشَّرِيعَةُ
تَقْضِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَاطِنِ " الْإِنْسَانِ " نَجَاسَةٌ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا فِي بَاطِنِهِ مِمَّا " خَلَقَهُ " اللَّهُ " تَعَالَى " أَمَّا نَجِسٌ أَدْخَلَهُ الْإِنْسَانُ تَعَدِّيًا إلَى بَاطِنِهِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَجِسًا مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ فَلَاقَى الْبَاطِنَ فَنَجَّسَهُ " ثُمَّ تَطْهِيرُهُ " مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَدْرٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ " تَنَجَّسَ " بِمُلَاقَاتِهِ لِنَجِسٍ فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ.
قُلْت: وَهُوَ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ بَلْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ لَحْمِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهَا.
وَقَدْ أَشَارَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رضي الله عنه " فِي الْأُمِّ إلَى أَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجَاسَةِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، فَقَالَ: لَوْ وُجِدَ حُوتٌ فِي بَطْنِ سَبُعٍ أَوْ طَائِرٍ أَوْ حُوتٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَطْهِيرِ ظَاهِرِهِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا فِي طَهَارَةِ الْمَنِيِّ مَعَ خُرُوجِهِ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْوَلَدِ وَالْبَيْضَةِ حَيْثُ قَالَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى غَسْلِهَا، وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ الْمِنْهَاجِ فِي الْخِلَافِ فَمَنَعَ قَوْلَهُمْ أَنَّ نَجَاسَةَ الْبَاطِنِ لَا حُكْمَ لَهَا بِدَلِيلِ " أَنَّ " مَنْ أَكَلَ شَيْئًا ثُمَّ قَذَفَهُ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَلَمْ تُنَجِّسْهُ إلَّا مُلَاقَاةُ مَا فِي الْمَعِدَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ.
وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ لَوْ أَلْقَتْ الْبَهِيمَةُ حَبًّا عَلَى هَيْئَتِهِ بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ لَنَبَتَ وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: لَوْ حَمَلَ الْبَيْضَةَ الْمَذِرَةَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ " صَلَاتُهُ " فِي الْأَصَحِّ نَعَمْ لَا بُدَّ فِي " هَذَا " الْأَصْلِ السَّابِقِ مِنْ قَيْدَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَأَمَّا الْمَوْتُ فَيَنْجُسُ. وَلِهَذَا لَوْ مَاتَتْ بَهِيمَةٌ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ " تَنَجَّسَ "" بِمُلَاقَاتِهِ " النَّجَاسَةَ فِي الْبَاطِنِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ " رحمه الله ": لَا يَنْجُسُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِنَجَاسَةِ الْبَاطِنِ، وَقَالَ: إنَّ الْإِنْفَحَةَ إذَا أُخِذَتْ مِنْ الْمَيْتَةِ كَانَتْ طَاهِرَةً وَإِذَا قُلْنَا بِطَهَارَةِ لَبَنِ الْمَأْكُولِ فَأَكَلَ نَجَاسَةً فَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ بِنَجَاسَتِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ لِمَا سَبَقَ فِي لَحْمِ الْكَلْبِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي التَّذْكِرَةِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الْبَاطِنِ لَا حُكْمَ لَهَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ ابْتَلَعَ شَيْئًا ثُمَّ تُقَيَّأهُ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ قَالَ: وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّبَنَ يُلَاقِي الْفَرْثَ وَالدَّمَ بَلْ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ فِي الْبَاطِنِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ.
الثَّانِي: أَنْ لَا يَتَّصِلَ بِنَجَاسَةِ الْبَاطِنِ ظَاهِرٌ فَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا كَمَا لَوْ بَلَعَ خَيْطًا فَوَصَلَ طَرْفُهُ إلَى مَعِدَتِهِ وَطَرْفُهُ الْآخَرُ " خَارِجٌ أَوْ أُدْخِلَ " فِي دُبُرِهِ عُودًا وَبَقِيَ بَعْضُهُ خَارِجًا وَصَلَّى فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ.
وَلَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا وَفِي فِيهِ خَيْطٌ بَعْضُهُ مُتَّصِلٌ بِبَاطِنِهِ فَهَذَا إنْ نَزَعَهُ بَطَلَ صَوْمُهُ، كَمَا لَوْ " اسْتَقَاءَ " عَمْدًا وَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَنْزِعَهُ غَيْرُهُ
بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ جَذَبَهُ وَغَسَلَ فَمَهُ وَصَلَّى مُرَاعَاةً " لِمَحَلِّ " الصَّلَاةِ وَيَقْضِي الصَّوْمَ وَهَذَا مِنْهُمْ تَقْدِيمٌ لِلصَّلَاةِ، وَعَكَسُوا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَسَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي فَصْلِ التَّعَارُضِ " بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ ".
فُرُوعٌ لَوْ أَدْخَلَتْ عُودًا فِي فَرْجِهَا وَتَرَكَتْ بَعْضَهُ خَارِجًا " وَصَلَّتْ " صَحَّتْ صَلَاتُهَا إنْ قُلْنَا بِطَهَارَةِ بَاطِنِ فَرْجِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَلَوْ أَدْخَلَ عُودًا فِي ذَكَرِهِ وَتَرَكَ بَعْضَهُ خَارِجًا وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِنَاءً عَلَى طَهَارَةِ بَاطِنِ ذَكَرِهِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْأَصَحَّ بُطْلَانُ صَلَاةِ مَنْ أَدْخَلَ عُودًا فِي ذَكَرِهِ أَوْ " فِي " فَرْجِهَا وَهَذَا لَا يَظْهَرُ تَوْجِيهُهُ وَلَعَلَّ الْمُصَحِّحَ لِذَلِكَ يَرَى نَجَاسَةَ بَاطِنِ الْفَرْجِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْعِجْلِيُّ أَنَّهُ لَوْ غَيَّبَ قُطْنَةً فِي إحْلِيلِهِ لَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ " كَانَ " يَرَى الْقُطْنَ فِي الْإِحْلِيلِ فَلَوْ كَانَ بَاطِنُ الذَّكَرِ نَجِسًا لَمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ " لِحَمْلِهِ " النَّجَاسَةَ.
وَلَوْ أَدْخَلَ عُودًا فِي دُبُرِهِ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِاتِّصَالِهِ بِالنَّجَاسَةِ.
وَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً فِي لَحْمِهِ وَتَرَكَ بَعْضَهَا خَارِجًا وَصَلَّى فَكَمَا لَوْ أَدْخَلَ عُودًا فِي دُبُرِهِ لِاتِّصَالِ الْإِبْرَةِ بِالدَّمِ فِي بَاطِنِ اللَّحْمِ.
وَمِمَّا يَلْحَقُ بِالظَّاهِرِ مِنْ الْبَاطِنِ مَا لَوْ شَقَّ مَوْضِعًا مِنْ بَدَنِهِ " وَحَصَلَ مِنْهُ دَمٌ " وَبَنَى عَلَيْهِ اللَّحْمَ فَإِنَّهُ يَجِبُ كَشْفُهُ وَإِخْرَاجُهُ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَطَعَ ذَكَرَهُ مِنْ
أَصْلِهِ " وَاسْتَتَرَ " أَصْلُهُ بِالْجِلْدِ وَمَسَّهُ فَإِنَّ الْوُضُوءَ يُنْتَقَضُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا لَوْ وَشَمَ يَدَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ كَشْطُهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَلَا غُسْلُهُ مَا دَامَ الْوَشْمُ بَاقِيًا.
تَنْبِيهٌ " هَذَا " لَا يَخْتَصُّ " بِالْحَيَوَانِ ".
وَلِهَذَا قَالَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ فِيمَا لَوْ سُقِيَتْ سِكِّينُ مَاءً نَجِسًا ثُمَّ غُسِلَتْ بِالْمَاءِ طَهُرَتْ؛ لِأَنَّ " الطِّهَارَاتِ " كُلَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ عَلَى مَا يَظْهَرُ لَا عَلَى الْأَجْوَافِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنُقِلَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَذَا خِلَافُ أُصُولِهِ؛ لِأَنَّهُ " يَقُولُ " فِي الْآجُرِّ إذَا عُجِنَ بِبَوْلٍ وَطُبِخَ: إنَّهُ لَا يَطْهُرُ بَاطِنُهُ بِالْغُسْلِ. انْتَهَى.
وَهَذَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ السِّكِّينَ لَا يُمْكِنُ إيصَالُ الْمَاءِ " فِي " بَاطِنِهَا فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ " الْوُسْعِ " فَاكْتَفَى بِغَسْلِ الظَّاهِرِ، وَأَمَّا الْآجُرَّ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِهِ بِأَنْ يُدَقَّ وَيُصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْمُرُهُ وَهَذَا كَمَا نَقُولُ فِي الْجِلْدِ إذَا دُبِغَ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ وَإِنْ كَانَ الدِّبَاغُ لَا يُبَاشِرُهُ وَلَا يُمْكِنُ إيرَادُ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَافْتَرَقَا نَعَمْ قَدْ يُشْكَلُ عَلَى النَّصِّ مَسْأَلَةُ إدْخَالِ الدَّمِ تَحْتَ جِلْدِهِ إنَّهُ يَجِبُ إخْرَاجُهُ مَعَ أَنَّ مَا تَحْتَ الْجِلْدِ مَوْضِعُ الدَّمِ وَمَعْدِنُ النَّجَاسَةِ، " وَلِذَلِكَ " لَوْ حَمَلَ بَيْضَةً صَارَ بَاطِنُهَا
دَمًا وَظَاهِرُهَا طَاهِرٌ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ، كَالنَّجَاسَةِ الظَّاهِرَةِ إذَا حَمَلَهَا بِخِلَافِ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ " لِلْحَيَاةِ أَثَرًا " فِي دَرْءِ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا الْبَيْضَةُ فَجَمَادٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَ عُنْقُودًا اسْتَحَالَ بَاطِنُ حَبَّاتِهِ خَمْرًا وَلَا رَشْحَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ " وَجْهًا " أَنَّ " بَوَاطِنَ " حَبَّاتِ الْعُنْقُودِ مَعَ اسْتِحَالَتِهِ خَمْرًا لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا تَشْبِيهًا لَهُ بِمَا فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ فِي الْعَنَاقِيدِ إذَا اسْتَحَالَ بَاطِنُهَا وَاشْتَدَّ وَجْهَيْنِ فِي بَيْعِهَا وَطَرْدُهُ فِي الْبَيْضَةِ الْمَذِرَةِ، ثُمَّ رُوجِعَ الْقَاضِي فِي نَجَاسَتِهَا فَتَوَقَّفَ قَالَ الْإِمَامُ لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّهُ لَوْ " انْفَصَلَ " مَا فِي الْبَاطِنِ لَحَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ، وَالِانْفِصَالُ لَا يُوجِبُ وُرُودَ " نَجَاسَةٍ " فَلَا يَلِيقُ بِالْمَذْهَبِ إلَّا نَجَاسَتُهَا، وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْقَاضِي فَهُوَ يُضَاهِي مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ حَكَمَ بِأَنَّ الدِّمَاءَ فِي الْعُرُوقِ الَّتِي فِي " جِلْدِ " اللَّحْمِ لَيْسَتْ " بِنَجِسَةٍ " فَإِذَا سَفَحَ وَسَالَ حَكَمَ بِالنَّجَاسَةِ وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] وَهَذَا مَخْصُوصٌ بِالدَّمِ " فَإِنَّا " إذَا قَطَعْنَا بِنَجَاسَةِ الْبَوَاطِنِ وَتَرَدَّدْنَا فِي جَوَازِ " الْبَيْعِ " فَلَا وَجْهَ إلَّا مَا نَذْكُرُهُ وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَ الْبَيْضَةِ طَاهِرٌ وَالنَّجَاسَةُ مُسْتَتِرَةٌ اسْتِتَارَ خِلْقَةٍ وَالْبَيْضَةُ فِي نَفْسِهَا صَائِرَةٌ إلَى " رُتْبَةِ " الْفَرْخِ فَيُضَاهِي " امْتِنَاعَ الْعُصْفُورِ " وَجَنَّبُوهُ النَّجَاسَةَ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَكَذَلِكَ الْعُنْقُودُ ظَاهِرُهُ طَاهِرٌ وَمَقْصُودُهُ آيِلٌ إلَى " الْحُمُوضَةِ " وَهُوَ مُنْتَظَرٌ فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا قُلْتُمْ بِأَنَّ بَاطِنَ الْبَيْضَةِ الْمَذِرَةِ طَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ الصَّلَاةَ مَعَهَا.
قُلْنَا: جَوَازُ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَلْزِمُ طَهَارَةَ بَوَاطِنِهَا فَإِنَّهُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ الْعُصْفُورِ الَّذِي فِي بَاطِنِهِ النَّجَاسَةُ فَتَصِحُّ فِيهَا وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الِاسْتِتَارُ الْخِلْقِيُّ.
فَرْعٌ
هَلْ يَجُوزُ كِتَابَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ " يَمْحُوهُ وَيَشْرَبُهُ " بِالْمَاءِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا يَجُوزُ لِمَا يُلَاقِي مِنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي فِي بَاطِنِ الْمَعِدَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ، وَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِجَوَازِ أَكْلِ الطَّعَامِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ، قَالَ: وَمَا يُكْتَبُ عَلَى الْحَلْوَى وَالْأَطْعِمَةِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ مِنْهُ.
" الْعَاشِرُ ": كُلُّ مَا نَجَّسَ الْمَاءَ الْقَلِيلَ " نَجَّسَ " الْمَائِعَ، أَمَّا مَا لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ الْقَلِيلَ " هَلْ " يُنَجِّسُ الْمَائِعَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ " قَدْ " صَرَّحُوا بِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَيْتَةِ الَّتِي لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ، وَذَكَرَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي صُورَةِ الْهِرَّةِ أَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ، وَأَمَّا النَّجَاسَةُ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ فَكَلَامُ الْمِنْهَاجِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَسَمِعْت بَعْضَ الْفُقَهَاءِ يَحْكِي التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ الْإِيضَاحِ " لِلْجَاجَرْمِيِّ ". وَالْحَيَوَانُ إذَا كَانَ بِمَنْفَذِهِ نَجَاسَةٌ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُنَجِّسُهُ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ
وَقَعَ فِي الْمَائِعِ فَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ.
" الْحَادِي عَشَرَ ": النَّجِسُ هَلْ يَتَنَجَّسُ؟ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ، لَكِنِّي " اسْتَخْرَجْتهَا " مِنْ الْخِلَافِ فِي فُرُوعٍ: مِنْهَا لَوْ تَنَجَّسَ الْإِنَاءُ بِالْوُلُوغِ ثُمَّ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أُخْرَى فَهَلْ تَكْفِي السَّبْعُ أَمْ يُغْسَلُ لَهَا ثُمَّ يُغْسَلُ لِلْكَلْبِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَقِفْ النَّوَوِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَقْلِ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَكْفِي بِالِاتِّفَاقِ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِلَا خِلَافٍ. وَمِنْهَا: لَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ " نَجِسٍ " فَهَلْ يَتَعَيَّنُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَجَرِ كَمَا قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ لَا يَتَأَثَّرُ بِالنَّجَاسَةِ فَيَبْقَى حُكْمُهُ كَمَا كَانَ كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ قَدْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ وَالْحَجَرُ تَخْفِيفٌ فَمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَا يَلْحَقُ بِهِ.
وَمِنْهَا: لَوْ وَقَعَ فِي الْخَمْرِ نَجَاسَةٌ مُجَاوِرَةٌ كَالْعَظْمِ، وَنُزِعَ " مِنْهَا " ثُمَّ انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا لَمْ تَطْهُرْ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَعَزَاهُ لِصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَفِي هَذَا جَزَمَ بِتَنْجِيسِ النَّجِسِ وَفِي الثَّانِي " بِتَرْجِيحِهِ " وَفِي الْأَوَّلِ بِخِلَافِهِ وَالضَّابِطُ: أَنَّ النَّجَاسَةَ إمَّا أَنْ تُرَدَّ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا وَتَحْتَهُ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تُرَدَّ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْمُخَفَّفَةِ فَالْعَمَلُ لَا بِالْمُغَلَّظَةِ " قَطْعًا " كَمَا لَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي إنَاءٍ ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَيَكْفِي غَسْلُهُ سَبْعًا " مَعَ " التَّعْفِيرِ وَلَوْ
اسْتَنْجَى بِجِلْدِ كَلْبٍ لَا يُجْزِيهِ الْحَجَرُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ وَالصَّوَابُ غَسْلُهُ سَبْعًا.
الثَّانِي: أَنْ تُرَدَّ الْمُخَفَّفَةُ عَلَى الْمُغَلَّظَةِ فَفِيهَا الْخِلَافُ وَالْأَصَحُّ إلْغَاءُ الْمُخَفَّفَةِ، وَأَمَّا أَنْ تُرَدَّ عَلَى جِنْسِهَا فَإِنْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً عَلَى مِثْلِهَا فَخِلَافٌ كَمَا وَلَغَ كَلْبٌ ثُمَّ وَلَغَ آخَرُ فَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَكْفِي لِلْجَمِيعِ سَبْعٌ.
وَلَوْ وَلَغَ كَلْبٌ ثُمَّ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ أُخْرَى مِنْ فَضَلَاتِهِ قَبْلَ غَسْلِهِ فَيُحْتَمَلُ جَرَيَانُ الْأَوْجُهِ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ وُلُوغُ كِلَابٍ، " وَنَظِيرُهُ " الْوَجْهُ الثَّالِثُ هُنَا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ الْمُتَكَرِّرُ وُقُوعُهَا مِنْ كَلْبٍ وَاحِدٍ وَيُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ بِالسَّبْعِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ فِي أَمْرِ الْوُلُوغِ حَتَّى لَا " يُسْتَثْنَى " الْكِلَابُ. وَلِهَذَا اخْتَارَ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ يَكْفِي فِي سَائِرُ فَضَلَاتِ الْكَلْبِ مَا عَدَا الْوُلُوغَ مَرَّةً وَاحِدَة قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ.
وَإِنْ كَانَتْ مُخَفَّفَةً أَوْ مُتَوَسِّطَةً عَلَى مِثْلِهَا فَلَا أَثَرَ لِلتَّعَدُّدِ قَطْعًا إلَّا فِي صُورَةٍ فِيهَا خِلَافٌ وَهِيَ الْبَوْلُ يُصِيبُ الْأَرْضَ يُعْتَبَرُ عَدَدُ الْبَائِلِينَ فَإِذَا بَالَ عَلَيْهِ شَخْصٌ آخَرُ اُعْتُبِرَ ذَنُوبَانِ وَهَكَذَا تَتَعَدَّدُ الذَّنُوبُ " بِتَعَدُّدِ " الْأَشْخَاصِ.
" الثَّانِي عَشَرَ " فِي النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا وَهِيَ عَلَى أَقْسَامٍ: أَحَدُهُمَا " مَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَهُوَ دَمُ الْبَرَاغِيثِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَكَذَا دَمُ الْقَمْلِ وَالْبَعُوضِ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لَكِنْ " لَهُ شَرْطَانِ ":
أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ بِفِعْلِهِ فَلَوْ كَانَ بِفِعْلِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَ فَتَلَوَّثَ بِهِ أَوْ لَمْ يَلْبَسْ الثَّوْبَ بَلْ حَمَلَهُ وَكَانَ كَثِيرًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَيَلْتَحِقُ بِالْبَرَاغِيثِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ دَمُ الْبَثَرَاتِ وَقَيْحُهَا وَصَدِيدُهَا حَتَّى لَوْ " عَصَرَهُ " وَكَانَ الْخَارِجُ كَثِيرًا لَمْ يُعْفَ عَنْهُ.
وَكَذَلِكَ دَمُ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ مِنْهُ.
" وَثَانِيهِمَا " أَنْ لَا يَتَفَاحَشَ بِالْإِهْمَالِ فَإِنَّ لِلنَّاسِ عَادَةً فِي غَسْلِ الثِّيَابِ كُلَّ حِينٍ فَلَوْ تَرَكَ غَسْلَ الثَّوْبِ سَنَةً مَثَلًا وَهُوَ يَتَرَاكَمُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ الْعَفْوِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَمِنْ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ الْبَلْغَمُ إذَا كَثُرَ وَالْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ إذَا اُبْتُلِيَ بِهِ وَنَحْوُهُ، وَكَذَلِكَ الْحَدَثُ الدَّائِمُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلِسِ الْبَوْلِ، وَكَذَا أَوَانِي الْفَخَّارِ الْمَعْمُولَةِ بِالزِّبْلِ لَا تَطْهُرُ، وَقَدْ سُئِلَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رضي الله عنه " بِمِصْرَ فَقَالَ: إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ " وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ".
الثَّانِي: مَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ وَهُوَ دَمُ الْأَجْنَبِيِّ إذَا انْفَصَلَ عَنْهُ ثُمَّ أَصَابَهُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ " يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فِي الْأَصَحِّ دُونَ كَثِيرِهِ قَطْعًا، وَكَذَلِكَ طِينُ الشَّوَارِعِ الْمُتَيَقَّنِ بِنَجَاسَتِهَا " يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ، وَالْقَلِيلُ مَا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْمُتَغَيِّرُ بِالْمَيْتَةِ الَّتِي لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ لَا يُعْفَى عَنْ التَّغَيُّرِ الْكَثِيرِ فِي الْأَصَحِّ.
الثَّالِثُ: مَا يُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ دُونَ عَيْنِهِ وَهُوَ أَثَرُ الْمَخْرَجَيْنِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَكَذَلِكَ بَقَاءُ رِيحِ النَّجَاسَةِ أَوْ لَوْنِهَا إذَا عَسِرَ زَوَالُهُ.
الرَّابِعُ: مَا لَا يُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ وَلَا عَيْنِهِ وَلَا قَلِيلِهِ وَلَا كَثِيرِهِ وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ.
تَقْسِيمٌ آخَرُ: الْمَعْفُوُّ عَنْهُ أَقْسَامٌ: أَحَدُهَا: يُعْفَى عَنْهُ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَذَلِكَ فِي عِشْرِينَ صُورَةً: مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، وَالْمَيْتَةُ الَّتِي لَا دَمَ لَهَا كَالدُّودِ وَالْخُنْفُسَاءِ أَصْلًا، أَوْ لَهَا دَمٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَسِيلُ كَالْوَزَغِ، وَغُبَارِ النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ، وَقَلِيلِ دُخَّانِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ أُوقِدَ نَجَاسَةٌ تَحْتَ " الْمَاءِ " وَاتَّصَلَ بِهِ قَلِيلُ دُخَّانٍ لَمْ يَنْجُسْ وَقَلِيلُ الشَّعْرِ، وَقَلِيلُ الرِّيشِ النَّجِسِ لَهُ حُكْمُ الشَّعْرِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ إلَّا أَنَّ أَجْزَاءَ الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا حُكْمُ الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ، وَالْهِرَّةُ إذَا وَلَغَتْ بَعْدَ أَكْلِهَا فَأْرَةً، وَأَلْحَقَ الْمُتَوَلِّي السَّبُعَ بِالْهِرَّةِ، وَخَالَفَهُ الْغَزَالِيُّ لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ لِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ، وَمَا اتَّصَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْوَاهِ الصِّبْيَانِ مَعَ تَحَقُّقِ نَجَاسَتِهَا خَرَّجَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَفْوَاهُ الْمَجَانِينِ كَالصِّبْيَانِ، وَإِذَا " وَقَعَ " فِي الْمَاءِ طَيْرٌ عَلَى مَنْفَذِهِ نَجَاسَةٌ " يَتَعَذَّرُ " صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِانْكِمَاشِهِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّا لَوْ تَحَقَّقْنَا وُصُولَ الْمَاءِ إلَى مَنْفَذِ الطَّيْرِ وَعَلَيْهِ ذَرْقٌ عُفِيَ عَنْهُ.
وَإِذَا نَزَلَ الطَّائِرُ فِي الْمَاءِ وَغَاصَ وَذَرَقَ فِيهِ الْعَفْوُ عَنْهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ طَرَفُ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ وَيَدُلُّ لَهُ " مَا " سَنَذْكُرُهُ فِي السَّمَكِ " عَنْ " الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ سَمَكًا فِي جُبٍّ مَا ثُمَّ مَعْلُومٌ أَنَّهُ " يَبُولُ " فِيهِ " أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ. وَفِي تَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ " عَنْهُ " لَا يُمْكِنُ، وَحَكَى الْعِجْلِيُّ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ
أَنَّ وُقُوعَ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ الْمُنْفَذِ فِي الْمَاءِ يُنَجِّسُهُ وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ عَدَمُ التَّنْجِيسِ مُسْتَدِلًّا " بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِمَقْلِ الذُّبَابِ ". ثُمَّ قَالَ: وَلِلْقَاضِي أَنْ يُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ وَنِيمَ الذُّبَابِ يَسِيرٌ وَلِأَنَّهُ لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، وَإِذَا شَرِبَ مِنْ الْمَاءِ طَائِرٌ عَلَى فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تَتَخَلَّلْ " عَيْنَيْهِ " فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْمُنْفَذِ لِتَعَذُّرِ صَوْنِهِ عَنْهُ وَوَنِيمُ الذُّبَابِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ لِعُسْرِ صَوْنِهِ.
وَمِثْلُهُ بَوْلُ الْخُفَّاشِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَوْ الْمَائِعِ وَغُسَالَةُ النَّجَاسَةِ إذَا انْفَصَلَتْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ وَلَا زَائِدَةٍ الْوَزْنِ فَإِنَّهَا تَكُونُ طَاهِرَةً مَعَ أَنَّهَا لَاقَتْ نَجِسًا.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الْمَاءِ دُونَ الثَّوْبِ كَالْمَيْتَةِ الَّتِي لَا دَمَ لَهَا " سَائِلٌ " وَخُرْءِ السَّمَكِ وَمُنْفَذِ الطَّائِرِ.
الثَّالِثُ: مَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْمَاءِ وَهُوَ الدَّمُ الْيَسِيرُ مِنْ سَائِر الدِّمَاءِ إلَّا دَمُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهِ طِينُ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهُ، فَلَوْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ " أَوْ غَمَسَ " يَدَهُ فِي الْمَاءِ وَعَلَيْهَا قَلِيلُ دَمِ بُرْغُوثٍ أَوْ قَمْلٍ، أَوْ غَمَسَ فِيهِ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بُرْغُوثٍ تَنَجَّسَ وَفَرَّقَ " الْعِمْرَانِيُّ " بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْمَاءِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الثِّيَابَ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهَا عَنْ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْأَوَانِي فَإِنَّ صَوْنَهَا مُمْكِنٌ بِالتَّغْطِيَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ غَسْلَ الثِّيَابِ كُلَّ وَقْتٍ يَقْطَعُهَا فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ الَّتِي يُمْكِنُ
وُقُوعُهَا فِيهَا بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَمِنْ ذَلِكَ الثَّوْبُ الَّذِي فِيهِ دَمُ بُرْغُوثٍ يُصَلَّى فِيهِ وَلَوْ وَضَعَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ " يُنَجِّسُهُ " فَيَحْتَاجُ الَّذِي يَغْسِلُهُ أَنْ يُطَهِّرَهُ " بَعْدَ " الْغَسْلِ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ مَا عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ حَتَّى لَوْ سَالَ بِعَرَقٍ وَنَحْوِهِ وَوَقَعَ فِي الثَّوْبِ " عُفِيَ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ " وَلَوْ اتَّصَلَ بِالْمَاءِ نَجَّسَهُ.
الرَّابِعُ: مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِيهِمَا وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا أَدْرَكَهُ الطَّرَفُ مِنْ سَائِرِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ " وَغَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ. وَمِنْهُ: الْفَأْرَةُ الْمَيِّتَةُ وَقَلِيلُ دَمِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ " بِخِلَافِ الْيَسِيرِ مِنْ شَعْرِهِمَا إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّ إطْلَاقَهُمْ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْعَفْوِ عَنْهُ مُطْلَقًا.
" الثَّالِثَ عَشَرَ ".
فِي النَّجَاسَاتِ الْمُسْتَحِيلَةِ وَهِيَ أَنْوَاعٌ: فَمِنْهَا: مَا يَسْتَحِيلُ حَيَوَانًا فَيَطْهُرُ وَفِيهِ وَجْهٌ فِي دُودِ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَوَلَّدَ حَيَوَانٌ مِنْ نَجَاسَةٍ مُغَلَّظَةٍ كَالْكَلْبِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ فَدُودُ الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ مُتَنَجِّسُ الظَّاهِرِ.
" وَمِنْهَا ": الْبَيْضَةُ إذَا صَارَتْ دَمًا فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ فِي الْأَصَحِّ وَإِذَا " اسْتَحَالَتْ " فَرْخًا طَهُرَتْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْرَى فِيهَا الْوَجْهُ السَّابِقُ وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ. وَمِنْهَا: الْعَذِرَةُ إذَا أَكَلَهَا التُّرَابُ وَصَارَتْ تُرَابًا أَوْ أُلْقِيَ كَلْبٌ فِي مَلَّاحَةٍ فَصَارَ مِلْحًا لَمْ يَطْهُرْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ فِي الْبَيَانِ وَجْهًا.
وَقَدْ يَسْتَحِيلُ الطَّاهِرُ نَجِسًا كَالْبَيْضَةِ تَصِيرُ دَمًا، وَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ طَاهِرًا مَأْكُولًا " يَسْتَحِيلُ "" إلَى " الْحَيَاةِ فَلَا يُؤْكَلُ كَبَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازًا أَكْلُهُ مَا دَامَ بَيْضًا، وَإِذَا اسْتَحَالَ حَيَوَانٌ حَرُمَ أَكْلُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَيَاةَ قِسْمَانِ: رُوحَانِيَّةٌ وَنَبَاتِيَّةٌ، وَاسْتِحَالَةُ الْحَيَاةِ " إلَى " الْأُولَى مُقْتَضِيَةٌ لِلطَّهَارَةِ وَاسْتِحَالَتُهَا إلَى الثَّانِيَةِ كَالزَّرْعِ النَّابِتِ بِالنَّجَاسَةِ " قَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ لَكِنْ يَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ " الْمُجَاوِرَةِ، فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ، وَإِذَا سَنْبَلَ فَحَبَّاتُهُ الْخَارِجَةُ طَاهِرَةٌ قَطْعًا وَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهَا وَهَكَذَا الْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَنَحْوُهُمَا يَكُونُ طَاهِرًا وَلَا حَاجَةَ لِغَسْلِهِ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَهَكَذَا الشَّجَرَةُ إذَا سُقِيَتْ مَاءً نَجِسًا فَأَغْصَانُهَا وَأَوْرَاقُهَا وَثِمَارُهَا طَاهِرَةٌ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ فَرْعُ الشَّجَرَةِ.
وَنَمَاؤُهَا.
انْتَهَى، " وَحَكَى الْعِمْرَانِيُّ " عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ الْبَقْلَ النَّابِتَ فِي النَّجَاسَةِ نَجِسُ الْعَيْنِ كَقَوْلِهِ فِي دُودِ الْمَيْتَةِ: إنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ.
ثُمَّ عَلَى الْمَذْهَبِ " ظَاهِرُ " مَا أَطْلَقُوهُ الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا وَيَظْهَرُ تَقْيِيدُهَا وَتَقْيِيدُ حِلِّ الْأَكْلِ بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْحَبِّ أَوْ الْبَقْلِ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ، وَكَذَا فِي الثِّمَارِ الْمَسْقِيَّةِ بِالنَّجِسِ لَا سِيَّمَا شَجَرَ الْعِنَبِ وَالْبِطِّيخِ فَإِنْ تَغَيَّرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ خِلَافُ الْجَلَّالَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ إذَا بَلَّ الْفُولَ بِمَاءٍ نَجِسٍ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يُجَفَّفَ وَيُنْقَعَ ثَانِيًا " فِي مَاءٍ " طَهُورٍ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَشَرُّبِ الْحَبِّ النَّجَاسَةَ مِنْ الْأَرْضِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَزْرُوعًا وَبَيْنَ مَا يَشْرَبُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ فَرَّقَ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ قَدْ يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِتَرْبِيَةِ الزَّرْعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّنْجِيسَ كَمَا لَوْ احْتَاجَ إلَى عَلَفِ الْجَلَّالَةِ يَنْجُسُ فَإِنَّ فِيهَا الْخِلَافَ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ " يُنْقَعَ " الْحَبُّ إذَا تَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ.