الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَيَوَانَاتُ الْتَحَقَتْ بِالْمُؤْذِيَاتِ طَبْعًا فِي الْإِهْدَارِ.
[الْمِلْكُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]
الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ " بِهَا "" تَبِعَةٌ " وَلَا غَرَامَةَ دُنْيَا وَلَا آخِرَةٍ، وَقِيلَ: مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحِلِّ يَعْتَمِدُ الْمُكْنَةَ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يَنْفِي " التَّبِعَةَ " وَالْغَرَامَةَ " وَقَالَ " صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ: مَا قَبِلَ التَّصَرُّفِ فَهُوَ الْمَمْلُوكُ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ " فَهُوَ لَيْسَ " بِمَمْلُوكٍ كَالْحَشَرَاتِ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّصَرُّفِ أَنَّ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ يُسَمَّى مَالِكًا فِي " الْأَزَلِ "، وَتَسْمِيَتُهُ مَالِكًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى إيجَادِ الْمَعْدُومَاتِ إذْ لَيْسَ فِي الْأَزَلِ مَوْجُودٌ سِوَاهُ حَتَّى يَكُونَ إثْبَاتُ وَصْفِ الْمَالِكِيَّةِ " بِسَبَبِ " قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْجُودِ
انْتَهَى وَلَك أَنْ تَقُولَ: التَّصَرُّفُ نَتِيجَةُ الْمِلْكِ وَأَثَرُهُ فَكَيْفَ يَحْسُنُ تَعْرِيفُهُ " بِهِ " وَأَيْضًا فَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يَمْلِكَانِ الْمَالَ وَلَا يَقْدِرَانِ عَلَى التَّصَرُّفِ " فِيهِ " إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ تَهْيِئَةُ الْمَالِ لِلتَّصَرُّفِ وَمَالُهُمَا مُهَيَّأٌ لَهُ، وَوَلِيُّهُمَا " نَائِبٌ عَنْهُمَا "
وَقَالَ " الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى "" مَعْنًى " مُقَدَّرٌ بِالْمَحِلِّ لِإِفَادَةِ الِانْتِفَاعِ قَالَ وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ مَلَكَ النِّكَاحَ وَمَلَكَ الْقِصَاصَ وَمَلَكَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ لَمْ يَرِدْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَكِنَّهُ مِنْ تَجَوُّزَاتِ الْفُقَهَاءِ، " وَكُلُّ " اسْتِحْقَاقٍ وَاخْتِصَاصٍ مُؤَكَّدٌ فَتُجَوِّزُ عَنْهُ بِالْمِلْكِ، أَمَّا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فَهُوَ " مَا ذَكَرْنَاهُ " انْتَهَى وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِهِ مُقَدَّرًا أُمُورٌ: مِنْهَا: أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ مَا لَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ " وَالضَّرُورَةُ " إلَيْهِ، وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ " تَعَالَى " الْأَمْلَاكَ فِي مُدَّةِ " الْحَيَاةِ "، " لِأَنَّهَا " مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَاتِ، وَأَمَّا إثْبَاتُهَا " فِي الْمَمَاتِ "، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَلِكُلِّ إنْسَانٍ مَوْتَتَانِ وَحَيَاتَانِ، فَأَمَّا الْمَوْتَةُ الْأُولَى فَفِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ وَتَثْبُتُ فِيهَا الْأَمْلَاكُ " لِلْأَجِنَّةِ " بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ الْأَجِنَّةَ صَائِرُونَ إلَى الْحَاجَاتِ وَالضَّرُورَاتِ، وَأَمَّا الْمَوْتَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْآجَالِ فَلِلْمَيِّتِ حَالَانِ:" إحْدَاهُمَا " أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى دَوَامِ الْمِلْكِ فَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ عَنْهُ إلَى مِنْ يَرِثُهُ لِانْتِفَاءِ حَاجَاتِهِ وَضَرُورَاتِهِ
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ تَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَقَاءِ مِلْكِهِ
فَأَبْقَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ، كَمَا أَثْبَتَهُ فِي الْمَوْتَةِ الْأُولَى، وَنَقَلَهُ فِي قَوْلٍ إلَى الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقًا بِهِ حَقُّ الْمَيِّتِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ حَقُّ الْمَيِّتِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ، وَوَقَفَهُ فِي قَوْلٍ ثَالِثٍ قَبْلَ سُقُوطِ الدَّيْنِ بِقَضَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ، فَإِنْ سَقَطَ انْتَقَلَ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَارِثِ وَإِلَّا بَقِيَ. وَالْمَقْتُولُ يَرِثُ دِيَتَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ تَقْدِيرًا حَتَّى يَقْضِيَ مِنْهَا دُيُونَهُ وَتَنْفُذَ وَصَايَاهُ، وَقِيلَ: يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً قُلْت: وَمَا قَالَهُ فِي أَنَّ الْجَنِينَ يَمْلِكُ خِلَافَ قَوْلِ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ: وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ كَالْجَنِينِ، وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا اخْتَصَّ بِهَوَاهَا حَتَّى " يَمْتَنِعَ " عَلَى غَيْرِهِ الْإِشْرَاعُ " إلَيْهِ " وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، إلَّا بِمَا لَا " ضَرَرَ " فِيهِ كَرَمْيِ سَهْمٍ إلَى صَيْدٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الِاخْتِصَاصُ فِي جِهَةِ الْعُلُوِّ إلَّا " بِمَا " تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ " وَكَذَلِكَ " يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ مِنْ قَرَارِهِ إلَّا " مَا " تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ دُونَ مَا " سَفَلَ " إلَى سَبْعِ أَرْضِينَ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، لَكِنْ يَشْكُلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ إلَى تُخُومِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا
حَاجَةَ إلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى غَصْبِ الشِّبْرِ بِالتَّطْوِيقِ الْمَذْكُورِ
قُلْت: قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا " مِنْ " الْأَصْحَابِ: مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَ هَوَاهَا إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ وَتَحْتَهَا إلَى تُخُومِ الْأَرْضِ، وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ " بِأَنَّ " الْهَوَاءَ يُبَاعُ مَعَ أَصْلِهِ، فَلَوْ بَاعَ " صَاحِبُ الْعَرْصَةِ هَوَاهَا لِشَخْصٍ لِيُشَرِّعَ " فِيهِ جَنَاحًا " لَهُ " لَمْ تَصِحَّ، لِأَنَّ حَقَّ الْهَوَاءِ مَا لَمْ " يَتَعَلَّقْ بِعَيْنٍ " لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، نَعَمْ قَالُوا فِي بَاب بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ: لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا وَفِيهَا حِجَارَةٌ مَدْفُونَةٌ وَعَلِمَ الْمُشْتَرِي بِهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَكَانَ يَنْبَغِي بُطْلَانُهُ كَمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ تَحْتَ الصُّبْرَةِ " الْمَبِيعَةِ " دِكَّةٌ، فَإِنَّ الْأَرْضَ مَبِيعَةٌ إلَى تُخُومِ الْأَرْضِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى ظَاهِرِهَا كَالِاعْتِمَادِ عَلَى الصُّبْرَةِ وَهُوَ سُؤَالٌ صَعْبٌ.
الثَّانِي:
فِي شُرُوطِهِ وَأَقْسَامِهِ: جَعَلَ بَعْضُهُمْ شَرْطَهُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّصَرُّفِ أَوْ تَهَيُّؤَهُ لِذَلِكَ لِيَدْخُلَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ بِخِلَافِ الْجَنِينِ وَالْمَيِّتِ
وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ الْعَبْدُ لِضَعْفِ " تِلْكَ " الْقُدْرَةِ فِيهِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ أَوْ أَثَرُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطُهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ أَوْ يَصِحُّ لِلْجِهَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فِي الْوَقْفِ عَلَى قَبِيلَةٍ كَبَنِي تَمِيمٍ مَثَلًا إنْ صَحَّحْنَاهُ لِلْجِهَةِ صَحَّ وَإِنْ قُلْنَا: يُسْتَدْعَى الْأَعْيَانُ
لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى أَعْيَانِهِمْ وَهُمْ غَيْرُ مَحْصُورِينَ " فَلَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ "، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللَّقِيطِ عَلَى قَوْلِ الْوَجِيزِ " مَا " وُقِفَ عَلَى " اللُّقَطَاءِ " أَوْ وُهِبَ مِنْهُمْ أَنَّ الْهِبَةَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا يُسْتَبْعَدُ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا كَوْنُ الْجِهَةِ لَا تُمْلَكُ فَمَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ جِهَةٌ وَهِيَ تُمْلَكُ بِالْإِرْثِ، " وَأَهْلُ " الْفَيْءِ جِهَةٌ، " وَأَهْلُ سُهْمَانِ " الزَّكَاةِ جِهَاتٌ، وَكُلُّهَا تُمْلَكُ، وَأَمَّا أَقْسَامُهُ فَقَالَ الْقَاضِي صَدْرُ الدِّينِ مَوْهُوبٌ الْجَزَرِيُّ فِي فَتَاوِيهِ ": الْمَمْلُوكَاتُ " عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَعْيَانٌ وَمَنَافِعُ. فَانْتِقَالُ الْمِلْكِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: " مَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَالْحَوَالَةِ وَالشُّفْعَةِ وَاللُّقَطَةِ ". الثَّانِي: مَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَاتِ " وَالْوَصَايَا " وَالْمِيرَاثِ ".
الثَّالِثُ: مَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَالِكٍ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ " بِالْعِوَضِ كَالْكِتَابَةِ.
الرَّابِعُ: مَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَالِكٍ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعِتْقِ.
الْخَامِسُ: مَا يَنْتَقِلُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ " إلَى مَالِكٍ وَهُوَ " تَمْلِيكُ " الْمُبَاحَاتِ مِنْ الْمَوَاتِ وَأَمَّا الْعَقْدُ عَلَى الْمَنَافِعِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ " أَقْسَامٍ ": مِنْهَا ": " مَا هُوَ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَالْجِعَالَةُ وَالْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ "
" وَمِنْهَا ": " مَا هُوَ بِغَيْرِ عِوَضٍ " كَالْوَقْفِ وَالشَّرِكَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَحِفْظِ اللَّقِيطِ. وَنَوْعَانِ مُتَرَدِّدَانِ " بَيْنَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ " وَهُمَا الْوَكَالَةُ وَالْقِيَامُ عَلَى الْأَطْفَالِ. فَإِنَّ تَارَةً يَكُونُ بِعِوَضٍ وَتَارَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ.
" وَمِنْهَا ": الْمُسَابَقَةُ وَالْمُنَاضَلَةُ وَهِيَ قِسْمٌ مُفْرَدٌ " إذْ " الْمُرَادُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَتِهِ فَهَذِهِ أَقْسَامُ الْمِلْكِ.
" الثَّالِثُ ": قَدْ يَتَعَلَّقُ التَّمْلِيكُ بِمَحِلٍّ مُحَقَّقٍ كَتَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِمَحِلٍّ مُقَدَّرٍ " كَتَمْلِيكِ " مَنَافِعِ الْأَبْضَاعِ أَوْ الْأَعْيَانِ فِي الْإِجَارَةِ " أَوْ الْإِعَارَةِ " فَإِنَّ مَنَافِعَهَا
مُقَدَّرَةٌ " تَعَلَّقَ " بِهَا تَمْلِيكٌ " مُقَدَّرٌ إلَّا أَنَّ " مَنَافِعَ الْأَعْيَانِ مُقَدَّرَةُ النَّقْلِ وَمَنَافِعُ الْأَبْضَاعِ " مُسْتَقِرَّةٌ " غَيْرُ مَنْقُولَةٍ إذْ يَمْلِكُ الزَّوْجُ " بِعَقْدِ النِّكَاحِ " مِنْ الْوَطْءِ وَتَوَابِعِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ مَا لَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ مِنْ نَفْسِهَا حَتَّى يُقْضَى " نَقْلُهُ " إلَيْهِ مِنْهَا، وَقَدْ مَنَعُوا إيجَارَ الْمُسْتَأْجَرِ قَبْلَ قَبْضِ " مَحِلِّ الْمَنْفَعَةِ وَأَجَازُوهُ بَعْدَ قَبْضِهِ مَعَ أَنَّ الْمَنَافِعَ مَفْقُودَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَقَدَّرُوهَا مَقْبُوضَةً بَعْدَ قَبْضِ " الْعَيْنِ وَغَيْرَ مَقْبُوضَةٍ قَبْلَ قَبْضِهَا ثُمَّ قَالُوا: لَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ قَدْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ بِطْرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ " تَابِعَةً " لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَرَدَ عَلَيْهَا عَقْدٌ وَحْدَهَا كَبَيْعِ حَقِّ الْمَمَرِّ وَالْبِنَاءِ عَلَى السَّقْفِ وَكَمَا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ بَاعَ عَيْنًا فَقَدْ بَاعَهَا وَمَنَافِعَهَا، بَلْ إنْ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ يَحْدُثُ فِيهَا مَنَافِعُ، وَلِهَذَا لَوْ وُجِدَتْ مُسْتَحَقَّةٌ بِعَقْدٍ يُعَارِضُ كَوْنَهَا لِصَاحِبِ " الْعَيْنِ عُمِلَ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ بَاعَ " الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ عَيْنًا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا أَوْ بَاعَ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ، بَلْ إطْلَاقُ الْعَقْدِ تَنَاوَلَهَا تَبَعًا، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ " مَانِعٌ "" مِنْ " عَمَلِهَا فِي الْحَالِ
وَلَوْ وَصَّى لِشَخْصٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ وَسَكَتَ عَنْ " الْمَنْفَعَةِ " فَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهَا لَهُ أَوْ لِلْوَرَثَةِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ، أَمَّا إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِزَيْدٍ وَبِالرَّقَبَةِ لِعَمْرٍو فَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ الْوَصِيَّةَ وَلَمْ يَقْبَلْهَا الْمُوصَى لَهُ " بِالْمَنَافِعِ " فَهَلْ تَعُودُ الْمَنَافِعُ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْ " لِلْمُوصَى " لَهُ بِالرَّقَبَةِ؟ وَجْهَانِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا لِلْوَرَثَةِ " لِإِخْرَاجِهَا بِالْقَبْضِ عَنْ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ الْجَزْمُ "" بِهِ "" بِأَنَّهَا لِلْوَرَثَةِ إذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِالرَّقَبَةِ " بِلَا مَنْفَعَةٍ وَلِلْآخَرِ بِالْمَنْفَعَةِ فَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ ثُمَّ وَصَّى بِالْمَنْفَعَةِ لِآخَرَ، فَالظَّاهِرُ " أَنَّهَا " عَلَى الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ رَدَّهُ أَبْطَلَ أَثَرَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ فَتَبْقَى الْوَصِيَّةُ بِالرَّقَبَةِ عَلَى إطْلَاقِهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ رُجُوعٌ عَنْ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ وَالْوَصِيَّةُ تَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، أَمَّا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ ثُمَّ أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ فَهَلْ نَقُولُ: إنَّهُ كَالْحَالَةِ الْأُولَى أَوْ هُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ، فِيهِ نَظَرٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي تَحْقِيقِ الْمَنْفَعَةِ وَكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً قَبْلَ وُجُودِهَا وَإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَلَامًا كَثِيرًا، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَنَّهَا تَهَيُّؤُ الْعَيْنِ لِذَلِكَ " الْمَعْنَى " الَّذِي قُصِدَ " مِنْهَا " كَالدَّارِ مُتَهَيِّئَةً لِلسُّكْنَى، وَالتَّهَيُّؤُ مَوْجُودٌ الْآنَ وَتَتَوَالَى أَمْثَالُهُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ " وَسَكَنَهَا " الْمُسْتَأْجِرُ، وَهَلْ نَقُولُ: إنَّهَا مَمْلُوكَةٌ؟ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لَا " وَهُوَ " قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ كَيْفَ يَكُونُ بَدَلًا.
وَقَالَ
الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ: إنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِالْمِلْكِ إلَّا جَوَازَ التَّصَرُّفِ وَهَذِهِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا " فَكَانَتْ " مَمْلُوكَةً.
ضَابِطٌ: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ يَصِحُّ أَنْ يُوصَى بِرَقَبَةِ عَيْنٍ لِشَخْصٍ وَبِمَنْفَعَتِهَا لِآخَرَ.
الرَّابِعُ: الْمِلْكُ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: يَحْصُلُ قَهْرًا كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَمَنَافِعِ الْوَقْفِ، وَكَذَا رَقَبَةُ " الْوَقْفِ " فِي قَوْلٍ فِيهِمَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ، وَنَمَاءُ الْمِلْكِ مِنْ الثِّمَارِ وَالنِّتَاجِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْمَرْدُودُ " بِعَيْبٍ وَكَذَلِكَ " الْكَلَأُ وَالْمَطَرُ وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ إذَا حُصِّلَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَحَكَى صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ
" أَمَّا " النَّابِتُ فِي الْمَوَاتِ، فَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ، وُعُودُ شَطْرِ الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى " قَوْلٍ، وَخَلَطَ " الْمَغْصُوبَ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ، وَإِذَا أَعْتَقَ الشَّرِيكُ الْمُوسِرُ نَصِيبَهُ وَبَذَلَ قِيمَةَ النِّصْفِ الْآخَرِ " يَمْلِكُهُ " الشَّرِيكُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا عَلَى وَجْهٍ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ " وَقَدْ يَتَمَلَّكُ عَلَى الْغَيْرِ قَهْرٌ " كَالرُّجُوعِ فِي الْعَيْنِ
بِالْإِفْلَاسِ وَرُجُوعِ الْوَالِدِ فِي هِبَتِهِ وَرُجُوعِ الزَّوْجِ فِي شَطْرِ الصَّدَاقِ وَأَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ وَأَخْذِ الْمُضْطَرِّ طَعَامَ الْغَيْرِ، وَإِذَا ظَهَرَ مَالِكُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْمُلْتَقِطِ فَفِي تَمْكِينِهِ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا قَهْرًا وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ وَلَوْ أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ جِنْسَ حَقِّهِ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى اخْتِيَارِ " التَّمَلُّكِ "، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمْ وَالثَّانِي: يَحْصُلُ بِالِاخْتِيَارِ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: " بِالْأَقْوَالِ " وَيَكُونُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبُيُوعِ وَفِي غَيْرِهَا كَالْهِبَاتِ وَالْوَصَايَا وَالْوُقُوفِ إذَا شَرَطْنَا الْقَبُولَ وَتُمْلَكُ اللُّقَطَةُ بِشَرْطِهِ. وَالثَّانِي: " يَحْصُلُ " بِالْأَفْعَالِ كَتَنَاوُلِ الْمُبَاحَاتِ كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالصَّدَقَةِ وَالْأَحْيَاءِ وَالْغَنِيمَةِ.
وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ «صَدَقَةٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُوَرَّثُ» فَأَشَارَ بِالْبَيْعِ إلَى الْمَمْلُوكِ بِالْمُعَاوَضَةِ، وَبِالْهِبَةِ إلَى الْمَمْلُوكِ بِغَيْرِهَا اخْتِيَارًا، وَبِالْإِرْثِ إلَى الدَّاخِلِ قَهْرًا هَذِهِ " مَجَامِعُ التَّمَلُّكِ " وَمَا تَفَرَّعَ عَنْهَا يَرْجِعُ إلَيْهَا
وَمِمَّا يَتَخَالَفَانِ فِيهِ أَعْنِي الِاخْتِيَارِيَّ وَالْقَهْرِيّ إنَّ الِاخْتِيَارِيَّ يُمْلَكُ بِالْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ أَوْ بِمَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْقَهْرِيُّ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يُمْلَكُ حَتَّى يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوْ يَرْضَى بِتَأْخِيرِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِذَلِكَ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ " بِهِ " وَلَا يَبْعُدُ إلْحَاقُ " مَا فِيهِ إزَالَةُ الضَّرَرِ بِالشُّفْعَةِ فِي ذَلِكَ كَأَخْذِ " الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَتَقْوِيمِ " الشِّقْصِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرِكِ وَنَحْوِهِ
وَمِنْهَا: أَنَّ التَّمَلُّكَ الْقَهْرِيَّ يَحْصُلُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ، كَمَا " فِي " أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِيِّ
وَمِنْهَا: أَنَّ " التَّمْلِيكَ " الْقَهْرِيَّ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ شُرُوطِهِ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِهَا؟ خِلَافٌ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ يُؤْخَذُ الشِّقْصُ الَّذِي لَمْ يَرَهُ عَلَى قَوْلٍ، وَالِاخْتِيَارِيُّ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَطْعًا
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاخْتِيَارِيِّ كَمَا فِي دُخُولِ الْمُسْلِمِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ بِالْإِرْثِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَكَذَا الصَّيْدُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ وَلَا " يُمْلَكُ " ذَلِكَ كُلُّهُ بِالِاخْتِيَارِ.
الْخَامِسُ: الْمِلْكُ تَارَةً يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ كَالْعِتْقِ وَتَارَةً يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْوَقْفِ وَمِثْلُهُ الْأُضْحِيَّةُ فَإِنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا يُقَالُ: سَقَطَ " وَلِذَلِكَ شَبَّهَهُ " الْإِمَامُ بِالْوَقْفِ.
السَّادِسُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمِلْكِ وَالِاخْتِصَاصِ " أَنَّ الْمِلْكَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ، وَالْمَنَافِعُ وَالِاخْتِصَاصُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَنَافِعِ وَبَابُ الِاخْتِصَاصِ "" أَوْسَعُ "، وَلِهَذَا شَوَاهِدُ: مِنْهَا أَنَّهُ يَثْبُتُ " فِيمَا " لَا يُمْلَكُ مِنْ النَّجَاسَاتِ كَالْكَلْبِ وَالزَّيْتِ النَّجِسِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِ
وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الدَّعَاوَى ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِيمَا الْيَدُ عَلَيْهِ لِلِاخْتِصَاصِ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا يَدُ انْتِفَاعٍ " لَا " تُمْلَكُ، وَالثَّانِي: تُمْلَكُ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا، وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ مُتَهَيِّئًا؛ لَأَنْ يَصِيرَ مِلْكًا كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ يُدْبَغُ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ مَمْلُوكًا وَالْيَدُ عَلَيْهِ يَدُ مِلْكٍ اعْتِبَارًا بِالطَّرَفَيْنِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الطَّرَفَيْنِ كَالْكَلْبِ وَالنَّجَاسَاتِ فَالْيَدُ يَدُ انْتِفَاعٍ " لَا تُمْلَكُ "
" وَمِنْهَا " لَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ أَوْ كِلَابٍ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَهُ مُتَمَوِّلٌ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ فِي الْكُلِّ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الِاخْتِصَاصِ " لَيْسَ كَحَقِّ الْمِلْكِ فَكَانَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَنْقُلَ اخْتِصَاصَهُ " فِي ذَلِكَ لِمَنْ " يَشَاءُ " مِنْ الْأَجَانِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ " يُحْسَبَ " مِنْ الثُّلُثِ إذْ لَا مَالِيَّةَ فِي ذَلِكَ
وَمِنْهَا: فِي " الْغَنِيمَةِ " إذَا كَانَ فِيهَا كِلَابٌ نَصَّ " عَلَيْهِ "" الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ " لِرَأْيِ " الْإِمَامِ يُخَصِّصُ " بِهِ مَنْ شَاءَ " مِنْ الْغَانِمِينَ فَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَعْطَاهُ لِبَعْضِ أَهْلِ " الْخُمُسِ " فَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ أَحَدٌ خَلَّاهُ أَوْ قَتَلَهُ، لِأَنَّ اقْتِنَاءَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ يَحْرُمُ وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهَا تُقَسَّمُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا أَقْرَعَ إنْ تَنَازَعُوا فِيهَا.
السَّابِعُ: مِلْكُ النِّكَاحِ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ذَكَرَ هَذَا الْأَصْلَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الِاصْطِلَامِ فِي بَابِ " الشَّهَادَاتِ " وَبَنَى عَلَيْهِ فُرُوعًا. " مِنْهَا ": شُهُودُ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا ضَمِنُوا بَعْدَ الدُّخُولِ مَهْرَ الْمِثْلِ وَقَبْلَهُ نِصْفَهُ أَوْ جَمِيعَ الْمَهْرِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَعِنْدَهُمْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَبْلَهُ يَضْمَنُ نِصْفَ الْمُسَمَّى وَمِنْهَا: الشُّفْعَةُ فِي الشِّقْصِ الْمَمْهُورِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِمِثْلِ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ " بِقِيمَتِهِ إنْ " كَانَ مُتَقَوِّمًا، " وَالْبِضْعُ " لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ وَلَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُمْ وَمِنْهَا: إذَا خَالَعَ عَلَى شِقْصٍ مِنْ دَارٍ فَعَلَى الْخِلَافِ
قُلْت: وَمِنْهَا: إذَا خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ " لِلْبَدَلِ " الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَمِنْهَا: إذَا شَرَطَ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ رَدَّ مَنْ جَاءَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ رَدًّا فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَهَلْ يَجِبُ دَفْعُ مَهْرٍ إلَى زَوْجِهَا قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ " وَالْآيَةُ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ " وَكَانَ الصُّلْحُ قَدْ وَقَعَ عَلَى رَدِّ النِّسَاءِ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ فَلَمَّا حَرُمَ الرَّدُّ بَعْدَ صِحَّةِ اشْتِرَاطِهِ وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ وَهُوَ الْمَهْرُ وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ رَدِّ النِّسَاءِ فَلَا " يَصِحُّ " رَدُّ مُهُورِهِنَّ، لِأَنَّهُ شَرْطُ مَالٍ لِلْكُفَّارِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَمِثْلُ هَذَا الْأَصْلِ مِلْكُ الْقِصَاصِ، قَالُوا: هُوَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَوْ شَهِدَا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ رَجَعَا " لَا ضَمَانَ " عَلَيْهِمَا عِنْدَهُمْ، ثُمَّ قَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ شُبْهَتِهِمْ: وَأَمَّا حَرْفُ الْجَوَابِ فَهُوَ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مِلْكٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا " بِمَحِلِّ " اسْتِيفَاءِ الشَّرْطِ، وَمِلْكُ " الْقِصَاصِ مِلْكٌ " لَا يُعْرَفُ إلَّا بِجَوَازِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَلِهَذَا لَا يُمْلَكُ النَّقْلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِلْكٌ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، إلَّا أَنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُثْبِتُهُ مِلْكٌ مُتَقَوِّمٌ فَإِذَا أُتْلِفَ بِالشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ ضُمِّنَ.
الثَّامِنُ: قَالُوا الْوَطْءُ بِالنِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِبَاحَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلِهَذَا لَوْ مَلَكَ أَمَةً ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ وَحَرُمَتْ الْأَمَةُ، وَالْأَقْوَى إذَا طَرَأَ عَلَى الْأَضْعَفِ دَفَعَهُ وَخَالَفُوا هَذَا فِيمَا إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ قَالُوا: لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى.
وَأُجِيبُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ نَفْسَهُ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ نَفْسِهِ وَالِاسْتِفْرَاشُ بِالنِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِفْرَاشِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا تَنَاقُضَ.
وَالثَّانِي أَنَّ مَحِلَّ تَرْجِيحِنَا الِاسْتِفْرَاشُ بِالنِّكَاحِ عَلَى الِاسْتِفْرَاشُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي عَيْنَيْنِ وَتَرْجِيحَنَا مِلْكَ الْيَمِينِ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تَنَاقُضَ أَيْضًا " وَالطَّرِيقَةُ " الْأُولَى أَحْسَنُ وَمِمَّا رَجَّحُوا فِيهِ مِلْكَ الْيَمِينِ أَنَّ " السَّيِّدَ يَبِيعُ " الْأَمَةَ مِمَّنْ بِهِ بَعْضُ عُيُوبِ النِّكَاحِ وَهَلْ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ تَمْكِينِهِ وَجْهَانِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: قُلْتُ قَالَ الْمُتَوَلِّي أَصَحُّهُمَا: " يَلْزَمُهَا " التَّمْكِينُ وَهَذَا بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ لَا يَلْزَمُهَا وَتَتَخَيَّرُ
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ وَلَا عَكْسُهُ بَلْ إنْ كَانَا مِنْ " جِهَتَيْنِ " كَمَا إذَا كَانَ يَطَأُ " أَمَةً " فَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا قَوِيَ مِلْكُ النِّكَاحِ عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تَحْرُمَ الْمَمْلُوكَةُ، وَإِنْ كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ قَوِيَ مِلْكُ الْيَمِينِ حَتَّى يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ
وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ عَقْدَ النِّكَاحِ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ وَتَوَابِعُهُ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ " قَدْ " يَكُونُ " لِلِاسْتِخْدَامِ "" وَغَيْرِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ شِرَاءِ أُخْتِهِ، بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا، فَلَا جَرَمَ قَوِيَ " النِّكَاحُ " وَحَرُمَتْ الْمَمْلُوكَةُ ".
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ " النِّكَاحِ "" إذْ " يُنْتَفَعُ بِالْبُضْعِ فَلِذَلِكَ قَوِيَ مِلْكُ الْيَمِينِ حَتَّى انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَإِنَّمَا انْفَسَخَ لِلتَّنَافِي بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى دَارًا فِي إجَارَتِهِ.
التَّاسِعُ: الْمِلْكُ قِسْمَانِ: تَامٌّ وَضَعِيفٌ: فَالتَّامُّ يَسْتَتْبِعُ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ، وَالضَّعِيفُ بِخِلَافِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَإِنْ صَحَّ عِتْقُهُ وَالْمِلْكُ الضَّعِيفُ لَا يُبَاحُ فِيهِ الْوَطْءُ وَضَبَطَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ فِي بَابِ الْخِيَارِ، الْمِلْكَ الضَّعِيفَ بِمَا يَقْدِرُ الْغَيْرُ عَلَى إبْطَالِهِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ، " قَالَ ": وَاحْتَرَزْت بِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ عَنْ مِلْكِ الْمُتَّهَبِ مِنْ الْأَبِ فَإِنَّ الْأَبَ يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ بِالْقَبْضِ وَجَازَ لِأَجْلِهِ وَطْءُ الِابْنِ " وَسَائِرُ " تَصَرُّفَاتِهِ، قَالَ " صَاحِبُ مَيْدَانِ الْفُرْسَانِ "، وَهَذَا الضَّابِطُ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ " أَمَتَهُ " وَقُلْنَا بِالْقَدِيمِ؛ فَإِنَّهُ يُبَاحُ " لَهُ " وَطْؤُهَا مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ إذَا قُلْنَا بِثُبُوتِهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، قُلْت: الْمِلْكُ هُنَا غَيْرُ نَاقِصٍ وَإِنَّمَا النَّاقِصُ " الْمَالِكُ " بِذَلِكَ " صَرَّحَ
الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَقْفِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ لَا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَثْبَتْنَا لَهُمَا الْمِلْكَ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ نَاقِصٌ لَمْ يَحْدُثْ نُقْصَانُهُ بِوَطْءٍ سَابِقٍ فَلَا يُفِيدُ حِلُّ الْوَطْءِ، قَالَ: وَيَخْرُجُ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ وَطْءُ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا يَلْزَمُ وَطْءُ الْعَبْدِ الْجَارِيَةَ الَّتِي مَلَّكَهَا السَّيِّدُ إيَّاهُ حَيْثُ يَجُوزُ عَلَى رَأْيٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَمَّ غَيْرُ نَاقِصٍ، وَإِنَّمَا النَّاقِصُ " الْمَالِكُ " فَهُوَ كَجَارِيَةِ الْمَجْنُونِ " يَطَؤُهَا " وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا لِنُقْصَانِهِ انْتَهَى.
وَيَخْرُجُ مِنْهُ " الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ وَمِنْ خَصَائِصِهِ أَيْضًا سُقُوطُهُ بِالْإِعْرَاضِ، وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الزَّكَاةِ: إنَّ الْغَانِمِينَ إذَا لَمْ يَخْتَارُوا " التَّمَلُّكَ " فَلَا زَكَاةَ؛ لِأَنَّ " الْغَنِيمَةَ " غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ أَوْ مَمْلُوكَةً مِلْكًا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالْوَهَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الْإِعْرَاضِ. انْتَهَى.
وَمِنْ الْأَمْلَاكِ الضَّعِيفَةِ: مِلْكُ الْمُكَاتَبِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمِلْكِهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُوَرَّثُ وَمِنْهَا: مِلْكُ الْعَبْدِ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ وَقُلْنَا: يُمْلَكُ وَمِنْهَا: مِلْكُ الْغَرِيمِ مَا عَيَّنَهُ لَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَقَدْ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ " فِي الزَّكَاةِ: " لَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ضَعِيفٌ بِتَسْلِيطِ الْحَاكِمِ " وَمِنْهَا ": مِلْكُ السَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ بَقَاءُ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ أَمَةً امْتَنَعَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا لِأَجْلِ مَا ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهَا وَهُوَ يُوجِبُ ضَعْفَ مِلْكِهِ.
الْعَاشِرُ: الْمِلْكُ يَنْقَسِمُ إلَى مُسْتَقِرٍّ وَغَيْرِهِ: فَالْمُسْتَقِرُّ: مَا لَا " يُحْتَمَلُ " السُّقُوطُ بِتَلَفِهِ أَوْ تَلَفِ مُقَابِلِهِ، كَثَمَنِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَغَيْرِ الْمُسْتَقِرِّ بِخِلَافِهِ كَالْأُجْرَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِتَعَرُّضِ مِلْكِهَا " لِلسُّقُوطِ " بِانْهِدَامِ الدَّارِ، بَلْ كُلَّمَا مَضَى زَمَنٌ مِنْ الْمُدَّةِ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى مُقَابِلِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَمِثْلُهُ الثَّمَنُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ بِنِصَابٍ وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ كَالْأُجْرَةِ، فَإِنْ قِيلَ: الصَّدَاقُ أَيْضًا " يَتَعَرَّضُ " لِلسُّقُوطِ بِمَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ " وَهُوَ أَنْ يَفْسَخَهُ " بِعَيْبِهَا قِيلَ: الْمُؤَثِّرُ فِي اسْتِقْرَارِ الْعِوَضِ وَالْمُعَوِّضُ احْتِمَالُ سُقُوطِهِ " بِتَلَفِهِ " أَوْ تَلَفِ مُقَابِلِهِ لَا غَيْرُ بِدَلِيلِ أَنَّ احْتِمَالَ رَدِّ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ بِالْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ اسْتِقْرَارَ الْمِلْكِ " فِيهِمَا وَكَذَلِكَ " الصَّدَاقُ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: الْمِلْكُ غَيْرُ الْمُسْتَقِرِّ الْمُتَعَقَّبُ بِالزَّوَالِ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمِلْكِ الْمُسْتَقِرِّ
وَمِنْ ثَمَّ إذَا " عَتَقَ " الْمَرِيضُ مِنْ مَالِهِ عَبْدًا " فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ قَطْعًا،