الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على العادة، بل قال:"إن الله أبدلكم بهما يومين آخرين"، والإبدال يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يُجْمَع بين البدل والمبدل.
ولذلك مات ذلك اليومان في الإسلام، فلم يبق لهما أثر، فإنه قد يعجز كثير من الملوك عن تغيير الناس عن عادتهم في أعيادهم، لقُوَّةِ مقتضيها في نفوسهم، وتوفُّر هِمم الجماهير على اتخاذها، لا سيما طِباع النساء والصِبيان، فلولا قوَّة المانع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت باقية ولو على وجهٍ ضعيف، فَعُلِمَ أن المانع القويَّ منه كان ثابتًا، وكلُّ ما منع منه الرسول منعًا قويًّا كان محرَّمًا، وهذا بَيِّن لا شُبهةَ فيه.
والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نُقِرُّهم عليها أشدُّ من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها؛ لأن الأمَّةَ قد حُذِّروا مشابهةَ اليهود والنصارى، وأخبر أنه سيفعل قوم ذلك بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر عند اخْترام أنفس المؤمنين عمومًا، ولو لم يكن أشد منه فهو مثله، إذ الشرُّ الذي له فاعل موجود يُخاف على الناس منه أكثر من شرٍّ لا مقتضي له قوي.
الوجه الثاني:
روى أبو داود
(1)
: أن رجلًا نذر على عهد رسول الله أن ينحر إبلًا بِبُوانة، فأتى رسولَ الله فقال: إني نذرتُ أنْ أَنْحَر إبِلًا بِبُوانةَ، فقال:"هَلْ كانَ فيها وَثَنٌ من أَوْثَانِ الجاهليةِ يُعْبَد"؟ قالوا: لا. قال: "فَهَلْ كانَ فيها عِيْدٌ مِنْ أَعْيادِهِم"؟ قالوا: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ فإنَّه لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللهِ ولَا فيما لا يَمْلِكُ ابنُ آدَمَ".
(1)
رقم (3313). من حديث ثابت ابن الضحاك رضي الله عنه.
وأصل هذا الحديث في "الصحيحين"
(1)
، وإسناده على شرطهما.
فوجه الدلالة: أنَّ هذا الناذِرَ لما نَذَر الذبحَ سأله: هل كان بها وَثَن أو عيد؟ ثم قال: "لا وفاء لنذرٍ في معصية الله"؛ فيدلُّ على أن الذبح بمكان عيدِهم وموضعِ أوثانهم معصية، فإنه عقَّب:"فأوف" بالفاء؛ فيدلُّ على أن الوصفَ هو سبب الحكم، فيكون سبب الوفاء بالنذر وجوده خاليًا عن هذين الوصفين، ويكون
(2)
الوصفان مانِعَيْن من الوفاء، وإذا كان الذبح بمكان عيدهم منهيًّا عنه فكيف الموافقة في نفس العيد!؟
وبُوانة: بضمِّ الباء، بواحدة
(3)
من أسفل، موضعٌ
(4)
.
وهذا نهيٌ شديد عن أن يُفْعَل شيء من أعياد الجاهلية على أيِّ وجهٍ كان، وأعياد الكفار -الكتابيين والأميين- في دين الإسلام من جنسٍ واحدٍ، كما أن كفرهم سواء في التحريم، وإن كان بعضُه أشدّ تحريمًا، ولا يختلف حكمها في حقِّ المسلمين، لكن أهل الكتاب أُقِرُّوا على دينهم مع أنه شُرِطَ عليهم أَلا يُظهروا أعيادهم؛ بل أعياد الكتابيين أعظم كفرًا؛ لأنهم يتخذونها دينًا، بخلاف الذين يتخذونها لهوًا ولعبًا؛ لأن التعَبُّد بما يُسْخِط الله أعظم من اقتضاء الشهوات [بما حرمه]
(5)
،
(1)
أي ما يتعلق بالنذر، كما في البخاري رقم (6696)، ومسلم رقم (1641) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
كذا بالأصل، والأنسب للسياق:"فيكون" كما في "الاقتضاء".
(3)
كذا بالأصل وهو مستقيم، وفي "الاقتضاء":"الموحدة".
(4)
قريب من ينبع كما في "معجم البلدان": (5/ 505).
(5)
زيادة من "الاقتضاء": (1/ 499) يقتضيها السياق.