الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأن حصول هذه المصلحة في الأعمال أقرب من حصولها في المكان، ألا ترى أن متابعة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في أعمالهم، أنفع وأولى من متابعتهم في مساكنهم ورؤية آثارهم.
وقال: "من تشبَّه بقومٍ فهو منهم"
(1)
وإسناده جيَّد، احتجَّ به أحمد وغيره. فأقلُّ أحواله أن يقتضي تحريمَ التشبُّه بهم.
وأيضًا: لما صام عاشوراء، قيل له: إنه يومٌ يُعظمه اليهود والنصارى، فقال:"إذا كانَ العامُ القابلُ إِن شاءَ اللهُ صُمْنا اليومَ التاسِعَ"، وقال:"صُوْمُوا عاشوراءَ وخالِفُوا اليهودَ، صُوْمُوا قبلَه يَوْمًا وبَعْدَه يَوْمًا" رواه سعيد
(2)
وأوله رواه مسلم
(3)
إلى قوله: "التاسع".
وقال: "إيَّاكُم و
الغُلُوَّ في الدينِ
فإنَّما أَهْلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُم الغُلُوُّ في الدِّينِ"، رواه أحمد والنسائي وابن ماجه
(4)
بإسنادٍ صحيح على شرط
(1)
أخرجه أبو داود رقم (4031)، وأحمد في "المسند":(9/ 123 رقم 5114) وغيرهما من طريق عبد الرحمن بن ثوبان، عن حسَّان بن عطية، عن أبي مُنِيْب الجُرَشي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "بُعِثت بالسيف
…
" الحديث.
ابن ثوبان مختلف فيه، ومدار الحديث عليه، والحديث قوَّاه ابن تيمية والذهبي في "السير":(15/ 509) والحافظ ابن حجر في "الفتح": (6/ 116)، والألباني في "الإرواء" رقم (1269).
(2)
هو ابن منصور في "سننه": كما في الاقتضاء، والإمام أحمد في "مسنده":(4/ 25 رقم 2154) من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنه. وفي سنده ضعف.
(3)
رقم (1134).
(4)
رواه أحمد: (3/ 351 رقم 1852)، والنسائي:(5/ 268)، وابن ماجه رقم (3029) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
مسلم
(1)
، وهو عامٌّ في جميع أنواع الغُلوِّ في الاعتقادات والأعمال.
والغلوُّ: مجاوزة الحد بأن يُزاد الشيء في حمده أو ذمِّه على ما يستحق. وأمَرَنا أن نقول: {وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} [البقرة: 286]، ووضع عنَّا الآصار
(2)
، ونهى صلى الله عليه وسلم عن الغلوِّ في العبادات صومًا وصلاةً
(3)
.
وقال له رجلٌ: ائْذَنْ لي بالسياحة، فقال:"إنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتي الجهادُ في سَبِيلِ اللهِ"
(4)
.
وفي خبرٍ آخر: "إنَّ السِّياحةَ هي الصِّيامُ"
(5)
، أو: السائحون هم الصائمون، أو نحو ذلك، وهو تفسير ما ذكر الله من قوله:{السَّائِحُونَ} [التوبة: 112].
فأما السياحة التي هي الخروج في البريَّة لغير مقصد معيَّن، فليس
(1)
وصححه ابن خزيمة رقم (2867)، وابن حبان رقم (3871).
(2)
كما في قوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157].
(3)
كما في حديث النفر الثلاثة الذين سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالُّوها - أخرجه البخاري رقم (5063)، ومسلم رقم (1401) من حديث أنسٍ رضي الله عنه.
(4)
أخرجه أبو داود رقم (2486)، والحاكم:(2/ 73)، والبيهقي:(9/ 161)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" اهـ. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
(5)
أخرجه ابن جرير: (6/ 484) من حديث أبي هرون، ومن مرسل عبيد بن عمير، وموقوفًا على ابن مسعود وابن عباس، وغيرهم من السلف.
من عمل هذه الأمة، قال الإمام أحمد:"ليست السياحة من الإسلام في شيء، ولا من فِعْل النبيين ولا الصالحين"
(1)
. مع أن جماعةً من إخواننا قد ساحوا السياحةَ المنهيَّ عنها متأوِّلين أو غير عالمين بالنَّهي، وهي من الرهبانية المبتَدَعَة التي قيل فيها:"لا رهبانية في الإسلام"
(2)
.
فيقتضي ذلك مجانبة هَدْي من كان قبلنا، وأن المشارِك لهم يخاف عليه أن يكون هالكًا.
ونهانا عن مشابهة من كان قبلنا، بأنهم كانوا يُفرقون في الحدود بين الأشراف والضعفاء، وأَمَر أن يُسَوَّى بين الناس في ذلك فقال:"إنما هَلَكَ بنو إسرائيلَ أَنَّهم كانوا إذا سَرَقَ فيهم الشريفُ تركوه وإذا سَرَقَ فيهم الضَّعِيْفُ أَقامُوا عليه الحدَّ، والذي نفسي بِيَدِه لو أَنَّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها"
(3)
.
وأخبر أن ابنته التي هي أشرفُ النساءِ لو سرقت -وقد أعاذَها الله من ذلك- لقطع يَدَهَا، ليُبيِّن أن وجوبَ العدل والتعميم في الحدود هو الواجب.
(1)
في "مسائل ابن هاني": (2/ 176).
(2)
ذكره البغوي في "شرح السنة": (2/ 370) بدون إسناد بصيغة التمريض، وقال الحافظ في "الفتح":(9/ 13): "لم أره بهذا اللفظ".
وهو بلفظ: "إني لم أُومر بالرهبانية" عند الدارمي: (رقم 2215 - ط حسين أسد) وإسناده قوي.
وبلفظ "إن الرهبانية لم تكتب علينا" عند أحمد: (6/ 226) من حديث عائشة.
(3)
أخرجه البخاري رقم (3475)، ومسلم رقم (1688) من حديث عائشة رضي الله عنه.
وأيضًا: فقد قال: "إنَّ مَنْ كان قَبْلَكُم كانوا يتَّخذونَ قبورَ أنبيائهم مَساجِدَ، ألا فلا تتَّخذوا القبورَ مَسَاجِدَ إنِّي أَنْهاكُم عَنْ ذلك"
(1)
.
فعقَّب قولَه عن الذين قبلنا بقوله: "ألا فلا" بالفاء التي تُشْعِر بأن سببَ نَهْينا عن ذلك لأجل أنهم فعلوه، وذلك يقتضي أن أعمالهم دلالة وعلامة على أنَّ الله ينهى عنها، وأنها عِلَّةٌ مقتضيةٌ للنهي، ونَهْيه عن اتخاذ القبور مساجد مع لعنته لليهود والنصارى کثيرٌ متواتر، حتى عند خروج نفسِهِ الكريمة -بأبي هو وأمي- يوصي بذلك
(2)
.
وإن كان قد ابتلي كثيرٌ من هذه الأمَّة ببناءِ المساجد على القبور، وكِلا الأمرين محرَّم ملعونٌ فاعِله بالسنةِ المستفيضةِ.
وقد صحَّ عنه أنه قال: "كلُّ شيءٍ منْ أَمْر الجاهليةِ تَحْتَ قدمي مَوْضُوع"
(3)
. وهو عامٌّ يدخل فيه ما كانوا عليه من العبادات والعادات، مثل دعواهم: يا فلان ويا فلان
(4)
، ومثل أعيادهم، وغير ذلك من أَمورهم.
ولا يدخل في ذلك ما كانوا عليه وأقَرَّه الله في الإسلام؛ کالمناسك، ودية المقتول، والقَسَامَة، ونحوه؛ لأن أمر الجاهلية معناه المفهوم منه: ما كانوا عليه مما لم يُقِرَّه الإسلام، فيدخل في ذلك ما كانوا عليه وإن لم يُنه في الإسلام عنه بعينه.
(1)
أخرجه مسلم رقم (532) من حديث جندب البجلي رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري رقم (435) ومسلم رقم (531) من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
في الحديث الطويل المشهور في حجة الوداع -يوم عرفة- أخرجه مسلم رقم (1218) من حديث جابر رضي الله عنه.
(4)
في "الاقتضاء": "يالفلان يالفلان".
وأيضًا: نهى عن التذكية بالسن والعظم، وقال:"أما السن فَعَظْم"، فقيل: لا يجوز التذكية بسائر العظام عملًا بعموم العلة، وقيل: يجوز، وهما في مذهب أحمد وغيره.
و"أما الظفر فمُدَى الحبشة"
(1)
، فنهى عن مشابهة الحبشة فيما يختصون به؛ لأن أظفارهم طويلة يُذَكون بها دون سائر الأمم.
و "أما العظم": فيجوز أن يكون ذلك مثل نهيه عن تنجيسه بالدم، كما نهى عن الاستنجاء به لكونه طعام الجن.
ونهي عن الشُّرب في آنية الذهب والفضة وقال: "فإنَّها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة"
(2)
.
ورأى على ابن عَمْرو ثوبَين مُعَصْفَرين فقال: "إنَّ هذه من ثيابِ الكفَّار فلا تَلْبَسْهُما" رواه مسلم
(3)
.
فصلٌ
وأما الإجماع:
فمن ذلك أن عمر ابن الخطاب في الصحابة رضي الله عنهم، ثم عامة الأئمة بعده، وسائر الفقهاء جعلوا في الشروط المشروطة على أهل
(1)
أخرجه البخاري رقم (2488)، ومسلم رقم (1968) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري رقم (5632)، ومسلم رقم (2067) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما.
(3)
رقم (2077).
الذِّمة: "أن نُوَقِّر المسلمين، ونقوم لهم من مجالسنا، ولا نتشبَّه بهم فِي شيءٍ من لباسهم؛ قَلَنْسُوة أو عمامة أو نعلين أو فَرْق شعرٍ، ولا نتكلَّم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، ولا نركب على السروج، ولا نتقلَّد السيوف، ولا نتخذ شيئًا من السلاح ولا نحمله، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجزَّ مقادمَ رؤوسنا، ونَلْزم زيِّنا حيثما کان
(1)
، ونشدَّ الزنانيرَ على أوساطِنا، ولا نُظْهِر الصليبَ على كنائسنا، ولا نُظْهِر صليبًا ولا كتبًا في شيءٍ من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نضرب نواقيسَنا في كنائسنا إلا ضربًا خفيًّا، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نُظهر النيرانَ معهم في شيءٍ من طرق المسلمين" رواه حربٌ
(2)
بإسنادٍ جيِّد.
فهذه الشروط مجمعٌ عليها في الجملة بين العلماء
قال القاضي أبو يعلى في مسألة حدثت في وقته: "أهل الذمة مأمورون بلبس الغيار، فإن امتنعوا، لم يَجُز لأحدٍ من المسلمين صَبْغ ثوبٍ من ثيابهم؛ لأنه لا يتعيَّن عليهم صَبْغ ثوبٍ بعينه".
(1)
كذا بالأصل والاقتضاء، وفي المصادر:"حيثما كنَّا" وهو الأصح.
(2)
هو حرب بن إسماعيل الكرماني، من أصحاب الإمام أحمد، وله مسائل مشهورة عنه، فلعله رواه فيها.
وأخرجه الخلال في "الجامع - أحكام الملل": (2/ 431 - 434)، والبيهقي في "الكبرى":(9/ 202)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق":(2/ 174). وانظر "أحكام أهل الذمة": (2/ 657 - 664)، وقال ابن القيم:"وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول، وذكروها في كتبهم، واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء، وعملوا بموجبها" اهـ
قلت: وهذا فيه خلاف؛ هل يُلْزَمون هم بالتغيير أم الواجب إذا امتنعوا أن نُغيِّر نحن؟ أما وجوب أصل المغايرة؛ فما علمتُ فيه خلافًا.
وإذا كان عمر وسائر الصحابة والفقهاء والملوك قد اتفقوا على منعهم من إظهار شيءٍ من خصائصهم، فكيف إذا عملَها المسلمون وأظهروها لهم
(1)
!؟
وقد أمر الصحابة والمسلمون بترك إكرامهم، وإلزامهم الصَّغَار الذي شرعه الله، ومن المعلوم: أن تعظيم أعيادهم ونحوها بالموافقة فيها نوعٌ من إكرامهم، فإنهم يفرحون ويُسَرُّون، كما يغتمُّون بإهمال دينهم الباطل.
ورأى أبو بكر الصديق امرأةً من أحمس لا تتكلَّم، فقال: ما لها؟ فقالوا: حجَّت مصمتة، فقال لها: تكلَّمي فإن هذا لا يحلُّ، هذا من عمل الجاهلية، فتكلَّمت
…
الحديث. رواه البخاري
(2)
.
فدلَّ على أن كلَّ عملٍ من أعمال الجاهلية منهيُّ عنه، مثل: المُكَاء والتصدية. والمكاءُ: الصفير ونحوه. والتصدية: التصفيق.
ومثل: بروز المُحْرِم وغيره للشمس، حتى لا يستظل بظلٍّ، أو تَرْك الطواف بالثياب المتقدمة، أو ترك كل ما عُمِل في غير الحرم، ونحو ذلك من أمور الجاهلية التي كانوا يتخذونها عباداتٍ، لا يجوز التعبُّدُ بها في الإسلام ألْبتة.
(1)
ليست في "الاقتضاء"، وفي بعض نسخه:"هم"، وكلا الأمرين أصح مما في الأصل.
(2)
رقم (3834).
وكتب عمر إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: "إيَّاكُم وَزِيِّ أَهْلِ الشِّرْكِ" فهو عام في كلِّ زيٍّ لهم. رواه البخاري في "صحيحه"
(1)
.
وكتب إلى أذربيجان: "إيَّاكُم والتَّنَعُّم وَزِيِّ أهل الشِّرك"
(2)
، ومنعَ رضي الله عنه من إعزاز الكفار واستعمالهم على أمر المسلمين وائتمانهم على شيءٍ، وحَرَّق الكتبَ العجمية وغيرها، ونهي عن تعلُّم رطانةِ الأعاجم.
ثم مشى بعده عثمان رضي الله عنهما على سَنَنِه في ذلك.
ورأى عليٌّ رضي الله عنه قومًا قد سَدَلوا، فقال: ما لهم كأنهم اليهود خرجوا من فُهْرهم!؟ رواه سعيد في "سننه"
(3)
، عن هُشَيْم، عن خالد الحذَّاء، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب، عن أبيه، عن عليٍّ.
ورواه ابن المبارك
(4)
.
ورُويَ عن ابن عمر وأبي هريرة أنهما كرها السَّدْلَ في الصلاة
(5)
، ورُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا
(6)
.
(1)
رقم (5830) مختصرًا ليس فيه هذا اللفظ، ورواه مسلم أيضًا رقم (2069).
(2)
کرره المختَصِر، وهو نفسه الحديث السابق.
(3)
كما في الاقتضاء، وسنده صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف":(2/ 62).
(4)
وحفص بن غياث، كلاهما عن خالد الحذاء، فتابعوا هشيمًا على روايته.
(5)
أخرجه عنهما ابن أبي شيبة في "المصنف": (2/ 63).
(6)
من مرسل عطاء، وهي إحدى روايتي أبي داود رقم (643).
ورويَ مرفوعًا أيضًا، أخرجه أبو داود رقم (643)، والترمذي رقم (378)، وأحمد:(13/ 316 رقم 7934) من طريق عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه وفي سنده ضعف.
واخْتُلِفَ هل السَّدْل محرم يُبطل الصلاة؟ ذكر ابن أبي موسى فيه روايتين، وعلَّله أحمد بأنه فِعل اليهود
(1)
.
وليس المقصود عين هذه المسألة؛ بل المقصود أن عليًّا بيَّن كراهيته لذلك أن فيه مشابهة اليهود، فعُلِم أنه أمرٌ قد استقرَّ عندهم.
و "فُهْر اليهود" -بضم الفاء- مِدْرَاسُهم، وأصلها "بُهْر" عبرانية عُرِّبت ذكره الجوهري
(2)
.
وكره عليٌّ التكلم بكلامهم
(3)
، فهذا عن الخلفاء الراشدين.
وأما سائر الصحابة رضي الله عنهم؛ فكثير، فَرُوِيَ عن حُذَيفة أنه دُعِيَ إلى وليمة، فرأى شيئًا من زيِّ الأعاجم، فخرج وقال:"من تشبَّه بقومٍ فهو منهم"
(4)
.
وعن ابن عباس أنه سأله رجل: أحتقِنُ؟ فقال: "لا تُبْد العورةَ ولا تستنَّ بسنةِ المشركين" رواه الخلَّال
(5)
.
وعن أنس: أنه نهى عن القرنين وقال: احلقوا هذين أو قُصُّوهما فإنه زِيُّ اليهود
(6)
.
(1)
انظر "مسائل ابن هاني": (1/ 59).
(2)
في "الصحاح": (2/ 784).
(3)
انظر ما سيأتي.
(4)
رواه الإمام أحمد في "الورع": (ص/ 179)، وأبو بكر الخلال، كما في "الاقتضاء" 1/ 361.
(5)
أخرجه أبو محمد الخلال بإسناده إلى عكرمة - كما في "الاقتضاء": (1/ 385).
(6)
أخرجه أبو داود رقم (4197)، وفي سنده ضعف.
وعن معاوية أنه قال: تسوية القبور من السنة، وقد رفعت اليهودُ والنصارى، فلا تَشَبَّهوا بهم"
(1)
.
وعن عبد الله بن عمرو قال: "من بَنَى ببلاد المشركين، وصنعَ نَيْروزَهم ومَهْرجانَهم حتى يموت حُشِرَ معهم يومَ القيامةِ"
(2)
.
وصحَّ عن عائشة أنها كرهت الاختصارَ في الصلاة، وقالت: لا تشبهوا باليهود
(3)
.
وكره ابن مسعود الصلاة في الطاق، وقال:"إنَّه في الكنائس فلا تشبهوا بأهل الكتاب"
(4)
.
وعن ابن عمر أنه قال في شرفات مسجد يُشبه أنصابَ الجاهلية، وأمر بكسرها.
وقال عبد الحميد بن الجعد
(5)
: كان أصحابُ محمدٍ يقولون: إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المسجد -يعني الطاقات-.
(1)
أخرجه الطبراني في "الكبير" 19/ 352، وابن أبي عاصم "الاقتضاء": 1/ 387.
(2)
أخرجه البيهقي في "الكبرى": (9/ 234).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنَّف": (1/ 408)، وسعيد بن منصور -كما في الاقتضاء- وسنده صحيح كما قال.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنَّف": (1/ 408)، والبزار "الكشف: 1/ 210".
(5)
كذا بالأصل! وهو خطأ، وفي "الاقتضاء":(1/ 390): "وعن عبيد بن أبي الجعد" وذَكَرَ؛ لكن رواية عبيد هذه أخرجها عبد الرزاق: (2/ 413) عن كعبٍ بلفظ آخر مغاير، أما الرواية التي ذكرها المؤلِّف؛ فهي عن سالم بن أبي الجعد قال: "كان أصحاب
…
" الخ، أخرجه ابن أبي شيبة:(1/ 408). وفي سنده ضعف.
وهذا باب واسع فيه كثرة عن الصحابة، وهذه القضايا
(1)
في مظنة الاشتهار، وما علمنا أحدًا ذكر عن الصحابة خلاف ذلك: من أنهم كانوا يكرهون التشبُّه بالكفار والأعاجم في الجملة، وإن كان بعض هذه المسائل المُعَيَّنة فيها خلاف وتأويل. وهذا كما أنهم مجمعون على اتباع الكتاب والسنة، وإن كانوا قد يختلفون في بعض أعيان المسائل، فَعُلِمَ اتفاقهم على كراهة التشبُّه بالكفار والأعاجم.
وكذلك المنقول عن عامة علماء المسلمين من الأئمة المتقدمين، في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار، أو مخالفة النصارى، أو مخالفة الأعاجم
(2)
، وهو أكثر من أن يمكن حصره واستقصاؤه، ومن له أدنى نظرٍ في الفقه يعلم ذلك، وقد بلغه من ذلك طائفة. وبعد النظر والتأمُّل يورث علمًا ضروريًّا باتفاقهم -أعنِي: الأمةَ جميعها- على النهي عن موافقة الكفار، والأمر بمخالفتهم.
وقد تكلَّم أصحابُ أبي حنيفة في تكفير من تشبَّه بالكفار في لباسهم وأعيادهم، وقال أبو حنيفة: إذا غربت الشمس أفاض الإمام والناس معه؛ لأن فيه إظهار مخالفة المشرکين.
وقال مالك: "لا يُحرم بالأعجمية ولا يدعو بها ولا يحلف".
وقيام المرأة لزوجها من فِعْل الجبابرة. وربما يكون الناس ينتظرونه فإذا طَلَع قاموا له، ليس هذا من فِعل الإسلام، وهو فيما ينهى عنه من التشبُّه بأهل الكتاب.
(1)
في "الأصل": "القضيا" سهو.
(2)
هذا الوجه الثالث في تقرير الإجماع.
وكذلك أصحاب الشافعي ذكروا هذا الأصل في غير موضعٍ، مثلما ذكره بعضهم في أوقات النهي، بأن المشركين يسجدون للشمس حينئذٍ.
وذكروا في السحور أنه فَرْق بيننا وبين صيام أهل الكتاب، وذكروا في شروط الذمة ما يتضمَّن منع المسلمين عن مشابهتهم، تفريقًا بين علامة المسلمين وعلامة الكفار، وبالغ طائفةٌ منهم فنهوا عن التشبُّه بأهل البدع
(1)
.
وأما كلام الإمام أحمد وأصحابه؛ فكثيرٌ جدًّا، مثل قول أحمد:"ما أُحِبُّ لأحدٍ إلا أن يغيِّر الشيبَ ولا يتشبَّه بأهل الكتاب"
(2)
، وكره حَلْق القفا وقال: هو من فعل المجوس، وكره النعل الصرار، وهو من زِيِّ العجم
(3)
.
وكره تسمية الشهور بالعجمية، والأشخاص بالأسماء
(4)
الفارسيَّة، مثل: آذرماه. وقال للذي دعاه إلى وليمة: زي المجوس، زي المجوس، ونفض يده في وجهه لما رأى عنده آنية فيها فضة.
وذكر أصحابه أن من اللباس المكروه ما خالفَ زيَّ العرب وأشبه زي الأعاجم وعادتهم.
وقال غير واحدٍ من أصحاب أحمد وغيرهم: يستحبُّ أن يتختَّم باليسار، للآثار، ولأن خلاف ذلك عادة وشعار للمبتدعة، وما في هذا
(1)
يعني: فيما كان شعارًا لهم وإن كان مسنونًا، انظر "الاقتضاء":(1/ 397).
(2)
انظر: "مسائل ابن هاني": (2/ 148).
(3)
انظر: "مسائل أبي داود": (ص /351).
(4)
مطموسة في الأصل.
الباب عن سائر أئمة المسلمين أكثر من أن يُحصَى عُشْره، وبدون ما ذكرنا يُعْلَم اتفاق المسلمين على كراهة التشبُّه بأهل الكتاب والأعاجم في الجملة، وبالله المستعان وعليه التكلان.
فصلٌ
(1)
ومما يُشبه هذا: الأمر بمخالفة الشياطين، كما روى مسلمٌ
(2)
أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يأُكُلَنَّ أَحَدٌ منكم بشمالِه ولا يَشْرَبَنَّ بها، فإنَّ الشَّيْطانَ يأكُل بِشِمالِه ويَشْرَبُ بها" ونظائره كثيرة.
وقريب من هذا مخالفة من لم يكمل دينُه من الأعراب ونحوهم؛ لأن كمال الدين بالهجرة، فمن لم يُهاجر من الأعراب ونحوهم ناقص، قال تعالى:{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} الآية [التوبة: 97].
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تَغْلبَنَّكُمُ الأَعْرابُ على اسْمِ صَلَاتِكم، أَلا إنَّها العشاء وهم يُعْتِمون بالإبل"
(3)
، وقال:"لا تَغْلِبَنَّكم الأَعرابُ على اسْمِ صَلَاتِكم المَغْرِب"، وقال:"والأَعْرابُ تقولُ هي العِشاءُ"
(4)
.
فقد كره موافقةَ الأعراب في اسمي المغرب والعشاء، بالعشاء والعَتَمة، وهذا عند بعض علمائنا يقتضي كراهة هذا الاسم مطلقًا، وعند بعضهم إنما يكره الإكثار منه حتى يغلب على الاسم الآخر، وهو المشهور عندنا.
(1)
"الاقتضاء": (1/ 407).
(2)
رقم (2020) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه مسلم رقم (644) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
أخرجه البخاري رقم (563) من حديث عبد الله بن مغفَّل رضي الله عنه.
فصلٌ
(1)
وليعلم أن بين التشبُّه بالأعراب والأعاجم
(2)
فرقًا يجب اعتباره، وإجمالًا يحتاج إلى تفسير، وذلك أن نفس الكفر والتشيطن مذمومٌ في حكم الله ورسوله وعباده المؤمنين، ونفس الأعرابية والأعجمية ليست مذمومة في نفسها عند الله وعند رسوله وعند عباده المؤمنين؛ بل الأعراب منقسمون إلى أهل جفاءٍ، كما قال:{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا} الآية [التوبة: 97].
وقال تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا} الآية [التوبة: 98]. {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} إلى قوله: {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)} [الفتح: 11 - 12].
وإلى أهل إيمانٍ وبرٍّ قال تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ} الآية [التوبة: 99].
وقد كان في أصحاب رسول الله ممن وفَدَ عليه ومن غيرهم من الأعراب من هو أفضل من كثير من القرويين.
فهذا كتاب الله يَحْمد بعضَ الأعراب ويذمُّ بعضَهم، وقال تعالى:{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} [التوبة: 101] فعُلِمَ أن المنافقين في الأعراب وذوي القرى.
وكذلك العجم -وهم من سِوى العرب من الفُرْس والروم والتُّرْك
(1)
"الاقتضاء": (1/ 410).
(2)
يعني: وبين الكفار والشياطين.
والبَرْبَر والحبشة وغيرهم- ينقسمون إلى المؤمن والكافر والبر والفاجر کانقسام العرب، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَه أَذْهَبَ عنكم عُبِّيَّة الجاهليةِ وفَخْرَها بالآباءِ؛ مؤمنٌ تقيٌّ وفاجِرٌ شقيٌّ، أنتم بنو آدمَ وآدمُ مِنْ ترابٍ" حديث صحيح
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناسُ إن ربَّكم عز وجل واحدٌ وإنَّ أباكُم واحدٌ، ألا لا فَضْلَ لعربيٍّ على عَجَمِيٍّ، ألا لا فضلَ لأسودَ على أَحْمَرَ إلا بالتقوى ألا قَدْ بلَّغْت"؟ قالوا: نعم، قال:"لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغائبَ"
(2)
إسناده صحيح.
وأخبر أن آل بني فلان ليسوا بمجرَّد النَّسب أولياء له، وهم بطنٌ قريب النسب منه، إنما وليُّه اللهُ وصالح المؤمنين. أخرجاه في "الصحيحين"
(3)
.
ومثل ذلك كثير في الكتاب والسنة، أن العبرةَ بالأسماء التي حمدها الله وذمَّها؛ کالمؤمن والكافر والبر والفاجر والعالم والجاهل، وقال:"لو كان الدِّيْنُ بالثريَّا لذهبَ به رَجُلٌ مِن فَارِسَ حَتَّى يَتَنَاوَلَه"
(4)
.
(1)
تقدم ص/ 44 - 45.
(2)
أخرجه بنحوه أحمد: (5/ 411) عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو نعيم في "الحلية":(3/ 100) عن جابر، قال أبو نعيم:"غريب من حديث أبي نضرة عن جابر".
(3)
البخاري رقم (5990)، ومسلم رقم (215) من حديث عَمرو بن العاص رضي الله عنه.
(4)
أخرجه مسلم رقم (2546) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وروى الترمذيُّ في قوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [محمد: 38] أنهم من أبناء فارس
(1)
.
إلى غير ذلك من آثار رُوِيت في فضل أبناء فارس، ومِصْداق ذلك ما وُجِد في التابعين ومن بعدهم من أبناء فارس الأحرار والموالي، مثل: الحسن، وابن سيرين، وعكرمة، ومن بعدهم، فيهم من المبرِّزين في الإيمان والدين والعلم ما لا يُحْصَون كثرةً على ما هو معروف، إذ الفضل الحقيقيُّ هو اتباع ما بَعَثَ الله به رسولَه محمدًا من الإيمان والعلم باطنًا وظاهرًا، فكلُّ من كان فيه أكمل
(2)
كان أفضل، فالفضل بالأسماء المحمودة في الكتاب والسنة، لا بمجرَّد كون الإنسان عربيًّا أو عجميًّا، أو أبيض أو أسود، أو قرويًّا أو بدويًّا.
وإنما وجه النَّهي عن مُشَابهة الأعراب والأعاجم -مع ما ذكرناه من الفضل فيهم وعدم العِبْرة بالنسب والمكان- مبنيٌّ على أصل وهو: أن اللهَ سبحانَه جعلَ سُكْنى القُرى يقتضي من كمال الإنسان في العلم والدين ورقَّة القلوب ما لا تَقْتضيه سُكْني البادية، كما أن البادية توجِبُ من صلابة البَدَن والخَلْق، ومتانة الكلام ما لا يكون في القرى، هذا هو الأصل، وإن جاز تخلُّفُ هذا المقتضي لمانع، وكانت البادية -أحيانًا- أنفع من القرى، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف:109] وذلك لأن الرسل لهم الكمال في عامة الأمور حتى في النسب.
(1)
الترمذي رقم (3260)، وأخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردوية عن أبي هريرة -كما في "الدر المنثور":(5/ 55) -.
(2)
في "الاقتضاء": (1/ 415): "أمكن".
ثم لفظ الأعراب هو في الأصل اسم لبادية العرب، فإن كل أمةٍ لها حاضرة وبادية، فبادية العرب: الأعراب، وقد يقال: إن بادية الروم: الأرْمن أو نحوهم، وبادية الفُرْس: الأكراد أو نحوهم، وبادية الترك: التتر.
والتحقيق: أن هذا -والله أعلم- هو الأصل، وإن كان قد يقع فيه زيادة ونقصان = أن سُكان البوادي لهم حكم الأعراب، سواءٌ دخلوا في لفظ الأعراب أو لم يدخلوا، فهذا الأصل يوجِب أن يكون جنس الحاضرة أفضل من جِنْس البادية، وإن كان بعض أعيان البادية أفضل من أكثر الحاضرة مثلًا.
ويقتضي: أن ما انفرد به
(1)
عن جميع جنس الحاضرة -أعني في زمان السلف من الصحابة والتابعين- فهو ناقصٌ عن فضل الحاضرة أو مكروه، فإذا وقع التشبُّه بهم فيما ليس من فِعْل الحاضرة المهاجرين، كان ذلك إما مكروهًا وإما مُفْضيًا إلى مكروهٍ.
وهكذا العربُ والعجم، فإن الذي عليه أهلُ السنة = أن جنسَ العربِ أفضل من جنسِ العجم؛ عِبرانيِّهم وسريانيهم، ورومهم وفرسهم وغيرهم. وأن قريشًا أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخَلْق نفسًا وأفضلهم نَسَبًا.
وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم لمجرَّد كون رسول الله منهم، وإن هذا من الفضل، بل هم في أنفسهم أفضل، وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسًا ونَسَبًا، وإلَّا لَزِم الدَّوْر.
(1)
أي: البادية.