المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثاني من الأمكنة(1): ما له خصيصة؛ لكن لا يقتضي اتخاذه عيدا - المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم

[بدر الدين البعلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌التحذير مِن اتباع سنن

- ‌1 - "مختارات من اقتضاء الصراط المستقيم" لفضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عُثيمين

- ‌2 - "مهذَّب اقتضاء الصراط المستقيم" للدكتور عبد الرحمن الفريوائي

- ‌3 - "مختصر اقتضاء الصراط المستقيم" للدكتور ناصر بن عبد الكريم العَقْل

- ‌نماذج من النسخة الخطية

- ‌ الصلاة في أماكن العذاب

- ‌الغُلُوَّ في الدينِ

- ‌ الشُّعُوبية

- ‌الدليل على فضل جنس العرب

- ‌فصلٌ

- ‌الطريق الأول العام:

- ‌الطريق الثاني الخاصُّ في نفس أعيادهم:

- ‌ فمن الكتاب

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌الوجه الخامس:

- ‌الوجه السادس:

- ‌الوجه السابع:

- ‌وأما الإجماع والآثار؛ فمن وجوه:

- ‌الثاني:

- ‌ الثالث:

- ‌فصلٌ(3)وأما الاعتبار في مسألة العيد؛ فمن وجوه:أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌الوجه الخامس:

- ‌الوجه السادس:

- ‌الوجه السابع:

- ‌الوجه الثامن:

- ‌فصلٌ(1)مشابهتهم فيما ليس من شرعنا قسمان:

- ‌فصلٌ(5)أعياد(6)الكفَّار كثيرة

- ‌ الثاني(1)-في ذم المواسم والأعياد المُحْدَثة

- ‌النوع الثاني من الأمكنة(1): ما له خَصِيْصة؛ لكن لا يقتضي اتخاذه عيدًا

- ‌ الثاني: أن يتحرَّى الدعاء عندها

- ‌فصلٌ(2)[في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وبعض ما أُحدث فيها]

- ‌فصلٌ(2)[في إثبات الشفاعة ونفيها]

- ‌افترق الناس على ثلاث فرق:

- ‌ المشركون ومن وافقهم من مبتدعة أهل الكتاب وهذه الأمة:

- ‌الخوارج والمعتزلة:

- ‌ سلف الأمة وأئمتها

- ‌الرسول يُطاع ويُحب ويرضى

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌النوع الثاني من الأمكنة(1): ما له خصيصة؛ لكن لا يقتضي اتخاذه عيدا

‌النوع الثاني من الأمكنة

(1)

: ما له خَصِيْصة؛ لكن لا يقتضي اتخاذه عيدًا

، ولا يُصلَّي عنده، ولا يُعبد بنوعٍ من العبادات، فمن ذلك: قبور الأنبياء والصالحين، وقد جاء عن النبي وعن السلف النهيُ عن اتخاذها عيدًا عمومًا، خصوصًا، وبيَّنوا معنى العيد.

أما العموم: فما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكم قُبُورًا ولا تجعَلُوا قبري عِيْدًا، وصَلُّوا عليَّ فإنَّ صَلَاتَكم تَبْلُغُنِي حَيْثُ ما كُنْتُم" صلى الله عليه وسلم تسليمًا. رواه أبو داود بإسنادٍ حسن

(2)

، رواته كلُّهم ثقات

(3)

.

قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: قرأتُ على عبد الله بن نافع، أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، فذكره.

وإن كان عبد الله بن نافع الصائغ فيه لِيْن لا يقدح في حديثه، قال ابن معين: هو ثقة. وقد رُوِي من جهاتٍ أخرى فما بقي فيه إنكار.

ورُوِي عن الحسن بن الحسن

(4)

بن علي أنه رأى سهل بن سُهَيل عند قبره فقال: ما أنتَ ورجلٌ بالأندلس منه إلا سواء

(5)

.

(1)

في "الاقتضاء": (2/ 169): "فصل" ثم ذكر النوع الثاني، وقد تقدم النوع الأول (ص 154).

(2)

رواه أبو داود رقم (2042)، وأحمد:(14/ 403 رقم 8804).

(3)

يعني: غيرَ عبد الله بن نافع، وقد ذَكَر الكلامَ فيه.

(4)

وقع في "الأصل": "الحسين" والتصويب من "الاقتضاء" والمصادر.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" وساق سنده في "الاقتضاء": (1/ 338)، (2/ 172)، وابن أبي شيبة:(3/ 30)، من مرسل الحسن بن الحسن، وسنده جيد. وانظر "النهج السديد":(ص/ 120).

ص: 160

فإذا كان قبر النبي صلى الله عليه وسلم -مع أنه أفضل قبر على وجه الأرض- قد نُهي عن اتخاذه عيدًا، فقبر غيره أولى بالنهي، مع كونه قَرَن ذلك بقوله:"لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكم قُبُوْرًا" أي: لا تعطِّلوها من الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحرِّي العبادة في البيوت، ونهى عن تحرِّيها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبَّه بهم.

وفي "الصحيحين"

(1)

قال: "اجْعَلوا من صلاتِكُم في بُيُوتكم ولا تتَّخِذُوها قُبُورًا"، وقال -أيضًا-:"فإنَّ صلاتَكُم تَبْلُغني"

(2)

يشير إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قُربكم من قبري وبُعدكم، فلا حاجةَ بكم إلى اتخاذه عيدًا.

والأحاديث بأن صلاتنا تُعْرَض عليه كثيرة مشهورة صحيحة

(3)

.

مع كون أفضل التابعين [من أهل بيته]

(4)

علي بن الحسين رأى ذلك الرجلَ يدعو عند قبره فنهاه، وروى له حديث:"لا تتَّخِذُوا قَبْري عِيْدًا"

(5)

فعلم أنَّ قَصدَه للدعاء ونحوه اتخاذٌ له عيدًا، وهو أعلم بمعني الحديث من غيره.

(1)

أخرجه البخاري رقم (432)، ومسلم رقم (77) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

تقدم ص/160.

(3)

انظر "النهج السديد" رقم (229، 232، 233، 234).

(4)

زيادة من "الاقتضاء".

(5)

رواه إسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي": رقم (20)، والضياء في "المختارة"، وأبو يعلى:(1/ 245)، وابن أبي شيبة في "مسنده" -كما في "المطالب 2/ 70"- وفي "المصنَّف":(2/ 375).

وصححه الضياء، وحسنه السخاوي.

ص: 161

وكذلك ابن عمه حسن بن حسن -شيخ أهل بيته- کره أن يقصدَ الرجلُ القبرَ للسلام عليه ونحوه عند دخول المسجد، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيدًا. رواه سعيد

(1)

.

فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل بيته رضي الله عنهم. ومعلوم ما كان هو صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه إذا دخلوا القبور أن يقول أحدهم: "السلامُ عَلَى أهل الدِّيارِ من المؤمنينَ والمسلمينَ، ويَرْحَمُ اللهُ المُسْتَقْدمينَ مِنَّا والمُسْتأخِرين وإنَّا إن شاءَ اللهُ بِكُم للاحِقُونَ"

(2)

. ونحوه من الأحاديث المشهورة، وكالصلاة على الميت والدعاء له.

وما كان عليه السابقون الأولون هو المشروع للمسلمين في ذلك كله، وهذا الذي كانوا يفعلونه عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره.

فزيارة القبور في الجملة جائزة، حتى قبور الكفار، فإن في "صحيح مسلم"

(3)

أنه قال: "استأذَنْتُ رَبِّي أنْ أسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يأذَنْ لي، واسْتأذَنْتُه أنْ أزُوْرَ قَبْرَها فأذِنَ لي"، وقال:"زُوْرُوا القُبُوْرَ فإنَّها تذكِّرُ الآخِرَةَ"

(4)

. فهذه الزيارة التي تذكِّر الآخرة، ولِتَحيتهم والدعاءِ لهم هو الذي جاءت به السنة، كما تقدم.

وقد اختلف أصحابُنا وغيرُهم؛ هل يجوز السفر لزيارتها؟ على قولين:

(1)

تقدم ص/ 161.

(2)

أخرجه مسلم رقم (975) من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.

(3)

رقم (976) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

أخرجه أحمد: (2/ 398 رقم 1236) من حديث علي رضي الله عنه، وفي سنده ضعف، وله شواهد يصح بها عند الترمذي وغيره من حديث بريدة.

ص: 162

أحدهما: لا، وهو قول ابن بَطَّة وابن عقيل وغيرهما؛ لأنه سفر بدعة منهيٌّ عنه.

والثاني: يجوز، وهو قول الغزالي، وأبي الحسن بن عَبْدوس الحراني، والشيخ أبي محمد المقدسي

(1)

-وما علمتُه منقولًا عن أحدٍ من المتقدمين- بناء

(2)

على أن الحديثَ لم يتناول النهيَ عن ذلك، كما لم يتناول النهيَ عن السفرِ إلى المكان الذي فيه الوالد والعلماء والمشايخ والإخوان، أو بعض المقاصد من الأمور الدنيوية المباحة.

وأما سِوى ذلك من المحدَثات؛ مثل الصلاة عند القبور مطلقًا، أو اتخاذها مساجد، أو بناء المساجد عليها، فقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه، وقد صرَّح العلماء -علماء الطوائف- من أصحابنا وغيرهم، بالنهي عن بناء المساجد على القبور اتباعًا للأحاديث وأنه حرام، ومن العلماء من أطلق عليه لفظ الكراهة، فما أدري ما عنى به التحريمَ أو التنزيه؟ ولا ريب في القطع بتحريمه

(3)

.

فهذه المساجد المبنيَّة على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم تتعيَّن إزالتها بهدم أو بغيره، هذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين. وتُكره الصلاةُ فيها من غير خلافٍ أعلمه، بل لا تصح عندنا في ظاهر المذهب؛ للنهي واللعن الوارد فيه. ليس في هذه المسألة خلاف؛ لكون المدفون واحدًا، وإنما اختلف أصحابُنا في المقبرة المجرَّدة عن مسجد؛ هل حدُّها ثلاثة أَقْبُر أو يُنْهى عن الصلاة

(1)

هو ابن قدامة، وانظر قوله في "المغني":(3/ 117 - 118).

(2)

هذا تعليل قولهم بالجواز.

(3)

بأدلة كثيرة صريحة، انظر "الاقتضاء":(2/ 184 - 187).

ص: 163

عند القبر الفَذِّ وإن لم يكن عنده قبر آخر؟ على وجهين.

ثم يُغَلَّظ النهي إن كانت البقعة مغصوبة، مثلما بُني على بعض العلماء والصالحين ممن كان مدفونًا في مقبرةٍ مُسَبَّلة، فبُنِي على قبره مسجد أو مدرسة أو رباط أو مشهد، وجُعِل فيه مطهرة أو لم يُجْعَل، فإن هذا مشتمل على أنواعٍ من المحرمات:

أحدها: أنه لا يجوز الانتفاع بالمقبرة المسبَّلة بغير الدفن من غير تعويض بالاتفاق، فبناء المسجد ونحوه فيها كدفن الميِّت في المسجد. وكبناء الخانقاه

(1)

في المقبرة، وكبناء المسجد في الطريق التي يحتاج الناس إلى المشي فيه.

الثاني: اشتمال غالب ذلك على نَبْش قبور المسلمين، وإخراج عظام موتاهم.

الثالث: أن البناء على القبور منهيٌ عنه.

الرابع: أن بناء المطاهر بين القبور من أقبح ما تُجاوَر به القبور، لا سيما إن كان موضع المطهرة قبر رجلٍ مسلم.

الخامس: اتخاذ القبور مساجد.

السادس: الإسراج على القبور.

(1)

كذا بالأصل، وجَمْعه "خوانق" وهي دور تُعد لبعض المنقطعين للعبادة، من المتصوفة ونحوهم؛ للذكر والدعاء والإقامة، وتجري عليهم الأرزاق

انظر: "معجم المصطلحات والألقاب التاريخية": (ص / 158). وفي "الاقتضاء": "الخانات".

ص: 164

السابع: مشابهة أهل الكتابَيْن في كثير من الأقوال والأفعال والسنن بهذا السبب، كما هو الواقع، إلى غير ذلك من الوجوه.

وقد كانت البِنْيَة التي على قبر إبراهيم مسدودة لا يُدْخَل إليها إلى حدود المئة الرابعة، فقيل: إن بعض النسوة المتصلات بالخلفاء رأَتْ في ذلك منامًا، فنُقِبَت لذلك.

وقيل: إن النصارى لما استولوا على هذه النواحي نَقَبوا ذلك، ثم تُرِك ذلك مسجدًا بعد الفتوح المتأخرة، وكان أهلُ الفضل من شيوخنا لا يصلون في مجموع تلك البنية، وينهون أصحابَهم عن الصلاة فيها؛ اتباعًا لأمر رسول الله واتقاء معصيته.

وكذلك إيقاد المصابيح في هذه المشاهد، لا يجوز بلا خلافٍ أعلمه، ولا يجوز الوفاء بما يُنْذَر لها، ومن ذلك الصلاةُ عندها، وإن لم يُبْنَ هناك مسجد، فإن كلَّ موضعِ قُصِدت الصلاة فيه فقد اتخذَ مسجدًا، وإن لم يكن هناك بناءٌ، فإن النهي عن الصلاة في المقبرة ليس لمجرَّد كونها محل النجاسة، بل لمظنَّة اتخاذها أوثانًا، كما قد بيَّنه في قوله صلى الله عليه وسلم:"اشتدَّ غَضَبُ اللهِ على قومٍ اتخذوا قبورَ أنْبِيائِهم مَسَاجِدَ"

(1)

، وقول عائشة: ولولا

(2)

ذلك لأُبْرِزَ قبره

(3)

وغيره من الأحاديث.

فإن قبور الأنبياء لا تُنْبَش حتى يقال: لأجل النجاسة، خصوصًا ولا

(1)

أخرجه بهذا اللفظ مالك في "الموطأ" رقم (475) من مرسل عطاء بن يسار، وانظر "التمهيد":(5/ 41 - 42)، وأما بلفظ:"لعن الله اليهود والنصاري" فهو مشهور في الصحاح.

(2)

في "الأصل": "ولو" سهو.

(3)

أخرجه البخاري رقم (529)، ومسلم رقم (1330).

ص: 165

تُبْلي

(1)

الأنبياء، فعُلِمَ أنه لمظنة عبادة الأوثان، قال الشافعي:"أكره أن يُعظم قبر مخلوق حتى يُجْعَل قبره مسجدًا مَخافَة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس"

(2)

.

وقد نبه صلى الله عليه وسلم بقوله: "اللهم لا تَجْعَل قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَد"

(3)

على العلة.

فصلٌ

(4)

ولخوف مظنة عبادة الأوثان حَسَم الرسول صلى الله عليه وسلم المادَّة، ونهى عن الصلاة عند القبور، كما تقدم، ولأجل تلك العلة وقع كثير من الأُمم إما في الشرك الأكبر أو الأصغر، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين، فإن الشرك بقبر الرجل الصالح أعظم من الشرك بخشبة أو حجر على تمثاله، فتجد قومًا يتضرَّعون عند القبور، ويخشعون ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في المسجد، بل ولا في السَّحَر، وقد يسجدُ بعضُهم لها، ويرجون من بركة الصلاة عندها، ما لا يرجونه عند بيتِ الله.

فحَسَمَ صلى الله عليه وسلم ذلك كلَّه، وإن لم يقصد المصلِّي [بركة]

(5)

ذلك، كما يُنهى عن الصلاة عند طلوع الشمس واستوائها وغروبها، فيُنْهَى عن ذلك سدًّا للذريعة.

(1)

كلمة لم تحرر، ولعلها ما أثبت.

(2)

كما في "الأم": (1/ 287).

(3)

أخرجه أحمد: (12/ 314 رقم 7358) وغيره، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وسنده جيد، وانظر "النهج السديد" رقم (219).

(4)

"فصل" ليس في "الاقتضاء": (2/ 192).

(5)

في "الأصل": "برکعته"! والتصويب من "الاقتضاء".

ص: 166

أما إذا قصَدَ الرجلُ الصلاةَ عند بعض قبور الأنبياء والصالحين متبركًا بالصلاة في تلك البقعة؛ فهذا هو عين المحادَّة لله ورسوله، والمخالفة لدينه، واتباع

(1)

دين لم يأذن به الله، فقد أجمع المسلمون: على أن الصلاة عند أيِّ قبر كان لا فضل فيها لذلك، ولا للصلاة مَزِيَّة في تلك البقعة أصلًا، بل مزيةُ شرٍّ.

واعلم أن تلك البقعة وإن كانت قد تنزل عندها الملائكة والرحمة، ولها شرف وفضل، لكن دين الله بَيْن الغالي فيه وبين الجافي عنه.

فالنصاري عظموا الأنبياء حتى عبدوهم، واليهود استخفُّوا بهم حتى قتلوهم، والأمة الوسط عرفوا حقوقهم، ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: "لا تُطْرُونِي كما أطْرَتِ النصارى المسيحَ

"

(2)

. فلو قُدِّر أن الصلاة هناك توجب رحمةً أكثر من الصلاة في غيرها، كانت المفسدة الناشِئة تُرْبي على هذه المصلحة حتى تغمرها وتزيد عليها، بحيث تصير الصلاة هناك مُذْهِبةً لتلك الرحمة، ومُثْبِتة لما يوجب العذاب، ومن لم تكن له بصيرة يدرك بها الفساد من ذلك، فيكفيه أن يُقلِّد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه من المعلوم أنه لولا أن الفساد أغلب من المصلحة لما نهى عن ذلك.

وليس للمؤمن أن يُطالب الرسول بتبيين وجوه المصالح، وإنما عليه طاعته، والسمع والطاعة له، قال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].

(1)

في "الاقتضاء": "وابتداع"، وكلا الوجهين يصح.

(2)

أخرجه البخاري رقم (3445) من حديث عمر رضي الله عنه.

ص: 167