المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المجلد الأول ‌ ‌مقدمات … تمهيد: أولا- تعريف موجز بابن هشام الأنصاري: المولد والنشأة: ولد العلامة - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك - ت هبود - جـ ١

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌ ‌المجلد الأول ‌ ‌مقدمات … تمهيد: أولا- تعريف موجز بابن هشام الأنصاري: المولد والنشأة: ولد العلامة

‌المجلد الأول

‌مقدمات

تمهيد:

أولا- تعريف موجز بابن هشام الأنصاري:

المولد والنشأة: ولد العلامة الشيخ، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري بالقاهرة في ذي القعدة، سنة ثمان وسبعمائة من الهجرة1، الموافق سنة / 1309/ من الميلاد. ومن ثم ترعرع فيها، وشب محبا للعلم والعلماء، فأخذ عن الكثيرين منهم، ولازم بعضا من الأدباء والفضلاء.

شيوخه: ذكر صاحب الدرر الكامنة2 أن ابن هشام لزم عددا من فحول عصره، وتلقى العلم على أيدي علماء زمانه، وتتلمذ لهم، ومنهم ابن السراج3، وأبو حيان4، والتاج التبريزي5، والتاج الفاكهاني6، والشهاب بن المرحل7، وابن جماعة8، وغيرهم.

1 بغية الوعاة، للسيوطي. تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم "ط:2. بيروت: دار الفكر، "1399-1979 م"، 2: 68.

2 الدرر الكامنة، لابن حجر "حيدر آباد، 1348 هـ"، 2: 308-310.

3 ابن السراج: محمد بن أحمد، أبو عبد الله السراج الدمشقي، مقرئ نحوي، ولد سنة 668هـ، ومات سنة 743هـ. بغية الوعاة: 1/ 20.

4 أبو حيان: محمد بن يوسف، أثير الدين الغرناطي، نحوي عصره، ولغويه، ومحدثه، وأديبه، له البحر المحيط في التفسير، والمدبح في التصريف وغيرهما. مات سنة 745هـ. بغية الوعاة: 280-283".

5 التبريزي: علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي، عالم ورع وأحد الأئمة الجامعين لأصناف العلوم. مات سنة 746هـ. المصدر نفسه: 2/ 171.

6 التاج الفاكهاني: عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الإسكندراني، له شرح العمدة، والإشارة في النحو وغيرهما. مات سنة 731هـ. المصدر نفسه 2: 221، والدرر الكامنة: 3/ 178.

7 الشهاب بن المرحل: عبد اللطيف بن عبد العزيز، ولم يذكر له صاحب البغية ترجمة وافية. البغية 2/ 541.

8 ذكر صاحب البغية، في ترجمتة لابن هشام، أنه "حدث عن ابن جماعة بالشاطبية"، والذين سموا بهذا الاسم كُثر، ولعل المقصود بالذكر هنا بدر الدين محمد المتوفى سنة 733هـ، والذي كان يشغل منصب قاضي قضاة دمشق، ثم مصر في أيامه.

ص: 3

تلاميذه:

لم تذكر كتب التراجم تلاميذ ابن هشام، ولعل أكثرهم كان من غير المشهورين، واكتفى صاحب البغية بالقول:"وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم"1.

منزلته العلمية:

أتقن ابن هشام العربية، حتى فاق أقرانه وشيوخه ومعاصريه، وكان لكتابيه:"مغني اللبيب عن كتب الأعاريب"، و"أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك". صدى في النفوس، ونال بهما منزلة لدى العلماء والأدباء "فاشتهر في حياته، وأقبل الناس عليه"3 غير أن شهرته لم تكن محصورة في مصر وحدها، بل تعدتها إلى المشرق والمغرب، حيث ذكر صاحب الدرر الكامنة نقلا عن ابن خلدون قوله:"ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية، يقال له: ابن هشام، أنحى من سيبويه"3.

ذكاؤه وفطنته:

كان ابن هشام، يتمتع بذكاء خارق، وذاكرة قوية، حيث استطاع أن يجمع عدة علوم، وأن يبرز فيها، وهو "المتفرد بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البارع، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التصرف في الكلام، والملكة التي كان يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد مسهبا وموجوزا"4، وما يدلنا على مدى فطنته، وقوة حافظته حتى أواخر حياته، أنه حفظ مختصر الخرقي في دون أربعة أشهر قبل موته بخمس سنين"5.

تدينه ومذهبه:

ابن هشام عالم ورِع، لم يتهم باعتقاده، ولا بتدينه، ولا بسلوكه، وهو شافعي المذهب، وتحنبل في أواخر حياته6، وهذا يدل على أنه كان متعمقا في كلا المذهبين.

1 بغية الوعاة: 2/ 68.

2 المصدر نفسه.

3 المصدر نفسه، ص:69. والدرر الكامنة: 2/ 308-310.

4 البغية: 2/ 69.

5 المصدر نفسه.

6 المصدر نفسه، ص:68.

ص: 4

صفته وأخلاقه: كان ابن هشام يمتاز "بالتواضع والبر والشفقة ودماثة الخلق رقة القلب"1 فضلًا عن دينه، وعفته، وحسن سيرته، واستقامته، وكان إلى ذلك صبورا في طلب العلم مداوِما عليه حتى آخر حياته-كما أشرنا- ومن شعره في الصبر:

ومن يصطبرْ للعلم يظفرْ بنيلِهِ

ومن يخطبِ الحسناءَ يصبرْ على البذلِ

ومن لا يذل النفس في طلب العُلا

يسيرًا يَعِشْ دهرًا طويلًا أَخَا ذُل2

آثاره:

لابن هشام مصنفات كثيرة، منها:

1-

الإعراب عن قواعد الإعراب.

2-

الألغاز.

3-

أوضح المسالك إلى ألفية بن مالك.

4-

التذكرة.

5-

التحصيل والتفصيل لكتاب "التذييل والتكميل"

6-

الجامع الصغير.

7-

الجامع الكبير.

8-

رسالة في انتصاب "لُغَةً" وفَضْلًا"، وإعراب "خِلافًا" و"أيضًا" و"هَلُم جرا".

9-

رسالة في استعمال المنادى في تسع آيات من القرآن.

10-

رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة.

11-

الروضة الأدبية في شواهد علم العربية.

12-

شذور الذهب.

13-

شرح البردة.

14-

شرح شذور الذهب.

15-

شرح الشواهد الصغرى.

16-

شرح الشواهد الكبرى.

17-

شرح القصيدة اللغوية في المسائل النحوية.

18-

شرح قطر الندى وبل الصدى.

19-

شرح اللحمة لأبي حيان.

20-

عمدة الطالب في تحقيق صرف ابن الحاجب. 21- فوح الشذا في مسألة كذا.

22-

قطر الندى وبل الصدى.

23-

القواعد الصغرى.

24-

القواعد الكبرى.

25-

مختصر الانتصاف من الكشاف.

26-

المسائل السفرية في النحو.

27-

مغني اللبيب عن كتب الأعاريب.

28-

موقد الأذهان وموقظ الوسنان.

وفاته:

توفي ابن هشام -رحمه الله تعالى- ليلة الجمعة في الخامس من ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة من الهجرة، الموافق سنة 1360 من الميلاد3، ورثاه ابن نباتة بقوله:

سقى ابن هشام في الثرى نوء رحمة

يجر على مثواه ذيل غمام

سأروي له من سيرة المدح مسندًا

فما زِلْتُ أروي سيرة ابن هشام4

1 بغية الوعاة: 2/ 69

2 بغية الوعاة: 2/ 69.

3 المصدر نفسه.

4 المصدر نفسه، ص70.

ص: 5

ثانيا- منهج ابن هشام النحوي:

يعد ابن هشام الأنصاري شيخا من شيوخ النحاة المجتهدين، الذين لم يكتفِ بالحفظ والفهم، والتقليد، وإنما فهموا، وقارنوا، واستنبطوا، ووفقوا واصطفوا، ورجحوا، وقبلوا، ورفضوا، وهذا شأن العلماء المجتهدين والمجددين في القديم والحديث.

وابن هشام نحوي بارع في عرض مادته، كما هو بارع في تحليله ونقده، فضلًا عن براعته في تصيد أمثلته، والاستدلال بها عما يجول في خلده. وكان ابن هشام حرا في تفكيره، موضوعيا في أخذه ورده؛ فهو لم يتعصبْ لمذهب من المذاهب النحوية، أو لمدرسة بعينها، وإن كان ميالا إلى مدرسة البصرة، مبجلا علماءها وأحيانا كان يقول:"والذي عليه أصحابنا" ويعني بهم البصريين. غير أن هذا الميل لم يكن لهوىً في نفسه؛ وإنما لكونه رجح آراءهم في مواطن كثيرة، ورد عليهم في مواطن أقل، وأخذ بالرأي الأقوى كائنًا من كان صاحبه، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا نستطيع الإحاطة بها في هذه العجالة، وإنما سنقتصر على نماذج قليلة من أخذه ورده.

أولا: رجح مذهب جمهور البصريين في أن المحذوف في مثل: "تأمروني" نون الرفع، لا نون الوقاية1، كما حذا حذوهم في عد "زيد" في مثل "إن زيد قائم" فاعلا لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده، لا مبتدأ -خلافا للأخفش الأوسط- ولا فاعلا مقدما للفعل، خلافا للكوفيين2. والأمثلة على موافقته لمذهبهم كثيرة لا تحصى.

وقد اختار مذهب سيبويه في أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وأن الخبر مرفوع

1 انظر مغني اللبيب، لابن هشام الأنصاري:380.

2 التصريح على التوضيح: 1/ 270-271.

ص: 6

المبتدأ1. وأن المضاف إليه مجرور بالمضاف، لا بالإضافة، ولا باللام المحذوفة.

ثانياً: رجح ما ذهب إليه الكوفيون في قولهم: الفعل ماضٍ، ومضارع فقط، وأن الأمر فرع من المضارع المصحوب بلام الطلب، في مثل:"لِتَقُمْ"، فحذفت لام الطلب؛ لِلتخفيف، في مثل:"قمْ واقعُدْ" وتبعها حرف المضارعة3.

- ورجح ما ذهب إليه الكوفيون في مسألة جملة "البسملة"، حيث عدها البصريون اسمية، على تقدير "ابتدائي باسم الله"، وعدها الكوفيون. "فعلية"، على تقدير:"أبدأ باسم الله"، فوافق الكوفيين، وقدر:"باسم الله أقرأ".

- كما وافق الكوفيين، في نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، وفي مجيء الباء" بمعنى:"من"، التي تفيد التبعيض4، مثل:{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 5، وفي مجيء "من" مفيدة ابتداء الغاية الزمانية6، وفي نيابة "أل" عن الضمير7، وفي مجيء "لا" عاطفة8، كما وافقهم في مسائلَ كثيرةٍ، لا داعيَ لذكرها.

ثالثاً: ختار كثيرا من آراء البغداديين، واستشهد بها في مواطن كثيرة؛ منها:

- جواز نداء ما فيه "أل" في سعة الكلام، لا في ضرورة الشعر فقط9.

- جواز إعمال اسم المصدر، إن لم يكن علمًا، ولم يكن ميميا، خلافا للبصريين1.

1 التصريح على التوضيح: 1/ 158.

2 التصريح على التوضيح: 2/ 24.

3 انظر المغني: 250.

4 انظر المغني: 142-143.

5 سورة المائدة، الآية:6.

6 انظر المغني: 419-420.

7 انظر المغني: 77-78.

8 انظر المغني: 101.

9 أوضح المسالك: 3/ 85-86، وشرح التصريح: 2/ 173.

10 أوضح المسالك: 2/ 242-243، وشذور الذهب:412.

ص: 7

- جواز مجيء "ليس" حرفا عاطفا، كما في قول الشاعر:

إنما يجزي الفتى ليس الجمل1

ووافق ابن جني في أن الجملة قد تبدل من المفرد، كقول الشاعر:

إلى الله أشكو بالمدينة حاجةً

وبالشام أُخرى كيف يلتقيانِ؟

على تقدير: "إلى الله أشكو حاجتين تعذر التقائهما".

رابعاً: اختار بعض ما ذهب إليه الأندلسيون، وخاصة ابن مالك وابن عصفور؛ فأما ابن مالك، فقد كان كثير الموافقة له في آرائه، وقلما خالفه فيها، ومعلوم أنه شرح له "الألفية" التي نحن في صدد الحديث عن شرحه لها، كما شرح له "التسهيل"، ومن الأمور التي وافقه فيها على سبيل المثال: أن "إلى"1 قد تأتي بمعنى "في"2، كما في قوله تعالى:{لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} 3. وأن "حتى" إذا عطفت على مجرور، أعيد الخافض فرقا بينها وبين "حتى" الجارة، مثل: "مررت بالقوم حتى بزيد"4.

وأما موافقته لابن عصفور فيمكن التمثيل عليها، بموافقته له بأن "لن" قد تأتي للدعاء، كما أنت "لا" لذلك، والحجة في قول الأعشى:

لن تزالوا كذلكم ثم لا زلـ

ت لكم خالدًا خلود الجبالِ5

خامساً: وافق الزمخشري، ورد عليه في مواطن كثيرة:

فأما موافقته فتتجلى في استحسانه رأيه في أن أما" في مثل: "أما زيد فمنطلق" تفيد التوكيد. قال: "قل ذكره، ولم أر من أحكم شرحه غير الزمخشري، فإنه قال: فائدة "أما" في الكلام: أن تعطيه فضل توكيد، تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد.

1 أوضح المسالك: 3/ 38.

2 المغني: 104-105.

3 سورة النساء الآية 87.

4 المغني: 172.

5 المغني: 517. ورواية البيت في ديوان الأعشى: "لا زلت لهم".

ص: 8

ذلكن وأنه لا محالة ذاهب، وأنه بصدد الذهاب، وأنه منه عزيمة، قلت: أما زيد فذاهب1.

وأما ردوده عليه فكثيرة، ونختار واحدًا منها على سبيل التمثيل، وهو رده عليه في أن "لن" تقتضي تأبيد النفي وتوكيده. فقال رادا:"وكلاهما دعوى بلا دليل، ولو كانت للتأبيد، لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} 2، ولكان ذكر الأبد في قوله جل ثناؤه: {وَلن تَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} 3 تكرارا، والأصل: "عدمه"4.

سادساً: تعقب ابن هشام ابن الحاجب وكثيرًا ما أثبت عليه السهو، والوهم، والتعسف، ونقض آراءه، ومن أمثلة ذلك ما ذهب إليه ابن الحاجب، في قول ذي الرمة:

حراجيج ما تنفك إلا مناخة

على الخسف أو نرمي بها بلدًا قفرا5.

من أن "ما تنفك": ناقصة، وأن الخبر "على الخسف"، وأن "مناخة": حال، وأن "إلا" زائدة، فقال ابن هشام: فاسد لبقاء الإشكال؛ إذ لا يقال: جاء زيد إلا راكبا.

سابعاً: ولم يكن ابن هشام في تتبعه لآراء النحاة السابقين جامعا لها، ومستوعبا لها وحسب، وإنما كان يناقشها، ويبين الصحيح منها من الفاسد -كما أسلفنا- وكان يكثر من الاستنباطات، ويعرض إلى جانبها الآراء المبتكرة غير المسبوقة، وهي أكثر من أن تُحصى، ومنها على سبيل المثال ذهابه إلى أن "عشر"

1 المغني: 59.

2 سورة مريم، الآية:26.

3 سورة البقرة، الآية:95.

4 المغني: 374.

5 المغني: 102، والحرجوج: الناقة السمينة الطويلة، والخسف: الذل، والمراد بالخسف هنا: مبيتها من غير علف. انظر القاموس المحيط: 1/ 189، 3/ 137"،وانظر الوسيط في تاريخ النحو، د. عبد الكريم محمد الأسعد "ط: 1. الرياض: دار الشواف، 1413هـ-1992م"، ص 213.

ص: 9

في قولنا: "اثني عشر"، حلت محل النون، في "اثنين"، وهي بذلك ليست مضافة إلى ما قبلها، ولا محل لها من الإعراب1.

ومما سبق يتأكد لنا أن ابن هشام، كان يوازن بين آراء البصريين، والكوفيين، والبغداديين، وسواهم من النجاة "ويختار لنسفه ما يتمشى مع مقاييسه مظهرا قدرة فائقة في التوجيه والتعليل والتخريج، وكثيرا ما يشتق لنفسه رأيا جديدا، لم يُسبَق إليه، وخاصة في توجيهاته الإعرابية، وهو في أغلب اختياراته، يقف مع البصريين، وكان يجل سيبويه إجلالا بعيدا، كما كان يجل جمهور البصريين، ويدافع عن آرائهم"2.

وأما طريقة ابن هشام في عرض موضوعاته، فكان يعرض الفكرة ثم يسوق الأدلة والشواهد من القرآن الكريم، والحديث الشريف، والشعر القديم، وأحيانا من الحكم والأقوال المأثورة، ومن منثور الكلام القديم أحيانا أخرى، وربما ذكر أبياتا لشعراء لا يُحتَج بشعرهم؛ على سبيل التمثيل لا الاستشهاد بها؛ أو ليبين لحن أصحابها.

وأما تعاطيه مع الشواهد، فينم عن ثقافة واسعة، وقدرة عجيبة على الاستنباط والتحليل، وكان يقدم الشواهد القرآنية على غيرها؛ لأنها كلام فصل لا مجال للشك فيها، وله ثلاثة اتجاهات في اعتماده الآيات القرآنية في كتبه، هي2:

أولاً: آيات استشهد بها على تثبيت قاعدة متفقٍ عليها.

ثانياً: آيات اتخذ منها المؤلف أدلة على قاعدة ارتآها وأراد أن يدعمها بدليل قرآني.

ثالثاً: آيات أوضح ابن هشام ما دار حولها من نقاش وجدل.

وأما بالنسبة إلى القراءات القرآنية، فقد "حاول دائما، إزاء القراءات التي في

1 انظر همع الهوامع: 1/ 14، والوسيط في تاريخ النحو:214.

2 الوسيط في تاريخ النحو، الدكتور عبد الكريم الأسعد:211.

3 أثر القرآن والقراءات في النحو العربي، الدكتور محمد سمير نجيب اللبدي:148.

ص: 10

ظاهرها خروج عن القواعد العربية توجيهها وتخريجها على وجه ترتضيه اللغة، ويقبله النحو، ولا يتجرأ عليها، فيصفها بالشذوذ، كما كان يفعل بعض النحاة"1.

وربما "بنى ابن هشام بعض القواعد النحوية مستندا إلى القراءات، وقد صرح بذلك قائلا: إن القراءة سنة متبعة، وليس كل ما تجوزه العربية، تجوز القراءة به"2.

وأما بالنسبة إلى الحديث الشريف، فقد استشهد به ابن هشام، واستدل به خلافا للكثيرين من النحاة الذين لا يجيزون الاستدلال بالحديث الشريف3 حيث استشهد في كتابه "المغني" باثنين وستين حديثا سبعا وسبعين مرة، واستشهد في أوضح المسالك بستة وثلاثين حديثا، واستشهد في شرحه لكتاب "اللمحة البدرية في علم اللغة العربية" لأبي حيان، بستة وعشرين حديثا، سبعا وعشرين مرة، واستشهد في كتابه "شرح شذور الذهب" بستة وعشرين حديثا سبعا وعشرين مرة أيضا4.

ومن الأحاديث التي استشهد بها على سبيل المثال.

"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".

1 المدرسة النحوية في مصر والشام في القرنين السابع والثامن من الهجرة، الدكتور عبد العال سالم: 419-421".

2 ابن هشام الأنصاري - حياته ومنهجه النحوي، الدكتور عصام نور الدين "ط:1. بيروت الشركة العالمية للكتاب، 1989"، ص: 67-68. وانظر شذور الذهب: 304.

3 ممن رفضوا الاحتجاج بالحديث الشريف: أبو حيان في شرح التسهيل، ونسب عدم الاحتجاج به إلى أبي عمرو بن العلاء، ويحيى بن عمر، والخليل، وسيبويه من أئمة البصريين، والكسائي والفراء، وعلي بن المبارك الأحمر، وهشام الضرير من أئمة الكوفيين.

أما المجوزون فمنهم: ابن مالك، ورضي الدين الأستراباذي، وابن خروف، وابن هشام، والبدر الدماميني، وناظر الجيش محب الدين بن يوسف الحلبي، والخطيب البغدادي. انظر في أصول النحو، سعيد الأفغاني "ط:3. بيروت: دار الفكر، 1383هـ-1964"، ص: 50 وأصول التفكير النحوي، الدكتور علي أبو المكارم "بيروت دار الثقافة، 1973م"، ص: 661- 662 وابن هشام الأنصاري- حياته ومنهجه النحوي: 71-73.

4 المرجع نفسه: 75.

ص: 11

فقد استشهد بهذا الحديث على أن "نعم، وبئس، وعسى، وليس" أفعال فقال: فأما "نعم وبئس"، فذهب الفراء وجماعة من الكوفيين إلى أنهما اسمان واستدلوا على ذلك، بدخول حرف الجر عليهما، في قول بعضهم وقد بشر ببنت:"والله ما هي بنعم الولد"؛ وأما "ليس" فذهب الفارسي في الحلبيات: "إلى أنها حرف نفي بمنزلة "ما" النافية، وتبعه على ذلك أبو بكر بن شقير، وأما "عسى"، فذهب الكوفيون: إلى أنها حرف تَرَجٍ بمنزلة "لعل" وتبعهم على ذلك ابن السراج. ثم قال: والصحيح: أن الأربعة أفعال، بدليل اتصال تاء التأنيث الساكنة بهن، كقوله عليه الصلاة والسلام: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل"، والمعنى: من توضأ يوم الجمعة، فبالرخصة أخذ، ونعمت الرخصة الوضوء"1.

وأما الشواهد الشعرية، فقد غصت بها مؤلفات ابن هشام، وقلما نجد مؤلفه فيه من الشواهد ما يدانيه، ففي "شرح قطر الندى وبل الصدى" بلغ مجموع الشواهد الشعرية خمسين شاهدا ومائة شاهد، وفي "شرح اللمحة البدرية" واحدا وتسعين شاهدا ومائة شاهد، وفي "شرح شذور الذهب" تسعة وثلاثين شاهدا ومائتي شاهد، وفي "أوضح المسالك" ثلاثة وثمانية شاهدا وخمسمائة شاهد، وهو في شواهده الشعرية، لا يبني على النادر منها قاعدة؛ لأن النادر عند ابن هشام: أقل من القليل، كما صرح بقوله:"اعلم أنهم يستعملون "غالبا" و"كثيرا" و"نادرا" و"قليلا" و"مطردا"، فالمطرد: لا يتخلف، والغالب: أكثر الأشياء، ولكنه يتخلف، والكثير دونه، والقليل دون الكثير، والنادر أقل من القليل"2.

وقد خالف ابنُ هشام الكوفيين في قضية الاستشهاد بما لم يعرف قائله، "لأن الجهل بالناقل، يوجب الجهل بالعدالة"، وقد أورد في شرحه للألفية الشعر الذي استدل به الكوفيون على جواز مد المقصور للضرورة، وهو:

قد علمت أخت بني السعلاء

وعلمت ذاك مع الجزاء

1 شرح قطر الندى وبل الصدى: 35-37، وشرح شذور الذهب: 21-22.

2 المزهر، للسيوطي: 1/ 234، وابن هشام الأنصاري - حياته ومنهجه النحوي، ص81.

ص: 12

أنْ نعم مأكول على الخواء

يا لك من تمر ومن شيشاء

ينشب في المسعل واللهاء

ثم قال: "الجواب عندنا أنه لا يعلم قائله، فلا حجة فيه"1.

غير أنه لم ينكر الأبيات المجهولة كلها، ولا يمنع من الاستشهاد بها "إذا وفرت فيها صفات حددها لنفسه، وهي: فصاحة القول وصفاؤه، وسلامته من الفساد، فلا يحتج بمن لابس الضعف لغته، وخالطت العجمة كلامه، وتسربت الركاكة إلى لفظه"2.

وكذلك خالف ابن هشام البصريين في تأويل الشواهد؛ والتأويل كان الوسيلة التي لجأ إليها النحاة؛ لِلتوفيق بين القواعد وبين النصوص المخالفة لها، المنسوبة -في الوقت نفسه- إلى عصر الاستشهاد. أما ما لا ينتسب إلى عصر الاستشهاد، من هذه النصوص، فقد كان الرفض هو السمة البارزة التي توضح موقف النحاة منه. وكان التعبير عن هذا الموقف-في أكثر الأحيان- يتخذ اصطلاح الشذوذ"3.

وأما استشهاده بالنثر، فواضح في كتابه، حيث ساق بعضا من الأمثال والأقوال المشهورة، وإن كانت نسبتها أقل بالقياس مع الشواهد القرآنية، وشواهد الحديث، والشواهد الشعرية، حيث ذكر في "شرح شذور الذهب" ستة أمثال، وفي شرح "اللمحة البدرية"، ذكر ستة عشر قولا ومثلا، وفي أوضح المسالك، ذكر ثمانية وخمسين قولا ومثلا، وذكر في "مغني اللبيب" تسعة وأربعين قولا ومثلا، ومن الأمثلة التي استشهد بها على سبيل المثال:"تسمعَ بالمعيدي خير من أن تراه". وقولهم: "مره يحفرَها"، وقولهم:"خذِ اللص قبل يأخذَك"، فقد حذفت "أن" الناصبة في هذه الشواهد، فنصبوا "تسمع" ويأخذك"، و"يحفرها"، وهو شاذ، يُحفظ ولا يقاس عليه4.

1 المزهر: 1/ 142.

2 علوم الحديث ومصطلحاته- عرض ودراسة- صبحي الصالح، ص 333.

3 أصول التفكير النحوي، الدكتور علي أبو المكارم، ص 261-262.

4 مغني اللبيب لابن هشام، ص839. وانظر ابن هشام الأنصاري- حياته ومنهجه النحوي، ص: 87-88.

ص: 13

وأسلوب ابن هشام واضح، لا تعقيد فيه، وهو يميل إلى البساطة والبعد عن التقعير والتعقيد، همه أن يوصل الفكرة إلى المتعلم من أقصر الطرق؛ ولهذا اتسم أسلوبه بشيء من الركاكة اللغوية، حتى خاله بعضهم يلحن في اللغة، وما ذلك إلا لكونه كان يترخص -أحيانا- في الاستعمالات اللغوية، فيدع الراجح، ويأخذ بالمرجوح، غير أنه كان سهل العبارة، دقيقا في تخير ألفاظه، واضحا في دلالاته.

وأما ظاهرة الاستطراد فهي السمة الغالبة في مؤلفاته؛ حيث لم يستطع -على الرغم من منهجيته، وطريقته المبتكرة في ترتيب موضوعاته- من التحرر منها، فتراه وهو يعالج مسألة من المسائل، يستطرد في شرح كلمة عارضة في سياق شاهد من الشواهد، وكأنه يعقد مبحثا جديدا لمناقشتها، ثم يعود إلى موضوعه الأول، ولعل ابن هشام قصد الاستطراد؛ ليوضح أفكاره، ويزيدها جلاء؛ لتكون أرسخ في الأذهان، وربما أراد -من خلالها- إقحام أكبر قدر ممكن من المعلومات في مخيلة قارئي كتبه، فضلا عن المعلومات الرئيسية التي يريد إفهامها.

ومهما يكن من أمر، فإن ابن هشام الأنصاري علم من أعلام النحاة المجتهدين والمجددين الذي يعود الفضل إليهم في تهذيب النحو العربي، وإخرجه بشكله المتكامل الواضح بعيدا عن الغموض والتعقيد.

وفي الختام، نتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذا الكتاب كما نفع بأصله، والحمد لله أولا وآخرا.

ص: 14

ثالثاً: عملنا في الكتاب:

أ- في المتن:

باب معلوما للدارسين والمحققين على السواء أن المحافظة على نص المتن مسألة لا يجوز الحديث فيها، حيث لا يسمح بتغيير حرف واحد في متن الكتاب المحقق، إذا جاءت لغته سليمة، وعباراته صحيحة، وإذا ما اقتضت الضرورة أي تغيير يذكر في الأصل؛ لِأمر ما، فلا بد من الإشارة إلى هذا التغيير في الحاشية؛ وانطلاقا من هذه الحقيقة المسلم بها، وتمشيا مع المنهجية العلمية، فقد حرصنا على متن الكتاب -كما هو- من دون أي زيادة أو نقصان.

غير أننا أثبتنا في المتن أمورا، لا تتنافى مع المنهجية العلمية، وأصول قواعد التحقيق، وهي:

أولاً: ضبطنا علامات الترقيم، ووضعناها في الأماكن المناسبة بين الكلمات، والجمل، والعبارات المختلفة؛ لأنها تساعد الطالب في قراءة النص قراءة صحيحة، تمكنه من فهم المراد.

ثانياً: وضعنا عناوين فرعية لمباحث الكتاب، فضلا عن عناوين الأبواب، والفصول، والمباحث التي جاءت في الأصل؛ لِيتمكن الطالب من العودة إلى المطلوب بيسر وسهولة وقد وضعنا هذه العناوين بين معقوفين.

ثالثاً: أثبتنا اسم البحر الشعري -فوق الشاهد، إلى جهة اليسار- بين خطين مائلين، على النحو التالي:

"

وقد تبدل الجملة من المفرد، كقوله:[الطويل]

إلى الله أشكو بالمدينة حاجة

وبالشام أخرى كيف يلتقيان؟

ص: 15

ب- في الحاشية:

أولا: الآيات القرآنية:

أ- عزونا الآيات القرآنية.

ب- بينا أوجه القراءات في الآية الواحدة، إذا كان لها وجهان أو أكثر، ومن ثم ذكرنا توجيه القراءات، على الشكل التالي:"..... يجوز في الاسم الذي يتلو الوصف العامل أن ينصب به، وأن يخفض بإضافته، وقد قرئ: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه} ، و: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّه} 2، بالوجهين..... ". 65 سورة الطلاق، الآية:3.

أوجه القراءات:

قرأ عاصم وحفص والمفضل وأبان وجبلة وجماعة عن أبي عمرو: "بالغ أمره". برفع بالغ من دون تنوين. وقرأ العامة بتنوين "بالغ"، ونصب "أمره".

توجيه القراءات:

قراءة عاصم وحفص ومن معهما على إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله "أمره". وأما قراءة العامة، فعلى إعمال اسم الفاعل عمل فعله؛ لأنه بمعنى الاستقبال، فنصب "أمره" ولم يضف إليه. انظر البحر المحيط: "8/ 273، والقرطبي: 18/ 161، ومشكل إعراب القرآن: 2/ 384.

ج- بينا موطن الشاهد ووجه الاستشهاد في الآية الكريمة، ومن ثم ذكرنا الحكم كما في تعليقنا على الآية السابقة:{هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّه} ، 39 سورة الزمر، الآية:38.

1 65 سورة الطلاق، الآية:3.

2 39 سورة الزمر، الآية:38.

ص: 16

موطن الشاهد: {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} .

وجه الاستشهاد: إضافة اسم الفاعل "كاشفات" إلى ضره".

ثانياً: الأحاديث الشريفة:

خرجنا الأحاديث الواردة في المتن بعد إتمامها، ومن ثم ذكرنا اختلاف رواياتها وبيَّنَّا موطن الشاهد فيها، ووجه الاستشهاد، إذا لم يبين المؤلف في المتن المراد من الاستشهاد بها.

ثالثاً: الشواهد الشعرية:

سبقت الإشارة في أثناء حديثنا عن عملنا في المتن، أننا أثبتنا اسم البحر الشعري، للشاهد فوق البيت. وأما في الحاشية، فتجلى عملنا في الآتي:

أ- ذكرنا اسم صاحب البيت، إن صحَّت نسبته إلى شاعر بعينه، وتيقنَّا من صحة هذه النسبة. وإذا نسب إلى غير واحد، ذكرنا المنسوب إليهما، أو إليهم ورجحنا نسبته إلى واحد منهم إن توفَّرت القرائن، وإلا اكتفينا بذكر المنسوب إليهم فقط.

ب- ترجمنا لصاحب الشاهد ترجمة موجزة. وإن لم نعثر على ترجمة لذلك القائل، اكتفينا بما ذكره أصحاب المتون، وعقبنا بالقول:"لم نعثر له على ترجمة وافية".

ج- ذكرنا المصادر والمراجع التي يوجد فيها الشاهد، وركزنا على ذكر كتب النحو المعتمدة. وإذا أتى الشاهد مرقما في مصدر من المصادر، أثبتنا رقمه في ذلك المصدر أولا، ثم ذكرنا الصفحة، وإذا كان المصدر أو المرجع جزأين أو أكثر، ذكرنا رقم الشاهد أولا، ثم رقم الجزء أو المجلد ثانيا، ثم رقم الصفحة ثالثا.

وأما إذا ورد غير مرقم، فإننا نثبت اسم الكتاب أولا، ثم الصفحة ثانيا، وإن كان المصدر جزأين أو أكثر نذكر رقم الجزء أو المجلد أولا، ثم الصفحة ثانيا، وهكذا، كما في تخريج الشاهد التالي:

سبقوا هويَّ وأعنقوا لهواهم

فتخرموا ولكل جنب مصرع

ص: 17

تخريج الشاهد:

البيت من عينيَّة أبي ذؤيب الهذلي المشهورة، وهو من شواهد: الأشموني "674/ 2/ 331"، والعيني: 3/ 493، والمحتسب: 1/ 76، وأمالي ابن الشجري: 1/ 281" وشرح المفصل: 3/ 33، والمقرب: 46، وهمع الهوامع: 2/ 53، والدرر اللوامع: 2/ 68، والمفضليات: 421، وديوان الهذليين: 1/ 2، والتصريح على التوضيح: 2/ 61.

د- شرحنا المفردات الغريبة في الشاهد، والتي يعثر فهمها على الطالب.

هـ- شرحنا الشاهد الشعري شرحا موجزا، يفي بالغرض.

وأعربنا الشاهد إعرابا مفصلا، وموجزا في الوقت نفسه؛ لأن الدارس في هذا الكتاب، يملك القدرة التي تمكنه من فهم المراد، ولا سيما بعد أن يكون ألَمَّ بمبادئ النحو، وقواعد الإعراب.

ز- بيَّنَّا موطن الشاهد في البيت، ومن ثم وجه الاستشهاد، أو وجه الدلالة في البيت أو العلة التي لأجلها ساق المؤلف هذا البيت، على النحو التالي:

أودي بني وأعقبوني حسرة

عند الرقاد وعبرة لا تقلعُ

الإعراب:

أودي: فعل ماضي مبني على الفتح المقدَّر على الألف.

بني: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو المنقلبة ياء، المدغمة في ياء المتكلم، نيابة عن الضمة؛ لأن جمع مذكر سالم، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة.

وأعقبوني: الواو عاطفة، أعقبوني: فعل ماضي مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: في محل رفع فاعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعول به أول.

حسرة: مفعول به ثانٍ.

ص: 18

"عند": مضاف إليه مجرور.

وعبرة: الواو حرف عطف، عبرة: اسم معطوف على حسرة منصوب مثله.

لا تقلع: لا نافية، تقلع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا، تقديره: هي، يعود إلى عبرة، وجملة "لا تقلع": في محل نصب صفة لـ "عبرة".

موطن الشاهد: "بني".

وجه الاستشهاد: قلب واو الجمع ياء عند إضافة الاسم إلى ياء المتكلم، وإدغامهما، وحكم هذا الإدغام الجواز.

وتجدر الإشارة -هنا- إلى أننا في إعراب المفردات، راعينا مسألة:"الخيارات الإعرابية"، فإذا كان للفظة بحسب موقعها في الجملة وجهان من الإعراب، ذكرنا الوجهين غالبا، وإن كان لأحد الوجهين مرجح، ذكرنا في نهاية الإعراب:"وهو الأرجح"، وإذا لم يكن مرجح لأحدهما، اعتمدنا الإعراب الأيسر، والأسهل، وقلنا في نهاية الإعراب:"وهو الأفضل". وأما بالنسبة إلى شبه الجملة -الظرف والجار والمجرور- فقد أعربناه من دون تفصيل لا فائدة فيه، حيث حصرنا الظرف، والجار والمجرور بين تنصيصين، وذكرنا متعلقه مباشرة، كما في الجملة التالية:

يغدو الفلاح النشيط إلى أرضه قبيل طلوع الشمس.

فأعربنا شبه الجملة على النحو التالي:

"إلى أرضه" متعلق بـ "يغدو"، وأرض: مضاف، والهاء: مضاف إليه.

"قبيل": متعلق بـ "يغدو" أيضا، وهو مضاف.

طلوع: مضاف إليه مجرور، وهكذا.

كما تجدر الإشارة إلى أننا لم نذكر الإعراب المفصل للأفعال المعلومة، والمعروفة لدى المبتدئين، إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك. وفي إعرابنا للحروف، اكتفينا بالقول: "حرف عطف، حرف استئناف، حرف مشبه بالفعل، حرف نداء، حرف استثناء

إلخ"، ولم نقل: لا محل له من الإعراب؛ لأن الحروف -بشكل

ص: 19

عام- لا محل لها من الإعراب دائما. وبالنسبة إلى: "الفاء والباء"، وهما حرفان يجوز فيهما أن يكون للعطف، أو للاستئناف، في الموطن الواحد، فذكرنا في الإعراب ما رأيناه مناسبا للسياق، ويقتضيه المعنى، وقلنا: ويعربه بعضهم: حرف عطف، أو استئناف -الوجه الآخر- والمراد: في الشاهد نفسه، حتى لا يحار الطالب في أمره.

وأما الأحرف المصدرية وما تنسبك معه، فقد حصرنا الحرف المصدري بين تنصيصين، وقلنا: و"أن وما بعدها"، أو والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل كذا، كما في المثال التالي:

يذهب الطلاب إلى المدرسة ليتعلموا، حتى يفيدوا وطنهم في المستقبل.

فقلنا في الإعراب.

والمصدر المؤؤل من "أن المضمرة بعد لام التعليل-وما بعدها": في جر جر باللام، والتقدير: للتعلم، و"للتعلم": متعلق بفعل "يذهب".

وفي قولنا: "حتى يفيدوا وطنهم".

والمصدر المؤول من "أن المضمرة -بعد حتى- وما بعدها": في محل جر بـ "حتى"، والتقدير: لإفادة وطنهم، و"الجار والمجرور": متعلق بفعل "يذهب" أيضان وهكذا.

رابعا: الأمثال والكلمات المشهورة:

خرجنا الأمثال والحكم الواردة في المتن، وذكرنا المصادر والمراجع التي اعتمدناها، ومن ثم ذكرنا موطن الشاهد ووجه الاستشهاد بالحكمة أو بالمثل، إن لم يكن المؤلف، قد بين المراد من الاستشهاد بهما، في المتن.

خامساً: تراجم الأعلام:

زيادة في الفائدة، فقد ترجمنا للنحاة واللغويين والقراء والمفسرين والأدباء، والعلماء الواردة أسماؤهم في المتن، حيث بلغ مجموع من ترجم لهم ما يزيد على

ص: 20

أربعين ترجمة ومائتي ترجمة. وقد أثبتنا المصادر والمراجع المعتمدة بعد كل ترجمة. وأما الأسماء التي لم نستطع الحصول على ترجمة لها، فاكتفينا بالاسم الوارد في المتن، وعقبنا بالقول:"ولم نعثر له على ترجمة وافية".

سادساً: تعليقنا على المتن:

معلوم أن هذا الكتاب شرح لألفية ابن مالك، وقد أراد المؤلف منه أن يوضح معاني الألفية، وهو لم يؤلفه للمبتدئين، كما فعل في "شرح قطر الندى وبل الصدى". و"شرح شذور الذهب"، وإنما ألفه لمن صار لديهم قدرة على فهم المراد، ويستطيعيون القياس والاستنباط، ولهذا كثرت رموز هذا الكتاب، وغمض الكثير من عباراته مما اضطر الشيخ خالد الأزهري لأن يصنف حاشية عليه، أسماها:"التصريح على التوضيح"، وقد علق الشيخ يس العلمي الحمصي على هذه الحاشية تعليقات مفيدة، طبعت مع الحاشية والشرح. ولما قام المرحوم الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد بتحقيق "أوضح المسالك" وضع له تعليقات على غاية من الأهمية، غير أنه لم ينسب تلك التعليقات إلى أصحابها، وأكثرها نقل حرفيا من الكتب المشهورة كـ "همع الهوامع"، و"حاشية الصبان"، و"المغني" وغيرها......، فضلا عن التصريح، وحاشية الشيخ يس.

وكذلك، قام الشيخ محمد عبد العزيز النجار بوضع تعليقات، لا تقل أهمية، من تعليقات المرحوم محمد محيي الدين عبد الحميد، وجعل هذه التعليقات على مستويين، الأول للمبتدئين، والثاني للجامعيين، وطلاب المعاهد العليا، وسماه:"ضياء السالك"، غير أنه -هو الآخر- لم يذكر المصادر والمراجع التي اقتبس منها، هي نفسها التي اعتمدها الشيخ عبد الحميد كما يظهر لمتتبع طرق الكتابين.

ولما كان هذا الكتاب مرجعا مهما للأساتذة والباحثين ولا غنىً عنه بحال بالنسبة إلى الطلاب المتخصصين، ووفاءً بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا، بإعادة النظر في كتب ابن هشام المحققة، وإخراجها إخراجًا عصريا، وشرحها شرحا واضحا، وفق أصول المنهجية العلمية؛ لِيستفيد منها الكبار والصغار معا، فقد قمنا

ص: 21

بشرح ما غمض من مسائل الكتاب، وأوضحنا ما يعسر فهمه على الطلاب، من العبارات، والألفاظ، والتراكيب، والمصطلحات، والأفكار، واعتمدنا التصريح على التوضيح مرجعا أساسًا في عملنا، ولم نهمل تعليقات الشيخين، محمد محيي الدين عبد الحميد، والشيخ محمد عبد العزيز النجار، وكثيرا ما نقلنا عنهما، ونسبنا القول إليهما، أو إلى المصادر التي استقيا منها، إن كان النقل حرفيا من دون أي إضافة تذكر. وتوخيا للأمانة العلمية، فقد آثرنا ذكر المراجع والمصادر المعتمدة؛ ليطمئن الطالب والباحث إلى صحة ما أتينا به من المعاني والأفكار.

ولما كان طلاب الجامعات، وطلاب الدراسات العليا، يجدون صعوبة ومشقة، في العودة إلى المصادر والمراجع النحوية؛ لكثرتها من جهة، ولتعدد طبعاتها من جهة أخرى، فقد أحلنا الباحثين، ومن يودُّون التعمق في البحث والتحليل، إلى المصادر التي تشبع نهمهم، بعد تعليقنا على كل فكرة، أو مبحث بحاجة إلى مزيد الشرح والإيضاح؛ وذلك تمكينا للطالب والباحث من الوصول إلى مبتغاه من دون عناء.

التوجيهات والتعقيبات:

لما كان هذا الكتاب مختصرا -كما سماه صاحبه- فقد تجاوز كثيرا من الأمور التي ينبغي للطالب أن يطلع عليها، حيث أغفل كثيرا من التعريفات الضرورية في مستهل الفصول والأبواب، فكان يشرع في الحديث عن الأحكام، والشروط من دون تمهيد يذكر، أو تعريف يحدد المراد بالمصطلح النحوي، وأحيانا أخرى كان يتجاوز أمورا ضرورية وجوهرية لا غنى للطالب عنها، وما ذلك -بحسب اعتقاده؛ إلا لكون الدارس أو الطالب الذي يتناول هذا الكتاب، قد ألمَّ بالمبادئ والأوليات في كتبه التي صنفها للمبتدئين، كقطر الندى وبلِّ الصدى، وشذور الذهب وأمثالهما.

فإتمامًا للفائدة، ومراعاة لمستوى طلابنا في هذه الأيام، فقد أضفنا كثيرا من الفوائد، والتوجيهات، والتنبيهات، والتعقيبات، فضلا عن التعريفات، كلما وجدنا الضرورة تقتضي ذلك، فرب فائدة تساق في موقعها المناسب، تكون أكثر فائدة من

ص: 22

المبحث بكامله-أحيانا- ورُبَّ توجيه يثير انتباه الطالب، يكون له أثر محمود في تركيز اهتمام الباحث. وأما حرصنا على التعريفات والتعقيبات، فلكى تكون موضوعات الكتاب متكاملة قدر الإمكان.

ج- من الناحية الفنية:

أ- المصادر والمراجع:

آثرنا ذكر المصادر والمراجع لـ "الشروح، والتعليقات، والتخريجات، والترجمات، والفوائد، والتوجيهات، والتعقيبات بعد الانتهاء من ذكرها مباشرة، لكيلا نجعل لها حواشي في أسفل الصفحات؛ لأن عملنا كله، يعد حاشية على الكتاب من جهة، ولكيلا يمل القارئ ويتشتت انتباهه من جهة أخرى.

ب- المسارد الفنية:

صنعنا للكتاب اثني عشر مسردا فضلا عن مسرد الموضوعات، كل منها مختص بجانب محدد؛ لتمكن الباحث من العودة إلى ما هو بحاجة إليه بسرعة وسهولة، وهذه المسارد هي:

أولاً: مسرد الآيات القرآنية.

ثانياً: مسرد الأحاديث الشريفة.

ثالثاً: مسرد الأمثال والأقوال المشهورة.

رابعاً: مسرد الشواهد النثرية.

خامساً: مسرد الشواهد الشعرية.

سادساً: مسرد الأعلام.

سابعاً: مسرد الشعراء.

ثامناً: مسرد القبائل والجماعات.

تاسعاً: مسرد الأماكن والبلدان.

عاشراً: مسرد المصادر والمراجع

حادي عشر: مسرد محتويات الكتاب.

ثاني عشر: مسرد المسارد.

وختامًا، أسأل الله تبارك وتعالى أن يفيد بهذا الكتاب، وأن يمنَّ علينا بدوام الصحة والعافية؛ لِنتمكن من إعادة تحقيق مؤلفات ابن هشام كلها، وفق النهج الذي بدأنا والحمد لله أولا وآخرا.

ص: 23

مقدمة أوضح المسالك:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

يعد كتاب "الخلاصة الألفية" في النحو والصرف، لابن مالك الأندلسي1، من أهم المنظومات النحوية واللغوية، لما حظيت به من عناية العلماء والأدباء الذين انْبَرَوْا للتعليق عليها، بالشروح والحواشي.

ولعل من أهم هذه الشروح: شرح ابن عقيل2، وشرح ابن هشام الأنصاري، وشرح الأشموني، وسنتحدث بإيجاز عن كل من هذه الشروح الثلاثة.

أما الأول: فهو من أهم الشروح على كثرتها؛ لِما فيه من الوضوح والسهولة

1 ابن مالك: هو محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، جمال الدين، أبو عبد الله الجياني، ولد بجيان سنة 60هـ، وقيل سنة 601هـ، ولما ترعرع تعلم العربية وسمع من الشلوبيين في الأندلس، وأخذ عن ابن الحاجب بمصر سنة 630هـ، ورحل إلى دمشق، وأقام فيها حتى أواخر حياته. من آثاره: الكافية الشافية في ثلاثة آلاف بيت، ومنظومته الألفية -الخلاصة- ملخص عنها. والوافية، وهو شرح للكافية الشافية. والفوائد وغيرها، وقد بلغت مصنفاته الثلاثين، أو أكثر مات سنة 672هـ بدمشق. انظر البغية: 1/ 130، وابن العماد: 5/ 339.

2 ابن عقيل: أبو محمد، بهاء الدين، عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عقيل، ولد بمصر سنة 694هـ، وقيل: 698، وقيل: 700هـ. برع في النحو، حتى عُدَّ نحويَّ الديار المصرية في زمانه. أخذ عن القزويني، ولازم أبا حيان اثنتي عشرة سنة. قال فيه أبو حيان:"ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل" مات بالقاهرة سنة 769هـ.

انظر الدور الكامنة: 2/ 372، وابن العماد: 6/ 214، والبغية: 2/ 47.

ص: 24

مع شيء من الإيجاز. وقد علق على هذا الشرح حواشٍ عدة، أشهرها: حاشية الجلال السيوطي "911هـ"، وحاشية أحمد السجاعي "1197هـ" وأشهرها وأوسعها: حاشية محمد الخضري الدمياطي "1227هـ".

وأما الشرح الثالث: فهو شرح الأشموني1، وهو "يعد أغزر شروح الألفية مادة على كثرة الشروح2، واختلاف مشارب أصحابها، بل ويعد من أكثر كتب النحو جميعا واستيفاء، لمذاهب النحاة، وتعليلاتهم وشواهدهم مع البسط والتفصيل3، على الرغم مما قيل فيه، ووجه إليه من النقد الذي لا يخلو منه كتاب يضاهيه. وقد علق على هذا الشرح حواشٍ كثيرة، أهمها: حاشية الصبان4 "1206هـ".

وأما الشرح الثاني: فهو شرح ابن هشام الأنصاري، وهو موضوع بحثنا، وندع الحديث عنه للعلامة خالد الأزهري5، حيث قال في مقدمة حاشيته على التوضيح واصفا هذا الكتاب: "

وهو في غاية حسن الموقع عند جميع الإخوان

1 أبو الحسن، نور الدين، علي بن محمد بن عيسى بن يوسف المعروف بالأشموني، من أشمون، ولكنه وُلِد بقناطر السباع -وهما بلدان من بلاد مصر- سنة 838هـ، وتوطَّن القاهرة، ونشأ متزهدا متقشفا. قال عنه السخاوي: "راجٍ أمره، ورجح على السيوطي -أي في العلم- مع اشتراكهما في الحمق. غير أن ذلك -أي: السيوطي- أرجح -أي: في الحمق- توفي بالقاهرة سنة 929هـ. انظر الضوء اللامع: 6/ 5، وشذرات الذهب: 8/ 164، والوسيط في تاريخ النحو العربي، ص235.

2 من هذه الشروح: شرح ابن الناظم، وشرح المرادي، وشرح الشاطبي وغيرها.

3 الوسيط في تاريخ النحو العربي: 235-237.

4 وهناك شروح منها: حاشية المدابغي، وحاشية الأساقطي، وحاشية الحنفي وغيرها.

5 الأزهري: زين الدين، خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن أحمد الجرجي الأزهري، ويعرف بالوقَّاد. ولد بجرجة في صعيد مصر، وتحول إلى القاهرة -وهو طفل- مع أبويه. برع في العربية. من مؤلفاته: التصريح بمضمون التوضيح، والمقدمة الأزهرية في علم العربية، وشرح الأجرومية، وشرح على كتاب "الإعراب عن قواعد الإعراب" لابن هشام. وغيرها، مات قرب القاهرة سنة 905هـ. انظر الوضوء اللامع: 3/ 171، وابن العماد: "8/ 26.

ص: 25

لم يؤتَ بمثاله، ولم يُنسَجْ على منواله، ولم يوضع في ترتيب الأقسام مثله، ولم يبرز للوجود في هذا النحو شكله"1.

وأما الغاية التي هدف إليها ابن هشام في شرحه المسمى: "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك" فقد أوجزها في مقدمة كتابه، ويمكن إيجازها بالآتي:

- أن يساعد المتعلمين في فهم كتاب "الخلاصة الألفية".

- أن يأتي بمثل ما أتى به ابن مالك في "الخلاصة" ويستدرك ما فاته.

- أن يبين ويشرح مفرداته، ويفصل تراكيبه ويوضحها.

- أن يرتب المعلومات، وينسقها وفق الطريقة التي أرادها، واتبعها في مؤلفاته الأخرى، في ضم القواعد المتصلة بعضها ببعض، ولو خالف المؤلف في تفصيله وترتيبه.

- ألا يترك مسألة فيه من دون أن يأتي لها بشاهد أو بمثال يوضحها.

غير أن هذا الإيضاح الذي قصد إليه ابن هشام، يصفه بعد أن تحدث عن "كتاب الخلاصة الألفية" قائلا:"غير أنه -أي: الخلاصة- لإفراد الإيجاز، قد كاد يعد من جملة الألغاز -وأردف واصفا عمله- وقد أسعفت طالبه بمختصر يدانيه"2، ولهذا كانت طريقته شبيهة بطريقة شرح قطر الندى وبلِّ الصدى، وإن كانت عبارته هناك -أي: في شرح قطر الندى- أكثر بسطا منها، في أوضح المسالك؛ لأن الأول صنف للمبتدئين، وأما الثاني فيأتي في الدرجة الرابعة في الترتيب الهرمي بعد "الإعراب عن قواعد الإعراب" و:"شرح قطر الندى وبلِّ الصدى" وشرح شذور الذهب".

ولما وجد العلماء صعوبة في عبارة الكتاب، مع إيجاز يكاد يكون رمزا في كثير

1 التصريح على التوضيح، خالد الأزهري "بيروت: دار الفكر، لا. ت" ص:3.

2 مقدمة الكتاب.

ص: 26

من الأحيان، عمدوا إلى شرحه، والتعليق عليه. ولعل أشهر من حشى عليه، الشيخ خالد الأزهري1، وسمى حاشيته "التصريح بمضمون التوضيح".

ويصف الشيخ خالد عمله بعد أن وصف الكتاب بأنه لم يُنسَجْ على منواله: وهو يحتاج إلى شرح يسفر عن وجوه مخدّراته النقاب، ويبرز من خفي مكنوناته ما وراء الحجاب"2. هذا وقد علق على هذه الحاشية الشيخ ياسين العليمي الحمصي3 تعليقات طبعت مع الحاشية والشرح معا.

وأما من علقوا على كتاب "أوضح المسالك" فكثر، منهم: العيني المتوفى سنة 819هـ، والإمام السيوطي المتوفى سنة 911هـ، وابن جماعة المتوفى سنة 919هـ. ومهما يكن من أمر، فإن "أوضح المسالك" يعد من أشهر كتب النحو بشكل عام، ومن أشهر كتب ابن هشام بشكل خاص. وقد عكف عليه الدارسون قديما وحديثا؛ لِما فيه من السهولة في العبارة، والترتيب في الأفكار، وإن كان فيه كثير من الاستطراد.

وقد عني به المرحوم الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد فحققه، وأخرجه مع تعليقات في غاية الأهمية، وإن كان تعليقاته- هو الآخر، لا تخلو من الاستطراد. ثم شرحه الشيخ محمد عبد العزيز النجار شرحين؛ أحدهما: للمبتدئين.

والثاني: لطلاب المعاهد والجامعيين، وسماه:"ضياء السالك إلى أوضح المسالك"، وهو أقل استطرادا في تعليقاته، وأكثر تفصيلا، ووقوفًا على الجزئيات، وأكثر تحليلا للتراكيب والعبارات. وقد استفدنا -في عملنا- من الكتابين. وكثيرا ما عزونا اقتباساتهما وتعليقاتهما إلى أهلها.

1 مرت ترجمته.

2 التصريح بمضمون التوضيح، ص3.

3 هو ياسين بن زين الدين بن أبي بكر بن عليم الحمصي المشهور بالعليمي، شيخ عصره في العربية. ولد بحمص، ورحل مع أبيه إلى مصر ومات فيها سنة 1061هـ، من آثاره: تعليق على حاشية التصريح للشيخ خالد، وحاشية على شرح قطر الندى لابن هشام، وحاشية على شرح الفاكهي على متن القطر وغيرها. انظر خلاصة الأثر 4/ 491، والوسيط في تاريخ النحو:239.

ص: 27

وأما اعتمادنا الأول -في عملنا- فكان على "شرح التصريح"، وحاشية ياسين الحمصي عليه، وعلى حاشية الصبان، واقتبسنا كثيرا من الفوائد والتوجيهات من شرح الأشموني، وعلى شرح ابن عقيل، وعلى الدرر اللوامع، للشنقيطي، وعلى المغني لابن هشام وعلى كتب أخرى ذكرت في حواشي الكتاب.

وقد سِرْنَا -في أثنا عملنا- وفق الخطة التي رسمناها لتحقيق مؤلفات ابن هشام وغيرها، وقد أوضحناها في التمهيد.

وقد سمينا عملنا هذا "مصباح السالك إلى أوضح المسالك" متضرعين إلى الله تعالى أن يسلكنا سبيل العلماء العاملين المخلصين. وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يبعد عنا الجهل، والفسوق والعصيان، وأن يجنبنا الهوى، والزيغ، والبهتان. وأن يكرمنا بالتقوى، ويجملنا بالعافية ما أحيانَا. وأن يبارك لنا فيما آتانا. وأن يمدنا بالصبر والثبات؛ لِنتم الطريق الذي بدأنا. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن بهداهم اقتدى، والحمد لله أولا وآخرا.

بركات يوسف هبود.

بيروت في 22/ صفر/ 1414هـ. الموافق لـ 9/ آب/ 1993م.

ص: 28

مقدمة المؤلف:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين1، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وقائد الغر2 المحجلين3، وعلى آله4 وصحبه أجمعين، صلاة وسلامًا5 دائمين بدوام السموات والأرضين6.

1 الأرجح: أنه اسم جمع، أعرب إعراب الجمع، وليس جمعا لـ "عالم" بفتح اللام، كما قال بعضهم؛ لأنه يستلزم أن يكون المفرد أعم من الجميع؛ لأن العالم: اسم لكل ما سوى الله تعالى، و"العالمين": خاص بالعقلاء. ضياء السالك: "1/ 29.

2 جمع "أغر" من الغرة، وهي بياض في الجبهة، ورجل أغر: شريف كريم الأفعال واضحها.

3 جمع "محجل"، وفي هذا إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"أمتي الغرُّ المحجَّلون".

4 هو اسم جمع، لا واحد له من لفظه، واختلف في ألفه، أمنقلبة عن هاء أو عن واو؟ فقال سيبويه: إنها منقلبة عن هاء، وأصله عنده: أَهْل. وقال الكسائي: إنها منقلبة عن واو، وأصله عنده أول، من آل إليه في الدين يؤول، ويظهر أثر القولين في التصغير. فمن قال: أصله أهل، قال في تصغيره: أهيل. ومن قال: أصله أول، قال في تصغيره: أويل، وكلاهما مسموع، غير أن الأول أشهر وأكثر، ثم اختلف في معناه، فقال الشافعي رضي الله عنه: أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب ابنَيْ عبد مناف؛ لأنهم أهلوه، أو آل أمر دينهم إليه، وقيل غير ذلك. التصريح: 1/ 11-12.

5 صلاةً وسلامًا": اسما مصدر منصوبان على المفعولية المطلقة، يفيدان تقوية عاملهما، وتقدير معناه.

6 بفتح الراء، ولا يجوز تسكينها إلا في الشعر، كقول أحدهم:

لقد ضجت الأرضون إذ قام من بني

هداد خطيب فوق أعواد منبرِ

وجمعت "أرض" جمع مذكر سالما شذوذا. التصريح: 1/ 12.

ص: 29

أما1 بعد حمد الله مستحق الحمد وملهمه2، ومنشئ الخلق ومعدمه، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأكرمه، المنعوت بأحسن الخلق3 وأعظمه4، محمد5، نبيه، وخليله وصفيه، وعلى آله وأصحابه، وأحزابه وأحبابه، فإن كتاب الخلاصة الألفية، في علم العربية6، نظم الإمام العلامة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن مالك الطائي7، رحمه الله، كتاب صغر

1 "بفتح الهمزة، وتشديد الميم"، قال الدماميني: حرف غير معنى الشرط، صرح به جماعة من النحويين، لا حرف شرط. المصدر نفسه.

2 الإلهام: ما يُلقَى في الروع، بضم الراء، وهو القلب.

3 بضم الخاء مع ضم اللام وتسكينها"، والضم أشهر. والخلق والخلق -بفتح الخاء في الأول وضمها في الثاني- في الأصل واحد كالشرب، والشراب، لكن خص المفتوح بالهيئات، والأشكال، والصور المدركة بالبصر، وخص الثاني، بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة. والمراد هنا السجية والطبيعة. المصدر نفسه: 1/ 13.

4 معطوف على أحسن، وهو مقتبس من قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} .

5 بدل من "أشرف" ويجوز كونه عطف بيان عليه؛ فإن إضافة اسم التفضيل إلى المعرفة معنوية، لا أنها لفظية. وقد ذهب هذا المذهب -إلى أنها لفظية- أبو البقاء العكبري، ومن قبله ابن السراج والفارسي، والكوفيون، وتبعهم جماعة من المتأخرين. المصدر نفسه.

6 المراد هنا: النحو الصرف؛ لأن علم العربية -كما يقول الزمخشري- يطلق على اثني عشر علما، ويحد على هذا بأنه قواعد تعرف بها أحوال الكلمات، عند الإفراد والتركيب.

7 هو إمام النحاة، محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني -نسبة إلى مولده- الشافعي، ولد سنة 600هـ، عالم بالنحو والقراءات، أخذ عن أَجِلَّة علماء عصره، مثل: ثابت بن حيان، وأبي علي الشلوبين، وابن يعيش الحلبي، له تصانيف كثيرة تقارب الثلاثين، منها: التسهيل، والعمدة، والخلاصة الألفية

وغيرها. مات سنة 672هـ.

البلغة: 229، وبغية الوعاة: 1/ 130، وطبقات القراء: 2/ 180، والوافي بالوفيات: 3/ 359.

ص: 30

حجمًا، وغزر علمًا، غير1 أنه لإفراط الإيجاز2، قد كان يعد من جملة الألغاز.

وقد أسعفت3 طالبيه، بمختصر يُدانيه4، وتوضيح يسايره ويباريه5، أحل به ألفاظه وأوضح معانيه، وأحلل به تراكيبه، وأنقح مبانيه6، وأعذب به موارده، وأعقل به شوارده7، ولا أخلي منه مسألة شاهد أو تمثيل، وربما أشير فيه إلى خلاف أو نقد أو تعليل، ولم آل جهدًا8 في توضيحه وتهذيبه، وربما خالفته في تفصيله وترتيبه وسميته:

"أوضح المسالك، إلى ألفية ابن مالك".

وبالله أعتصم9، وأسأله العصمة مما يصم10، لا رب غيره، وما مأمول إلا خيره، عليه توكلت، وإليه أنيب.

1 بالنصب على الاستثناء المنقطع المخرج عما دخل في حكم دلالة المفهوم، واختلف في نصبها في الاستثناء، فقال ابن عصفور: عن تمام الكلام، وقال الفارسي: على الحالية، وقال ابن الباذش: على التشبيه بظرف المكان، ويجوز أن تكون فتحة غير -هنا- بنائيَّة؛ لأن "غير" إذا أضيفت لمبني، جاز بناؤها على الفتح، كقوله:

لم يمنع الشرب فيها غير إن نطقت

حمامة في غضون ذات أو قال

انظر التصريح: 1/ 15، ومغني اللبيب:211.

2 الإفراط: مجاوزة الحد في الأمر، والإيجاز: الاختصار.

3 ساعدت وعاونت، وأسعفه بحاجة: قضاها له.

4 يقاربه.

5 يسابقه، ويفعل مثل فعله.

6 أهذِّب أصول موضعاته، ومبنى الكتاب: ما تبنى عليه مسائله.

7 أعقِل: أمنع. والشوارد: النوافر، واحدها شاردة أو شارد، والمراد: أجمع مسائله المبعثرة.

8 أدَّخِرْ وسعًا، والألوّ: التقصير.

9 أَمتَنِع.

10 يعيب.

ص: 31