المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب النكرة والمعرفة: - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك - ت هبود - جـ ١

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌ باب النكرة والمعرفة:

[النكرة والمعرفة] :

هذا‌

‌ باب النكرة والمعرفة:

[نوعا النكرة] :

الاسم نكرة، وهي الأصل1، وهي عبارة عن نوعين:

أحدهما: ما يقبل "أل" المؤثرة للتعريف2، كرجل، وفرس، ودار، وكتاب.

والثاني: ما يقع موقع ما يقبل "أل" المؤثرة للتعريف، نحو:"ذي، ومن، وما". في قولك: "مررت برجل ذي مال، وبمن معجِب لك، وبما معجِب لك" فإنها واقعة موقع "صاحب، وإنسان، وشيء"3 وكذلك نحو: صه، منونا، فإنه واقع موقع قولك:"سكوتا"4.

1 لأنها، لا تحتاج في دلالتها على المعنى الذي وضعت له إلى قرينة، بخلاف المعرفة، وما يحتاج إلى شيء فرع عما لا يحتاج.

التصريح: 1/ 91.

2 احترز بذلك من نحو: الحسن والعباس، فإن "أل" لا تؤثِّر فيهما التعريف؛ لأنهما معرفتان بالعلمية قبل دخول "أل".

3 صاحب" راجع لذي، وهو يقبل "أل" المؤثِّرة للتعريف؛ لأنه صار بالاستعمال صفة مشبهة فأشبه الأسماء الجامدة بخلاف "صاحب" اسم فاعل بمعنى مصاحب، فإن "أل" الداخلة عليه موصولة، لا تؤثر فيه تعريفا و"إنسان" راجع إلى "من" النكرة الموصوفة للعاقل، وهو يقبل "أل" فتقول: الإنسان، و"شيء" راجع إلى "ما" التي لغير العاقل، وهو يقبل "أل" تقول: الشيء. ومثلهما "ما" و"من" الموصوفتان الشرطيتان والاستفهاميتان، وكذلك "أين" و"كيف".

التصريح: 1/ 92.

4 أي: وسكوتا يقبل "أل" لأنه مصدر، تقول: السكوت، ومذهب الجمهور أن أسماء الأفعال واقعة موقع الأفعال.

ص: 98

[نوعا المعرفة] :

ومعرفة، وهي الفرع، وهي عبارة عن نوعين:

أحدهما: ما لا يقبل "أل" ألبتة1 ولا يقع موقع ما يقبلها، نحو: زيد، وعمرو

والثاني: ما يقبل "أل" ولكنها غير مؤثرة للتعريف، نحو: حارث، وعباس، وضحاك" فإن "أل" الداخلة عليها لِلَمْحِ الأصل بها.

[أقسام المعرفة] :

وأقسام المعارف سبعة: المضمر كأنا وهم، والعلم كزيد وهند، والإشارة كذا وذي، والموصول2 كالذي والتي، وذو الأداة3 كالغلام والمرأة، والمضاف لواحد منها كابني وغلامي، والمنادي نحو:"يا رجل" لمعين.

[المضمر والضمير] :

فصل في المضمر:

المضمر والضمير، اسمان لما وضع لمتكلم كأنا، أو لمخاطب كأنت، أو لغائب كهو، أو لمخاطب تارة ولغائب أخرى، وهو الألف والواو والنون، كقوما وقاما، وقوموا وقاموا، وقمن.

[الضمير قسمان: بارز ومستتر] :

وينقسم إلى: بارز، وهو ما له صورة في اللفظ كتاء "قمت"، وإلى: مستتر، وهو بخلافه كالمقدر في "قم".

1 أي: قطعا. قال سيبويه: ولا يستعمل "البتة" إلا بالألف واللام، وأجاز الفراء تنكيره، فيقال: لا أفعله البتة وبتة؛ لكل أمر لا رجعة فيه، وهو منصوب على المصدر المؤكد وهمزته للقطع سماعا، والتاء فيه للوحدة.

2 قيل: إن تعريف الموصول بالعهد الذي في الصلة، وقيل بأل، ملفوظة في نحو: الذي والتي، أو غير ملفوظة بل يكون الموصول معنى ما فيه "أل" كـ "من" و"ما".

3 أي: الذي تدخل عليه أداة التعريف، وهي "أل" المعرفة، سواء كان مذكرا أو مؤنثا.

ص: 99

[الضمير البارز قسمان] :

وينقسم البارز: إلى متصل وهو: ما لا يفتتح به النطق ولا يقع بعد "إلا" كياء "ابني" وكاف "أكرمك" وهاء "سلنية" ويائه، وأما قوله1:[البسيط]

21-

وما علينا إذا ما كنت جارتنا

أن لا يجاورنا إلاك دَيَّار2

فضرورة.

1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: البيت لا يعرف له سوابق أو لواحق، ويروى شطره الأول:"وما نبالي إذا ما.....". والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 98، وابن عقيل "14/ 1/ 90"، والأشموني "45/ 1/ 48" وهمع الهوامع: 1/ 57، والدرر اللوامع: 1/ 32، والخصائص: 1/ 307، 2/ 159 وشرح المفصل: 3/ 101، 103، والخزانة. 2/ 405، وشرح العيني: 1/ 253.

المفردات الغريبة: وما علينا: يروى مكانه: وما نبالي: المبالاة بمعنى الاكتراث بالأمر، والاهتمام له والعناية به، دَيَّار: معناه أحد، ولا يستعمل إلا في النفي العام، قال تعالى:{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} أي: أستأصلهم جميعا.

المعنى: يخاطب الشاعر إحدى جاراته قائلا: ما دمت لنا جارة، فلا يهمنا، ولا يعنينا إذا لم يجاورنا أحد غيرك.

الإعراب: ما: نافية، لا عمل لها. نبالي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء، والفاعل: نحن. والمفعول محذوف، والتقدير: لا نبالي شيئا، ويمكن أن تكون "ما" اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، والجملة بعدها خبر، والتقدير: أي شيء نباليه؟. إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط، وما: زائدة. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء اسمها. جارتنا: خبر كان، ومضاف إليه. ألا: أن مصدرية، و"لا" نافية يجاورنا. مضارع منصوب بـ "أن" و"نا" مفعول به مقدم، إلاك:"إلا" أداة استثناء من "ديار" الواقع فاعلا مؤخرا، والكاف في محل نصب على الاستثناء؛ لِتقدمه على المستثنى منه.

موطن الشاهد: "إلاك".

وجه الاستشهاد: وقع الضمير المتصل بعد "إلا"؛ لِضرورة الشعر، وهو غير سائغ في الاستعمال؛ لأن القياس، أن يؤتى بعد "إلا" بالضمير المنفصل، وقد كان على الشاعر أن يقول:"ألا يجاورنا إلا إياك ديار".

وعلى رواية "سواك"، أو "حاشاك" فلا ضرورة، في البيت الشاهد، على تلك الرواية، لكون الضمير متصلا بعامله المؤثر فيه، حيث إن "سوى"، وحاشا" عاملان، و"إلا" ليست عاملة، وإنما تدل على العاملة أو تقوّي العامل المقدر.

انظر شرح التصريح: 1/ 98.

ص: 100

وإلى منفصل، وهو: ما يبتدأ به ويقع بعد "إلا" نحو: "أنا" تقول: "أنا مؤمن" و"ما قام إلا أنا".

[أقسام الضمير المتصل بحسب مواقع الإعراب] :

وينقسم المتصل، بحسب مواقع الإعراب، إلى ثلاثة أقسام:

1-

ما يختص بمحل الرفع، وهو خمسة: التاء كقمت، والألف كقاما، والواو كقامو، والنون كقمن، وياء المخاطبة كقومي.

2-

وما هو مشترك بين محل النصب والجر فقط، وهو ثلاثة: ياء المتكلم نحو: {رَبِّيْ أَكْرَمَنِ} 1، وكاف المخاطب نحو:{مَا وَدَّعَكَ رَبُّك} 2، وهاء الغائب نحو:{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُه} 3.

3 وما هو مشترك بين الثلاثة، وهو "نا" خاصة نحو:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا} 4.

1 "89" سورة الفجر، الآية:15.

موطن الشاهد: الشاهد: "ربي أكرمني".

وجه الاستشهاد: مجيء ضمير المتكلم "الياء" مع المنادي في محل جر بالإضافة؛ لأنه اتصل بالاسم، وفي "أكرمني" جاء في محل نصب مفعولا به؛ لأنه اتصل بالفعل، ومن هنا ندرك أنه مشترك بين محل النصب والجر.

2 "93" سورة الضحى، الآية:3.

موطن الشاهد: {وَدَّعَكَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "كاف" المخاطب في محل نصب مفعول به؛ لِاتصالها بالفعل، وهي من الضمائر المشتركة.

3 "18" سورة الكهف، الآية:37.

موطن الشاهد: "له، صاحبه، يحاوره".

وجه الاستشهاد: مجيء "هاء" الغائب في محل جر بحرف الجر في الأول، وفي محل جر بالإضافة في الثاني، وفي محل نصب مفعول به في فعل "يحاوره".

4 "3" سورة آل عمران، الآية:193. موطن الشاهد: {رَبَّنَا} ، {إِنَّنَا} ، {سَمِعْنَا} .

وجه الاستشهاد: مجيء ضمير "نا" في محل جر بالإضافة مع المنادى؛ لِاتصالها بالاسم، وفي محل نصب اسم "إن" في "إننا"، وفي محل رفع فاعل في "سمعنا"، وهنا لا بد من الانتباه إلى أمر هام، وهو أن "نا" عندما تتصل بالفعل، فإذا بني الفعل معها على السكون، كما في "سمعنا"، وهنا لا بد من الانتباه إلى أمر هام، وهو أن "نا" عندما تتصل بالفعل، فإذا بني الفعل معها على السكون، كما في "سمعنا" تكون "نا" في محل رفع فاعل، وإذا بني الفعل معها على الفتح، كما في "سلبنا، وسرقنا" تكون في محل نصب مفعول به.

ص: 101

وقال بعضهم1: لا يختص ذلك بكلمة "نا" بل الياء، وكلمة "هم" كذلك؛ لأنك تقول:"قومي" و"أكرمني" و"غلامي" و"هم فعلوا" و"إنهم" و"لهم مال" وهذا غير سديد؛ لأن ياء المخاطبة غير ياء المتكلم، والمنفصل غير المتصل.

وألفاظ الضمائر كلها مبنية2، ويختص الاستتار بضمير الرفع3.

1 قائل ذلك: أبو حيان؛ وقد نظر إلى الضمير من غير اعتبار لمعناه، ولا لكونه متصلا أو منفصلا ورد المؤلف بأنه لا بد من النظر إلى معنى الضمير وإلى نوعه، فإن اتحد اللفظ والمعنى والنوع، كان ضميرا واحدا، وإن اتحد اللفظ واختلف المعنى كياء المتكلم وياء المخاطبة، أو اتحد اللفظ، واختلف النوع، ككلمة "هم" فإنها، في قولك "لهم" وقولك "إنهم" ضمير متصل، وفي قولك "هم يفعلون" ضمير منفصل. فهما متغايران، بخلاف "نا" فإن لفظها واحد، ومعناها واحد أيضا، ونوعها واحد وهو المتصل، وهي مع هذا من الاتفاق واقعة في مواقع الإعراب الثلاثة الرفع والنصب والجر.

التصريح. 1/ 99.

2 اتفق النحاة على أن الضمائر كلها مبنية، واختلف في سبب بنائها، فقيل شبه الحرف في المعنى؛ لأن كل مضمر مضمَّن معنى التكلم أو الخطاب أو الغيبة، وهي من معاني الحروف، وقيل شبه الحرف في الوضع؛ لأن أكثر المضمرت على حرف واحد أو حرفين، وحمل الأقل على الأكثر وقيل شبه الحرف في الافتقار؛ لأن المضمر لا تتم دلالته على مسماه إلا بضميمة مشاهدة أو غيرها، وقيل شبه الحرف في الجمود، وقيل اختلاف صيغه لاختلاف معانيه، وقيل غير ذلك، ولا يختص الإبراز بضمير بعينه، بل يكون في ضمير الرفع والنصب والجر.

التصريح 1/ 100، والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 110.

3 فإن قلت: فإني أجد ضمير النصب مقدرا في نحو: "إني أكرم الذي تكرم" أي الذي تكرمه، وفي ضمير الجر نحو قوله تعالى:{وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُون} أي: منه، فكيف تقولون: إن الاستتار لا يكون إلا لضمير الرفع؟. فالجواب: أن ما ذكرت من باب الحذف، أي أن الضمير كان مذكورا في الكلام، ثم حذف، ولا كذلك المستتر، فقد التبس عليك الحذف بالاستتار. أوضح المسالك "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 87، حا:2.

ص: 102

[الضمير المستتر قسمان] :

وينقسم المستتر إلى مستتر وجوبا، وهو: ما لا يخلفه ظاهر ولا ضمير منفصل، وهو: المرفوع بأمر الواحد، كـ "قم" أو بمضارع مبدوء بتاء خطاب الواحد، كـ "تقوم" أو بمضارع مبدوء بالهمزة، كـ "أقوم" أو بالنون، كـ "نقوم" أو بفعل استثناء، كـ "خلا، وعدا، ولا يكون" في نحو قولك: "قاموا ما خلا زيدا، وما عدا عمرا، ولا يكون زيدا" أو بأفعل في التعجب أو بأفعل التفضيل1، كـ "ما أحسن الزيدين"، و:{هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثَاً} 2، أو باسم فعل غير ماضٍ، كـ "أوه، ونزال"3.

وإلى مستتر جوازا، وهو: ما يخلفه ذلك، وهو المرفوع بفعل الغائب أو الغائبة، أو الصفات المحضة4، أو اسم الفعل الماضي نحو: "زيد قام، وهند

1 أي في غير مسألة "الكحل" المشهورة، فإنه يرفع فيها الظاهر باطراد، وكذلك يرفع الضمير البارز على لغة، في نحو: مررت برجل أفضل منه أنت، إذا لم يعرب "أنت": مبتدأً.

2 "19" سورة مريم، الآية:74.

موطن الشاهد: {أَحْسَنُ} .

وجه الاستشهاد: مجيء: "أحسن" اسم تفضيل، وفيه ضمير مستتر وجوبا مرفوع على الفاعلية، وأثاثا: تمييز منصوب.

3 بقي مما استتر وجوبا؛ الضمير المرفوع بالمصدر النائب عن فعله، نحو قوله تعالى:{فَضَرْبَ الرِّقَابِ} وأيضا الضمير المستتر في "نعم وبئس" المفسر بنكرة نحو: "نعم قوما معشره" وقوله تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} فقد نصوا على أن هذا الضمير لا يجوز إظهاره.

التصريح: 1/ 101، وحاشية الصبان: 1/ 112.

4 أي: الخالصة من شائبة الاسمية، كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة. وقد مثل لذلك المصنف، وبقيت أمثلة المبالغة، نحو: محمد ضراب أو مضراب

إلخ؛ أما الصفات غير المحضة وهي التي غلبت عليها الاسمية فلا تحتمل ضميرا، مثل: الأبطح، والأجرع، والأبيض، والأرحب.

ص: 103

قامت، وزيد قائم، أو مضروب، أو حسن، وهيهات"، ألا ترى أنه يجوز "زيد قام أبوه" أو "ما قام إلا هو" وكذا الباقي.

تنبيه: هذا التقسيم تقسيم ابن مالك1 وابن يعيش2 وغيرهما، وفيه نظر3 إذ الاستتار في نحو:"زيد قام" واجب؛ فإنه لايقال: "قام هو" على الفاعلية، وأما "زيد قام أبوه" أو "ما قام إلا هو" فتركيب آخر، والتحقيق أن يقال: ينقسم العامل إلى ما لا يرفع إلا الضمير المستتر كأقوم، وإلى ما يرفعه وغيره كقام.

[انقسام الضمير المنفصل بحسب مواقع الإعراب إلى قسمين] :

وينقسم المنفصل، بحسب مواقع الإعراب، إلى قسمين:

1 ما يختص بمحل الرفع، وهو:"أنا، وأنت، وهو" وفروعهن، ففرع أنا نحن1، وفرع أنتَ: أنتِ، وأنتما، وأنتم، وأنت، وفرع هو: هي، وهما، وهم وهن.

2 وما يختص بمحل النصب، وهو:"إيا" مردفا بما يدل على المعنى المراد

1 مرت ترجمته.

2 ابن يعيش: أبو البقاء، يعيش بن علي بن يعيش الحلبي النحوي، ولد بحلب سنة 553 هـ، وأخذ عن علمائها، ورحل إلى بغداد، ودمشق إلى أن صار من كبار أئمة العربية. ولا سيما النحو والصرف، وقد غالب فضلاء حلب وتصدر للإقراء بها زمانا، له كتاب شرح المفصل، وشرح تصريف ابن جني، مات بحلب سنة 643هـ.

البلغة: 289، بغية الوعاة: 2/ 351، وفيات الأعيان: 2/ 450، ومعجم المؤلفين: 13/ 256، والأعلام: 9/ 272.

3 ذلك أن المؤلف فهم من قول ابن مالك وابن يعيش في تعريف الضمير المستتر: "المستتر جوازا: هو ما يخلفه الظاهر أو الضمير المنفصل" أن أحدهما يخلفه في تأدية معناه، وليس هذا بمرادهما، بل مرادهما يخلف المستتر جوازا في رفع العامل إياه، وإن لم يكن المعنى واحدا وبهذا، ينحل اعتراضه ويصير موافقا لما ذكر هو أنه التحقيق.

التصريح: 1/ 102 الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 113.

4 إنما كان نحن فرعا لـ "أنا" لأن "أنا" دالٌّ على الواحد المتكلم، و"نحن" دال على المتكلم المتعدد أو المنزل منزلته. ولا شك أن التعدد فرع عن الواحد.

ص: 104

نحو: "إياي" للمتكلم، و"إياك" للمخاطب، و"إياه" للغائب، وفروعها: "إيانا، وإياك، وإياكما، وإياكم، وإياكن، وإياها، وإياهما، وإياهم، وإياهن.

تنبيه: المختار أن الضمير نفس "إيَّا" وأن اللواحق لها حروف تكلم، وخطاب، وغيبة2.

فصل:

القاعدة أنه متى تأتي اتصال الضمير لم يعدل إلى انفصاله2، فنحو:"قمت" و"أكرمتك" لا يقال فيهما: "قام أنا" ولا "أكرمت إياك"، فأما قوله3:[البسيط]

22-

إلا يزيدهم حبا إليَّ همُ4

1 ما ذكر مذهب سيبويه، وذهب الخليل إلى أن اللواحق ضمائر، و"إيا" ضمير مضاف إليها، واختار هذا ابن مالك، وهو رأي ضعيف؛ لأنه لم تعهد إضافة الضمائر، وأما قولهم:"إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب" فشاد، وذهب بعض البصريين وجمع من الكوفيين، إلى أن اللواحق، هي الضمائر، وكلمة "إيا" عماد، أي: زيادة تعتمد عليها اللواحق؛ لِيتميز المنفصل من المتصل، ويرى الزجاج أن "إيا" اسم ظاهر مضاف إلى ما بعده، وما بعده، هو الضمير.

وأما "أنا وأنت"، وفروعه من ضمائر الرفع، فقيل: إن الضمير، هو الهمزة والنون، أما الألف فزائدة، والتاء حرف خطاب، واللواحق الأخر؛ لِبيان المراد، من إفراد وتثنية وجمع، وقيل -وهو الصواب- إن الضمير مجموع "أنا، وأنت" وكذا في "هو" وفروعه فالمجموع هو الضمير. انظر شرح التصريح: 1/ 103-104. حاشية الصبان: 1/ 115.

إنما استعمل العرب الضمائر لقصد الاختصار، والضمير المتصل أشد اختصارا من الضمير المنفصل، وبالتالي كان أبلغ في بلوغ القصد؛ لِهذا لم يعدلوا عن استعمال المتصل إلا عند الضرورة.

التصريح: 1/ 104.

3 القائل: هو زياد بن منقذ العدوي التميمي المعروف بالمرار الحنظلي العدوي، أحد شعراء الدولة الأموية، عاصر "جريرا" وهاجاه، فرد عليه جرير.

الشعر والشعراء: 2/ 697، واللآلي: 832، والخزانة: 2/ 391، والمؤتلف:176.

4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

وما أصاحب من قوم فأذكرهم

وهو من قصيدة لزياد، يقولها في تذكر أهله والحنين إلى وطنه، وكان قد نزل =

ص: 105

وقوله1: [البسيط] .

23-

إياهم الأرض في دهر الدهارير2

فضرورة

= بصنعاء، وكانت منازل أهله بنجد، وأول هذه الكلمة، فيما رواه أبو تمام في الحماسة:

لا حبذا أنت يا صنعاء من بلدٍ

ولا شعوب هوى مني ولا نُقُمُ

وحبذا حين تمسي الريح باردة

وادي أُشَيٍّ وفتيان به هُضُمُ

والبيت الشاهد، من شواهد: التصريح: 1/ 104، والأشموني "46/ 1/ 51"، والمغني "256/ 195" وشرح شواهد المغني للسيوطي" 147، وشرح المفصل: 7/ 26، والخزانة: 2/ 393،وشرح العيني: 1/ 256، والشعر والشعراء: 2/ 697.

المعني: يبين الشاعر أنه ما اتصل بقوم، صحبهم وذكر قومه أمامه أمامهم، إلا زادوه حبا وثقة بقومه لما يسبغونه عليهم من المدح والثناء.

الإعراب: ما: نافية، من قوم: من زائدة، قوم، اسم مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه مفعول به لـ "أصاحب". فأذكرهم الفاء سببية، أذكر: مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة وجوبا بعد فاء السببية الواقعة جوابا للنفي، ويجوز الرفع عطفا على أصاحب، والفاعل: أنا، و"هم" في محصل نصب مفعولا به. إلا أداة استثناء ملغاة، أو أداة حصر. يزيدهم: فعل مضارع مرفوع، و"هم" في محل نصب مفعولا به أول منصوبا. حبا: مفعول به ثانٍ منصوب. "إلى" متعلق بـ "يزيد". "هم" الثانية: في محل رفع فاعل لـ "يزيد".

موطن الشاهد: "هم" في آخر البيت.

وجه الاستشهاد: مجيء هذا الضمير منفصلا للضرورة، والقياس أن يؤتى به متصلا بالفعل، فالأصل فيه: يزيدونهم.

1 هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.

2 تخرج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت

وهو من قصيدة للفرزدق، يمدح فيها يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقبله قوله:

يا خير حي وَقَتْ نعل له قدما

وميت بعد رسل الله مقبور

وهو من شواهد همع الهوامع: 1/ 62، والدرر اللوامع: 1/ 38، والخصائص: 1/ 307 و2/ 195، وأمالي ابن الشجري: 1/ 40، والإنصاف: 698، والخزانة: 2/ 409، وشرح شواهد الألفية للعيني: 1/ 274، وديوان الفرزدق:266.

المفردات الغريبة: الباعث: الذي يبعث الأموات ويحييهم، الوارث: الذي ترجع إليه =

ص: 106

ومثال1 ما لم يتأتَّ فيه الاتصال أن يتقدم الضمير على عامله، نحو: {إِيَّاكَ

= الأملاك بعد الفناء، وهما اسمان لله تعالى: ضمن: اشتملت عليهم. الدهارير: جمع لا واحد له من لفظه، وهو الشدائد.

المعنى: يقسم الشاعر بباعث الأموات، ووارثهم بعد موتهم، وقد اشتملت عليهم الأرض، وضمتهم في أزمان الشدائد والمحن؛ والمقسم عليهم في البيت الذي يليه.

الإعراب: "بالباعث": متعلق بـ "حلفت" في البيت السابق. الوارث: صفة للباعث، الأموات: مضاف إليه مجرور، أو منصوب على أنه مفعول به، تنازعه الوصفان قبله:"الباعث والوارث"، فأعمل فيه الثاني، ولم يعمل الأول في ضميره، بل حذفه؛ لِكونه فضلة. قد: حرف تحقيق. ضمنت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث. إياهم: ضمير منفصل في محل نصب مفعول به لـ "ضمن". الأرض: فاعل مرفوع. "في دهر": متعلق بـ "ضمن". الدهارير: مضاف إليه.

موطن الشاهد: "ضمنت إياهم".

وجه الاستشهاد: مجيء الضمير منفصلا؛ لِاضطرار الشاعر إلى إقامة الوزن، ولم يأتِ به متصلا، على ما يقتضيه القياس؛ إذ لو أتى به متصلا على ما يقتضيه القياس، لقال:"ضمنتهم الأرض"، وحكم هذا الإتيان به منفصلا مع التمكن من الإتيان به منفصلا، لا يجوز إلا في ضرورة الشعر.

1 تتميما للبحث نقول: بقي اثنا عشر موضعا، لا يتأتى فيهما المجيء بالضمير المتصل، ويتعين في كل واحد منهما الإتيان بالضمير منفصلا:

الأول: أن يكون الضمير فاعلا لمصدر، أضيف إلى مفعوله، نحو قوال الشاعر:

بنصركم نحن كنتم ظافرين، وقد

أغرى العدى بكمُ استسلامكم فشلا

وعلى هذا تقول: عجبت من ضرب زيد أنت، فتكون إضافة ضرب لزيد من إضافة المصدر لمفعوله.

الثاني: أن يكون الضمير مفعولا لمصدر أضيف إلى فاعله الظاهر، نحو قولك: عجبت من ضرب زيد إياك، فإن كان فاعل المصدر ضميرا أيضا، كانت من المسألة الأولى، التي يجوز فيه أمران.

الثالث: أن يكون الضمير مرفوعا بصفة جارية على غير من هي له، مطلقا عند البصريين، ومع خوف اللبس عند الكوفيين، على ما تعرفه مفصلا في باب المبتدأ والخبر إن شاء الله، نحو زيد وعمر ضاربه هو.

الرابع: أن يكون عامل الضمير محذوفا، نحو قول لبيد بين ربيعة العمري:

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

لعلك تهديك القرون الأوائل

الخامس: أن يكون عامل الضمير حرفا من حروف النفي، نحو قوله تعالى:{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِم} وقوله جل جلاله: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا} . =

ص: 107

نَعْبُدُ} 1، أو يلي "إلا"، نحو:{أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه} 2، ومنه قوله3:

24-

................... وإنما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي4

= السادس: أن يقع الضمير بعد واو المعية، نحو قول الشاعر:

فآليت لا أنفك أحذو قصيرة

تكون وإياها بها مثلا بعدي

السابع: أن يكون الضمير تابعا لمعمول آخر لعامله، كالضمير المعطوف في قول الله تعالى:{يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُم} .

الثامن: أن يقع الضمير بعد "إما" نحو قولك: "يتولى الأمر إما أنا وإما أنت".

التاسع: أن يكون عامل الضمير معنويا، وهو الابتداء أي أن يكون الضمير مبتدأ نحو:"أنا مؤمن".

العاشر: أن يقع الضمير بعد اللام الفارقة، الداخلة في خبر إن المخففة، كقول الشاعر:

إن وجدت الصديق حقا لإياك

فمرني فلن أزال مُطيعا.

الحادي عشر: أن يكون الضمير منادىً به، نحو:"يا أنت"، ونحو:"يا إياك"، ومنه قول الشاعر:

يا أبجر بن أبجر يا أنتا

أنت الذي طلقت عام جُعْتَا

الثاني عشر: أن يكون الضمير ثاني متحدي الرتبة، معمولين لعامل واحد، وليس مرفوعًا، نحو:"ظننتني إياي" و"ظننتك إياك".

التصريح: 1/ 105و 106. حاشية الصبان: 1/ 115.

1 "1" سورة الفاتحة: الآية: 4.

موطن الشاهد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} .

وجه الاستشهاد: أتى بالضمير منفصلا في الآية الكريمة؛ لِتقدم الضمير على عامله "نعبد" وحكم مجيئه منفصلا في هذه الحالة الوجوب.

2 "12" سورة يوسف، الآية:40.

موطن الشاهد: {تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} .

وجه الاستشهاد: مجيء الضمير "إياه" منفصلا، على الرغم من تأخره عن عامله؛ لأنه وَلِيَ "إلا" لفظا"، ومى وَلِيَ الضمير "إلا" لا يتأتى المجيء به متصلا، كما هو معلوم.

3 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.

4 تخريج الشاهد: هذه قطعة من بيت وتمامه:

أنا الذائد الحامي الذمار، وإنما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

=

ص: 108

لأن المعنى ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا.

= وهو من قصيدة للفرزدق، يعارض فيها جريرا، ويفخر عليه، وبعد الشاهد قوله:

فمهما أَعِشْ لا يضمنوني ولا أضع

لهم حسبا ما حركت قدمي نعلي

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 106، والأشموني "48/ 1/ 52" وهمع الهوامع: 1/ 62 والدرر اللوامع: 1/ 39، والمحتسب: 2/ 195، ودلائل الإعجاز للجرجاني: 214، 223، وشرح المفصل: 2/ 95، 8/ 56، والعيني: 1/ 277، ومعاهد التنصيص: 1/ 89، ومغنى اللبيب:"574/ 407"، وشرح شواهد المغني للسيوطي: 245، وديوان الفرزدق:712.

المفردات الغريبة: الذائد: اسم فاعل من ذاد الشيء، يذوده، إذا دفعه، وتقول: فلان يذود عن قومه، إذا كان يدفع عنهم كل ما ينزل بهم. الذمار، كل ما لزم الإنسان أن يحافظ عليه، ويحميه. أحساب: جمع حسب، ما يعد من مفاخر الآباء، وقيل: المال، والأول أفضل وأشهر. لا يضمنوني: لا يرتكب جريمة، ولا يجني جناية تجعل قومه يكلفونه، أو يغرمون عنه. لا أضع: لا أضيع، وهو مجزوم؛ لأنه معطوف على جواب الشرط، وحذفت الياء؛ لِالتقاء الساكنين. "ما حركت قدمي نعلي":"ما" هنا مصدرية ظرفية، والمعنى: مدة تحريك قدمي نعلي، وقصد بذلك، مدة بقائه في الحياة؛ لأنه ما دام حيا، فلا بد أن يحرك قدمه، فتتحرك نعله لحركتها.

معنى الشاهد: يفخر الشاعر بأنه هو، المدافع عن قومه، والحامي لكل ما تجب حمايته لهم من مال وأعراض وغيرها، ولا يدافع عن أحسابهم ومفاخرهم إلا هو أو من ماثله في الشجاعة والغيرة وصفات الكمال.

الإعراب: أنا: مبتدأ. الذائد: خبر مرفوع. الحامي: صفة للذائد، أو خبر ثانٍ.

الذمار: مضاف إليه، أو مفعول به لاسم الفاعل "الحامي". إنما كافة ومكفوفة، تفيد القصر، لا محل لها، يدافع. فعل مضارع مرفوع. "عن أحسابهم": متعلق به "يدافع" و"هم" مضاف إليه. أنا: ضمير منفصل، في محل رفع فاعل يدافع. أو: حرف عطف. مثلي: "مثل" معطوف على الضمير المنفصل، والياء: مضاف إليه.

موطن الشاهد: "إنما يدافع عن أحسابهم أنا".

وجه الاستشهاد: مجيء "أنا" ضميرا منفصلا بعد "إلا" في المعنى والتأويل؛ لأنه لا يتأتى الضمير المنفصل في هذه الحالة، وكان الضمير هنا واقعا بعد "إلا" في المعنى والتأويل لأن معنى قوله:

وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي، هو عينه معنى قوله: لا يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي.

ص: 109

[ما يستثنى من هذا القاعدة] :

ويستثنى من هذه القاعدة مسألتان:

إحداهما: أن يكون عامل الضمير عاملا في ضمير آخر أعرف منه1 مقدم عليه وليس مرفوعا2، فيجوز حينئذ في الضمير الثاني الوجهان، ثم إن كان العامل فعلا غير ناسخ، فالوصل أرجح كالهاء من "سلنيه" قال الله تعالى:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا} 5، ومن الفصل:"إن الله ملككم إياهم" 6، وإن كان اسما فالفصل أرجح، نحو:"عجبت من حبي إياه" ومن الوصل

1 تبين لنا فيما مضى، أن ضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب، وهذا أعرف من ضمير الغيبة.

2 أي ليس الضمير المقدم مرفوعا، وهذا يستلزم أن يكون العامل من الأفعال التي تنصب مفعولين.

3 "2" سورة البقرة، الآية:137.

موطن الشاهد: {فَسَيَكْفِيْكَهُمُ} .

وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يكفي" غير ناسخ، واتصل به ضميران، الكاف، وهُم، ولما كان الضمير الأول أعرف من الثاني، ومتقدما عليه، أتى بالضمير الثاني موصولا، وحكم هذا الوصل الجواز مع الترجيح.

4 "11" سورة هود، الآية:28.

موطن الشاهد: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "ها" الضمير الثاني بعد الكاف، ولذا جاء موصولا؛ لأن عامله عامل في ضمير أعرف منه، وهو الكاف، وحكم هذا الوصل الترجيح، والواو في "أنلزمكموها" للإشباع، لا محل لها.

5 "47" سورة محمد الآية: 37.

موطن الشاهد: {يَسْأَلْكُمُوهَا} .

وجه الاستشهاد: مجيء ضمير "ها" موصولا، كما في الآية السابقة، وحكم وصله الجواز مع الترجيح.

6 حديث نبوي شريف وتمامه: "ولو شاء الله لملكهم إياكم". والمراد الأرقاء.

موطن الشاهد: "ملككم إياهم ".

وجه الاستشهاد: مجيء ضمير "إياهم" مفصولا؛ لأنه لو وصل، لقال: ملَّكَكُمُوهُم، ولكنه فر من الثقل الحاصل من اجتماع الواو مع ثلاث ضمات، وحكم هذا الفصل الجواز.

ص: 110

قوله1: [المتقارب] .

25-

لقد كان حبِّيك حقا يقينا2.

1 هذا البيت ذكره أبو تمام في ديوان الحماسة من شعر اختاره ولم ينسبه إلى قائل معين.

تخريج الشاهد:

هذا عجز بيت، وصدره قوله:

لئن كان حبك لي كاذبا

وقيل الشاهد قوله:

لئن كنت أوطأتني عشوة

لقد كنت أصفيتك الود حينا

وما كنت إلا كذي نهزة

تَبَدَّلَ غثًّا وأعطى سمينا.

والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 107، والأشموني "49/ 1/ 52"، وشرح العيني: 1/ 283.

المعني: يخطاب الشاعر حبيبته قائلا: والله إن كنت كاذبة في حبك لي، فإن محبتي لك صادقة لا شك فيها.

الإعراب: لئن: اللام موطئة للقسم، إن: شرطية جازمة. كان: فعل الشرط. حبك: اسم كان وهو مضاف إلى الكاف، من إضافة المصدر إلى فاعله، كاذبا: خبر كان لقد: اللام واقعة في جواب القسم. حبيك: اسم كان مرفوع، وعلامة رفعه الضمة على ما قبل الياء، والياء: مضاف إليه، وهي فاعل المصدر، والكاف: مفعول به للمصدر. حقا: خبر كان. يقينا: صفة، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه.

موطن الشاهد: "حبيك".

وجه الاستشهاد: مجيء الضمير الثاني "الكاف" متصلا، وذاك شائع مرجوح، ولو أتى به منفصلا، لقال: حبي إياك، وهو الأرجح؛ لأن العامل فيه المصدر وليس الفعل.

فائدة: في قول المؤلف: "وإن كان اسما فالفصل أرجح"؛ لأن الاسم إنما يعمل لمشابهته الفعل، فهو أقل اتصالا بالمفعول من الفعل.

والمراد بالاسم هنا المصدر كما في الشاهد السابق، واسم الفاعل، كما في قول الشاعر:

لا تَرْجُ أو تَخْشَ غير الله إن أذى

واقيكه الله لا ينفكُّ مأمونا

فـ "واقيكه": اسم فاعل وصل الضميرين، الأول منهما كاف الخطاب، والثاني هاء الغائب العائدة إلى أذى.

ويشترط أن يكون أول الضميرين مجرورا، كما مثل في الشاهد، سواء كان فاعلا كالمثال المذكور، أو مفعولا، نحو: الدرهم إعطاؤك إياه تفضل عليك.

ونظير البيت الشاهد قول قيس بن الملوّح:

تضعَّفَني حبِّيكِ حتى كأنني

من الأهل والمال التلاد خليعُ

وانظر شرح التصريح: 1/ 107، وحاشية الصبان: 1/ 117-118.

ص: 111

وإن كان فعلا ناسخا نحو: "خلتنيه"، فالأرجح عند الجمهور الفصل1 كقوله2:[البسيط]

26-

أخي حسبتك إياه3

1 لأن الضمير خبر في الأصل، وحق الخبر الانفصال.

2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

3 تخريج الشاهد: الشاهد بتمامه:

أخي حسبتك إياه، وقد ملئت

أرجاء صدرك بالأضغان والإحنِ

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 107، والأشموني "54/ 1/ 53"، وشرح شواهد العيني: 1/ 276.

المفردات الغريبة: حسبتك إياه: ظننت أنك أخي. أرجاء: نواحٍ، جمع رجا، كعصا، وهو الناحية. الأضغان: الأحقاد، جمع ضغن، وهو الحقد. الإحن: جمع إحنة، وهي الحقد أيضا. فالعطف للتفسير والترادف.

المعنى: يصور الشاعر خيبة أمله بمن اتخذه أخا، وهو يظن بأنه سيشد من أزره، ويدفع عنه عوادي الدهر، ولكنه تكشف عن صدر ملؤه الأحقاد والضغائن عليه.

الإعراب: أخي: مبتدأ، ومضاف إليه. حسبتك: فعل مضارع وفاعل مفعول أول. إياه: مفعول ثانٍ، والجملة خبر المبتدأ، ويمكن أن يكون "أخي" منادى بحرف نداء محذوف، أو مفعولا محذوف يفسره المذكور بعده "حسبتك"، ويكون من باب الاشتغال، كما سيأتي. وقد: الواو حالية، قد: حرف تحقيق. ملئت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: للتأنيث. أرجاء: نائب فاعل مرفوع. صدرك: مضاف إليه، وجملة "ملئت أضغان صدرك" في محل نصب على الحال.

موطن الشاهد: "حسبتك إياه".

وجه الاستشهاد: مجيء الضمير "إياه" منفصلا، وهو مفعول به ثانٍ لفعل ناسخ، وهو "حسب"، وحكم هذا الفصل الرجحان عند الجمهور، ويجوز الوصل: حسبتكه، غير أنه مرجوح كما بينا سابقا.

ص: 112

وعند الناظم1، والرماني2، وابن الطراوة3 الوصل، كقوله4:

27-

بُلِّغْتُ صنع امرئ بر إخالكه5.

1 أي: ناظم الألفية: محمد بن مالك، وقد مرت ترجمته.

2 الرماني: هو أبو الحسن علي بن عيسى، ولد سنة 326هـ، أخذ عن ابن السراج والزجاج وابن دريد إلى أن صار إماما في العربية، ولا سيما النحو، حتى قيل: لم يُرَ مثله علما بالنحو، وكان يمزج النحو بالمنطق، حتى قال عنه الفارسيّ:"إن كان النحو ما يقوله الرماني، فليس معنا منه شيء، وإن كان النحو ما نقوله، فليس معه منه شيء"، له كتب قيمة، منها: شرح كتاب سيبويه، وكتاب الحدود، وكتاب معاني الحروف، مات سنة: 384هـ. البلغة: 159، وإنباه الرواة: 2/ 294، وبغية الوعاة: 2/ 170، ووفيات الأعيان: 1/ 331.

3 ابن الطراوة: أبو الحسن، سليمان بن محمد بن عبد الله السبائي النحوي، من أهل مالقة "مدينة بالأندلس" إمام عالم، وأديب ماهر، أخذ عن أبي الحجاج الأعلم كتاب سيبويه، وروى عنه القاضي عياض، له مصنفات قيمة، منها: الإفصاح على الإيضاح، وترشيح المقدمات على كتاب سيبويه، مات بمالقة سنة: 528هـ. البلغة: 91، بغية الوعاة: 1/ 62، معجم المؤلفين: 4/ 274، الأعلام: 3/ 196.

4 لم ينسب إلى قائل معين.

5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

إذ لم تزل لاكتساب الحمد مبتدرا

والبيت من شواهد التصريح: 1/ 108، والأشموني "52/ 1/ 53"، وشرح شواهد العيني: 1/ 287.

المفردات الغريبة: بر "بفتح الباء، وتشديد الراء": الصادق، وبر فلان في يمينه، إذا صدق. إخالكه: أظنكه. مبتدرا: مسرعا، من ابتداء فلان الأمر: إذا أسرع إليه.

المعنى: يخاطب الشاعر أحدهم: بأني لما أعلمت بما صنعه امرؤ محسن صادق، من الكرم والبر، ظننتك إياه، لما أعلمه من أنك السباق المسارع إلى عمل الخير، المبادر لاكتساب الحمد والثناء.

الإعراب: بلغت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل، وفي الأصل، هو مفعوله الأول. صنع: مفعول به ثانٍ. امرئ: مضاف إليه. بر: صفة لـ "امرئ". إخالكه: فعل مضارع، والفاعل: أنا، والكاف: مفعول به أول، والهاء: مفعول ثانٍ. إذا حرف تعليل، لا محل له من الإعراب، ويمكن أن يكون ظرفا متعلقا، بـ "إخال" الوجه الأول هنا أفضل. لاكتساب: متعلق بقوله: "مبتدرا" الواقع خبرا "نزل".

موطن الشاهد: "إخالكه".

وجه الاستشهاد: مجيء الضمير الثاني "الهاء" متصلا، وهو مفعول ثانٍ لفعل "إخال" لناسخ، وحكم هذا الوصل الجواز مع الترجيح عند من ذكرهم المؤلف واختاره ابن مالك، ويجوز الفصل، فتقول: إخالك إياه.

فائدة: الأصل في الضمير الاتصال، والأصل في الخبر الانفصال، وكل من هذين الأصلين مؤيد بالسماع، فلما دخل الفعل الناسخ "إخال" على المبتدأ والخبر، كان للنحاة مذهبان: منهم من رجح اعتبار الأصل الأول، فقضى أن اتصال الضمير في هذه الحالة أرجح، ومنهم من رجح اعتبار الأصل الثاني، فقضى بأن انفصال الضمير في هذه الحالة أرجح، وكلاهما جائز باتفاق.

ص: 113

الثانية: أن يكون منصوبا بكان أو إحدى أخواتها، نحو:"الصديق كنته" أو "كانه زيد" وفي الأرجح من الوجهين الخلاف المذكور، ومن ورود الوصل الحديث:"إن يكنه فلن تسلط عليه" 1، ومن ورود الفصل قوله2:[الطويل]

28-

لئن كان إياه لقد حال بعدنا3.

1 هذه قطعة من حديث شريف وتتمته: "وإلا يكنه فلا خير لك في قتله". الحديث موجَّه إلى عمر بن الخطاب، حين أراد أن يقتل ابن صياد لما ظهر له أن يشبه المسيح الدجال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد حدث أصحابه عن المسيح الدجال.

وقد روى الحديثَ البخاريُّ في باب: كيف يُعرَض الإسلام على الصبي من كتاب الجهاد في صحيحه عن ابن عمر، البخاري 2/ 82، 4/ 56، 8/ 34، 107، لكن روايته في الموضعين الأخيرين مغايرة لما عندنا، ورواه مسلم في باب: ذكر ابن الصياد من كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيحه. مسلم: 4/ 2930، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده برقم: 626 بلفظ: "إن يكن هو...." والحديث في شرح التسهيل: 1/ 171.

2 القائل: هو عمر بن أبي ربيعة، أبو الخطاب القرشي المخزومي، شاعر الغزل المشهور. وُلِد ليلة مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، كان فاسقا يتعرض للنساء الحواجِّ، فسيره عمر بن عبد العزيز إلى الدهلك، ومات بينما كان في سفينة حرقًا سنة 93 هـ.

الشعر والشعراء: 2/ 553، الأغاني: 1/ 28، الخزانة: 1/ 238، ابن خلكان: 1/ 447.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

عن العهد، والإنسان قد يتغير

ص: 114

ولو كان الضمير السابق في المسألة الأولى مرفوعا وجب الوصل، نحو: ضربته" ولو كان غير أعرف وجب الفصل، نحو "أعطاه إياك" أو "إياك" أو "أعطاك إياي"1، ومن وجب الفصل إذا اتحدت الرتبة، نحو: "ملكتني إياي" و"ملكت

= وهو من قصيدة لعمر بن أبي ربيعة، وأولها قوله:

أمن آل نعم أنت غادٍ فمبكر

غداة غد أم رائح فمهجر

والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 108، والأشموني "53/ 1/ 54"، وشرح المفصل: 3/ 107. والمقرب: 16، والخزانة: 2/ 42، وشرح العيني: 1/ 314، وديوان عمر بن أبي ربيعة: 86.

المفردات الغريبة: حال: تغير، وتحولت حالته. عن العهد: عما عهدناه فيه من الشباب والنضرة.

المعنى: يتحدث الشاعر بلسان حال حبيبته التي عجبت؛ لِتغير هيئته وحالته، حيث تقول: إن كان حقا الذي نراه عمر، فقد تحولت حاله عما كنا نعهده فيه من القوة والشباب والحسن، ثم يسليها قائلا: غير أن الإنسان يغيره مرور الزمان، وتقلبات الدهر، وتتالي الأيام.

الإعراب: لئن: اللام موطئة للقسم، إن شرطية، كان: فعل ماضٍ ناقص، وهو فعل الشرط، واسمه "هو" يعود على عمر المعبر عنه بـ "المغيري" في الأبيات السابقة. إياه: خبر كان لقد: اللام واقعة في جواب القسم، قد: حرف تحقيق. حال: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. "بعدنا". متعلق بـ "حال" و"نا"، مضاف إليه. وجملة "حال بعدنا" جواب القسم، لا محل لها، وجملة جواب الشرط محذوفة؛ لِدلالة جواب القسم عليها. "عن العهد": متعلق بـ "حال". والإنسان: الواو حالية، الإنسان: مبتدأ. قد: حرف تقليل. يتغير: فعل مضارع، والفاعل: هو، وجملة "يتغير": في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة "الإنسان قد يتغير": في محل نصب على الحال.

موطن الشاهد: "كان إياه".

وجه الاستشهاد: مجيء الضمير "إياه" خبرا لـ "كان" الناقصة الناسخة للمبتدأ والخبر، وقد أتى به منفصلا، ومجيئه على هذا الوجه جائز باتفاق من غير ضرورة ولا شذوذ، ولو وصل، لقال:"كانه"، وهو وجه جائز باتفاق أيضا، غير أن ابن مالك يختار الاتصال، وغيره يختار الانفصال.

1 نسب إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: "أراهمني الباطل شيطانا" بوصل الضميرين، وأولهما ليس أعرف من الثاني؛ لأن الأول ضمير غيبة. والثاني ضمير متكلم، ومعنى العبارة: أن الباطل أراهم إياي شيطانا: أي جعلهم يرونني شيطانا، وحكم هذا الاتصال نادر، والأصل: أراهم الباطل إياي شيطانا، وأجاز المبرد وكثير من القدماء تقدم غير الأخص مع الاتصال، نحو: أعطيتهموك، ولكن الانفصال عندهم راجح. اشطر شرح التصريح: 1/ 108-109.

ص: 115

إياك" و"ملكته إياه"، وقد يباح الوصل إن كان الاتحاد في الغيبة، واختلفت لفظ الضميرين، كقوله1:[الطويل]

29-

أنالَهُماهُ قَفْوُ أكرمِ والد2

1 لم ينسب إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

لوجهك في الإحسان بسط وبهجة

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 109، والأشموني "55/ 1/ 54"، وهمع الهوامع: 1/ 63، والدرر اللوامع: 1/ 41، وشرح شواهد العيني: 1/ 342.

المفردات الغريبة: بسط: بشاشة وطلاقة. بهجة: حسن، وسرور. أنالهماه: المراد: عوَّد وجهك البسط والبهجة. قفو: اتباع، أصله كان من مكانه في جهة قفاه، ثم قيل لمن يتبع واحدا ويسير على إثره.

المعنى: يمدح الشاعر أحدهم: بأن البشاشة والطلاقة والحسن تملأ وجهه عند الإحسان والعطاء، وليس هذا بغريب؛ لأن هذه الصفات ورثها عن أبيه واكتسبها باقتدائه به؛ إذ هو المعروف بأنه أكرم والد.

الإعراب: "لوجهك": متعلق بخبر مقدم. بسط: مبتدأ مؤخر "في الإحسان": متعلق بـ "بسط" وبهجة: الواو عاطفة. بهجة: معطوف على بسط. "أنا لهماه": "أنال" فعل ماضٍ مبني على الفتح، و"هما" في محل نصب مفعول به أول لـ "أنال"، والهاء "الضمير العائد إلى الوجه": في محل نصب مفعولا به ثانيا، ويمكن أن يكون المفعول الأول، وضمير الغائب العائد إلى المثنى المفعول الثاني. قفو: فاعل: "أنال" مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف: أكرم: مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى مفعوله، وأكرم: مضاف. والد: مضاف.

موطن الشاهد: "أنالهماه".

وجه الاستشهاد: مجيء الضمير الثاني "هاء" الغائب المفرد متصلا، غير أن الأكثر في مثل هذه الحال الانفصال "أنا لهما إياه" غير أن الوجهين جائزان باتفاق، وإنما خص جواز الاتصال والانفصال عند اتحاد الرتبة بضميري الغيبة؛ لِصحة اختلاف لفظهما، واختلاف مدلولهما، فنزل ذلك منزلة اختلاف الضميرين.

ص: 116

[لزوم نون الوقاية قبل ياء المتكلم] :

مضى أن ياء المتكلم من الضمائر المشتركة بين محلَيْ النصب والخفض.

فإن نصبها فعل أو اسم فعل أو "ليت" وجب قبلها نون الوقاية1، فأما الفعل فنحو:"دعاني"2 و"يكرمني" و"أعطني" وتقول: "قام القوم ما خلاني" و"ما عداني" و"حاشاني" إن قدرتهن أفعالا، قال3:[الطويل]

30-

تُمَلُّ الندامى ما عداني؛ فإنني4

1 هي نون مكسورة، سميت بذلك؛ لأنها في الغالب تقي الفعل، وتصونه من وجود كسرة في آخره عند إسناده إلى ياء المتكلم، وتمنع اللبس في مثل: أكرمني، في الأمر، فلولاها لالتبست ياء المتكلم بياء المخاطبة، وأمر المذكر، بأمر المؤنثة، كما تقي غير الفعل من تغيير آخر يلحق به، وتسمى كذلك "ياء النفس" وقد تحذف ياء المتكلم وتبقى النون المكسورة للدلالة عليها، نحو قوله تعالى:{أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُون} أي: فبم تبشرونني؟.

انظر: الجنى الداني: 150-151، ومغني اللبيب: 450-451، وحاشية يس على التصريح: 1/ 109-110.

2 من ذلك قول الشاعر:

دعاني أخي والخيل بيني وبينه

فلما دعاني لم يجدني بقُعدُدِ

الشاهد: دعاني، في المرتين، فإنه فعل ماضٍ عمل في ياء المتكلم، وقد أتى قبل ياء المتكلم بنون الوقاية، وفي قوله: لم يجدني، فإنه فعل مضارع عمل في ياء المتكلم أيضا، وقد أتى بنون الوقاية قبلها ومن:

خليلي من عليا هلال بن عامر

بعفراء عوجا اليوم وانتظرانِ

أصله: انتظراني، فحذف الياء اجتزاء بكسرة نون الوقاية دالة عليها. أوضح المسالك: 1/ 106-107.

3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

بكل الذي يهوى نديمي مولَعُ

وهو من شواهد التصريح: 1/ 110، 1/ 364، وشذور الذهب "123/ 342"، وهمع الهوامع:"1/ 332"، والدرر اللوامع:"1/ 197".

ص: 117

وتقول: "ما أفقرني إلى عفو الله"، و"ما أحسنني إنِ اتقيتُ الله"، وقال بعضهم:"عليه رجلا ليسَنِي"1 أي: لِيلزمْ رجلا غيري، وأما تجويز الكوفي "ما أحسنني" فمبني على قوله إن "أحسن" ونحوه اسم، وأما قوله2:[مشطور الرجز] :

31-

إذ ذهب القوم الكرام ليسي

فضرورة

= المفردات الغريبة: تمل: من الملل: وهو السأم. الندامى: جمع ندمان: وهو نديم الرجل في الشرب. مولع "بفتح اللام" بمعنى مغرى، وهو من أفعال ملازمة للبناء للمجهول.

المعنى: يتباهى الشاعر بأن الناس يملون نداماهم وسمارهم؛ إلا هو؛ فلا يُمَلُّ ولا يستغنى عنه؛ لأن همه وأدبه أن يقضي كل ما يحبه منه نديمه.

الإعراب: تمل: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. الندامى: نائب فاعل. ما عداني: ما: مصدرية، عدا: فعل ماضٍ، وفاعله مستتر فيه وجوبا، ويعود على البعض المفهوم من الكل السابق، والنون للوقاية، والياء: مفعول به، و"ما" وما دخلت عليه: في تأويل مصدر مجرور بإضافة ظرف مقدر، والتقدير: تمل الندامى وقت مجاوزتهم إياي. فإنني: الفاء تعليلية إن حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب اسم "إن""بكل" متعلق بقوله: "مولع" الآتي، وكل: مضاف، الذي: مضاف إليه. يهوى: فعل مضارع. نديمي: فاعل ومضاف إليه، والجملة صلة للموصول، لا محل لها، والعائد من جملة الصلة إلى الاسم الموصول ضمير منصوب المحل بفعل "يهواى" محذوف، والتقدير: بكل الذي يهواه نديمي. مولع: خبر "إن" مرفوع.

موطن الشاهد: "ما عداني".

وجه الاستشهاد: دخول نون الوقاية على "عدا" الماضي، وهو هنا فعل، بدليل تقدم ما المصدرية عليه، ونون الوقاية دخلت لِاتصال الفعل بياء المتكلم.

1 قول حكاه سيبويه، عن بعض العرب، وقد بلغه أن رجلا يهدده.

2 نسب أبن منظور في اللسان هذا البيت إلى رؤية بن العجاج، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: قيل الشاهد قوله:

عددت قومي كعديد الطيس

ويروى: عهدي بقومي كعديد الطيس.

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 110، وابن عقيل:"17/ 1/ 109"،والأشموني "57/ 1/ 55، وهمع الهوامع: 1/ 64، والدرر اللوامع: 1/ 41، والجنى الداني: 150، وشرح المفصل: 3/ 108 والخزانة: 2/ 425، 454، 4/ 56، واللسان مادة =

ص: 118

وأما نحو: {تَأْمُرُونِّيْ} فالصحيح أن المحذوف نون الرفع.

= "طيس"، ومغني اللبيب "310/ 227""644/ 450"، وشرح السيوطي: 167، وملحقات ديوان رؤبة:175.

المفردات الغريبة: عديد: عدد، يقال: هم عديد الثرى؛ أي عدد التراب. الطيس: الكثير من الرمل، ونحوه، وقد يسمى طيسلا. ليسى: المراد غيري.

المعنى: يتأسف الراجز على حال قومه؛ فعديدهم إذا عدهم وأحصاهم كعدد الرمال والحصى ولكن لا خير فيهم، فقد ذهب القوم الكرام منهم سواه.

الإعراب: قومي: مفعول به لـ "عددت""كعديد": متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف، أي: عددت قومي عدا كعديد. إذ: ظرفية متعلقة بـ "عددت"، أو حرف دال على المفاجأة. ليسي: فعل ماضٍ ناقص، واسمها: ضمير يعود على البعض المفهوم مما قبله، وياء المتكلم خبره.

موطن الشاهد: "ليسي".

وجه الاستشهاد: حذف نون الوقاية التي تلحق الفعل عند اتصاله بياء المتكلم، وحكم هذا الحذف أنها شاذٌّ، وسهله كون "ليس" فعلا جامدا غير متصرف، فهو شبيه بالاسم، وفي "ليسي" شذوذ آخر، وهو مجيء خبر "ليس" ضمير متصلا، ومعلوم أن الأصل في الخبر الانفصال، كما علمنا سابقا.

1 "39" سورة الزمر، الآية:64.

موطن الشاهد: {تَأْمُرُونِي} .

وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تأمروني" محذوف نون الرفع، على ما يرى سيبويه، وابن مالك، ومثلها قوله تعالى:{تُحَاجُّونِّي} قرأ نافع "تأمروني" بالتخفيف، أراد "تأمرونني" فحذف إحدى النونين للتخفيف، وينبغي أن تكون النون الثانية محذوفة؛ لأن التكرير بها وقع، ولا تحذف الأولى التي هي علامة الرفع، وقد حذفوا هذه النون، قال حميد الأرقط:

قدني من نصر الخبيبين قدي

فحذف وأثبت، وقال قوم: بل حذفوا نون الإعراب كما تحذف الضمة في مثل "يأمركم" وقرأ ابن عامر "تأمرونني" بنونين على الأصل "فلم يُدغِم النونين" وحجته إجماع الجميع على إظهار النون في قوله تعالى: {وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} فرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه، وقرأ الباقون:"تأمروني" بالتشديد، والأصل "تأمرونني" النون الأولى علامة الرفع والثانية مع الياء في موضع النصب، ثم أدغموا الأولى في الثانية. وأما النحاة: فقد اختلفوا في المحذوف من النونين، فرجح المؤلف أن المحذوفة هي نون الرفع وذلك لأمرين، الأول: أن نون الرفع قد عهد حذفها اطرادا في النصب والجزم، ونادرا في غيرهما. الثاني: أن نون الوقاية مأتيٌّ بها لفرض، فلا تحذف وهذا مذهب سيبويه وابن مالك. وذهب الأخفش والمبرد والفارسي وابن جني إلى أن المحذوف نون الوقاية، محتجين بأن التكرار، إنما حصل بنون الوقاية؛ لأن نون الرفع سابقة عليها، والتكرار، هو الذي دعا إلى التخفيف، فكانت نون الوقاية أولى بالحذف عند قصد التخفيف، فضلا عن أن نون الرفع علامة للإعراب، فهي أولى بالمحافظ عليها.

انظر: حجة القراءات لأبي زرعة: 624-625، إعراب القرآن، للنحاس: 2/ 228، التصريح: 1/ 111.

ص: 119

وأما اسم الفعل فنحو: "دراكني" و"تراكني" و"عَلَيْكَنِي" بمعنى "أدركني" وبمعنى "اتركني" وبمعنى "الزمني".

وأما ليت1 فنحو: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} 2، وأما قوله3:[الوافر]

32-

فيا ليتي إذا ما كان ذاكم4

1 إنما وجبت معها النون -على الراجح- لقوة شبهها بالفعل في المعنى والعمل.

2 "89" سورة الفجر الآية: 24.

موطن الشاهد: "ليتني".

وجه الاستشهاد: مجيء نون الوقاية مع "ليت" المتصلة بياء المتكلم، وحكم اتصال نون الوقاية بـ "ليت" الوجوب؛ لِقوة شبهها بالفعل؛ لِكونها تغير معنى الابتداء ولا تعلق ما بعدها بما قبلها.

3 القائل: هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وابن عم خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها، كان أحد المعتزلين عبادة الأوثان في الجاهلية، وكان يقرأ الكتب فتنصر وكتب الكتاب بالعبرانية من الإنجيل، وقصته مشهورة مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما أتت به السيدة خديجة إليه، فبشره بالخير، وتمنى لو أنه كان جزعا يوم يخرجه قومه. تجريد الأغاني: 1/ 366-367.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

ولجت وكنت أولهم ولوجا.

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 111،وشرح العيني: 1/ 365، وسيرة ابن هشام:122.

المفردات الغريبة: يا ليتي: أراد يا هؤلاء ليتني، فحذف المنادى. ولجت: يريد بهذا دخوله في الإسلام ونصرة الرسول عليه الصلاة والسلام.

المعنى: يتمنى الشاعر، إذا حدث ذلك الأمر، أن يكون حيًّا وقتئذٍ، فيدخل في هذا الدين، ويكون من السابقين في الدخول فيه والمصدقين به.

الإعراب: فيا: الفاء عاطفة، يا: حرف نداء، والمنادى محذوف، والتقدير: يا هؤلاء، أو يا قومي، أو حرف يفيد التنبيه. ليت: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمها. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط. ما: زائدة. ذا: فاعل كان التامة. "ولحت": خبر ليت، أو جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر "ليت" ولوجا: تمييز منصوب.

موطن الشاهد: "ليتي".

وجه الاستشهاد: مجيء "ليت" محذوفة منها نون الوقاية عند اتصالها بياء المتكلم، وحكم هذا الحذف شاذ؛ لِضرورة الوزن، والأصل في هذه الحال الاقتران، كما رأينا في المتن.

ص: 120

فضرورة عند سيبويه1، وقال الفراء2: يجوز "ليتني" و"ليتي".

وإن نصبها "لعل" فالحذف نحو: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} 3 أكثر من الإثبات4، كقوله5:[الطويل]

1 هو: أبو بشر: عمرو بن عثمان بن قنبر مولى بني الحارث بن كعب وسيبويه أي رائحة التفاح بالفارسية، إمام البصريين، وإمام عصره بالعربية، أخذ النحو عن الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب والأخفش "أبو الخطاب" وعيسى بن عمرو، وأخذ الفقه والحديث على حماد بن سلمة الذي كان السبب في إقباله على النحو، وسيبويه: صاحب الكتاب المشهور الذي يعد مرجع العلماء إلى اليوم. مات سنة 180هـ.

البلغة: 173، بغية الوعاة: 2/ 229، إنباه الرواة: 2/ 346، الأعلام: 5/ 252 وغيرها كثير.

2 هو: أبو زكريا، يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، إمام مشهور، أخذ عن الكسائي، وهو من جلة أصحابه وأبرع الكوفيين، له مصنفات كبيرة ومشهورة في اللغة والنحو، ومعاني القرآن، توفى سنة 207هـ في طريق مكة، وله 67سنة.

البلغة: 280، بغية الوعاة 2/ 333، وفيات الأعيان: 2/ 201، أخبار النحويين البصريين:51.

3 40 سورة غافر، الآية:36.

موطن الشاهد: "لعلي".

وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" متصلة بياء المتكلم الواقعة اسما لها، في محل نصب، مع حذف نون الوقاية، وحكم هذا الحذف أنه أكثر من الإثبات.

4 وذلك؛ لأن "لعل" شبيهة بالحرف، بل إنها تستعمل أحيانا جارة.

5 هو: حاتم الطائي: أبو عدي بن عبد الله بن سعد بن الحشرج، من طيئ، مضرب المثل في الجود والكرم، وصاحب شعر جيد، كان حيث ما نزل عرف، وكان ظفيرا، إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا أسر أطلق.

ص: 121

33-

أريني جوادا مات هُزْلًا لعلني1

1 الشعر والشعراء: 1/ 241، الأغاني: 16/ 92، اللآلي: 606، الخزانة: 1/ 491، شعراء الجاهلية:98.

تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

أرى ما ترين أو بخيلا مُخلَّدا

وقد نسب هذا البيت أبو تمام في ديوان الحماسة إلى حطائط ابن أخي الأسود بن يعفر النهشلي، ونسبه آخرون إلى حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي. والبيت من شواهد التصريح: 1/ 111، وشرح المفصل: 8/ 78، وخزانة الأدب: 1/ 195 عرضا، وشرح العيني: 3/ 369، وديوان حاتم الطائي:109.

المفردات الغريبة: جوادا: الرجل الكريم الذي يجود بأمواله. هزلا: "بضم فسكون": هزالا وضعفا. بخيلا: ضنينا بماله لا ينفقه. مخلدا: دائم الحياة باقيا.

المعنى: يطلب الشاعر إلى عاذلته أن تريد رجلا كريما مات من الضعف والهزال بسبب ضيق ذات يده من الكرم، أو بخيلا خلَّده ماله الذي يضن به عن الإنفاق، لعله يرى ما تراه من الإمساك والتقتير، وعدم البذل والجود.

الإعراب: ذريني: فعل أمر مبني على حذف النون، وياء المخاطبة في محل رفع فاعل، والنون: لِلوقاية، والياء الثانية في محل نصب مفعول به أول. جوادا: مفعول به ثانٍ منصوب. مات: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، والجملة في محل نصب صفة لـ "جواد"، وهو الأجود. هزلا: مفعول لأجله. لعلني: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، وياء المتكلم في محل نصب اسم "لعل". أري: فعل مضارع، والفاعل: أنا ما: اسم موصول، في محل نصب مفعولٍ به، والجملة: في محل رفع خبر "لعل". ترين: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والياء: في محل رفع فاعل الجملة، والجملة: صلة الموصول، لا محل لها، والعائد محذوف، والتقدير: ما ترينه. أو: حرف عطف. بخيلا: معطوف على "جوادا". مخلدا صفة لـ "بخيلا".

موطن الشاهد: "لعلني".

وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" متصلة بـ "ياء المتكلم" مع اقترانها بنون الوقاية، وحكم هذا الاقتران القلة؛ لأن الأشهر حذف نون الوقاية مع "لعل"، والقرآن الكريم نطق بالحذف وحده، كما في الآيات التالية:{لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} ، وقوله تعالى:{لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُون} ، وقوله جل شأنه:{إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَس} . وكذا في الشعر، فالأشهر حذف النون، كقول العباس بن الأحنف:

أسرب القطا هل من بعير جناحه

لعلي إلى من قد هويت أطير

وقول الفرزدق:

وإنِّي لراجٍ نظرة قِبَل التي

لعلي وإن شطت نواها أزورها

ونخلص من هذا، إلى أن ثبوت نون الوقاية مع "لعل" ليس شذوذا، ولا ضرورة، كما قال ابن الناظم حيث وردت منه جملة صالحة من الشواهد، ومنها:

فقلت: أعيراني القدوم لعلني

أخط بها قبرا لأبيض ماجدِ

ص: 122

وهو أكثر من "ليتي"، وغلط ابن الناظم1 فجعل "ليتي" نادرا، و"لعلني" ضرورة.

وإن نصبها بقيةُ أخوات ليت ولعل، وهي: إن، وأن، ولكن، وكأن، فالوجهان كقوله2:[الطويل]

34-

وإني على ليلي لزارٍ، وإنني3

حاشية الصبان: 1/ 123-124، وشرح التصريح: 1/ 111، وابن عقيل: 1/ 91.

1 أي ابن ناظم الألفية، وهو: الإمام بدر الدين محمد بن محمد بن مالك الطائي الدمشقي، نحوي ابن نحوي وإمام ذكي حاد الخاطر، برع في علوم البلاغة والعروض، له مصنفات كثيرة منها.

شرح ألفية والده "كافيته ولاميته"، وشرح التسهيل ولم يتمه، والمصباح في المعاني والبيان، وشرح غريب تصريف ابن الحاجب. تولى منصب أبيه في دمشق بعد وفاته، ومات سنة 686هـ. بغية الوعاة: 1/ 204.

2 القائل هو: قيس بن الملوّح، وقيل: ابن معاذ، أحد بني جعدة "أو بني عقيل" ابن كعب بن ربيعة والملقب بمحنون ليلى، وهذا اللقب؛ لِذهاب عقله بشدة عشقه، أما الأصمعي، فينفي عنه الجنون، ويقول: إنما فيه لوثة: أي ضعف واسترخاء وحمق، وقيل في قيس: أشعر الناس. الشعر والشعراء: 2/ 563، الخزانة: 2/ 169، الأغاني: 1/ 161، المرزباني:476.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

على ذاك فيما بيننا مستديمها

وهو من شواهد التصريح: 1/ 112.

المفردات الغريبة: زارٍ: اسم فاعل منقوص، فعله زرِيَ عليه يزري من باب ضرب زريا وزراية، ومعناه: عتب عليه يعتب. مستديمها: مستبق مودتها، طالب دوام حبها. =

ص: 123

وإن خفضها حرف: فإن كان "من" أو "عن" وجبت النون1، إلا في الضرورة كقوله2:[الرمل]

35-

أيها السائل عنهم وعَنِي

لست من قيسٍ ولا قيسٌ مِنِي3

= المعنى: يعتب الشاعر على ليلى؛ لِهجرها وصدودها عنه، وعلى الرغم من ذلك، فهو مستبقٍ مودتها، طالب دوام حبها؛ لأن في ذلك سعادته، فلعها ترضيه وتبادله الحب والمودة.

الإعراب إني: حرف مشبه بالفعل، واسمه. "على ليلى": متعلق بـ "زارٍ" الآتي. "لزار": اللام للابتداء. زار: خبر "إن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهورها الثقل. وإنني: الواو عاطفة. إنني: حرف مشبه، والنون: للوقاية، وياء المتكلم في محل نصب اسمها. "على ذاك": متعلق بـ "مستديم" الآتي، والكاف: للخطاب "فيما" متعلق بـ "مستديمها". "بيننا": متعلق بمحذوف صلة الموصول، و"نا" مضاف إليه. مستديمها: خبر "إن" و"ها" مضاف إليه.

موطن الشاهد: "إني، إنني".

وجه الاستشهاد: حذف نون الوقاية مع "إن" الأولى عند اتصالها بياء المتكلم، وإثباتها مع "إن" الثانية، وحذفها جائزان باتفاق في سعة الكلام، فلا شذوذ ولا علة في الإثبات أو الحذف، وكذا في "أن" و"لكن" و"كأن"، كما ذكر المؤلف.

انظر حاشية الصبان: 1/ 124.

1 قيل: إن سبب ذلك المحافظة على بقاء السكون في الحرف؛ لأنه الأصل في البناء.

2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

3 تخريج الشاهد: نسب ابن الناظم البيت إلى بعض النحاة، ذهابا منه أنه مصنوع، وقال ابن هشام في شأنه:"وفي النفس من هذا البيت شيء؛ لأنا لا نعرف له قائلا ولا نظيرا".

والبيت من شواهد التصريح: 1/ 112، وابن عقيل "20/ 1/ 114"، والأشموني "61/ 1/ 56" وهمع الهوامع: 1/ 64، والدرر اللوامع: 1/ 43، والجنى الداني:151.

المفردات الغريبة: قيس: هو ابن عيلان واسم عيلان: الناس بن مضر بن نزال بن معد، أخو إلياس بن مضر. وقد يراد بقيس القبيلة فيمنع من الصرف للعلمية والتأنيث.

المعنى: يتنصل الشاعر من قبيلة قيس، ويخاطب السائل عن هؤلاء القوم، وعنه أن لا صلة تربطه بهم ولا علاقة؛ وذلك لِعدم انسجامه معهم.

ص: 124

وإن كان غيرهما امتنعت، نحو "لي" و"بي" و"في" و"خلاي" و"عداي" و"حاشاي"1 قال2:[الكامل]

36-

في فتية جعلوا الصليب إلههم

حاشاي إني مسلم معذور3

= الإعراب: أيها: منادى بحرف نداء محذوف مبني على الضم في محل نصب على النداء، و"ها" للتنبيه. السائل: صفة لـ "أي" باعتبار اللفظ. "عنهم": متعلق بـ "السائل" و"عني": الواو عاطفة، وعني: معطوف على "عنهم" السابق. لست: فعل ماض ناقص واسمه. "من قيس" متعلق بخبر ليس". ولا: الواو عاطفة. لا: زائدة؛ لِتأكيد النفي. قيس: مبتدأ مرفوع. "مني": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وجملة "المبتدأ وخبره" معطوفة على جملة ليس واسمها وخبرها.

موطن الشاهد: "عني، مني".

وجه الاستشهاد: مجيء "عني ومني" بالتخفيف، حيث حذفت نون الوقاية منهما، عند إضافتهما إلى ياء المتكلم للضرورة النادرة عند سيبويه، والواجب في اختيار الكلام أن يقال: مني، عني بتشديد النون في الحرفين؛ لِتكون نون الوقاية حفظا للسكون فيما يبنونن إلى هذا، أشار ابن مالك بقوله:

و"ليتني" فشا، و"ليتي" ندرا

ومع "لعل اعكس، وكن مخيرا

في الباقيات، واضطرارا خففا

"مني، وعني" بعض من قد سلفا.

أي: بعض المتقدمين يحذف "نون الوقاية" من "منى وعني" تخفيفا للضرورة، كما أشرنا.

1 قيل: إن السبب في امتناع النون في "لي" و"بي" أنهما مبنيان على الكسر، وفي "في" سكونها أصلي، ولا يزول عند اتصالها بياء المتكلم، بل تدغم الياءان، وأما "خلا" و"عدا" و"حاشا" فإن الألف، لا تقبل الحركة، وقد سبق أنها إذا قدرت أفعالا لحقتها النون؛ لِيجري الفعل مجرى واحدا.

التصريح: 1/ 112.

2 القائل: هو المغيرة بن عبد الله الأسدي، الملقب بالأقيشر؛ لأنه كان أحمر الوجه أقشر يكنى أبا معرض، وُلِد في الجاهلية، ونشأ في أول الإسلام، وكان خليعا ماجنا فاسقا مدمنا على الخمر، قبيح المنظر، مات سنة 80هـ.

الشعر والشعراء: 2/ 559، الأغاني: 10/ 80، الخزانة: 2/ 279، الإصابة: 6/ 180.

3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 112، وهمع الهوامع: 1/ 232، والدرر اللوامع: 1/ 197 وشرح الشواهد العيني: 1/ 377.

ص: 125

وإن خفضها مضاف: فإن كان "لدن" أو "قط" أو "قد" فالغالب الإثبات.

ويجوز الحذف فيه قليلا، ولا يختص بالضرورة، خلافا لسيبويه، وغلط ابن الناظم، فجعل الحذف في "قد، وقط" أعرف من الإثبات، ومثالهما:{قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} 1، قرئ مشددا ومخففا، وفي حديث النار2:"قَطْنِي قَطْنِي" و "قَطِي

= المفردات الغريبة: معذور: مقطوع العذرة -وهي قلفة الذكر يقطعها الخاتن، ويقال له مختون من الختان.

المعنى: يتبرأ الشاعر من القوم الذين يعبدون الصلبان، ويتخذونها آلهة لهم، وينزه نفسه عن ذلك، وإنما هو مسلم مختون كالمسلمين؛ ذلك لأن النصارى لا يختنون.

الإعراب: "في فتية": متعلق بما قبله. جعلوا: فعل ماضٍ وفاعل. الصليب: مفعول أول و"الجملة" في محل جر صفة لـ "فتية" إلههم: مفعول ثان لـ "جعل"، و"هم" مضاف إليه. حاشاي: حرف استثناء وجر، والياء: في محل جر به. إني: حرف مشبه بالفعل والياء: اسمه "مسلم" خبر "إن" مرفوع: معذور: صفة لـ: صلة لـ "مسلم"، أو خبر ثان لـ "إن".

موطن الشاهد: "حاشاي".

وجه الاستشهاد: حذف نون الوقاية عند اتصال حاشا بـ "ياء المتكلم" لأن "حاشا" حرف آخره ألف، لا تقبل الحركة، وبالتالي، فلا يخشى كسر آخره؛ لِاتصاله بالياء، ومثل هذا الكلام يجوز في "خلا، وعدا" إذا كان حرفين، وأما إذا كان فعلين، فتقترن بهما نون الوقاية، كما تقترن ببقية الأفعال، حيث لا فرق بين فعل وآخر.

1 "18" سورة الكهف، الآية:76.

أوجه القراءات:

قرأ نافع وأبو بكر: "من لدنِي عُذرا" بإشمام الدال، وتخفيف النون، وقرأ الباقون {مِنْ لَدُنِّي} بضم الدال وتشديد النون.

توجيه القراءات: الأصل "لدنْ" بإسكان النون، فإذا أضفت إلى نفسك، زدت نونا؛ لِيسلم سكون النون الأولى، فتقول:"لدنْ زيد"، فلما تضيف إلى نفسك تقول:"لدنِّي" فتدغم النون في النون كما تقول في "عني" ومن خفف النون كره اجتماع النونين، فحذف واحدة، وهي الثانية؛ لأنها زائدة، كما حذفت في قوله تعالى:{تَأْمُرُوْنِّيْ} .

حجة القراءات 1/ 424-425، وإتحاف فضلاء البشر: 293، والبحر المحيط: 6/ 151، والتيسير، للداني: 145، والحجة: 228، والنشر: 2/ 313.

2 هذه قطعة من حديث شريف، عن أبي هريرة وعن أنس رضي الله عنهما أخرجهما البخاري: 6/ 115 وروايته: "...... يلقى في النار، وتقول: هل من مزيد، حتى يضع قدمه فتقول: قط قط".

ص: 126

قطي" وقال1: [مشطور الرجز]

37-

قدني من نصر الخبيبين قدي2.

= وأخرج حديث أنس البخاري: 8/ 114، 9/ 94، وأخرج مسلم حديث أبي هريرة: 4/ ح 2846 وحديث أنس: 4/ ح 2848، وبين الألفاظ اختلاف، وهذا لفظ أنس في إحدى رواياته:"ولا تزال جهنم يلقي فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط بعزتك وكرمك".

وفي فتح الباري: 8/ 595: "ووقع في بعض النسخ عن أبي ذر. قطي قطي بالإشباع وقطني بزيادة نون مشبعة" والمراد بوضع قدمه فيها: التجلي عليها بقهره وكبريائه.

1 القائل: هو حميد بن مالك بن ربعي، من تميم، وقيل: من ربيعة، سمي بالأرقط لآثار كانت بوجهه "الرقط: النقط السود، والأرقط: النمر" وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية عاصر الحجاج.

خزانة الأدب: 5/ 395، وسمط اللآلي: 649، ومعجم الأدباء: 11/ 14.

2 تخريج الشاهد: وبعد الشاهد قوله:

ليس الإمام بالشحيح الملحد

والبيت من أرجوزة يقولها حميد في شأن عبد الله بن الزبير المتغلب على الدولة المروانية والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 112، وابن عقيل "21/ 1/ 115"، والأشموني "62/ 1/ 57 وهمع الهوامع: 1/ 64، والدر اللوامع: 1/ 42، والكتاب لسيبويه: 1/ 387، وسمط اللآلي: 649، والإنصاف: 1/ 131، واللسان "لحد".

المفردات الغريبة: قدني: اسم بمعنى حسبي، أو اسم فعل بمعنى يكفيني الخبيبين: المراد بهما: عبد الله بن الزبير، الذي يكنى أبا خبيب باسم ابنه خبيب، وأخوه مصعب بن الزبير على سبيل التغليب. الشحيح: البخيل. الملحد: الذي يستحل حرمات الله.

المعنى: يخاطب الشاعر عبد الملك بن مروان، ويعرض بعبد الله بن الزبير وأخيه مصعب قائلا: دعني من نصر ابن الزبير وأخيه اللذين بلغا من البخل الغاية، فإمامنا عبد الملك كريم معطاء ليس بشحيح ولا ملحد.

الإعراب: قدني: "قد" اسم بمعنى "حسب" مبتدأ مبني على السكون، في محل رفع، والنون: للوقاية وقد: مضاف وياء المتكلم: مضاف إليه. "من نصر": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. الخبيبين: مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى مفعوله. قدي: توكيد لـ "قدي" الأول. ليس: فعل ماض ناقص. الإمام: اسم ليس مرفع.

ص: 127

وإن كان غيرهن امتنعت، نحو:"أبى" و"أخي".

= "بالشحيح": الباء حرف جر زائد، الشحيح: اسم مجرور لفظا، منصوب محلا، على أنه خبر "ليس". "الملحد": صفة لـ "الشحيح" باعتبار اللفظ.

موطن الشاهد: "قدني، قدي".

وجه الاستشهاد: إثبات "نون التوكيد" في الأولى، وحذفها في الثانية على قلة، والوجهان جائزان عن ابن مالك قياسا، ويرى سيبويه لزوم النون مع "قد" و"قط"؛ لأنهما اسمان بمعنى "حسب" وسقوطها ضرورة، ويرى الكوفيون: أنهما إذا كانتا بمعنى "حسب" لم تقترن بهما النون، وإن اعتبرنا اسم فعل، وجبت النون، وفي حكم "لدن، وقد، وقط" بالنسبة للاقتران وعدمه، يقول ابن مالك:

"وفي "لدُنِّي "قلَّ" وفي

"قدني وقطني" الحذف أيضا قد يفي"

والمعني: قل حذف النون من "لدنِّي"، فيقال: لدني: بالتخفيف، وكذلك يقل الحذف في "قد" و"قط" والكثير إثبات النون، فيقال: قدني، وقطني. راجع التصريح: 1/ 112-113، وابن عقيل: 1/ 94.

فائدة: إذا اجتمعت نون الوقاية مع نون الرفع -وذلك في الأفعال الخمسة، نحو: أنتم تعرفونني، أنتما تساعدانني، أنت تشاركينني- جاز بقاء التنوين على حالهما، وجاز إدغامهما، تقول: تعرفني تساعدني، وتحذف واو الجماعة وياء المخاطبة؛ لِالتقاء الساكنين، ويجوز حذف إحدى النونين تخفيفا، تقول: تعرفوني تساعداني تشاركيني والمختار أن المحذوف هو نون الوقاية إذا كان المضارع مرفوعا، فيقال في إعرابه: مرفوع بثبوت النون، ونون الأفعال الخمسة، إذا كان منصوبا أو مجزوما، فيقال في إعرابه: منصوب أو مجزوم، بحذف النون، والنون الموجودة للوقاية. الأشموني: 1/ 57.

تنبيه: هذا، ولم يتكلم المصنف ولا الشارح عن الاسم المعرب، إذا أضيف إلى ياء المتكلم. واعلم أن الأصل في الاسم المعرب ألا تتصل به نون الوقاية، نحو ضاربي ومكرمي، وقد ألحقت نون الوقاية باسم الفاعل المضاف إلى ياء المتكلم في قوله صلى الله عليه وسلم:"فهل أنتم صادقوني؟ " وفي قول الشاعر:

وليس الموافيني ليرفد خائبا

فإن له أضعاف ما كان أملا

ومنه قول الآخر:

ألا فتى من بني ذبيان يحملني

وليس حاملني إلا ابن حمال

كما لحقت أفعل التفضيل في قوله صلى الله عليه وسلم: "غير الدجال أخوفني عليكم" لمشابهة أفعل التفضيل لفعل التعجب.

ابن عقيل: 1/ 117، والأشموني: 1/ 57.

ص: 128