الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الموصول] :
هذا باب الموصول:
الموصول ضربان:
وهو ضربان: حرفي، واسمي:
فالحرفي: كل حرف أُوِّل مع صلته بمصدر، وهو ستة: أن، وأن، وما، وكي، ولو، والذي1، نحو:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} 2، {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُم} 3، {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب} 4، {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} 5، {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ
1 هذا رأي، ليونس بن حبيب، كما ذكره الفارسي في الشيرازيات والصحيح: أن "الذي" موصول اسمي؛ لِدخول "أل" عليه. شرح التصريح: 1/ 130.
2 "29" سورة العنكبوت، الآية:51.
موطن الشاهد: {أَنَّا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" حرفا مصدريا، وهو مشبه بالفعل، و"نا" اسمه، وجملة "أنزلنا" خبره، و"هو وما دخل عليه": مؤول بمصدر في محل رفع فاعل لـ "يكفي"؛ لأن الحرف المصدري يؤول مع صلته بمصدر.
3 "2" سورة البقرة، الآية:184.
موطن الشاهد: {أَنْ تَصُومُوا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" حرفا مصدريا ناصبا للفعل المضارع، وأن وما دخل عليه، يؤول بمصدر مرفوع، والتقدير: وصيامكم خير لكم.
4 "38" سورة ص، الآية:26.
موطن الشاهد: {بِمَا نَسُوْا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" حرفا مصدريا، وهو يؤول مع صلته بمصدر مجرور، والتقدير بنسيانكم يوم الحساب.
5 "33" سورة الأحزاب، الآية:37.
موطن الشاهد: {لِكَيْلَا يَكُونَ} .
لَوْ يُعَمَّر} 1، {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 2.
[الموصول الاسمى ضربان] :
والاسمى3 ضربان: نص، ومشترك4.
فالنص ثمانية: منها للمفرد المذكر "الذي" للعالم وغيره، نحوه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ
1 "2" سورة البقرة، الآية:96.
موطن الشاهد: {كَالَّذِي خَاضُوا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الذي" موصولا حرفيا على ما حكاه الفارسي عن يونس بن حبيب، وهو على هذا يؤوَّل مع ما بعده بمصدر مجرور بـ "الكاف، والتقدير: كالخوص، ودليل يونس ومن معه على هذا، هو كون "الذي" مفردا، وما بعده جمعا، فلو كان موصولا اسميا، لقيل، كالذي خاض، أو لقيل: كالذين خاضوا.
وأجيب عن ذلك، بأن "الذي" اسم موصول صفة لموصوف محذوف، والتقدير: خضتم خوضا كالخوص الذي خاضوا، وحذف العائد، الضمير المنصوب بـ "خاضوا"؛ لأن التقدير: خاضوه، أو أن "الذي" اسم موصول للجمع، وأصله "الذين" لحذفت النون، كما حذفت في قول الأشهب بن رميلة:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم
…
هم القوم كل القوم يا أم خالد
فأراد الذين حانت، فحذف النون.
أو أن "الذي" مشترك بين المفرد والجمع على قول الأخفش.
انظر شرح التصريح: 1/ 130-131.
3 الموصول الاسمى: هو الاسم المبهم، الذي يحتاج في توضيحه، وتعين المراد منه إلى شيء يتصل به، يسمى الصلة وهي مشتملة على ضمير أو شبهة يربطها به، يسمى العائد
4 النص: هو ما كان نصا في الدلالة على بعض الأنواع، ومقصورا عليها، لا يتعداها. والمشترك: هو الذي، لا يقتصر على بعض الأنواع، بل يصلح لها جميعا.
الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَه} 1، {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} 2، وللمفرد المؤنث:"التي" للعاقلة وغيرها، نحو:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} 3، {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} 6، ولتثنيتهما:"اللذان" و"اللتان" رفعا، و"اللذين" و"اللتين" جرا ونصبا، وكان القياس في تثنيتهما وتثنية:"ذا" و"تا" أن يقال: اللذيان واللتيان وذيان وتيان، كما يقال القاضيان، بإثبات الياء، وفتيان، بقلب الألف ياء، ولكنهم فرقوا بين تثنية المبني والمعرب، فحذفوا الآخر، كما فرقوا في التصغير، إذ قالوا: اللذيان واللتيا وذيا وتيا، فأبقوا الأول على فتحه، وزادوا ألفا في الآخر عوضا عن ضمة التصغير، وتميم وقيس تشدد النون فيهما تعويضا من المحذوف أو تأكيدا للفرق، ولا يختص ذلك بحالة الرفع خلافا للبصريين؛ لأنه قد قريء في السبع:{رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْن} 5،
1 "39" سورة الزمر، الآية:74.
موطن الشاهد: {الَّذِيْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الذي" اسما موصولا دالا على العاقل.
2 "21" سورة الأنبياء، الآية:103.
موطن الشاهد: {يَوْمُكُمُ الَّذِيْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الذي" اسما موصولا دالا على غير العاقل، وحكم مجيئه دالا على غير العاقل الجواز بكثرة.
3 "58" سورة المجادلة، الآية:1.
موطن الشاهد: {الَّتِي تُجَادِلُكَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "التي" اسما موصولا، دالا على المفرد المؤنث العاقل، وحكم مجيئه دالا على المفرد المؤنث العاقل الجواز بكثرة.
4 "2" سورة البقرة، الآية:142.
موطن الشاهد: {قِبْلَتَهُمُ الَّتِيْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "التي" اسما موصولا، دالا على المفرد المؤنث غير العاقل الجواز بكثرة.
5 "41" سورة فصلت، الآية:29.
موطن الشاهد: {أَرِنَا اللَّذَيْنِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "اللذين" مشددة النون -على لغة تميم وقيس- تعويضا من المحذوف عنهما، وهو الياء، في الذي والتي والألف في ذواتا، أو تأكيدا للفرق بين تثنية المبني والمعرب.
انظر شرح التصريح: 1/ 132.
"إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِّ"1، بالتشديد، كما قرئ:{وَاللَّذَانِّ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} 2. {فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ} 3، وبلحرث بن كعب وبعض ربيعة يحذفون نون اللذان واللتان، قال4: [الكامل]
43-
أبني كليب إن عمي اللذا5
1 "28" سورة القصص، الآية:27.
موطن الشاهد: {ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "هاتين" اسما موصولا على لغة تميم وقيس، كما في الآية السابقة، وفي مجيء التشديد في حالة النصب مع "اللذين وهاتين" دليل على صحة مذهب الكوفيين، الذين جوزوا التشديد، في الحالات كلها، خلافا للبصريين، كما في المتن.
2 "4" سورة النساء، الآية:16.
موطن الشاهد: {وَاللَّذَانِّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "اللذان" اسما موصولا مشددا في حالة الرفع، وهذا جائز باتفاق.
3 "28" سورة القصص، الآية:32.
موطن الشاهد: {فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ذانك" اسم إشارة مشددا على تلك القراءة يرجع مجيء "اللذان" مشددا؛ لأن تجويز أحدهما، ومنع الآخر تحكم. انظر شرح التصريح: 1/ 132.
4 الأخطل التغلبي: وهو أبو مالك، غياث بن غوث التغلبي، والأخطل لقبه، ويعني السفيه، وهو نصراني، ومن المتقدمين في الشعر مع جرير والفرزدق، وأشبههم بالنابغة، وأنعتهم للحمر والخمر، قدمه الكثير على صاحبيه، وكان بينه وبينهما مفاخرة وهجاء، مات سنة 90هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 483، وتجريد الأغاني: 3/ 378- 389.
5 تخريج الشاهد: البيت من كلمة للأخطل، يهجو فيها جريرا، وهذا صدر بيت وعجزه قوله:
قتلا الملوك وفككا الأغلالا
هذا، وقد نسب بعضهم هذا البيت إلى الفرزدق، والصواب ما ذكرنا.
والبيت من شواهد التصريح: 1/ 132، وكتاب سيبويه: 1/ 95، والمقتضب: 4/ 146 والمحتسب: 1/ 185، والمصنف لابن جني: 1/ 67، وأمالي ابن الشجري: =
وقال1: [مشطور الرجز] .
44-
هما اللتا لو ولدت تميم2
= 2/ 306، وشرح المفصل: 3/ 154، 155 والعيني: 1/ 324، والخزانة: 2/ 499، 3/ 473.
المفردات الغريبة: بني كليب: يراد بهم قوم جرير، وكليب أبو القبيلة، وهو كليب بن يربوع. عمي: مثنى، والمراد بهما: أبو حنش بن النعمان، قاتل شرحبيل بن الحارث بن عمرو، المعروف بآكل المرار "والمرار" شجر مر إذا أكلته الإبل قلصت عنه مشافرها"، وعمرو بن كلثوم التغلبي، قاتل عمرو بن هند. الأغلال: جمع غل وهو حديدة، تجعل في عنق الأسير.
المعنى: يفخر الشاعر على جرير بقومه، ويقول: إن قومه ذوو بأس وشجاعة وإن عميه قتلا ملكين عظيمين، وخلصا الأسرى من أغلالهم.
الإعراب: أبني: الهمزة حرف نداء. بني: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. كليب: مضاف إليه. إن: حرف مشبه بالفعل. عمي: اسم إن منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، وياء المتكلم المدغمة فيها، في محل جر بالإضافة. اللذان خبر "إن" مبني على الألف في محل رفع. قتلا: فعل ماضٍٍ، والألف: فاعل. الملوك: مفعول به. وجملة "قتلا الملوك": صلة الموصول، لا محل لها. وفكَّكا. الواو عاطفة. فككا: فعل ماضٍٍ، والألف: في محل رفع فاعل. الأغلالا: مفعول به، والألف: للإطلاق، والجملة معطوفة على جملة؛ لا محل لها.
موطن الشاهد: "اللذا".
وجه الاستشهاد: حذف نون المثنى المرفوع؛ لأن "اللذا" وقع في محل رفع خبر. وبنو بلحارث بن كعب جميعا، وبعض بني ربيعة، أجازوا حذف نون "اللذان" ونون "اللتان" لأن الموصول، لما طال بالصلة والعائد، أرادوا تقصيره، لكون الصلة والموصول كالشيء الواحد. انظر شرح التصريح: 1/ 132.
فائدة: جاء عن بعض العرب حذف نون "اللذين" في لغة من جاء بالياء، كما مر في قول أحدهم:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم
…
هم القوم كل القوم يا أم خالد
وفي لغة من جاء به بالواو، كقول أحدهم:
نحن الَّذُو بعكاظ طيروا شررا
…
من روس قومك ضربا بالمصاقيل
وانظر الدرر اللوامع: 1/ 24.
1 القائل: هو الأخطل التغلبي، وقد مرت ترجمته في الشاهد السابق.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور، وبعده قوله: لقيل فخر لهم صميم =
ولا يجوز ذلك في ذان وتان للإلباس.
وتلخص أن في نون الموصول ثلاث لغات1، وفي نون الإشارة لغتان2.
= وهو من شواهد: التصريح: 1/ 132، وهمع الهوامع: 1/ 49، والدرر اللوامع 1/ 23، وأمالي ابن الشجري: 2/ 308، وخزانة الأدب: 2/ 503، والعيني 1/ 455، وليس في ديوان الأخطل.
المفردات الغريبة: تميم: قبيلة أبوها تميم بن مر. فخر: شرف ومنزلة عظيمة. صميم: خالص لا شائبة فيه.
المعنى: يمدح الشاعر امرأتين، بأنه لو ولدتهما تميم، لكان لتميم بهذه الولادة وهذا النسب؛ الفخر الذي لا يشوبه شيء.
الإعراب: هما: مبتدأ. اللتا: خبر مبني على الألف. لو: حرف شرط غير جازم، لو: حرف امتناع لامتناع. ولدت: فعل ماضٍٍ، والتاء: للتأنيث. تميم: فاعل مرفوع. لقيل: اللام واقعة في جواب الشرط، قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول. فخر: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هذا فخر. "لهم": متعلق بـ "فخر"، أبو بحذوف صفة له.
صحيح: صفة لـ "فخر"، ويجوز أن نعرب:"فخر" مبتدأ، "ولهم" متعلق بمحذوف خبر؛ لأن "فخر" وإن كان نكرة، فقد وصف بصحيح، فأفاده الوصف التخصيص، ولكونه أتى في معنى الفعل، نحو:"سلام على آل ياسين"، وعلى كل فالجملة الاسمية، في محل رفع نائب فاعل لـ "قيل" على رأي من يجيزون وقوع الجملة في محل رفع فاعل أو نائب فاعل والأفضل، أن نقدر له مصدرا مشتقا من الفعل، فنقول: لقيل القول، وجملة الشرط وجوابه، صلة للموصول، لا محل لها.
موطن الشاهد: "اللتا".
وجه الاستشهاد: حذف النون من "اللتان" الواقعة في محل رفع خبر المبتدأ، وحكم هذا الحذف جائز في لغة بلحارث بن كعب جميعا، وبعض بني ربيعة، والمعروف عنهم، أنهم يحذفون "النون" من المثنى المرفوع، ولم يحفظ عنهم حذف النون من المثنى المنصوب والمخفوض، والذي جعلهم يجيزون حذف نون المثنى في الرفع، من دون النصب والجر، هو امتناع التباس المثنى بالمفرد في حالة الرفع، كما في المثال السابق، وأما في حالتي النصب والجر، فيمكن أن يقع الالتباس بين المفرد والمثنى، وإن قال قائل: فالعائد "الضمير الذي يربط الصلة بموصولها"، يجب أن يطابق الموصول في الإفراد والتثنية والجمع، فهذا صحيح، غير أن العائد يكون محذوفا لفظا في كثير من الأحيان، ولهذا، امتنع الحذف في حالتي النصب والجر.
1 الإثبات من دون تشديد وهو الأكثر، وبالتشديد، وهو كثير، وبالحذف وهو لغة لبعض العرب، وهذا خاص بـ "اللذان واللتان".
2 هما الإثبات من دون تشديد وهو الكثير، وبالتشديد على القلة.
ولجمع المذر كثيرا ولغيره قليلا "الألى" مقصوران وقد يمد، و"الذين" بالياء مطلقا، وقد يقال بالواو رفعا، وهو لغة هذيل أو عقيل، قال1:[مشطور الرجز]
45-
نحن الَّذُون صبحوا الصباحا
1 اختلف النحاة في نسبة هذا البيت إلى قائله اختلافا كثيرا، فقد نسبه أبو زيد في "نوادره: 47" إلى رجل جاهلي من بني عقيل، سماه أبا حرب الأعلم، ونسبه الصاغاني في "العباب" إلى ليلى الأخيلية، ونسبه جماعة إلى رؤبة بن العجاج، وهو غير موجود في ديوانه.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، وبعده قوله:
يوم النخيل غارة ملحاحا
وروى أبو زيد بعده:
نحن قتلنا الملك الجحجاحا
…
ولم ندع لسارح مراحا
إلا ديارا أو دما مفاحا
…
نحن بنو خويلد صراحا
لا كذب اليوم ولا مزاحا
والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 133، وابن عقيل:"27/ 1/ 144"، والأشموني. "87/ 1/ 68"، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 47، والخزانة: 2/ 506 عرضا، والعيني: 1/ 426 وهمع الهوامع: 1/ 61، 1/ 83، والدرر اللوامع: 1/ 36، 1/ 56، ومغني اللبيب:"759/ 535" وشرح السيوطي: 281.
المفردات الغريبة: صبحوا الصباحا: باغتوا العدو في الصباح. النخيل: موضع بالشام. غارة: اسم مصدر من أغار على العدو. ملحاحا: شديدة متتابعة من ألح السحاب دام مطره وسحاب ملحاح: دائم.
المعنى: يفخر الشاعر بقومه الذين باغتوا أعداءهم، وأغاروا عليهم يوم النخيل، غارات متتابعة.
الإعراب: نحن: مبتدأ. الذون: اسم موصول في محل رفع خبر. صبحوا: فعل ماضٍ، وفاعل، و"الجملة": صلة، لا محل لها. "الصباحا" متعلق بـ "صبحوا" "يوم" متعلق بـ "صبحوا" النخيل: مضاف إليه. غارة: مفعول لأجله، أو حال بتأويل المشتق، أي: مغيرين. ملحاحا: صفة لـ "غارة".
موطن الشاهد: "الذون".
وجه الاستشهاد: مجيء "الذون" بالواو في حالة الرفع، كما لو كان جمع مذكر سالما، وبعض العلماء، قد توهم من مجيء "الذون" في حالة الرفع، و"الذين" في =
ولجميع المؤنث: "اللاتي" و"اللائي"، وقد تحذف ياؤهما، وقد يتقارض1 الألى واللائي، قال2:[الطويل]
46-
محا حبها حب الألى كن قبلها3
= حالتي النصب، والجر، بأن هذه الكلمة معربة، وأنها جمع مذكر سالم حقيقة، والصواب أنها مبنية، جيء بها على صورة المعرب، فهي مبنية على الواو الياء ومجيء "الذين" على "الذون" لغة هذيل، أو عقيل، وأو للشك. انظر شرح التصريح: 1/ 132- 133.
فائدة: عد المؤلف "اللذان، واللذين، واللتان، واللتين، والذين، والذون" مبنيات وكان قرر في باب المعرب والمبني أن "اللذان واللتان" معربان؛ لأن التثنية التي هي من خصائص الأسماء عارضت شبههما بالحرف، والأرجح: أنها مبنيات.
الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 146- 147.
1 أي: يقع كل منهما مكان الآخر، ويستعمل استعماله.
2 القائل: هو قيس بن الملوح العامري، مجنون ليلى، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد:
هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وحلت مكانا لم يكن حل من قبل
وأورد صاحب تزيين الأسواق: 1/ 65 بيتين قبله، وهما:
أظن هواها تاركي بمضلة
…
من الأرض لا مال لديَّ ولا أهلُ
ولا أحد أفضي إليه وصيَّتي
…
ولا صاحب إلا المطية والرحلُ
والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 133، والأشموني:"86/ 1/ 68"، والعيني: 1/ 430، والأغاني: 1/ 177، وديوان قيس بن الملوح:216.
المفردات الغريبة: محا: أزال. الألى كن قبلها: النساء اللاتي أحبهن قبل ليلى.
المعنى: يصف الشاعر حبه لليلى بأنه قد ملك قلبه، وأزال عنه حب كل امرأة قبلها، وحل حبها من القلب مكانا خاليا، لم يحله أحد من قبل.
الإعراب: محا: فعل ماضٍ. حبها: فاعل، ومضاف إليه. حب: مفعول به: الألى: مضاف إليه. كنَّ: فعل ماضٍ ناقص، ونون النسوة اسمه. "قبلها" متعلق بمحذوف خبر "كان"، و"ها": مضاف إليه، وجملة "كان واسمها وخبرها": صلة للموصول، لا محل لها. وحلت: الواو عاطفة، حل: فعل ماض، والتاء: علامة التأنيث، والفاعل: هي. مكانا: معفول به لـ "حل". لم: نافية جازمة: يكن: فعل مضارع ناقص، واسمه: هو. حُل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر.
أي حب اللاتي وقال1: [الوافر]
47-
فما آباؤنا بِأَمَنَّ منه
…
علينا اللاء قد مهدوا الحجورا2
أي الذين.
= جوازا، تقديره: هو، وجملة "الفعل ونائبه": في محل نصب خبر يكن، وجملة "يكن واسمه وخبره": في محل نصب صفة لـ "مكان". من: حرف جر، قبل: ظرف زمان مبني على الضم، في محل جر بـ "من" و"من قبل": متعلق بـ "حل".
موطن الشاهد: "الأُلَى كُنَّ قبلها".
وجه الاستشهاد: استعمال "الألى" لجماعة الإناث بدلا من "اللاتي"، بدليل عود الضمير من "كن" عليه بصيغة المؤنث، والمعنى أيضا يؤكد ذلك؛ لأنه يريد أن حب هذه المرأة، قد أزال حب النساء الألى كن قبلها، ومعلوم أن الأصل في "الألى" أن يستعمل في جمع الذكور، نحو: قول الشاعر:
رأيت بني عمي الأُلَى يخذلونني
…
على حدثان الدهر إذ يتقلب
بقي أن نعلم أن "الألى" اسم جمع لا جمع، فإطلاق الجمع عليه مجاز، وأن "الذين" خاص بالعقلاء، و"الذي" عام في العاقل وغيره، فهما كالعالم والعالمين. انظر حاشية الصبان: 1/ 150.
1 القائل: رجل من بني سليم لم يعينه العلماء.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 133، وابن عقيل:"28/ 1/ 145"، والأشموني:"88/ 1/ 69" وأمالي ابن الشجري: 2/ 308، والعيني: 1/ 429، وهمع الهوامع: 1/ 83، والدرر اللوامع: 1/ 57.
المفردات الغريبة: أََمَنَّ: أفعل تفضيل أي أكثر منه وإنعاما. مهدوا: بسطوا وهيؤوا ومنه المهد وهو الفراش المهيأ للصبي وتمهيد الأمور: تسويتها الحجور: جمع حجر، وهو ما بين يدي المرء من ثوبه وحضنه.
المعنى: يقول الشاعر: ليس آباؤنا الذين قاموا بتربيتنا ورعايتنا وإصلاح أمرنا، وبسطو حجورهم فراشا لنا كالمهد، بأكثر إنعاما وتفضلا علينا من هذا الممدوح.
الإعراب: ما: نافية بمعنى "ليس". آباؤنا: اسم "ما" ومضاف إليه. "بأمن": الباء زائدة، أمنَّ: خبر "ما". "منه" و"علينا": متعلقان بـ "أمن". اللاء: اسم موصول، صفة لـ "آباء". قد: حرف تحقيق: مهدوا: فعل ماضٍ، وفاعل، والجملة: صلة الموصول، لا محل لها الحجورا: مفعول به لـ "مهدوا"، والألف: للإطلاق.
موطن الشاهد: "اللاء".
وجه الاستشهاد: إطلاق "اللاء" على جماعة الذكور موضع الذين، والأكثر كونها لجماعة الإناث، نحو قوله تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْن} ، وكذا فيها شاهد على حذف الياء أيضا؛ لأن الأصل "اللائي"، وقد قرئ بهما جميعا. انظر حاشية الصبان: 1/ 15.
[الموصول المشترك] :
والمشترك ستة: مَن، وما، وأي، وأل، وذو، وذا.
فأما "مَن" فإنها تكون للعالم، نحو:{وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَاب} 1.
[من لغير العاقل] ولغيره في ثلاث مسائل:
إحداها: أن ينزل منزلته2 نحو: {مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَه} 3 وقوله:4: [الطويل]
48-
أسرب القطا هل من يعير جناحه5
1 "3" سورة الرعد، الآية:43.
موطن الشاهد: {مَنْ عِنْدَهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "مَن" اسما موصولا دالا على العالم العاقل، واستعمالها بهذا المعنى كثير شائع، وهو جائز باتفاق.
2 أي أن ينسب إلى المسمى شيء من شأنه ألا يكون إلا من العقلاء، فيشبه بهم، وينزل منزلتهم في استعمال "من" سواء كان هذا التنزيل من المتكلم أو من غيره.
3 "46" سورة الأحقاف، الآية:5.
موطن الشاهد: {مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "من" لغير العاقل، على سبيل التطفّل؛ وذلك لأنه أنزل ما وقعت عليه منزلة العاقل؛ لأن الذي يدعونه من دون الله، لا يعقل شيئا، ولكن لما اتخذه المشتركون إلها لهم، فقد أنزل منزلة العاقل.
4 القائل: هو العباس بن الأحنف، أبو الفضل بن الأسود الحنفي، شاعر غزل، لم يخرج إلى غيره من أغراض الشعر، وكان يشبه عمر بن أبي ربيعة، أصله من اليمامة، ونشأ ببغداد ومات بالبصرة، والعباس شاعر مولد، لا يحتج بشعره، وإنما أتى بهما للتمثيل.
الشعر والشعراء: 2/ 827، الأغاني: 8/ 14، اللآلي: 313، ابن خلكان: 1/ 307.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه مع بيت سابق عليه هكذا:
بكيت على سرب القطا إذ مررن بي
…
فقلت ومثلي بالبكاء جديرُ
أسرب القطا هل من يعير جناحه
…
لعلي إلى من قد هويت أطيرُ
وينسب البيت الشاهد إلى المجنون، وهو في ديوانه وديوان العباس أيضا وذلك من خلط الرواة وقد استشهد به في: التصريح: 1/ 133، 1/ 134، وابن عقيل =
وقوله1: [الطويل]
49-
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي
…
وهل يعمن من كان في العصر الخالي2
= "29/ 1/ 148"، والأشموني:"89/ 1/ 69" والعيني: 1/ 431، وهمع الهوامع: 1/ 91 والدرر اللوامع: 1/ 69، وديوان العباس. 143.
المفردات الغريبة: سرب: هو القطيع من الظباء والقطا ونحوهما. القطا: جمع قطاة، وهي طائر معروف. هويت أحببت.
المعنى: ينادي الشاعر جماعة القطا، ويقول: هل من يعيرني جناحه، لعلي أطير إلى من هويت وأحببت؟
الإعراب: أَسِرْبَ: الهمزة حرف نداء، سرب: منادى مضاف منصوب. القطا: مضاف إليه، هل: حرف استفهام، من: مبتدأ يعير: فعل مضارع، والفاعل: هو، والجملة صلة للموصول، لا محل لها، والخبر محذوف، والتقدير: هل من يعير جناحه موجود؟ جناحه: مفعول به، ومضاف إليه. لعلي: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمها "إلى من" متعلق بـ "أطير" الآتي قد: حرف تحقيق. هويت: فعل ماضٍ، وفاعل. والجملة لا محل لها؛ لأنها صلة الموصول، والعائد إلى الاسم الموصول محذوف، والتقدير: هويته. أطير: فعل مضارع، وفاعله مستتر وجوبا، تقديره: أنا، والجملة في محل رفع خبر "لعل".
موطن الشاهد: "من يعير".
وجه الاستشهاد: استعمال "من" في غير العاقل، وهو "القطا" وإنما جاز ذلك؛ لأنه نزل القطا منزلة العاقل، فناداها، وطلب منها الجناح، ومعلوم أنه لا يتصور النداء والإقبال، إلا من العاقل الذي يفهم الطلب.
1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا الشاهد هو مطلع قصيدة طويلة للشاعر.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 133، والأشموني:"90/ 1/ 69"، وسيبويه: 2/ 227 وأمالي ابن الشجري: 1/ 274، وشرح المفصل: 7/ 153، والعيني: 1/ 433، وهمع الهوامع: 2/ 83، والدرر اللوامع: 2/ 17، ومغني اللبيب "306/ 225" وشرح السيوطي:166.
المفردات الغريبة: عم صباحا: إحدى تحيات العرب الجاهليين في الصباح، وفي المساء: عم مساء، وعم ظلاما. وعم: فعل أمر أصله أنعم، حذفت الهمزة والنون تخفيفا. الطلل: كل ما بقي شاخصا من آثار الديار. الخالي: السالف.
المعنى يحيى الشاعر أطلالا فيقول: أنعم الله صباحك أيها الأثر الذي أشرف على =
فدعاء الأصنام ونداء القطا والطلل سوَّغ ذلك.
الثانية: أن يجتمع مع العاقل فيما وقعت عليه "من"1 نحو: {كَمَنْ لا يَخْلُقُ} 2 لشموله الآدميين والملائكة والأصنام، ونحو:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} 3، ونحو:{مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْن} ، فإنه
= الزوال والفناء، وبقي من آثار الأحبة، ثم ثاب إلى رشده، وأنكر أن يجيبه أحد؛ لهلاك من كان بهذه الديار، فقال: وهل ينعمن بشيء من هلك في الزمان الماضي؟!
الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه. عم: فعل أمر، والفاعل: أنت: "صباحا": متعلق بـ "عم" أيها: منادى بحرف نداء محذوف، مبني على الضم، في محل نصب، و"ها" حرف تنبيه، لا محل له. الطلل: صفة لـ "أي" على اعتبار اللفظ. وهل: هل حرف استفهام. يعمن: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. من: اسم موصول، فاعل لـ "يعم". كان: فعل ماضٍ ناقص، واسمه: هو "في العصر": متعلق بـ "خبر كان المحذوف". الخالي: صفة لـ "العصر"، وجملة "كان في العصر الخالي": صلة للموصول، لا محل لها.
موطن الشاهد: "يعمن من".
وجه الاستشهاد: استعمال "من" الموصولة للمفرد غير العاقل، وهو الطلل البالي، والذي جوز ذلك الاستعمال مناداة الطلل، وتنزيله منزلة من يجيب الداعي؛ لأنه لا ينادى إلا العاقل، كما هو معلوم.
1 أي: أن يكون مضمون الكلام، متجها إلى شيء يشمل العاقل، وغيره، ولكنك تراعي العاقل فتغلبه على غيره.
2 "16" سورة النحل، الآية:17.
موطن الشاهد: {كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "من" على من لا يعقل، والذي سوَّغ ذلك اجتماع العاقل مع غير العاقل فيما دخلت عليه "من" الموصولة؛ لأن من لا يعقل عامٌّ يشمل الآدميين والملائكة والأصنام، فالجميع لا يخلقون شيئا.
3 "22" سورة الحج، الآية:18.
موطن الشاهد: {مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنِ فِي الْأَرْضِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "من" على من لا يعقل، والذي سوغ ذلك اجتماع العاقل مع غير العاقل فيما دخلت عليه من؛ لأن من في السموات يشمل الملائكة والشمس والقمر والنجوم وغيرها، ومن في الأرض يشمل الآدميين، والجبال والشجر وسوى ذلك.
يشمل الآدمي والطائر.
الثالثة: أن يقترن به في عموم فصل بمن، نحو:{مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِه} 1 و: {مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَع} 1 لاقترانهما بالعاقل في عموم {كُلِّ دَابَّة} 1
[ما لما لا يعقل] :
وأما "ما" فإنها لما لا يعقل وحده، نحو:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَد} 2، وله مع العاقل، نحو:{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} 3، ولأنواع من يقعل، نحو:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم} 4، وللمبهم5 أمره كقولك؛ وقد رأيت شبحا:"انظر إلى ما ظهر"
1 "24" سورة النور، الآية:45.
موطن الشاهد: {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} ، {مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} وجه الاستشهاد: وقوع من على غير العاقل، والذي جوز ذلك اقتران غير العاقل به أي بالعاقل، في عموم فصل بـ "من" الموصولة؛ لاقترانهما بالعاقل في عموم "كل دابة" التي تشمل العاقل وغيره. وانظر شرح التصريح: 1/ 134.
2 "16" سورة النحل، الآية:96.
موطن الشاهد: {مَا عِنْدَكُمْ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "ما" اسما موصولا دالا على ما لا يعقل، وهو الأصل في استعماله.
3 "59" سورة الحشر، الآية:1.
موطن الشاهد: {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} .
وجه الاستشهاد: استعمال "ما" في العاقل، وجواز استعمال "ما" في العاقل عن طريق الاستعارة، أو المجاز المرسل، وإلى الثاني أشار المؤلف بقوله:"إذا اختلط به". أي: بأن غلب غير العاقل على العاقل.
4 "4" سورة النساء، الآية:3.
موطن الشاهد: {مَا طَابَ} .
وجه الاستشهاد: استعمال "ما" اسما موصولا في أفراد العاقل وصفاته؛ لأن المراد ما طاب لكم من النساء، الصفات غير المفهومة من الصلة كالبكارة والثيوبة وسوى ذلك، وفي هذه المسألة نظر، ويجب العودة إلى شرح التصريح: 1/ 134-135، وحاشية الصبان: 1/ 153-154.
5 أي: الذي لا يدرى أهو إنسان أم غير إنسان، وكذلك، إذا علمت إنسانيته، ولكنك لا تدري أمؤنث هو أم مذكر؟ نحو قوله تعالى على لسان امرأة عمران:{إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} .
والأربعة الباقية للعاقل وغيره، فأما "أي" فخالف في موصوليتها ثعلب1. ويرده قوله2:[المتقارب]
50-
فسلِّمْ عَلَى أيُّهُمْ أفضلُ3
1 هو أبو العباس: أحمد بن يحيى الشيباني، إمام الكوفيين، والبصريين، في النحو والفقه في زمانه، وعالم بالقرآن والقراءات، ولد سنة 200هـ، ولازم ابن الأعرابي وحفظ على الفراء والكسائي، وأخذ عنه الأخفش الأصغر، ونفطويه، وابن الأنباري: له مصنفات قيمة منها: المصون في النحو، اختلاف النحويين، والفصيح، وغريب القرآن..... مات سنة 291هـ ببغداد. البلغة: 34، إنباه الرواة: 1/ 138، بغية الوعاة: 1/ 396، طبقات القراء: 1/ 148، الأعلام: 1/ 252.
2 هو: غسان بن وعلة، أحد الشعراء المخضرمين من بني مرة بن عباد.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
إذا ما لقيت بني مالك
والشاهد: أنشده أبو عمرو الشيباني في كتاب الحروف وابن الأنباري في الإنصاف: 2/ 715، وقال "حكى أبو عمرو الشيباني عن غسان، وهو أحد من تؤخذ عنهم اللغة من العرب". وأنشد البيت.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 135، وابن عقيل:"33/ 1/ 162، والأشموني: "110/ 1/ 77"، وشرح المفصل: 3/ 147، 4 / 12، 7/ 88، والخزانة: 2/ 522. وحاشية يس على التصريح: 1/ 136، ومغني اللبيب: "124/ 108"، "757/ 535 "953/ 717"، وشرح السيوطي: 83/ 281.
المعنى واضح، لا لبس فيه ولا غموض.
الإعراب: إذا: ظرف تضمن معنى الشرط مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. ما: زائدة: لقيت فعل ماضٍ، وفاعل، و"الجملة" في محل جر بالإضافة. بني: مفعول به لفعل "لقي"، وحذفت النون للإضافة. مالك: مضاف إليه فسلم: الفاء رابطة لجواب الشرط. سلم: فعل أمر، والفاعل: أنت. على: حرف جر. أيهم: يروى بضم أي وبجره؛ فعلى رواية الضم، فهو مبني، وعلى الجر، فهو معرب مجرور بالكسرة الظاهرة، و"هم"، مضاف إليه. أفضل: خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: سلم على الذي هو أفضل، والجملة الاسمية: صلة للموصولة لا محل لها.
موطن الشاهد: "أيهم أفضل".
وجه الاستشهاد: مجيء "أي" مبنية على الضم في الرواية المشهورة؛ لأنها مضافة، حذف صدر صلتها، وفي هذا دلالة على أنها موصولة؛ لأن غير الموصولة، لا تبنى ولا تصلح هنا والمحذوف هو المبتدأ المقدر، وهذا مذهب سيبويه وجماعة من البصريين في هذه الكلمة؛ أنها تأتي موصولة، وتكون مبنية باجتماع أمرين؛ أحدهما: أن تكون مضافة لفظا، والثاني: أن يكون صدر صلتها محذوفا، وذهب الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب -وهما شيخان من شيوخ سيبويه- إلى أن "أي" لا تأتي موصولة، وإنما هي شرطية أو استفهامية، وذهب بعض الكوفيين إلى أنها تأتي موصولة على قلة؛ غير أنها معربة في مختلف الأحوال، أضيفت أو لم تضف، وسواء أحذف صدرها أم ذكر. وانظر: شرح التصريح: 1/ 135-136، وحاشية الصبان: 1/ 166-167.
ولا تضاف لنكرة خلافا لابن عصفور1، ولا يعمل فيها إلا مستقبل متقدم2 نحو:{لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} 3، خلافا للبصريين، وسئل الكسائي4: لم
1 ابن عصفور: أبو الحسن عليُّ بن مؤمن بن عصفور، النحوي الحضرمي الإشبيلي، حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس، أخذ عن الدباح وعن الشلوبين، أعد نفسه للنحو، ولم ينبغْ في غيره وكان أصبر الناس على المطالعة، له مصنفات قيمة، منها: الممتع في التصريف، وكان أبو حيان لا يفارقه، وله شروح على الجمل، والمقرب، وشرح الجزولية، مات سنة 669هـ. البلغة: 169، بغية الوعاة: 2/ 210، شذرات الذهب: 5/ 330، فوات الوَفَيات: 2/ 93، الأعلام: 5/ 179. وأما السبب في أنها لا تضاف إلى نكرة؛ لأن الموصول مراد تعيينه، وإضافته إلى النكرة تقتضي إبهامه، وفي ذلك تدافع ظاهر، غير أن بعضهم -سوى ابن عصفور- يرى جواز إضافتها للنكرة غير أن إضافتها للمعرفة أقوى.
انظر حاشية الصبان: 1/ 167، وشرح التصريح: 1/ 135.
2 وشرط الاستقبال؛ لأن "أي" موضوعة للدلالة على الإبهام، وذلك يناسبه المضارع المستقبل الزمان، الذي لا يدرى ما فيه. وأما الماضي والحال فمعلومان؛ وأما شرط تقديم العامل؛ فللفرق بينها وبين "أي" الشرطية، والاستفهامية؛ لأنه لا يعمل فيهما إلا متأخر لصدارتهما.
انظر شرح التصريح: 1/ 135- 136.
3 "19" سورة مريم، الآية:69.
موطن الشاهد: {أَيُّهُمْ أَشَدّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أي" موصولة مبنية، وتقدم عليها عامل مستقبل "لننزعن"، وحكم تقدم العامل المستقبل شرط عند الكوفيين، خلافا للبصريين، انظر شرح التصريح: 1/ 135.
4 مرت ترجمته.
لا يجوز: "أعجبني أيهم قام"؟ فقال: أي كذا خُلقَت1، وقد تؤنث وتثنى وتجمع، وهي معربة، فقيل مطلقا، وقال سيبويه: تبنى على الضم إذا أضيفت لفظا وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا، نحو:{أَيُّهُمْ أَشَدّ} 2 وقوله:
على أيِّهمْ أفضلُ1
وقد تعرب حينئذ كما رويت الآية بالنصب والبيت بالجر.
[أل] :
وأما "أل"2، فنحو:{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} 4، ونحو: {وَالسَّقْفِ
1 معلوم أن الكسائي كوفي، والكوفيون، يقولون بلزوم استقبال عامل "أي"، فلما سئل في حلقة يونس بن حبيب عن السبب في عدم جواز:"أعجبني أيهم قام"، لم يجد وجهًا للمنع. فقال:"أي كذا خلقت"، أي: هكذا وضعت قال ابن السراج موجها قول الكسائي بالمنع ما معناه: إن أيا وضعت على العموم والإبهام، فإذا قلت: يعجبني أيهم يقوم، قلت: يعجبني الشخص الذي يقع منه القيام كائنا من كان، ولو قلت: أعجبني أيهم قام، لم يقع إلا على الشخص الَّذي قام فأخرجهما ذلك عما وضعت له من العموم: انظر شرح التصريح: 1/ 136.
2 مر تخريج البيت والتعليق عليه.
3 وتكون للعاقل، وغيره، مفردا وغير مفرد، ويراعى في الضمير العائد إليها المعنى فقط، خوفا من اللبس، وهي لا تكون موصولة إلا إذا دخلت على اسم الفاعل واسم المفعول "أي الصفة الصريحة"، وإعرابها يظهر على الصفة الصريحة المتصلة بها، وأما الداخلة على الصفة المشبهة ففيها خلاف، والأغلب: أنها حرف تعريف. حاشية الصبان: 1/ 164.
4 "57" سورة الحديد، الآية:18.
موطن الشاهد: {الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أل" موصولا اسميا، لدخولها على اسم الفاعل، وهو صفة صريحة، كما بينا.
الْمَرْفُوعِ، وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} 1، وليست موصولا حرفيا خلافا للمازني2 ومن وافقه، ولا حرف تعريف خلافا لأبي الحسن3.
[ذو الطائية] :
وأما "ذو" فخاصة بطيئ، والمشهور بناؤها، وقد تعرب، كقوله:
فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا4
1 52 سورة الطور، الآية:5.
موطن الشاهد: {الْمَسْجُورْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أل" موصولا اسميا؛ لدخولها على اسم المفعول، وهو صفة صريحة.
2 هو: أبو عثمان، بكر بن محمد بن بقية المازني، من بني مازن بن شيبان، كان إماما في العربية ثقة واسع الرواية، لا يناظره أحد إلا قطعه؛ لقدرته على الكلام، وهو بصري أخذ عن أبي عبيدة والأصمعي، وأبي زيد، وروى عن المبرد، قيل فيه: لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان، له تفسير كتاب سيبويه، وعلل النحو، والتصريف. مات سنة 249هـ بالبصرة.
البلغة: 41، بغية الوعاة: 1/ 463، إنباه الرواة: 1/ 246، الأعلام: 2/ 44، معجم المؤلفين: 3/ 71.
3 حجة أبي الحسن أن العامل يتخطَّاها، نحو: جاء الكتاب، كما يتخطاها مع الجامد، نحو: جاء الرجل، وهي مع الجامد معرفة اتفاقا، فتكون كذلك مع المشتق، ورُدَّ بأن سبب ذلك أنها على صورة الحرف.
التصريح: 1/ 137.
وأبو الحسن: هو سعيد بن مسعدة المعروف بالأخفش البصري، وهو الأخفش الأوسط، أحد أئمة النحاة البصريين، قرأ النحو على سيبويه، وكان أكبر منه، وصحب الخليل، ولم يأخذ منه، وقرأ كتابه سيبويه على الكسائي، وكان أعلم الناس بالكلام، وأحذقهم بالجدل، له مصنفات عديدة، منها: المقاييس في النحو، والأوسط، والاشتقاق. مات سنة: 215هـ. البلغة: 86، إنباه الرواة: 2/ 36، بغية الوعاة: 1/ 59، مراتب النحويين: 109، الأعلام: 3/ 154.
4 مر هذا الشاهد والتعليق عليه.
موطن الشاهد: "من ذي".
وجه الاستشهاد: مجيء "ذي" -على هذه الرواية- يدل على أن "ذو" الموصولة، قد تكون معرفة إعراب "ذي"، التي بمعنى "صاحب"، أي: التي من الأسماء الستة، والذي رواه "بالياء" أبو الفتح بن جني، في كتابه "المحتسب"، وهو مشكل؛ لأن سبب البناء قائم، ولم يعارضه معارض مما يختص بالاسم، حتى يراعي المعارض فتعرب.
انظر شرح التصريح: 1/ 137.
فيمن رواه بالياء، والمشهور أيضا إفرادها وتذكيرها، كقوله1:[الوافر]
51-
وبئري ذو حفرت وذو طويت2
1 القائل هو: سنان بن الفحل الطائي: شاعر إسلامي من شعراء الدولة المروانية.
خزان الأدب: 6/ 40.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من كلمة أوردها أبو تمام: حبيب بن أوس الطائي في حماسته. "وكان بنو جرم من طيئ، وبنو هرم بن العشراء من فزارة قد لَجَّ بهم الخصام في شأن ماء من مياههم، فترافعوا إلى عبد الرحمن بن الضحاك والي المدينة، وكان صهرا للفزاريين، فخشي الطائيون أن يميل في حكومته إلى أصهاره، فبرك سنان بن الفحل أمامه وأنشد بين يديه الكلمة التي منها الشاهد المذكور.
انظر: شرح الحماسة للمرزوقي: 590.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 137، والأشموني:"101/ 1/ 72"، وهمع الهوامع: 1/ 84 والدرر اللوامع: 1/ 95، وأمالي ابن الشجري: 2/ 306، والإنصاف: 1/ 384، وشرح المفصل: 3/ 147، 8/ 45، والخزانة: 2/ 511، واللسان "ذا"، وقطر الندى: "31/ 102.
المفردات الغريبة: ذو حفرت: يريد التي حفرتها، ذو طويت، أي التي طويتها، وطي البئر: بناؤها بالحجارة.
المعنى: يقول الشاعر: إن هذا الماء من عهد أبي وجدي، وأنا الذي حرفت هذه البئر وبنيتها بالحجارة.
الإعراب: الفاء: للتعليل. إن حرف مشبه بالفعل. الماء: اسمه. ماء: خبر. أبي: مضاف إليه، والياء: مضاف إليه. وجدي: الواو عاطفة، جدي: معطوف على أبي، والياء: مضاف إليه. وبئري: الواو استئنافية، بئري: مبتدأ، ومضاف إليه. ذو: خبر المبتدأ. حفرت: فعل ماضٍ وفاعل، والجملة صلة للموصول، لا محل لها. وذو: الواو عاطفة، ذو: معطوف على "ذو" السابقة" طويت فعل وفاعل، والجملة: صلة للموصول، لا محل لها، وحذف العائد على الموصولين، من جملتي الصلة، والأصل: وبئري ذو حفرتها وذو طويتها، ويجوز إعراب الواو في "وبئري" عاطفة =
وقد تؤنث وتثنى وتجمع1، حكاه ابن السراج، ونازع في ثبوت ذلك ابن مالك، وكلهم حكى "ذات" للمفردة، و"ذوات" لجمعها، مضمومتين، كقوله:
= جملة، على جملة، أو عاطفة "بئري" على اسم "إن" و"ذو حفرت" على خبر إن، فيكون من باب العطف على معمولي عامل واحد، وهو مما لا خلاف فيه.
موطن الشاهد: "ذو حفرت وذو طويت".
وجه الاستشهاد: استعمال "ذو" في الجملتين اسما موصولا لمؤنث، بمعنى "التي"؛ لأنها واقعة على البئر، وهي مؤنثة، على الرغم من أن لفظها مفرد مذكر، ومعلوم أن البئر غير عاقلة، فيكون استعمل "ذو" للدلالة على المفرد المؤنث غير العاقل.
ومن استعمال "ذو" في المفرد المذكر العاقل، قول الطائي:
فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا
…
هلمَّ فإن المشرفيَّ الفرائض
أي: قولا لهذا المرء الذي جاء ساعيا. ومن استعمال "ذو" في المفرد المذكر غير العاقل، قوله أيضا:
أظنك دون المال ذو جئت طالبا
…
ستلقاك بيض للنفوس قوابض
والمراد: دون المال الذي جئت. أوضح المسالك "تحقيق عبد الحميد": 1/ 154، حا:1.
1 عند بعض بني طيئ، فتقول في المذكر:"ذو قام"، وفي المؤنث "ذات قامت"، وفي مثنى المذكر "ذوا قاما" وفي مثنى المؤنث "ذواتا قامتا"، وفي جمع المذكر "ذو قاموا" وفي جمع المؤنث "ذوات قمن"، وفي الأصول، لابن السراج، أن ذلك عن جميع طيئ، وتبعه ابن عصفور في المقرب.
التصريح: 1/ 137، 138، وابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 122.
2 ابن السراج: هو أبو بكر محمد بن السري البغدادي النحوي، صاحب الكتب الممتعة في النحو، كان أحدث أصحاب المبرد سنا مع ذكاء وفطنة، قرأ كتاب سيبويه على المبرد، وقيل: ما زال النحو مجنونا، حتى عقله ابن السراج بأصوله، أخذ عنه أبو القاسم الزجاجي، والسيرافي، والفارسي، والرماني، له مصنفات هامة، فيها: شرح كتاب سيبويه، ومختصر في النحو، واحتجاج القراءة، والجمل وغيرها، مات شابا سنة 316 هـ.
البلغة: 222، إنباه الرواة: 3/ 145، وبغية الوعاة: 1/ 109، ومعجم المؤلفين: 10/ 19، والأعلام: 7/ 6.
"بالفضل ذو فضلكم الله بِهْ، والكرامة ذات أكرمكم الله بَهْ"1، وقوله2:[مشطور الرجز]
52-
ذواتُ ينهضن بغير سائق3
1 قائل هذه العبارة، رجل من طيئ، كما قال الفراء في لغات القرآن:"سمعنا أعرابيا من طيئ يسأل ويقول: بالفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمكم الله بَهْ" فبنى ذات على الضم، ونقل حركة الهاء الأخيرة إلى ما قبلها، وحذف الألف، فسكنت الهاء، وبالفضل متعلق بمحذوف، أي أسألكم بالفضل، أو نحوه، والكرامة بالخفض معطوفة على الفضل، وكأنه يشير إلى قوله تعالى:{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْق} .
التصريح: 1/ 138، والكواكب الدرية: 1/ 137.
2 هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: أنشد الفراء هذا البيت، ولم ينسبه إلى قائل معين، وحكاه في اللسان غير منسوب، وقبل الشاهد قوله:
جمعتها من أنيق موارق
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 156، والأشموني:"102/ 1/ 73"، والمقرب: 6، وملحقات ديوان رؤبة:180.
المفردات الغريبة: جمعتها: الضمير للنوق المختارة في الأبيات قبله. أينق: جمع ناقة وأصله أنؤق، قدمت الواو على النون؛ لتسلم من الضمة، ثم قلبت ياء للتخفيف، فوزنه "أعفل". موارق: سريعات في السير، جمع مارقة، من مرق السهم من الرمية، إذا نفذ سريعا.
المعنى: يقصد الراجز: أنه اختار هذه النوق، وجمعها من نياق سريعة. ينهضن ويسرعن في السير بغير سائق، ينبهها، ويستحثها على السير، كالسهام التي تمرق من الرمايا.
الإعراب: جمعتها: فعل وفاعل ومفعول به. "من أينق" متعلق بـ "جَمَع"، موارق: صفة لـ "أنيق" ذوات: صفة ثانية لـ "أينق" وهذا على مذهب الكوفيين، الذين يجوزون تخالف النعت والمنعوت في التعريف والتنكير إذا كانت الصفة للمدح أو الذم، وعلى مذهب البصريين، الذين لا يجوزون اختلاف الصفة والموصوف فيهما، فإما أن يكون "ذوات" بدلا من أينق"، أو خبرا مبتدأ محذوف. ينهضن: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: فاعل، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها. "بغير" متعلق بـ "ينهض". سائق: مضاف إليه.
وحكى إعرابهما إعراب ذات وذوات بمعنى صاحبة وصاحبات1.
[ذا وشرط موصوليتها] :
وأما "ذا" فشرط موصولياتها ثلاثة أمور:
أحدها: أن لا تكون للإشارة، نحو:"من ذا الذاهب"؟ و"ماذا التَّواني"؟ 2.
والثاني: ألا تكون ملغاة، وذلك بتقديرها مركبة مع "ما" في نحو:"ماذا صنعت"3، كما قدرها كذلك من "قال عمَّاذا تسأل" فأثبت الألف.
موطن الشاهد: "ذواتُ".
وجه الاستشهاد: مجيء "ذوات" اسما موصولا بمعنى اللواتي، مبنية على الضم، وصلته جملة "ينهض بغير سائق"، وأنكر بعض النحاة أن تكون "ذوات" بمعنى "اللواتي"، وعدوها بمعنى "صاحبات" وأضيفت إلى الفعل، بتأويله بالمصدر، وكأنه قال: ذوات نهوض بغير سائق، كما قالوا:"اذهب بذي تسلم" وهم يريدون: اذهب بذي سلامة، وعلى هذا، فـ "ذوات" على رواية الرفع خبر لمبتدأ محذوف، أي: هن ذوات نهوض، أي: صاحبات سبق. وانظر حاشية الصبان: 1/ 158- 159، وشرح التصريح: 1/ 138.
1 حكى أبو حيان في الارتشاف إعراب "ذات" بالضمة، في حالة الرفع وبالفتحة في حالة النصب، والكسرة في الجر، مع التنوين في الأحوال الثلاثة: إذ لا إضافة، وأما "ذوات" فحكى إعرابها بالحركات أبو جعفر النحاسي الحلبي، وعليه ترفع بالضمة وتجر بالكسرة وتنصب بالكسرة نيابة عن الفتحة كجمع المؤنث، وتنون في الأحوال الثلاثة أيضا.
التصريح: 1/ 138.
2 إنما كانت "ذا" في هذين المثالين موصولة؛ لأن ما بعدها، فيهما اسم مفرد، والاسم المفرد لا يصلح أن يكون صلة لغير "أل" ومتى لم تصلح؛ لأن تكون موصولة، كانت اسم إشارة إذا هي لا تكون إلا على أحد هذين الوجهين، فإذا انتفى أحدهما، ثبت الآخر.
التصريح: 1/ 138.
3 حيث جعلت "ماذا" كلمة واحدة، وأعربت اسم استفهام، في محل نصب مفعول مقدم لفعل صنعت- أي: أيّ شيء صنعت؟ وحينئذ يجوز تقدم العامل عليها، ولا تلزم الصدارة، فقد ورد أن عمرو بن العاص قال للنبي صلى الله عليه وسلم عند إسلامه: أريد أن أشترط. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تشترط ماذا؟ ". ومثل المصنف بـ "ما" وترك التمثيل بـ "من"؛ لأن بعض النحويين كـ "ثعلب" يمنع أن تكون "من" و"ذا" مركبتين، والصحيح الجواز، كما يشير الناظم.
انظر شرح التصريح: 1/ 139 والأشموني مع الصبان: 1/ 159.
لتوسطها1، ويجوز الإلغاء عند الكوفيين وابن مالك على وجه آخر، وهو تقديرها زائدة2.
والثالث: أن يتقدمها استفهام بما باتفاق، أو بمن على الأصح، كقول لبيد3:[الطويل]
1 أي: لأنها بعد التركيب مع "ذا" أصبحت متوسطة في اسم الاستفهام، ولو جعلها اسمين، لحذفت الألف من "ما"؛ لتطرفها، على قاعدة "ما" الاستفهامية، إذا دخل عليها حرف الجر، كما يقول ابن مالك في موضعه:
و"ما" في الاستفهام إن جرت حذفْ
…
ألفُها، وأَوْلِهَا "الها" إن تقفْ
انظر ضياء السالك: 1/ 150.
2 أي: بين "ما" ومدخولها، ففي قولك: ماذا صنعت؟، كأنك قلت: ما صنعت؟، والبصريون يمنعون ذلك، والكوفيون يجيزونه. ولم يذكر المؤلف تركب "ذا" مع "من" ولم يصرح بأن "ذا" تزاد مع "من" والذي وجدناه أن أبا البقاء، وأحمد بن يحيى ثعلب"، لا يجيزان تركب "ذا"مع "من"، ونقل عنهما، أن التركيب خاص بـ "ذا" مع "ما" وعللا ذلك بأن "ما" أكثر إبهاما من "من"، ولذا فيحسن بها أن تجعل مع غيرها كالاسم الواحد؛ ليكون ذلك أظهر لمعناها، وانظر تفصيل ذلك في شرح التصريح: 1/ 139، والأشموني مع الصبان: 1/ 160.
3 لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، أبو عقيل، أحد شعراء الجاهلية وفرسانهم، أمره الحارث الغساني على مئة فارس، جاءوا المنذر بن ماء السماء، فقتلوه، ولم ينجُ منهم إلا هو، أدرك الإسلام وأسلم، ولم يقل شعرا أبدا بعد إسلامه إلا بيتا واحدا، وهو:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي
…
حتى كساني من الإسلام سربالا
عاش طويلا ومات في خلافة معاوية وذلك عن عُمْرٍ بلغ 157 سنة كما قيل. الشعر والشعراء: 1/ 274، طبقات ابن سعد: 6/ 20، أسد الغابة: 4/ 260، الإصابة 6/ 4.
ألا تسألان المرء ماذا يحاول1
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل؟
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 139، والأشموني:"103/ 1/ 73"، وكتاب سيبويه: 1/ 405 ومعاني الفراء: 1/ 139، والجمل للزجاجي: 331، وأمالي ابن الشجري: 2/ 171، 305 وشرح المفصل: 3/ 149، 4/ 23، والعيني: 1/ 7، 440، والمخصص لابن سيده: 4/ 103 وخزانة الأدب: 1/ 339، 2/ 556، واللسان "ذو، ذوات، حول"، ومغني اللبيب:"557/ 395" وشرح السيوطي لأبيات المغني: 55.
المفردات الغريبة: يحاول: تعنى -هنا- يريد ويطلب من المحاولة، وهي استعمال الحيلة والحذق، وإعمال الفكر للوصول إلى المقصود. نحب: يطلق النحب على المدة والوقت، والنذر، والأقرب: أن المراد هنا هو النذر.
المعنى: على عادة القدماء، يطلب الشاعر من صاحبيه أن يسألا هذا الحريص على الدنيا: والذي يبغيه من تهالكه عليها، ومحاولته الوصول إلى أقصى غاياته بشتى الوسائل؟ أهو نذر قطعه على نفسه، فهو يدأب لإنفاذه، ويسعى جهده لقضائه؟ أم هو ضلال وباطل من أمره؟.
الأعراب: ألا: للتنبيه. ما: اسم استفهام، مبتدأ. ذا: اسم موصول، خبر، وجملة "يحاول": صلة، والعائد إلى الاسم الموصول محذوف، والتقدير: ما الذي يحاوله وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب مفعول ثانيا لـ "تسألان"، و"المرء": المفعول الأول. أنحب: الهمزة حرف استفهام. نحب: خبر لمبتدأ محذوف، أو بدل من "ما" الواقعة مبتدأ. أم: حرف عطف، ضلال: معطوف على نحب، وباطل: معطوف على ضلال.
موطن الشاهد: "ماذا".
وجه الاستشهاد: استعمال: "ذا" موصولا بمعنى الذي، ودليل ذلك إتيانه بعده بجملة الصلة، وتقدمه "ما" الاستفهامية، ولا يجوز جعل "ذا" ملغاة مركبة مع "ما" مفعولا مقدما لـ "يحاول"؛ لأنه جاء بالبدل مرفوعا، فدل ذلك، على أن المبدل منه كذلك. ويضعف جعل "ماذا" مبتدأ، وجملة يحاول خبرا لعدم وجود رابط بين جملة الخبر والمبتدأ، وحذف الرابط في مثل هذا قليل، ومنعه سيبويه، وجوز الدماميني ذلك؛ لجواز مثل هذا في الشعر، أو "ماذا" مفعول لـ "يحاول" و"نحب" خبر مبتدأ محذوف. انظر في هذه المسألة، حاشية الصبان: 1/ 159-160.
وقوله1: [المتقارب]
54-
فمن ذا يعزي الحزينا2
والكوفي لا يشترط ما ولا من، واحتج بقوله3:[الطويل]
1 هو أمية بن أبي عائذ الهذلي، أحد بني عمرو بن الحارث من هذيل، شاعر أدرك الجاهلية وعاش في الإسلام، كان من مُدَّاح بن أمية، وله قصائد في عبد الملك بن مروان، ثم رحل إلى مصر، فأكرمه عبد العزيز بن مروان.
الشعر والشعراء: 2/ 267، الخزانة: 1/ 417، الأغاني: 20/ 115.
2 تخريج البيت: تمام البيت:
إلا إن قلبي لدى الطاعنين
…
حزين فمن ذا يعزي الحزينا؟
وهو مطلع قصيدة عدتها 51 بيتا، في مدح عبد العزيز بن مروان، وهي موجودة في شرح أشعار الهذليين، صنعة أبي سعيد السكري.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 139، وشرح ديوان الهذليين للسكري: 515، وديوان أمية بن أبي عائذ:63.
المفردات الغريبة: الظاعنين: جمع ظاعن، وهو اسم فاعل من ظعن، أي سار، ضد أقام وقصد أحبابه الذين فارقوه. حزين: وصف من الحزن، وهو انقباض النفس وانصرافها عما يسر. يعزي: يسلي ويبعث الصبر إلى نفسه.
المعنى: يصف الشاعر نفسه، وما فعل به فراق الأحبة، حين غادروه، كئيبا متألما بلا قلب، ثم يسأل عمن يعزيه ويسري عنه، ويبعث الصبر إلى نفسه، علها تخف آلامه وتذهب أحزانه.
الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه. حزين: خبر "إن" فمن: من اسم استفهام مبتدأ. ذا: اسم موصول بمعنى الذي، خبر المبتدأ. يعزي: فعل مضارع، والفاعل هو. الحزينا: مفعول به، والألف للإطلاق، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها.
موطن الشاهد: "من ذا".
وجه الاستشهاد: مجيء "ذا" اسما موصولا، مع تقدم "من" الاستفهامية، ورأي مذاهب النحويين في ذلك، والدلالة على موصوليتها، مجيئه بجملة الصلة بعدها وهي قوله:"يعزي الحزين".
3 هو: يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري، حليف لقريش، وكان عبدا للضحاك بن عبد عوف الهلالي، وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية توفي سنة 69هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 360،والجمحي: 1/ 143، والأغاني: 17/ 51، والخزانة: 2/ 210.
55-
أمنت وهذا تحملين طليق1
1 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة ليزيد، قالها بعدما أطلقه معاوية بن أبي سفيان من سجن واليه على سجستان وتمام الشاهد مع بيتين بعده هكذا:
عَدَسْ؛ ما لعباد عليك إمارة
…
أمنت وهذا تحملين طليقُ
طليق الذي نجَّى من الحبس بعدما
…
تلاحم في درب عليك مضيقُ
ذَرِي أو تناسَيْ ما لقيت؛ فإنه
…
لكل أناس خبطةٌ وخريقُ
والشاهد من شواهد التصريح: 1/ 139، وهمع الهوامع: 1/ 84، والدرر اللوامع: 1/ 59 والشعر والشعراء: 2/ 717، وشرح المفصل، 2/ 16، 4/ 23، 79، والخزانة: 2/ 514، 3/ 89 والعيني: 1/ 442، 3/ 316، 4/ 314 واللسان "عدس" ومغني اللبيب:"834/ 602" وشرح السيوطي: 291، والأغاني: 18/ 296، وقطر الندى:"33/ 143" وشذور الذهب "69/ 198" والأشموني: "104/ 1/ 74".
المفردات الغريبة: عَدَسْ: اسم صوت لزجر البغل، واسم للبغل أيضا. عباد: هو ابن زياد بن أبي سفيان والي سجستان. إمارة: حكم وتسلط. طليق: اسم مفعول ومعناه: السراح من السجن، لا سلطان لأحد عليه.
المعنى: يخاطب الشاعر بغلته أن تقف، ولا تخاف؛ فهي الآن في آمان، وليس لعباد عليها من سلطان ولا حكم، والذي تحملينه قد خرج من سجنه؛ فهو حر طليق.
الإعراب: عدس: اسم صوت مبني على السكون، لا محل له. ما: نافية مهملة. لعباد: متعلق بمحذوف خبر مقدم. إمارة: مبتدأ مؤخر. وهذا: الواو حالية، و"ها": حرف للتنبيه، وذا: اسم موصول، مبتدأ. تحملين: فعل وفاعل، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها، والعائد محذوف، والتقدير: تحملينه. طليق: خبر لمبتدأ مرفوع.
موطن الشاهد: "ذا"
وجه الاستشهاد: استعمال "ذا" اسما موصولا، من دون أن يتقدم عليه استفهام بـ "ما" أو "من" على رأي الكوفيين، ولم يمنعهم اتصال حرف التنبيه به من موصوليته؛ لأنهم يرون أن جميع ما يكون اسم إشارة، قد يكون اسم موصول، وهم في قوله تعالى:{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُم} ؛ يقدِّرون: ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم، وفي قوله تعالى:{هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يقدرون: ها أنتم الذين جادلتم عنهم، والبصريون، يردون ذلك، ويقولون: إن "هؤلاء" منادى بحذف حرف النداء.
وانظر شرح التصريح: 1/ 139-140.
أي: والذي تحملينه طليق، وعندنا أن "هذا طليق" جملة اسمية1 و"تحملين" حال، أي: وهذا طليق محمولا.
[افتقار الموصولات إلى صلة] :
وتفتقر كل الموصولات إلى صلة2 متأخرة عنها3 مشتملة على ضمير مطابق لها4 يسمى العائد5.
[شروط الصلة] :
والصلة: إما جملة، وشرطها: أن تكون خبرية، معهودة، إلا في مقام التهويل والتفخيم، فيحسن إبهامها، فالمعهودة كـ "جاء الذي قام أبوه"، والمبهمة نحو:{فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} 6، ولا يجوز أن تكون إنشائية كـ "بعتكه" ولا طلبية
1 أي: هذا اسم إشارة على أصله، وليس اسما موصولا؛ لأن "ها" للتنبيه، ولا تدخل على الموصولات.
2 تفتقر إلى صلة؛ لأنها مبهمة المعنى، غامضة المدلول، لا تدل على شيء معين، فلا بد لها من شيء يعرفها، ويزيل إبهامها وغموضها. شرح التصريح: 1/ 140.
2 متأخرة عنها؛ لأنها مكملة للموصول، فهي منه بمثابة جزئه المتأخر؛ ولهذا لا يجوز تقديمها، ولا تقديم شيء منها عليه. المصدر نفسه.
4 مطابق لها؛ ليربطها بالموصول، وهذا المطابقة تكون في اللفظ والمعنى إذا كان الموصول مختصا؛ حيث يطابق في الإفراد والتأنيث وفروعهما، فإذا كان الموصول عاما؛ أي مشتركا نحو:"من" و"ما" وأخواتهما، فيجوز مراعاة اللفظ، وهو الأكثر؛ إذ أمن اللبس، وفي غير "أل" وإلا وجب مراعاة المعنى، وهذا في الموصولات الإسمية؛ أما الموصولات الحرفية فصلتها لا تحتاج إلى رابط كما تبين لنا. "المصدر نفسه".
5 سمي العائد بذلك؛ لعوده على الموصول، وقد يغني عن الضمير في الربط -لسبب بلاغي، أو نحوه- اسم ظاهر بمعنى الموصول، كما في قولهم في خطاب الله تعالى:"أنت الذي في رحمة الله أطمع"، أي: في رحمته. وقد تستغني جملة الصلة عن الرابط إذا عطفت عليها جملة مشتملة عليه شرط أن يكون العطف بالفاء أو الواو، ثم. "المصدر نفسه".
6 "20" سورة طه، الآية:78.
موطن الشاهد: {مَا غَشِيَهُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" اسما موصولا، وجملة "غشيهم"، صلة للموصول، وهي مبهمة، وليست معهودة، وجاءت مبهمة؛ لأنها في مقام التهويل؛ لأن المقصود: الذي غشيهم أمر عظيم، والمرجع في معرفة ذلك الاسم الموصول، فإن أريد به معهود فصِلَتُه معهودة، نحو:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} ، وإن أريد به الجنس فصلته كذلك، نحو:{كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} ، وإن أريد به التعظيم، أبهمت صلته، نحو:{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} .
انظر شرح التصريح: 1/ 141.
كـ "اضربه" و"لا تضربه"1، وإما شبهها، وهي ثلاثة: الظرف المكاني، والجار والمجرور، التامان، نحو: الذي عندك" و"الذي في الدار" وتعلقهما باستقر محذوفا، والصفة الصريحة، أي الخالصة للوصفية، وتختص بالألف واللام، كـ "ضارب" و"مضروب" و"حسن" بخلاف ما غلبت عليها الاسمية، كأبطح وأجرع وصاحب وراكب2، وقد توصل بمضارع، كقوله:
1 فلا تقل: جاء الذي أضربه، أو لا تضربه؛ لأن كلا من الإنشاء والطلب، لا خارجي له؛ فضلا عن أن يكون معهودا، فلا يصلح لبيان الموصول، ومن ثم امتنع الوصل بالتعجبية. وإن كانت خبرية، فلا يقال: جاء الذي ما أحسنه!، لما في التعجب من الإبهام المنافي للبيان فتكون مستثناة من الخبرية كما أن جملة القسم مستثناة من الإنشائية فيجوز الوصل بها نحو:{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَن} وقيل: لا استثناء فيهما، أما التعجبية، فلأنها إنشائية؛ نظرا إلى حالة الاستعمال، وأما القسمية؛ فلأن الوصل إنما هو بجملة الجواب، وهو خبري، وجملة القسم إنما جيء بها؛ لمجرد التأكيد، ولا يجوز الوصل بجملة مستدعية كلاما قبلها، فلا يقال: جاء الذي لكنه قائم أو حتى أبوه قائم؛ لأن فيه استعمال لكن من غير تقدم مستدرك، واستعمال حتى من غير تقدم مغيًّا، وأجاز الكسائي الوصل بالأمر، والنهي، والمازني بالدعاء بما لفظه الخبر، نحو: جاء الذي يغفر الله له، وصاحب الإفصاح "بنعم وبئس"، وهشام "بليت ولعل وعسى" هذا حكم الجملة، وصفوة القول: امتنع وقوع الإنشائية والطلبية صلة؛ لأن مضمونهما لا يعلم إلا بعد ذكرهما، فلا تكونان معهودتين للمخاطب.
الأشموني: 1/ 163- 164، التصريح: 1/ 141، ابن عقيل تحقيق البقاعي": 1/ 125.
2 أما "أبطح": فهو مذكر بطحاء، وهو في الأصل: وصف لكل مكان مستوٍ، ثم غلب عليه الاسمية، فصار مختصا بالأرض المستوية ذات الرمل، التي لا تنبت شيئا، وأما "صاحب" فإنه في الأصل: وصف للفاعل، ثم غلب على صاحب الملك، وأما "راكب" فإنه في الأصل: وصف للفاعل، ثم غلب على صاحب الملك، وأما "راكب" فإنه في الأصل وصف لفاعل، ثم غلب على صاحب الملك، وأما "راكب" فإنه في الأصل: وصف للفاعل، ثم غلب على راكب الإبل، دون غيره، وعلى رأس الجبل، قال الشاطبي، والدليل، على أن هذه الأسماء، انسلخ منها معنى الوصفية، أنها لا تجري صفات على موصوف، ولا تعمل على الصفات، ولا تتحمل ضميرا، فلا توصل بها "أل"؛ لعدم شبهها بالفعل.
التصريح: 1/ 142.
ما أنت بالحكم الترضى حكومته1
ولا يختص ذلك عند ابن مالك بالضرورة.
1 تقدم تخريج وشرح هذا البيت والتعليق عليه.
موطن الشاهد: "الترضى".
وجه الاستشهاد: دخول "أل" الموصولة على الفعل المضارع، ودخولها على المضارع، قليل؛ لأن صلة "أل" لا تكون إلا صفة صريحة، أي: اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو صيغة مبالغة.
فوائد:
- ينبغي أن تقع الصلة بعد الموصول مباشرة، وألا يفصل بينهما أجنبي ليس من جملة الصلة نفسها، ويجوز الفصل بالنداء، إذا تقدم ضمير المخاطب، نحو: أنت الذي -يا أحمد- تستحق المكافأة، ويجوز الفصل بالقسم، نحو: ظفر الذي -والله- يتقي مولاه.
- ويجوز الفصل بالجملة المعترضة، نحو: والدي الذي -حفظه الله- يرعى شؤوني.
حاشية الصبان: 1/ 160. ضياء السالك: 1/ 155.
- يجوز حذف الصلة إن دلت عليها قرينة لفظية، كأن تقول: من رأيته في الحديقة؟ فتجيب: محمد؛ أو قرينة معنوية، يدل عليها المقام كالفخر والتهويل والتعظيم، نحو:
نحن الألى؛ فاجمع جمو
…
عك ثم وجِّهْهُمْ إِلينا
أي: نحن الأُلى عرفوا بالشجاعة، كما يُفهم مما بعده.
- لا يجوز حذف الموصول الحرفي؛ لضعف الحرف عن أن يؤثر، وهو محذوف، وأما الموصول الاسمي، فإن الكوفيين، ومعهم الأخفش، يجيزون حذفه مطلقا، ومن العلماء من يجيز حذفه بشرط أن يكون معطوفا على موصول آخر، نحو قوله تعالى:{آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُم} أي بالذي أنزل إلينا والذي أنزل إليكم؛ لأن المنزل إلى الفريقين، ليس واحدا، ومن ذلك قول حسان بن ثابت:
أمن يهجو رسول الله منكم
…
ويمدحه وينصره سواء؟
أفمن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يمدحه وينصره سواء؟ لأن الذي يهجوه وينصره ليس واحدا.
انظر همع الهوامع: 1/ 89، وحاشية الصبان: 1/ 161-162.
[حذف العائد من الصلة وأحواله] :
ويجوز حذف العائد المرفوع إذا كان مبتدأ مخبرا عنه بمفرد، فلا يحذف في نحو:"جاء اللذان قاما" أو "ضربا"؛ لأنه غير مبتدأ، ولا في نحو:"جاء الذي هو يقوم" أو "هو في الدار" لأن الخبر غير مفرد، فإذا حذف الضمير لم يدل دليل على حذفه؛ إذ الباقي بعد الحذف صالح لأن يكون صلة كاملة، بخلاف الخبر المفرد، نحو:{أَيُّهُمْ أَشَدّ} 1 ونحو: {وَهُوَ الَّذَِّي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} 2، أي: هو إله في السماء، أي: معبود فيها، ولا يكثر الحذف في صلة غير "أي" إلا إن طالت"3 الصلة، وشذَّت قراءة بعضهم4: "تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ"5،
1 "19" سورة مريم، الآية:69.
موطن الشاهد: {أَيَّهُمْ أَشَدّ} .
وجه الإستشهاد: مجيء "أشد" خبرا مفردا محذوف، تقديره: هو؛ لأن تقدير الكلام: أيهم هو أشد، وذلك المبتدأ المحذوف هو العائد.
2 "43" سورة الزخرف، الآية:84.
موطن الشاهد: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إله" خبرا لـ "مبتدأ" محذوف، تقديره: هو إله، وذلك المبتدأ هو العائد، وأتى خبره مفردا، كما ذكرنا.
3 معلوم أن "أي الموصولة ملازمة للإضافة، إما لفظا، نحو "أيهم أشد"، وإما تقديرا، نحو: "أي أشد، ولما كان "لا بد لها من المضاف إليه في اللفظ أو التقدير، جعلوا ذلك بمنزلة طول الصلة، فلم يشترطوا شيئا في جواز حذف العائد المرفوع من صلتها، واشترطوا ذلك في صلة غير "أي"؛ لأن غيرها من الموصولات لا يلزم الإضافة، بل يقبلها.
ويستثنى من اشتراط طول الصلة صلة "ما" في قولهم: "لا سيما زيد" إذا رفعت زيدًا، فإن رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، وجملة المبتدأ والخبر، لا محل لها من الإعراب؛ لأنها صلة "ما"، والتقدير: "ولا سي الذي هو زيد، فحذف المبتدأ، وهو العائد، وليست الصلة طويلة، والحذف في هذا الموضع مقيس، وليس شاذًّا.
شرح التصريح: 1/ 143-144، وابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 129، والأشموني مع الصبان: 1/ 166.
4 هو يحيى بن يعمر بن أبي إسحاق.
5 "6" سورة الأنعام، الآية:154.
وقوله1:
56-
من يُعنَ بالحمد لم ينطق بما سَفَهٌ2
أوجه القراءات: قرأ برفع "أحسن" يحيى بن يعمر وابن أبي إسحق، وهي قراءة محكية عن الحسن والأعمش انظر تفسير القرطبي: 7/ 137، والبحر المحيط: 4/ 255، والإتحاف:220.
موطن الشاهد: "أحسن".
وجه الاستشهاد: مجيء "أحسن" على هذه القراءة خبرًا لمبتدأ محذوف، وهذا المبتدأ المحذوف، هو العائد إلى "الذي" و"الجملة": صلة للاسم الموصول.
وأما من فتح "أحسن" على اعتبار كونه فعلا ماضيا، صلة لـ "الذي"، وفيه ضمير يعود على الذي. انظر مشكلة إعراب القرآن: 1/ 299.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ولا يحد عن سبيل المجد والكرم
وهو من شواهد التصريح: 1/ 144، والأشموني:"113/ 1/ 78"، والعيني: 1/ 446، وهمع الهوامع: 1/ 90، والدرر اللوامع: 1/ 69 وفيه برواية: "الحلم" بدل "المجد".
المفردات الغريبة: يعن -بالبناء للمجهول؛ لزوما على المشهور:
يعتني ويهتم. الحمد: الثناء. سَفَهٌ: السفة رقة العقل وضعفه، والمراد: لازمه وهو قول السوء والفحش. لا يحد: لا يمل ولا ينحرف.
المعنى: يبين الشاعر: أن من همه أن يكون محمود السيرة يحمده الناس ويثنون عليه لا ينطق بالسوء من القول، ولا ينحرف عن الطريق؛ طريق الحلم والكرم وفضائل الأخلاق ومكارمها.
الإعراب: من" اسم شرط، مبتدأ. يعن: مضارع مبني للمجهول، وهو فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف الألف، ونائب الفعل: هو "بالحمد" متعلق بـ "يعن". لم: حرف جازم. ينطق: مضارع مجزوم والفاعل: هو، و"الجملة" في محل جزم جواب الشرط. بما": متعلق بـ "ينطق". سفه "بالرفع": خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو سفه، و"الجملة": صلة، لا محل لها. ولا: الواو عاطفة لا: حرف زائد لتأكيد النفي. يحد: مضارع معطوف على "ينطق". "عن سبيل": متعلق بـ "يحد". المجد: مضاف إليه. والكرم: الواو عاطفة، الكرم: اسم معطوف على المجد.
موطن الشاهد: "بما سفه".
وجه الاستشهاد: حذف العائد إلى الاسم الموصول من جملة الصلة، وهو مرفوع، ولم تطل الصلة، وحكم حذف العائد في هذه الحال الشذوذ عند البصريين، والجواز من دون شذوذ عند الكوفيين.
والكوفيون يقيسون على ذلك1.
ويجوز حذف المنصوب إن كان متصلا، وناصبه فعل أو وصف غير صلة الألف واللام2، ونحو:{وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُون} 3، وقوله4:[البسيط]
57-
ما الله موليك فضلٌ فاحمدنه به5.
1 خلاصة ما تقدم: أن الكوفيين، يجيزون حذف العائد المرفوع بالابتداء مطلقا، طالت الصلة أم قصرت، سواء كان الموصول "أيا" أم غيرها ويوافقهم البصريون في "أي" أما غيرها فيشترطون طول الصلة، فالخلاف بينهما فيما إذا لم تطل الصلة، وكان الموصول غير "أي" وحجة الكوفيين السماع، وعند البصريين شاذ شرح التصريح:144.
2 لا يجوز حذف منصوب صلة الألف واللام، إذا عاد إليها؛ لأنه دليل على اسميتها الخفية، فلو حذف ضاع هذا الفرض، أما إذا عاد على غيرها فيجوز حذفه، نحو: جاء الذي أنا المكرم.
3 "64" سورة التغابن، الآية:4.
موطن الشاهد: {مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} .
وجه الاستشهاد: حذف العائد المنصوب المتصل؛ لأن الأصل: يعلم ما يسرونه وما يعلنونه، وحكم حذف العائد في هذه الحال الجواز؛ لأن ناصبه فعل.
4 لم ينسب إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد:
هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فما لدي غيره نفع ولا ضرر.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 145، وابن عقيل "34/ 1/ 169"، وهمع الهوامع: 1/ 89.
المفردات الغريبة: موليك: مانحك ومعطيك، وهو اسم فاعل من أولى يولى أي أعطى. فضل: منة وعطاء تفضلا منه.
المعنى: يخاطب الشاعر الإنسان العاقل، بأن ما وهبه الله لك من النعم هو تفضل منه وإحسان، وليس جزاءًا لعمل عملته، أو حقا لك عليه سبحانه، فاحمد الله واشكره على ذلك، فهو وحده النافع الضار، ومن بيده مقاليد الأمور، ولا يملك غيره من الأمر شيئا. =
بخلاف "جاء الذي إياه أكرمت" و"جاء الذي إنه فاضل" أو "كأنه أسد" أو "أنا الضاربة"1، وشذ قوله2:[البسيط]
58-
ما المستفِزُّ الهوى محمودُ عاقِبَةٍ3
= الإعراب: ما: اسم موصول، مبتدأ. الله:"لفظ الجلالة" مبتدأ ثانٍ. موليك: خبر المبتدأ الثاني، مضاف إلى "الكاف" من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله الأول، وجملة:"الله موليك": صلة للموصول، لا محل لها، والعائد إلى "ما" محذوف، التقدير: ما الله موليكه"، وهذا المحذوف، هو المفعول الثاني لاسم الفاعل "موليك" فضل: خبر "ما" فاحمدنه: الفاء واقعة في جواب شرط مقدر أي: إذا كان كذلك فاحمدنه، احمدنه: فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والهاء: مفعول به. فما: الفاء تعليلية. ما نافية مهملة. لدى: متعلق بخبر مقدم. غيره: مضاف إليه، والهاء: مضاف إليه ثانٍ. نفع: مبتدأ مؤخر، ويجوز أن تكون "ما" عاملة عمل "ليس" و"لدى" خبرها مقدم، و"نفع" اسمها مؤخر.
موطن الشاهد: "ما الله موليك".
وجه الاستشهاد: حذف الضمير العائد إلى الاسم الموصول، من جملة الصلة؛ لأن التقدير "موليكه" وهذا العائد منصوب بوصف، وهو مولٍ، ويمكن هنا أن يكون التقدير موليك إياه، وهذا التقدير أرجح؛ لأن الانفصال في ثاني الضميرين المعمولين "اسم" أرجح من الاتصال، كما مر سابقا، ولكن قدر متصلا تمشيا مع قول المصنف، وتقييد المصنف بالمتصل، احترازا من المنفصل، يقصد به الحصر ليس غير.
1 في المثال الأول: لم يجز حذف العائد فيه؛ لأن هذا العائد ضمير منفصل لغرض الحصر، ففات فيه شرط اتصال الضمير، أما المثال الثاني: فلم يجز حذف العائد؛ لأن العامل في العائد هو "إن" ففات فيه شرط كون العامل فيه فعلا، أو وصفا، وأما المثل الثالث: فلم يجز حذف العائد فيه المثال السبب في المثال الثاني، وإنما جاء بمثالين للعائد المعمول لحرف؛ لأن الحرف العامل، إما أن يغير معنى الجملة مثل كأن، وإما ألا يغيرها مثل إن، وأما المثال الرابع: فلم يجز حذف العائد فيه؛ لكون العامل فيه وصفا واقعا صلة "أل".
التصريح: 1/ 146.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ولو أتيح له صفو بلا كدر.
وهو من شواهد التصريح: "1/ 146، 2/ 267، والأشموني: "115/ 1/ 79"، والعيني: =
وحذف منصوب الفعل كثير، ومنصوب الوصف قليل1
= 1/ 447، 4/ 479، وهمع الهوامع: 1، 89، والدرر اللوامع: 1/ 68.
المفردات الغريبة: المستفزّ: اسم فاعل من استفزه: أزعجه واستخفه. الهوى: ميل النفس إلى ما تشتهي. أتيح: هيئ وقدر.
المعنى: يرى الشاعر أن الإنسان الذي يستخفه الهوى وتزعجه صبوة النفس ويتبع شهوات نفسه، وينقاد لها، ليس محمود العواقب.
الإعراب: "ما" نافية مهملة. "المستفز: مبتدأ. الهوى: فاعل المستفز، ومفعوله محذوف عائد إلى "أل" أي: المستفزه. محمود: خبر المبتدأ، ويمكن أن تكون "ما" عاملة عمل "ليس" والمستفز: اسمها، ومحمود: خبرها. ولا: الواو عاطفة على محذوف. لو شرط غير جازم أتيح: فعل ماضٍ مبني للمجهول، "له: "متعلق بـ "أتيح". صفو: نائب فاعل. بلا: الباء حرف جر. لا: اسم بمعنى "غير" ظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية، وهو مضاف، كدر مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية و"بلا كدر": متعلق بمحذوف صفة لـ "صفو".
موطن الشاهد: "ما المستفز".
وجه الاستشهاد: حذف العائد من صلة "أل"، وهو منصوب بالوصف "المستفز"، وحكم هذا الحذف أنه شاذّ، ويرى بعضهم أنه قليل، وليس شاذا، والأصل في العبارة: ما المستفزه الهوى محمود العاقبة.
1 كان حذف منصوب الفعل كثيرا؛ لأن الأصل في العمل للفعل، فكثر تصرفهم في معموله بالحذف تارة، وبالتقديم تارة وبالفصل بين الفعل ومعموله تارة أخرى وكان حذف منصوب الوصف قليلا جدا، بل قال الفارسي: لا يكاد يسمع من العرب، وقال ابن السراج أجازوه على قبح، وقال المبرد: رديء جدا؛ لأن الوصف فرع في العمل ومن شأن الفرع أن يكون ضعيفا، فلا يتصرف في معموله، ومن التصرف في المعمول الحذف، غير أن ابن مالك في نظمه، يقول:
والحذف عندهم كثير منجلي
…
في عائد متصل إن انتصب
بفعل او وصف......
فسوَّى بين منصوب الفعل والوصف في كثرة الحذف، والأفضل ما ذهب إليه المتقدمون.
ويجوز حذف المجرور بالإضافة إن كان المضاف وصفا غير ماضٍ1، نحو:{فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} 2، بخلاف:"جاء الذي قام أبوه" و"أنا أمس ضاربه"3.
والمجرور بالحرف4 إن كان الموصول أو الموصوف بالموصول مجرورا بمثل ذلك الحرف معنى ومتعلقا، نحو:{وَيَشْرَبُ مِمَّاْ تَشْرَبُوْنَ} 5، أي: منه،
وانظر شرح التصريح: 1/ 146، وحاشية الصبان: 1/ 170-171
1 بأن يكون اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، أو اسم مفعول كذلك، بشرط أن يكون فعله متعديا لاثنين؛ ليكون أحدهما: نائب فاعل، والثاني: هو المضاف إليه لفظه. شرح التصريح: 1/ 147.
2 "20" سورة طه، الآية:72.
موطن الشاهد: {مَا أَنْتَ قَاضٍ} .
وجه الاستشهاد: حذف العائد إلى "ما" الموصول الاسمى؛ لأن الأصل: فاقض الذي أنت قاضيه، والعامل في العائد اسم فاعل بمعنى الحال، أو الاستقبال هنا، ومعلوم أن اسم الفاعل المضاف إلى العائد ناصب له تقديرا. ويجوز أن تكون "ما" موصولا حرفيا، يسبك بما بعده بمصدر، التقدير: فاقض قضاءك.
3 لأن المضاف في الأول، ليس بوصف، وفي الثاني وصف ماضٍ، وهو لا يعمل.
4 إن كان العائد مجرورا بحرف فلا يحذف؛ إلا إن دخل على الموصول حرف مثله، لفظا ومعنى، واتَّفق العامل فيهما مادة، نحو: مررت بالذي مررت به، أو أنت مار به، فيجوز حذف الهاء، فتقول:"مررت بالذي مررت"، نحو قوله تعالى:{وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُون} أي: منه، وتقول: مررت بالذي أنت مارٌّ، أي: به.
فإن اختلف الحرفان، لم يجز الحذف، نحو: مررت بالذي غضبت عليه، فلا يجوز حذف "عليه" وكذلك، مررت بالذي مررت به على زيد، فلا يجوز حذف "به" منه؛ لاختلاف معنى الحرفين؛ لأن الباء الداخلة على الموصول للإلصاق، والداخلة على الضمير للسببية، وكذا إن اختلف العاملان، لم يجز الحذف أيضا، نحو:"مررت بالذي فرحت به" فلا يجوز حذف "به".
انظر شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 1/ 139-140.
5 "23" سورة المؤمنون، الآية:33.
موطن الشاهد: {مِمَّا تَشْرَبُونَ} .
وجه الاستشهاد: حذف الهاء من "تشربون" لأن الأصل: تشربون منه، والذي جوز حذف العائد هنا دخول الجار نفسه على "ما" الموصولة، مع اتحاد العامل مادة، وهو:"تشرب".
قوله1: [البسيط]
59-
لا تركنن إلى الأمر الذي ركنت
…
أبناء يعصر حين اضطرها القدر2
وشذ قوله3: [الوافر]
1 هو: كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، شاعر فحل مجيد، أسلم، بعد أخيه بجير، وكان قد نهى أخاه عن الإسلام، وهجا المسلمين، فتوعده الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جاءه مسلما وأنشده قصيدته المشهورة، التي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
فعفا عنه، وكساه بردته، فسميت هذه القصيدة بالبردة.
الشعر والشعراء: 1/ 154، الأغاني: 15/ 142، الإصابة: 1/ 143، أسد الغابة: 1/ 164.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 147، والأشموني:"119/ 1/ 81" والعيني: 1/ 1449.
المفردات الغريبة: لا تركنن: لا تميلن، من ركن إليه: مال وسكن. الأمر: المراد به هنا: الفرار من القتال. يعصر: أبو قبيلة من باهلة.
المعنى: يحرض الشاعر على الثبات في القتال قائلا: لا تجنح إلى الهزيمة، والفرار من القتال، وعدم الصمود أمام الأعداء، كما فعلت أبناء يعصر حين اضطرت إلى ذلك.
الإعراب: لا: ناهية. تركنن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، في محل جزم بـ "لا" والفاعل: أنت. "إلى الأمر": متعلقان بـ "ترك". الذي: صفة لـ "الأمر" ركنت: فعل ماضٍ والتاء: للتأنيث. أبناء: فاعل مرفوع. يعصر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ للعلمية ووزن الفعل، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها. "حين": متعلق بـ
…
ركنت" اضطرها: فعل ماضٍ، و"ها" مفعول به. القدر: فاعل، و"الجملة" في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "تركنن إلى الأمر الذي ركنت أبناء يعصر".
وجه الاستشهاد: حذف العائد من جملة الصلة إلى الموصول، والسبب الذي جوز حذفه، مجيء ذلك العائد مجرورا بحرف جر مماثل للحرف الذي جر الموصوف بالموصول في اللفظ، والمعنى، ومجيء، متعلق الحرفين متحدا في اللفظ، والمعنى أيضا؛ لأن المادة واحدة، وإن اختلفت الصيغتان.
3 هو حاتم الطائي، وقد مرت ترجمته.
60-
وأي الدهر ذو لم يحسدوني1
أي: فيه، وقوله2:[الطويل]
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ومن حسد يجور علي قومي
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 147، والأشموني:"121/ 1/ 81"، والعيني: 1/ 451 وليس في ديوان حاتم الطائي.
المفردات الغريبة: من حسد: من: للتعليل، والحسد: تمني زوال نعمة الغير. يجور علي قومي: يظلمونني.
المعنى: يقول الشاعر: أن قومي يظلمونني، ويجاوزون حد الاعتدال معي، حسدا منهم علي وبغضا. وحسدهم هذا دائم متواصل، فأي وقت من الأوقات لم يحسدوني فيه؟!
الإعراب: "مِن حسد: متعلق بـ "يجور". يجور: فعل مضارع مرفوع. "علي: متعلق بـ "يجوز". قومي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: مضاف إليه وأي: الواو استئنافية، أي: اسم استفهام، مبتدأ، وهو مضاف. الدهر: مضاف إليه. ذو: اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع خبر المبتدأ "أي". لم حرف نفي وجزم وقلب. يحسدوني: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون، والواو: فاعل، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها، والعائد إلى الموصول، من هذه الجملة محذوف، كما سنرى.
موطن الشاهد: "ذو لم يحسدوني".
وجه الاستشهاد: حذف العائد إلى الموصول من جملة الصلة، فجملة الصلة:"لم يحسدوني" والاسم الموصول: "ذو" الذي بمعنى "الذي"، والعائد المحذوف: ضمير مجرور بحرف جر محذوف، وتقدير الكلام: لم يحسدوني فيه. وأما حكم هذا الحذف، فشاذ عند جمهور العلماء، والذي سهل الحذف، كون الموصوف بالموصول اسما مرادا به زمان، والضمير العائد إليه مجرورا بـ "في" التي بها ينصرف الذهن إلى المحذوف، ولذا قال بعضهم: إن الحذف في مثل هذا قياسي.
انظر شرح التصريح: 1/ 147.
2 ينسب هذا الشاهد إلى رجل من همدان، ولم يعين اسمه أحد من النحاة.
61-
وهوَّ على من صبه الله علقم1
أي: عليه، فحذف العائد المجرور مع انتفاء خفض الموصول في الأول، ومع اختلاف المتعلق في الثاني وهما:"صب" و"علقم"2.
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
وإن لساني شهدة يُشتفَى بها
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 148، والأشموني:"122/ 1/ 81، والعيني: 1/ 451 وشرح المفصل: 3/ 96، وخزانة الأدب: 2/ 400،ومغني اللبيب: "797/ 567" وشرح السيوطي: 285.
المفردات الغريبة: شهدة "بضم الشين وسكون الهاء" أصله العسل، ما دام في شمعه. علقم: هو الحنظل، وهو شجر له ثمر مر كريه الطعم.
المعنى: يدَّعي الشاعر أن لسانه مثل الشهد والعسل، فيه شفاء للناس الذين أحبهم وأثنى عليهم، وهو مثل الحنظل في المرارة، على من سلطه الله عليه.
الإعراب: هو: "بالتشديد على لغة همدان" مبتدأ. علقم: خبر "على من": متعلق بـ "علقم"؛ لأنه بمعنى. مر"، وجملة "صبه الله". صلة للموصول؛ لأن "من" اسم موصول بمعنى الذي، والعائد إلى الاسم الموصول محذوف مجرور بـ "على" و"الجار والمجرور": متعلق بـ "صب".
موطن الشاهد: "على من صبه الله".
وجه الاستشهاد: حذف العائد إلى "من" وهو مجرور، بحرف جر محذوف، مع اختلاف المتعلقين، "صب" و"علقم"، وحكم هذا الحذف شاذ، وتقدير الكلام:"وهو علقم على من صبه الله عليه".
2 ويمتنع حذف العائد المجرور في مواضع أخرى منها:
1-
إذاكان العائد المجرور محصورا، نحو مررت بالذي ما مررت إلا به، أو إنما مررت به.
2-
إذا كان نائبا عن الفاعل، نحو: مررت بالذي مُرَّ به.
3-
إذا كان لا يتعين للربط نحو: مررت بالذي مررت به في داره.
4-
إذا كان حذفه ملبسا نحو: رغبت فيما رغبت فيه؛ لأنه لا يعلم أن الأصل فيه أو عنه، وقيل يجوز؛ لأن الحذف يدل على اتفاق الحرفين، ولو كانا متباينين لم يجز الحذف؛ لأنه مشروط فيه اتفاق الحرفين وهذا أوفق.
التصريح: 1/ 148.