الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ث- المراجع الهادية
وأعني بها تلك المراجع التي تهدي وتدل على المراجع الكبرى، بعد أن تقدم تعريفاً موجزاً بالمترجم له، وتأتي فيه على مولده ووفاته، وأبرز أعماله.
وقد كثرت هذه المراجع في العصر الحديث كثرة ظاهرة. ولا يستحق منها التنويه به، سوى كتابين (1)
، هما:
1-
الأعلام؟ للأستاذ خير الدين الزركلي. رحمه الله.
12-
معجم المؤلفين. للأستاذ عمر رضا كحالة. متعه الله بالصحة والسلامة.
* * *
أما " الأعلام " فهو خير كتاب لف في بابه، بل هو خير ما كتب كاتب في تراجم الرجال والنساء في هذا العصر.
(1) هذه وجهة نظر خاصة، أدى إليها طول التأمل في كتب التراجم، قديماً وحديثاً، ومجالسة العلماء وأهل الخبرة، بعد توفيق الله وهدايته.
وقد يرى بعضهم في دائرة المعارف، والموسوعات الميسرة، خيراً ونفعاً، ونحن لا ننازع في ذلك، ولكن هذه وتلك لم تسلم من الغمز واللمز، إلى أوهام كثيرة في أسماء الأعلام والكتب. وما ينبغي أن يتعامل معها إلا من رسخت قدمه، وطال باعه في تاريخ أمته، حتى يميز الخبيث من الطيب. ولهذا وأشباهه حديث آخر.
وقد جعل الزركلي ميزان الاختيار عنده: "أن يكون لصاحب الترجمة علم تشهد به تصانيفه، أو خلافة أو ملك أو إمارة، أو منصب رفيع - كوزارة أو قضاء - كان له فيه أثر بارز، أو رياسة مذهب، أو فن تميز به، أو أثر في العمران يذكر له، أو شعر، أو مكانة يتردد بها أسمه، أو رواية كثيرة، أو يكون أصل نسب، أو مضرب مثل. وضابط ذلك كله: أن يكون ممن يتردد ذكرهم، ويسأل عنهم "(1) .
وقد أفسح الزركلى في كتابه، مكاناً لهؤلاء النفر من المستشرقين، الذين قدموا خدمة للعربية، في مجال الدراسات ونشر النصوص.
ومحاسن هذا الكتاب كثيرة، وإن فأتنى ذكر هذه المحاسن مجتمعة، فإني أشير إلى أبرزها:
1-
الدقة البالغة في تحرير الترجمة، وإبراز أهم ملامح العلم المترجم.
2-
ذكر ما قد يكون من خلاف، في الاسم (2) ، والمولد والوفاة، ونسبة الكتب (3) مع اتخاذ مواقف الحسم، أو الترجيح.
3-
تنقية بعض كتب التراجم مما علق بها، من وهم، أو تصحيف، أو تحريف.
(1) الأعلام 1/20.
(2)
منه - وهو كثير - ما تراه في ترجمة " جعفر بن تغلب الأدفوي " العلام 2/123.
(3)
منه - وهو كثير - الخلاف في نسبة كتاب " خريدة العجائب وفريدة الغرائب" إلىزين الدين بن الوردي. الأعلام 5/67.
4-
الرجوع في توثيق الترجمة إلى المصادر المخطوطة، إذا عزت المطبوعة، أو كانت الثقة بها نازلة (1) .
5-
الاستعانة بالمراجع الحية، من أهل العلم، والمنتسبين إلى مذهب المترجم (2) .
6-
جلاء الغموض الذي يكتنف بعض الأعلام (3) .
7-
التنبيه على بعض الفوائد العلمية (4) .
8-
الإنصاف والبعد عن الهوى، وسوق الرأي الخاص ملففاً في
(1) منه - وهو كثير - رجوعه إلى مخطوطة كتاب " التبيان لبديعة البيان" للحافظ ابن ناصر الدين - محمد بن عبد الله بن محمد المتوفى سنة 842هـ. وكذلك رجوعه إلى "طبقات الشافعية الوسطى" لابن السبكي، وعدوله عن "الطبقات الكبرى" لما وجد فيها من تصحيف. انظر على سبيل المثال 7/23، ترجمة "محمد بن محمد بن الحسن بن هندوية".
(2)
منه - وهو كثير - ما تراه في ترجمة "حمزة بن علي بن أحمد الفارسي الحاكمي الدرزي" الأعلام 2/278 - 279.
(3)
منه - وهو كثير - ما تراه في ترجمة الشاعر نصر بن عبد الله بن عبد القوى، المعروف بابن قلاقس الاسكندرية. الأعلام 8/24.
(4)
منه - وهو كثير - ما ذكره في ترجمة "محمد عبد الحي بن عبد الكبير، المعروف بعبد الحي الكتاني". قال في حديثه عن كتابه " التراتيب الإدارية": "استوعب فيه كتاب " تخريج الدلالات السمعية" لأبي الحسن، علي بن محمد الخزاعي، وزاد عليه أضعاف فصوله، وقد فاته الاطلاع على جزء منه في نحو ربعه، أرانيه فاضل في تطوان، وأخبرني أن خوانة الرباط صورت نسخة عنه". الاعلام 6/188.
بجاد (1) النزاهة والتصون. وأكثر ما ترى ذلك في تراجم المعاصرين، من أهل الفكر والأدب والسياسة (2) .
9-
الإحالة الذكية بعد الفراغ من الترجمة إلى أصول المصادر والمراجع.
10-
ذكر نفائس المخططات ونوادرها، التي رآها في رحلاته وأسفاره. وكذلك التي اطلعه عليها أصدقاؤه (3) ، وفي مقدمتهم السيد أحمد عبيد، بدمشق، وما أكثر ما أشار إليه في تعليقاته.
11-
إثبات صور خطوط العلماء قديماً وحديثاً. وهذا يفيد في توثيق المخطوطات التي يقال إنها بخطوط مؤليها. فعن طريق مضاهاة ما بيدك منها بما أثبته من تلك النماذج للخطوط، يظهر لك وجه الصواب، أو الخطأ.
ويتصل بذلك إثباته لتوقيعات الخلفاء والملوك والأمراء والوزراء وصور المحدثين من المعاصرين، ومن قرب منهم، ممن أدركهم فن التصوير الفوتوغرافي.
(1) البجاد، بكسر الباء: الكساء.
(2)
منه - وهو كثير - ما ذكره في آخر ترجمة " عبد الحي الكتاني" المذكور قبل سطرين. قال: "وكان على ما فيه من انحراف عن الجادة في سياسته، صدراً من صدور العرب، ومرجعاً للمستشرقين خاصة".
(3)
وذكر ذلك في بيان معجب آسر، في مقدمة الأعلام 1/16.
12-
وقد زان ذلك كله حسن البيان، وصفاء العبارة. فالرجل رحمه الله، كان أديباً شاعراً. وقد كان الأدب ومازال، خير سبيل لإيصال المعرفة، وسرعة أنصابها إلى السمع، واستيلائها على النفس. والبليغ يضع لسانه حيث أراد. وإنك لتجد كثيراً من الدراسات قد جمعت فأوعت، لكنها لم تبلغ مبلغها من النفع والفائدة؛ لجفافها وعسرها.
أما ما وراء ذلك من حلو الشمائل، وكرم الطبع، ونقاء الخلق، فهو مما لهج به الخاصة والعامة، ممن اتصلوا بالرجل، بسبب من الأسباب.
ولست أشك في أن إقامة الزركلى رحمه الله في مصر والمغرب، سنين ذوات عدد، قد أعانته على إقامة ذلك الصرح الشامخ. وآية ذلك أن كثيراً من نماذج المخطوطات، التي امتلأ بها كتابه، من محفوظات دار الكتب المصرية، ومعهد المخطوطات بالقاهرة، وخزائن الكتب الخاصة والعامة، بالمغرب الأقصى (1) .
(1) معلوم أن الزركلى، رحمه الله، قد أنشأ مطبعة بالقاهرة، أواخر عام 1923م سماها "المطبعة العربية" وكان مقرها بشارع المزين بالموسكي نشر فيها بعض كتبه، وكتباً أخرى، إلى أن باعها، سنة 1927م. ثم قضى بالقاهرة أعواماً، مستشاراً للمفوضية العربية السعودية، ووزيراً مفوضاً، ومندوباً دائماً للمملكة العربية السعودية بمصر، لدى جامعة الدول العربية، من سنة 1934م إلى سنة 1957م وله بمصر، صهر ورحم. وقد ظهرت الطبعة الأولى والثانية من "الأعلام" بالقاهرة.
كما أنه عين سفيراً للمملكة العربية السعودية في المغرب، حيث قضى هناك أعواماً، جمع فيها مادة محررة لتراجم المغاربة والأندلسيين، وقد فتح له أهل المغرب قلوبهم ومكتباتهم معاً. وإذا دخل العلم من باب الحب، فليس من وراء ذلك شيء.
وخلاصة القول: أن هذا الكتاب أبلغ رد على من يزعم أن العرب المعاصرين لم يصنعوا شيئاً ذا بال، في تاريخ رجالهم وأعلامهم.
وأنه لا ينبغي أن تخلو مكتبة طالب علم من هذا الكتاب.
وليت الذين يطبعون الكتب احتساباً وقربى، يدخرون لأنفسهم عملاً صالحاً بطبع هذا الأثر الباقي، وتمكين من لا يقدر على شرائه من قراءته ولانتفاع به.
* * *
وأما كتاب "معجم المؤلفين" للأستاذ عمر رضا كحالة، فهو عظيم النفع جليل الفائدة. وقد أبان عن منهجه، وغايته من تأليفه، فقال في تقدمته:"هذا معجم لمصنفي الكتب العربية، ومن عرب وعجم، ممن سبقوا إلى رحمة الله، منذ بدء تدوين الكتب العربية حتى العصر الحاضر. وقد أحلقت بهم من كان شاعراً، أو راوياً، وجمعت آثاره بعد وفاته".
وتراجم الكتاب غاية في الوجازة والاختصار، فهو لم يعن بترجمة المؤلف عنايته بذكر مصادر الترجمة، وقد توسع في ذلك توسعاً ظاهراً، وأتى بالقريب والبعيد، مما يعفى الباحث عن عناء التتبع والاستقصاء (1) .
(1) انظر على سبيل المثال ترجمة شاعر مصر والعرب أحمد شوقي، في 1/246 - 250، وترجمة الجلال السيوطي في 5/129 - 130. وذكر في هذه الترجمة مواضع وروده في كشف الظنون، وهي بالغة الكثرة.