الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ- السيرة النبوية والمغازي
في النصف الثاني من القرن الأول الهجري بدأ بعض التابعين في تدوين أخبار السيرة النبوية، ومغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويجمع مؤرخو السير على أن أول من كتب في ذلك، هو أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي، المتوفى سنة 93هـ. وقد عاصره وتلاه نفر من التابعين، الذين عرفوا بالعناية بالسيرة، وجمع أخبارها، منهم أبان بن عثمان بن عفان المتوفى سنة 105هـ، ووهب بن منبه المتوفى سنة 110هـ، وعاصم بن عمر بن قتادة المتوفى سنة 120هـ، ومحمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري المتوفى سنة 124هـ، وعبد الله بن أبي بكر ابن محمد بن حزم المتوفى سنة 135هـ.
ولم يبق من كتابات هؤلاء الرواد الأوائل إلا ما تناثر من روايات في تصانيف ابن إسحاق، والواقدي، وابن سعد، والطبري. ويقال: إنه توجد قطعة من كتاب وهب بن منبه، في مدينة هيدلبرج بألمانيا، في مجموعة سكوت رينهارت. وهي قطعة صغيرة كتبت على ورق البردي، وفيها ذكر بيعة العقبة.
ثم جاءت بعد ذلك طبقة من كتاب السير، منهم موسى بن عقبة المتوفى سنة 141هـ، ومحمد بن إسحاق المتوفى سنة 151هـ، ومعمر بن راشد المتوفى سنة 154هـ، وأبو معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني المتوفى سنة 170هـ. وهؤلاء جميعاً من تلامذة ابن شهاب الزهري.
أما موسى بن عقبة، فقد ألف في المغازي تأليفاً أثنى عليه
الأئمة عن يحيى بن معين، قال:"كتاب موسى بن عقبة، عن الزهري، من أصح هذه الكتب"(1) . وقال الإمام أحمد بن حنبل: "عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة"(2) . وروى ابن أبي حاتم الرازي، بسنده عن معنى بن عيسى، قال:"كان مالك بن أنس إذا قيل له: مغازي من نكتب؟ قال: عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة"(3) . وفي رواية أخرى عنه: "فإنه رجل ثقة، طلبها على كبر السن ولم يكثر كما أكثر غيره"(4) .
ولا تعرف نسخة من كتاب موسى بن عقبة هذا، مع أنه سلم إلى القرن العاشر الهجري، حيث نقل عنه الديار بكري - حسين بن محمد - المتوفى نحو سنة 966هـ، في كتابه تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس (5) . وقد نشر المستشرق الألماني سخاو (1845 - 1930م) قطعة من كتاب موسى بن عقبة، في سنة 1904م (6) .
وأما ما كتبه معمر بن راشد، وأبو معشر المدني، فلم يبق منه شيء، إلا ما تناقله المؤرخون من بعدهما. وسأتيك حديث ابن إسحاق.
ومعلوم أن المقصود بمصطلح "السيرة النبوية" هو ما يتصل بسيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، من حيث الحديث عن نسبه الشرف، ومولده ونشأته، وبعثته، وصفاته، وتصرف أحواله إلى أن لقى ربه راضياً مرضياً
(1) تهذيب التهذيب 10 / 361.
(2)
تذكرة الحفاظ 1/148.
(3)
الجرح والتعديل - القسم الأول من الجزء الرابع، ص154.
(4)
الموضع المذكور من تهذيب التهذيب.
(5)
مغازي الواقدي - مقدمة التحقق ص24.
(6)
المرجع نفسه.
بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وترك أمته على مثل المحجة البيضاء. فهذا هو الأصل في مصطلح "السيرة النبوية" لكنه قد استعمل أيضاً مضافاً إليه حديث المغازي والحروب التي خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم، لإعلاء كلمة الله في الأرض، فصار هذان المصطلحان يتعاقبان على موضوع واحد.
فكتاب ابن إسحاق يقال له: السيرة، ويقال له: المغازي، وقد جمع بعض المؤلفين المصطلحين في العنوان الذي اختاره لكتابه، كما ترى في كتب ابن عبد البر، وابن الجوزي، وابن سيد الناس.
على أن هناك بعض الكتب التي تنصرف خالصة إلى السيرة النبوية بمعناها الأصلي الذي ذكرته، وذلك ما عرف بكتب دلائل النبوة، والشمائل، والخصائص.
وينبغي أن يكون واضحاً أن الحديث عن السيرة النبوية والمغازي قد جاء بإفاضة أيضاً في بعض كتب الطبقات، وكتب التاريخ المرتبة على السنين، كالذي تراه في تاريخ خليفة بن خياط، والطبقات الكبير، لابن سعد كاتب الواقدي، وتاريخ ابن جرير الطبري، المعروف بتاريخ الرسل والملوك، وتاريخ عز الدين بن الأثير، المسمى: الكامل، وتاريخ الحافظ عماد الدين بن كثير، الموسوم بالبداية والنهاية.
وهذا بيان أشهر كتب السيرة النبوية والمغازي، واكتفيت فيه بالقدر الذي يطيقه الطالب المبتدئ، ويجد فيه من سار في العلم خطوات تذكرة وبلاغاً إن شاء الله:
1-
سيرة ابن هشام. وهو أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المصري (218هـ) .
وأصل هذه السيرة هو ما وضعه أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يسار المدني القرشي (152هـ) . وقد رواها ابن هشام عن أبي محمد زياد ابن عبد الله البكاني العامري الكوفي (183هـ) ، عن ابن إسحاق (1) .
وقد تناول ابن هشام هذه الرواية التي وقعت له من سيرة ابن إسحاق، بكثير من التحرير والاختصار والإضافة، والنقد أحياناً، والمعارضة بروايات أخر لغيره من العلماء (2) .
ثم لهج الناس قديماً وحديثاً بسيرة ابن هشام، حتى كادوا ينسون واضعها الأول. يقول ابن خلكان:"وهذا ابن هشام هو الذي جمع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المغازي والسير لابن إسحاق، وهذبها ولخصها.. وهي الموجودة بأيدي الناس، المعروفة بسيرة ابن هشام"(3) .
(1) من أهم روايات سيرة ابن إسحاق أيضاً، رواية أبي بكر يونس بن بكير بن واصل الشيباني (199هـ) ، وقد رأيت من هذه الرواية قطعة تقع في سبع وسبعين ورقة، تشتمل على الأجزاء: الثاني والثالث والرابع والخامس (تجزئة قديمة) ، وتاريخ نسخ الجزء الثاني سنة (506هـ) . وهذه القطعة من محفوظات خزانة جامعة القرويين بفاس، وقد صورتها لمعهد المخطوطات بالقاهرة، في رحلتي إلى المغرب الأقصى عام (1395هـ) .
وفي خزانة القرويين أيضاً نسخة من سيرة ابن هشام، بقلم أندلسي نفيس، كتبت سنة (719هـ) ، وبحواشيها معارضات وتقييدات قيمة. والجزء الثالث من نسخة أخرى، بقلم أندلسي عتيق، على رق غزل. وصور ذلك كله في معهد المخطوطات بالقاهرة.
(2)
مقدمة تهذيب سرة ابن هشام، لشيخنا عبد السلام هارون ص11.
(3)
وفيات الأعيان 3/177.
2-
شرح سيرة ابن هشام، المسمى: الروض الأنف والمشروع الروى (1) في تفسير ما اشتمل عليه حديث السيرة واحتوى. لأبي القاسم وأبي زيد عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلى الأندلسي (581هـ) .
وهو كتاب تاريخ وعربية. قال فيه الصلاح الصفدي: "وهو كتاب جليل، جود في ما شاء"(2) . وقال الوزير القفطي: "وتصنيفه في شرح سيرة ابن هشام يدل على فضله ونبله وعظمته وسعة علمه "(3) .
وإني لأنصح كل طالب علم باقتناء هذا الكتاب ومدارسته، وإدامة النظر فيه؛ لما حواه من فوائد في مختل علوم العربية، وبخاصة علم النحو، فإن السهيلي رحمه الله، قد مد فيه يداً (4)
(1) يقال: روضة أنف، بضمتين، بوزن عنق: أي لم ترع، وكذلك كأس أنف: لم تشرب. والروى: بكسر الراء وفتح الواو: أي كثير مرور.
(2)
نكت الهيمان ص187.
(3)
إنباه الرواة 2/162.
(4)
كتب قد علقت من هذا الكتاب العظيم، فوائد، أذكر هنا شيئاً منها، إغراء بقراءة الكتاب كله. فمن ذلك:
الفرق بين النفس والروح. حكم التسمى بأسماء الأنبياء. تعليل لبعض أوجه الحذف في القرآن الكريم. بمعنى المناولة في الحديث. تأويل الاحتجاج بشعر أبي تمام. تحريم إتيان النساء في أبارهن. نقد الخطابي لابن قتيبة فيما أخذه على أبي عبيد في غريب الحديث. هل يصح أن يقال في دعاء الله تعالى: يا سيدي؟
انظر الروض 1/196، 197، 221، 253 - 2/59، 72، 162، 314 هذا، وقد كانت أول طبعة للكتاب بمصر، في مطبعة الجمالية، سنة 1332هـ = 1914م على نفقة مولاي عبد الحفيظ سلطان المغرب الأقصى. ثم طبع بعد ذلك ثلاث طبعات بمصر أيضاً: طبعة عباس الحلبي، منذ نحو عشرين عاماً، وطبعة دار الكتب الحديث (توفيق عفيفي) 1378هـ - 1967م، وطبعة مكتبة الكليات الأزهرية (حسين أمبابي) 1391هـ - 1971م.
وأعلى هذه الطبعات: الطبعة الأولى، عنيت طبعة الجمالية، وقد رأيت منها طبعة مصورة بالأوفست، في باكستان، باسم المكتبة الفاروقية ملتان 1397 - 1977م.
على أني رأيت من الكتاب نسخاً خطية جيدة، تغرى بإعادة تحقيقه ونشره نشرة علمية تليق في المكتبة العربية:
أ - نسخة كاملة في جزئين (243) ورقة، بقلم نسخى جيد، من مخطوط القرن السابع، محفوظة بمكتبة جامعة الرياض.
ب- الجزء الأول من نسخة بقلم أندلسي مضبوط، سنة 586هـ (145) ورقة. خزانة القرويين بفاس.
ج- الجزء الثاني - وهو آخر الكتاب - من نسخة بقلم نسخى نفيس، من خطوط القرن السابع ظنا (177) ورقة، بخزانة القرويين أيضاً.
د- الجزء الثاني - وهو آخر الكتاب - من نسخة بقلم نسخى نفيس، سنة 676هـ (206) ورقات، بمكتبة جامع الروضة بضواحي صنعاء.
هـ- الجزء الثالث - وهو الأخير - من نسخة بقلم نفيس سنة 644هـ (197) ورقة. المكتبة العامة السعودية بالرياض.
وقد صورت هذه الأجزاء كلها لمعهد المخطوطات بالقاهرة، وهناك نسخ أخرى تراها في فهارس المعهد.
3-
مغازي الواقدي - وهو أبو عبد الله محمد بن عمر (207هـ) .
4-
الدرر في اختصار المغازي والسير. لابن عبد البر. أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد النمري (463هـ) .
5-
جوامع السيرة. لابن حزم. أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد (456هـ) .
6-
تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التواريخ والسير. لابن الجوزي. أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (597هـ) .
7-
الاكتفاء في مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء. للكلاعي. أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الأندلسي (634هـ) .
8-
عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير. لابن سيد الناس. أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد (734هـ) .
9-
المغازي. (1)
للذهبي. أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (748هـ) .
10-
السيرة النبوية (2) . لابن كثير - إسماعيل بن عمر (774هـ) .
(1) هو المجلد الأول من كتابه الكبير "تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام" وقد نشر قسم من هذه "المغازي" إلى نهاية السنة السادسة، بتحقيق المرحوم الدكتور محمد عبد الهادي شعيرة، وصدر عن مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية، عام 1975م وفي هذه النشرة اخطأ وأوهام، عرض لهما صديقي العالم البغدادي الدكتور بشار عواد معروف، بالنقد الشديد، في عددين من مجلة معهد المخطوطات بالقاهرة: الجزء الثاني من المجلد الثاني والعشرين 1396هـ - 1976م - والجزء الأول من المجلد الثالث والعشرين 1397 - 1977م.
(2)
استخرجها صديقي القديم الدكتور مصطفى عبد الواحد، من كتاب ابن كثير (البداية والنهاية) . ونشرها في أربعة أجزاء بمطبعة عيسى البابي الحلبي بالقاهرة.
11-
حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار (1) .
12-
سبل الهدى والرشاد في سرة خير العباد. ويعرف بالسيرة الشامية. لأبي عبد الله محمد بن يوسف بن علي الصالحي الشامي (942هـ) .
وهذا الكتاب الكتاب من أجمع كتب السيرة وأوعبها. وقد باشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة طعة عام 1392هـ - 1972م، فأصدر منه ثلاثة أجزاء، ثم توقف، نسأل الله تيسير أسباب نشره كاملا.
13-
إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون. ويعرف بالسيرة الحلبية. لنور الدين علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي (1044هـ) .
(1) طبع أخيراً على نفقة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر - مطابع قطر الوطنية 1403هـ - 1982م. وهذه الكتب التي تطبع على نفقة أهل الخير، وفي بعض المراكز العلمية الوليدة، لا يكاد الناس يعرفون عنها شيئاً؛ لأن توزيعها يكون قاصراً على الإهداء، وبهذا لا تذيع ولا تنتشر. وقد ناديت من قبل بأن يخصص قدر من هذه المطبوعات للبيع عن طريق دور النشر المعروفة.